مهرجان المسرح الحرّ يستعرض تجربة الأردني حسين نافع

بمجرد عودته إلى الانعقاد بعيدا عن قيود التدابير الصحية، اختار مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي أن يعرض أعمالا مسرحية ولدت من رحم المعاناة الإنسانية المشتركة، لكنه لم ينس أيضا واحدا من أهم المسرحيين الذي غادر عالمنا تاركا لنا إرثا فنيا مهمّا حاول من خلاله سبر خبايا النفس البشرية.

عمان – يحتفي مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي في الأردن بالمسرحي الراحل حسين نافع (1964-2022) الذي توفي في شهر فبراير الماضي، أحد أهم الفنانين المسرحيين الأردنيين والعرب والذي يعتبر من أبرز الوجوه التي أحدثت تغييراً في الفنّ المسرحي الأردني.

وانطلقت فعاليات الدورة السابعة عشرة من المهرجان بعرض لمسرحية “الآخر”؛ آخر أعمال المخرج الأردني الراحل، في المسرح الرئيسي بالمركز الثقافي الملكي بعمان.

و”الآخر” مسرحية عرضت لآخر مرة في العام الماضي عن نص للكاتب والفيلسوف الوجودي الإسباني ميغيل دي أونامونو، من تمثيل أريج دبابنة وإنجي لكود، وسينوغرافيا محمد المراشدة ومكياج وفاء الزعبي، وفيها نظرة عميقة للذات البشرية بجانبيها الأنا والآخر من منظور فلسفي.

علي عليان: المهرجان يعود إلى استقطاب أبرز الأعمال بعد الجائحة العالمية

ويتناول العرض المسرحي في ثيمته الرئيسية رحلة البحث عن حقيقة الإنسان داخل نفسه وازدواجية الذات الإنسانية وانقسامها بين الكثير من القيم والمبادئ والمعايير، بالإضافة إلى حالة التمزق الداخلي التي يعاني منها الإنسان الواعي في البحث عن الحقيقة، كما تتناول إشكالية الأنا والآخر وحالة التكامل أو الصراع الأزلية بينهما.

والعرض الذي يأتي نصه المنطوق بتعبيرات مركبة وفلسفية يستعيد صراع الخطيئة الأولى لشخصيتي هابيل وقابيل وإسقاطه على التاريخ الإنساني إلى يومنا هذا وحضور المرأة فيه، إضافة إلى سبر العمق الشعوري والنفسي الإنساني.

ويبرز العرض الذي شاركت فيه الفنانة أريج دبابنة بتجسيد شخصية الرجل/ الآخر والممثلة إنجي لكود، ثنائيات الخير والشر والإضاءة والظل بإحالاتها والرجل والمرأة.

كما جسّد العرض الصراع الأزلي والمستمر بين الذكر والأنثى، لفرض كل منهما هويته على “الآخر”، في سلسلة من المشاهد الدرامية الموحية التي يربطها خيط من الشعور المتدفق بالحزن والفرح والسعادة والتوتر والأمل والنشوة وغيرها من المشاعر المختلطة، التي تجسد شعور كل جنس تجاه الآخر، ووطدت المفاهيم الجندرية الحديثة، في إطار درامي تجريبي معاصر.

وكانت المسرحية نتاج مشروع “الجسد والهوية” بدعم من المعهد الفرنسي بمصر. وهو أحد مشروعات مجموعة مغاير للفنون الأدائية بالشراكة مع مؤسسة تنويرة للتنمية الثقافية، ومؤسسة انعكاس للفنون والتدريب والتنمية، ومركز ريزودانس.

وبالإضافة إلى عرض الافتتاح، تحمل جائزة الإخراج المسرحي الخاصة بالمهرجان، ابتداءً من هذه الدورة، اسم “جائزة المخرج حسين نافع لأفضل إخراج مسرحي”، وذلك “تكريماً لمسيرة المخرج الراحل ودوره في إثراء الحركة المسرحية الأردنية”، وفق اللجنة العليا للمهرجان.

جائزة الإخراج المسرحي في المهرجان تحمل ابتداءً من هذه الدورة، اسم “جائزة المخرج حسين نافع لأفضل إخراج مسرحي”

يشار إلى أن الراحل حسين نافع وُلد في الزرقاء العام 1964، ونال شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة اليرموك العام 1987، وهو عضو نقابة الفنانين الأردنيين، وقدم عبر مسيرته الفنية العديد من المسرحيات، منها: “سالومي”، و”قبعتان ورأس واحد”، و”الإسكافية العجيبة”، و”بيت برناردا ألبا”، و”ماريانا”، و”عرس الدم”، وآخرها مسرحية “الآخر”.

وفي حفل انطلاق الفعاليات الذي رعاه أمين عام الوزارة هزاع البراري، أكدت رئيسة اللجنة العليا للمهرجان أمل الدباس وجود عقول متفتحة ومتنورة قادرة على إرساء طريق مسرحي مليء بالورود، تسعى وتسهم في ترسيخ التجارب الفنية المسرحية الأردنية وإعلائها.

وأشار مدير المهرجان الفنان علي عليان، إلى أن المسرح هو دواء للعقول والخيال، يلمع كبرق مسكون بجمال المهارات، فتهبط وتصعد وتقفز وترقص وتغني وتجسد وتدخل إلى العمق متماهية مع الفكرة.

وبيّن عليان أن مهرجان المسرح الذي يعود إلى استقطاب أبرز الأعمال المسرحية الأردنية والعربية، يعود بقوة هذا العام بعد عامين من التحايل على الظروف الصحية بسبب جائحة فايروس كورونا المستجدّ.

بدوره، وصف نقيب الفنانين الأردنيين المخرج محمد يوسف العبادي، المسرحيين الأردنيين بأنهم نرجسيون في عشقهم للمسرح، وقال: “شواهد الوفاء ما زخُرت به ساحتنا الفنية من مهرجانات مسرحية متتالية، فالمسرح والفنانون الأردنيون صنوان لا ينفصلان، عمرهما واحد وامتدادهما واحد وعلاقتهما علاقة الحدقة بالعين”.

وتضمن حفل الافتتاح، أيضا، لوحات فنية وموسيقية، شارك فيها الفنانون: هاني الخالدي ومرام أبوالهيجاء ورناد ثلجي، إضافة إلى غناء لكورال المعهد الوطني للموسيقي لفرقة “كورال صول” بقيادة الفنانة بيسان كمال وإبراهيم الهرباوي.

وكرم المهرجان الفنانين الأردنيين: نصر الزعبي، وناريمان عبدالكريم، والدكتورة رولا جرادات، تقديراً لإسهاماتهم العديدة في إثراء الحركة المسرحية.

ويعرض المهرجان ضمن المسار الدولي، مسرحيات: “أنكاريا” الكويتية من إخراج محمد الأنصاري، و”بث تجريبي” التونسية من إخراج معز القديري، و”الروح الأبدية” الأردنية من إخراج كرم الزواهرة، و”كلب الست” الفلسطينية من إخراج فراس أبوصباح، و”أنا كلاوديوس” السورية من إخراج داوود أبوشقرة.

وضمن المسار الشبابي، اختارت إدارة المهرجان ثلاثة أعمال لمخرجات أردنيات شابات، حيث تعرض مسرحيات: “الدرس” من إخراج علياء باكو، و”كاسيت شرقي” من إخراج دانا أبولبن، و”التماثيل الزجاجية” من إخراج آلاء النهار.

Thumbnail

فيما تعرض مسرحية “قطار الباقورة” الأردنية من إخراج إياد الريموني خارج المسابقات الرسمية للمهرجان.

وتكونت لجنة المشاهدة وضبط الجودة من المخرج فراس زقطان والمخرج فراس المصري والمخرج إياد شطناوي، وهي التي اختارت العروض المسرحية المشاركة.

وتتنافس المسرحيات المشاركة على جوائز “ذهبية المسرح الحر لأفضل عمل متكامل” وجائزة “السينوغرافيا/ الصورة البصرية” و”جائزة “لجنة التحكيم الخاصة”، وجائزة “ذهبية الفنان ياسر المصري لأفضل ممثل” وجائزة “أفضل ممثلة”.

وتتألف لجنة تحكيم الأعمال المسرحية من السينوغراف الأردني محمد المراشدة رئيسا، وعضوية الفنانة سماح قسوس من الأردن والفنان طارق صبري والفنانة لقاء سويدان من مصر والفنانة آسيا كمال من العراق.

من الجدير بالذكر أن المهرجان تنظمه جمعية فرقة المسرح الحر، التي تأسست في بداية عام 2000 في عمّان، كمشروع يقدّم إنتاجات مسرحية وسينمائية ويُقيم مشاريع فنّية وتسعى إلى التنمية المستدامة ومد مشاريعها إلى الأطراف وتقديم إنتاجاتها المسرحية في مختلف مناطق المملكة وخصوصا المناطق النائية خارج المدن الرئيسية.

وكان المهرجان قد خصص دورته السابقة التي عقدت في العام الماضي للمشاركة الشبابية المحلية لإبراز إبداعات الشباب المسرحيين الأردنيين والاهتمام بهم ورعايتهم وتنمية قدراتهم وتشبيكها مع الحالة المسرحية المحلية والعربية، من خلال استضافة بعض العروض العربية.

https://alarab.co.uk/

 

 

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.