ندوة حول المسرح الفرجات الشعبية وعلاقتها بكتابات الرحالة العرب والغربيين

ندوة حول المسرح الفرجات الشعبية وعلاقتها بكتابات الرحالة العرب والغربيين

تثمين الثقافة ذات الخصوصية المحلية ببعد عالمي وعبقرية جماعية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

        افتتحت بالمسرح الجهوي أحمد بن بوزيد بولاية الجلفة ( 300 كلم شمال جنوب الجزائر) يوم الاثنين 22 ماي 2023 فعاليات الندوة الفنية والفكرية “المسرح وأشكال الفرجة الشعبية من خلال كتابات الرحالة العرب والأوربيين”، برعاية وزارة الثقافة والفنون من خلال الصندوق الوطني لتطوير الفنون وترقيتها بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح والمعهد العالي لفنون العرض والسمعي البصري ( الجزائر).

وحضر الافتتاح والي ولاية الجلفة ومدير الثقافة ومدير المسرح الجهوي الأستاذ عبد الناصر خلاف والمنسق العام للندوة الأستاذ حميد علاوي وعدد كبير من الباحثين في مجال المسرح بالإضافة إلى الفنانين والممارسين المسرحيين.

   استهلت مراسم الافتتاح بتدشين أربعة معارض فنية ذات الصلة بموضوع الندوة بداية بمعرض ” تجارب فنية” من توقيع الفنانيْن الباحثيْن يوسف لهوازي وناجم شراد، تضمن مختلف الفرجات الشعبية المسرحية في الجزائر، ومعرض للصور الفوتوغرافية للفنان “يوسف شنوف” عكس العادات والتقاليد والتراث الشعبي في الصحراء الجزائرية ولاسيما الجلفة بعنوان ” بصمة أولاد نايل”، وهم قبائل عربية تعيش بالمنطقة لها تراث عريق يعكس عمق أصالتها وانتمائها.

      كما شهد الافتتاح زيارة معرض احتفائي بالمسرحية التجريبية “البعد السابع” للمخرج ” عمار سيمود” التي وظف فيها الطقوس والفنون الشعبية الجزائرية ولاسيما فن العيساوة الذي يجمع بين الرقص الشعبي والطقوس وذلك بهدف توثيق لحظة مميزة من تاريخ المسرح الجزائري المعتمد على الإرث الشعبي وكان المعرض فرصة للجمهور لتذكر اللحظات الجميلة من ذلك العرض المتميز الذي يعود إلى التسعينيات من القرن الماضي.

  • تكريم الفنان صميدة الحكواتي شاعر الكمنجة

       وتم بالمناسبة تكريم الفنان الحكواتي الراحل “أحمد بن فتاشة ” المدعو “صميدة” من خلال إطلاق اسمه على قاعة العروض التابعة للمسرح الجهوي الجلفة حتى يتذكر الوافدون على المسرح هذا الفنان الشعبي الحكواتي الذي كان ينشد ويروي قصصا رائعة وحكايات جميلة في أزقة وسوق مدينة الجلفة مصحوبا بعزف صديقه القندوز على الكمنجة.

وفي كلمته الترحيبية، قدم مدير المسرح الجهوي الأستاذ عبد الناصر خلاف الشكر والعرفان لوزيرة الثقافة والفنون  الجزائرية، د. صورية مولوجي على رعايتها للندوة التي توثق للحظة تاريخية فاصلة بالتركيز على الفرجة الشعبية  في المسرح في الجزائر وعلاقتها بالكتابات الرحلية العربية والغربية، وأشاد باهتمام والي الولاية الداعم للنشاط الثقافي بالولاية وحرصه على تجسيد البرامج الثقافية المسطرة، وشكر أيضا دور الهيئة العربية للمسرح في رعاية الثقافة من خلال دعم الندوة ومرافقتها خدمة للفكر والثقافة وأبزر دور المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري في إنجاح هذه الفعاليات التي ستثمر بكتاب يجمع المداخلات التي قدمت في الملتقى العلمي والمنتدى ليصبح مرجعا للباحثين والمهتمين بأشكال الفرجة الشعبية في المسرح الجزائري.

 من جهته أثنى المنسق العام للندوة الأستاذ حميد علاوي على دور الوزارة والهيئة العربية والمعهد مثمنا هذا التعاون الداعم للثقافة العربية ورعاية المسرح ولاسيما جهود التأصيل بالاعتماد على التراث والثقافة الشعبية ذات الخصوصية المحلية ببعد عالمي وعبقرية جماعية، كما يساهم البحث الأكاديمي حسبه في الحفاظ على التراث الشعبي ونقله للأجيال القادمة وتوثيق التجارب المسرحية.

    وعُرض بالمناسبة شريط وثائقي حول حياة وفن الحكواتي بعنوان( صميدة الحكواتي: شاعر الكمنجة) أبرز رحلة هذا الفنان الشعبي من البدايات البسيطة في بيئته الريفية إلى شهرته الكبيرة وتأثيره الواسع في المجتمع والثقافة المحلية، وتضمن الوثائقي مقابلات مع شخصيات مختلفة قدمت شهادات حول الفنان صميدة عكست جوانب من حياته الاجتماعية والفنية ومكانته المتميزة في المشهد الثقافي ولاسيما في فترة الخمسينيات من القرن الماضي.

 وتحدث مختار كربوعة مخرج هذا العمل الوثائقي عن الصعوبات  التي واجهت فريق العمل خلال جمع المعلومات رغم ندرتها  والافتقار  إلى الصور والأرشيف مما استغرق وقتا طويلا وجهدا كبيرا في الإعداد.

وكرّم والي ولاية زوجة الفنان الراحل “صميدة” تقديرا لجهوده الفنية وحضوره في المشهد الثقافي وفي الذاكرة الجمعية للمدينة، كما كرّم فريق عمل مسرحية “القصة الحقيقية لحورية” للمخرج أحمد خوذي بمساعدة المخرج عبد الحليم زدام. واستمتع الجمهور بمشاهدة هذا العرض الذي أنتجه المسرح الجهوي الجلفة في إطار الاحتفال بستينية استقلال الجزائر، وعالجت المسرحية موضوع الحرية والتضحيات الجسام التي قدمها الجزائريون في سبيل تحرير بلادهم من نير الاستعمار الفرنسي مبرزة على وجه الخصوص دور المرأة في معركة التحرير الوطني.

  • الملتقى الفكري: عروض من عمق الأصالة الشعبية في ميزان النقد

      وخصص اليوم الثاني من الندوة للملتقى الفكري الموسوم ( المسرح والفرجة الشعبية بالجزائر في الكتابات الرحلية العربية والغربية) على مدار جلستين ، تضمنت الجلسة الأولى التي رأستها الدكتورة الخامسة علاوي رئيسة اللجنة العلمي للملتقى الفكري، ثلاث مداخلات تداول عليها كل من عبد الحميد ختالة بتقديم محاضرة موسومة (الحلقة وصناعة الفرجة: التمرد على نسق العرض) و الدكتورة مريم براهيمي بمحاضرتها (أشكال الفرجة الشعبية بمنطقة الجلفة) وختمت بمداخلة الأستاذة جميلة الزقاي التي تعرضت لموضوع تمثلات الفرجة المسرحية قبل بزوغ فجر المسرح في الجزائر عبر أدب الرحلة الغربي.

 وأثارت هذه المداخلات الكثير من النقاش حول استلهام التراث الشعبي وعلاقة المسرح بأدب الرحلة ولاسيما الوقوف عند نظرة الآخر من خلال الكتابات الرحلية وهو ما يحتاج إلى كثير من النقد والرد حسب المتدخلين والمحاضرين على حد سواء .

وأدار الجلسة الثانية البروفيسور حميد علاوي وقدم خلالها  الدكتور قدور حمداني محاضرة حول الفرجة الشعبية الجزائرية في كتابات الإسباني فيراي ديغو دي هايدو، وكشف بالصور عن فرجات جميلة أبدعها المواطن الجزائري خلال الفترة الاستعمارية  كمقاومة للآخر ولاسيما المستعمر الفرنسي. من جهته تحدث الباحث أيوب عسلي من جامعة تيارت عن رحلة عربية تجاه الجزائر ذات صلة بالمسرح من خلال “رحلة الربيع إلى الجزائر” لشريف حتاتة والذي التقى خلالها بعدد من المسرحيين الجزائريين ونقل أجواء المسرح الجزائري في فترة الستينيات.

من جهته قدم الأستاذ نوال براهيم محاضرة حول “فن الايراد” الشعبي بمنطقة بني سنوس بالغرب الجزائري معتبرا هذا العرض الشعبي مسرحا قائما بذاته وليس شكلا شبه مسرحي كما يروج الكثير من الباحثين.

وختم الجلسة الأستاذ عبد الناصر خلاف حول طقس شعبي هو “عيد الفول” الذي يعد تقاطعا مثيرا بين الثقافة الشعبية الزنجية والثقافة الجزائرية في عرض بالصور عن كرنفال متميز يقدم على شاطئ مدينة الجزائر يمتزج فيه الرقص والتمثيل والتضحية بثور أسود في مشاهد فرجوية نادرة.

وقدم الأستاذ يخلف عبد السلام عرضا بالصور عن طقس قديم بمدينة قسنطينة العريقة بعنوان( زردة النسور وليمة سيدي مسيد) التي يختلط فيها الطقس بالدين والأسطورة ويشكل ذاكرة ثقافية وانثربولوجية لسكان المنطقة.

     وقد أثارت المداخلات العديد من الأسئلة حول أهمية العودة إلى الطقوس والعادات والممارسات لاستلهامها في العروض المسرحية لتكون الثقافة الشعبية جسور عبور بين الأجيال المختلفة في الإبداع المسرحي.

    وشهدت الفترة المسائية من اليوم الثاني جلسة ترأسها الأستاذ ميلود حميدة تم الاستماع خلالها إلى الشهادات الحية عن التجارب المسرحية الشعبية بمنطقة الجلفة مثل فن الحكواتي تداول على إلقائها كل من الأستاذ شعتان الشيخ، مبروك بن فتاشة أحمد بوخلخال، مويسة محمد وحميد غانم، وقدمت تلك الشهادات الغنية صورا وافية عن واقع الثقافة والفرجة الشعبية التي عبرت عن تطلعات الإنسان في فترة شهدت الكثير من التحولات السياسية والاجتماعية.

ــــــــــــــــــــ

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …