من تجارب المسرح المعاصر حصان الحرب

كريس ويغاند :

كانت الحرب العالمية الاولى من أبشع مواجهات التاريخ العسكرية، هلك فيها نحو 15 مليون انسان وما يقرب من المليوني حصان؛ إذ كان الحصان الوسيلة المعتمدة للهجوم القريب ونقل التموين. كتب «نيك ستافورد» النص المسرحي مقتبسا من كتاب «حصان الحرب» لـ»ميشيل موربيرغو»، المنشورة عام 1982. تروي القصة تجربة الحصان «جوي»؛ الذي ابتاعه الجيش للخدمة اثناء الحرب العالمية الاولى في فرنسا، ومحاولات صاحبه السابق «البرت» استعادته سالما. هذه القصة كانت اساسا للمسرحية (الحائزة لعدة جوائز) التي بدأ عرضها عام 2007، والفيلم السينمائي الشهير عام 2011. 

كتب ستافورد سابقا مسرحيات تتضمن وجود الدمى (puppets)، لكن «حصان الحرب» كانت مختلفة؛ اذ لم يكن بالامكان التكهن عن تفاعل الجمهور مع «حصان يحركه البشر» على المسرح، وهو الشخصية الرئيسة.. وقدمت شركة «هاندسبرينغ» المتخصصة بصناعة الدمى المسرحية (ومقرها جنوب أفريقيا) تجسيدا متميزا لشخصيات الخيول المطلوبة. 

رشح العرض لجائزة «لورنس أوليفييه» لأفضل مسرحية جديدة 2008، وحاز خمس جوائز «توني» لأحسن مسرحية. يرى كاتب النص أن تزامن القصة الجيدة مع الابداع الذي قدمته دمى «جوي» و»توبثورن» (وكلاهما من الخيل) قاد لنجاح العمل، الذي كانت قصته موجهة أصلا للقراء الشباب. .

فاجأ الحصان «جوي» الجمهور بظهوره على المسرح، وكان العرض متناغما بحيث نسي الحضور انه ليس حقيقيا. فكيف نقلت اجواء الحرب وبحث البرت عن حصانه بتفاصيل مقنعة على المسرح؟ كان التحوير الأول نقل رواية الاحداث من منظور البطل (الحصان جوي) كما ورد أصلا، الى حوارات الممثلين وحركتهم. 

اصبح الحصان جوي مركز الدراما المسرحية؛ واستدعى التصميم قيام شخصين بتحريكه (من داخل الدمية) وثالث من الخارج. يحرك الاول الرأس والاذنين، والثاني- الأرجل، بينما يحرك الثالث- الذنب. كان باستطاعة الجمهور رؤية محركي الدمى بوضوح؛ لذا ارتدوا ملابس تحاكي باقي الممثلين. وتجمعت جهودهم فصار بإمكان الحصانين أن يتحركا بسلاسة ويعدوان، ويحملا ثقل راكب بالغ (أثناء العدو)، والتنفس وتحريك الآذان وهز الذيول والصهيل والشخير! 

دمى على المسرح

استخدمت الدمى مسرحيا منذ آلاف السنين، وتراوحت بين الحجم الصغير (بالكف والاصابع)، والمحمولة على عصا او المتحركة بالخيوط، حتى الحجم الطبيعي (أو أكبر) ومسرح خيال الظل والصور. ظهرت الدمى في المسرحية بعدة اشكال: المهر جوي ثم الحصانين البالغين، والجنود والطيور. هنا كان الحصان بالحجم الطبيعي، لكنه يحوي ايضا قضبان وتراكيب آلية تسهل الحركة. تسميها الشركة: الدمى الاتصالية؛ لان تحريكها يعتمد كليا على حركة اليدين. وهو يقارب اسلوب «بونراكو- Bunraku» الياباني التقليدي لتحريك الدمى المسرحية؛ التي يحركها عادة ثلاثة اشخاص ظاهرين؛ لكن الحصانين هنا أطول بكثير من الدمى اليابانية (التي تقارب المتر الواح

د طولا). 

احتاج خلق الجو المسرحي لفريقٍ من المخرجين والممثلين والكتاب ومصممي ومحركي الدمى ومصممي الديكور والازياء والاضاءة والموسيقى والصوت والمؤثرات الخاصة.. من التحديات التي واجهها الفريق (على خشبة مسرح واحدة): تقديم قرية انكليزية من مطلع القرن الماضي ثم ساحة حرب فرنسية، واظهار الجنود والخيول والمعدات الحربية تتقدم من الشاطئ، وتمثيل هجمات المدفعية والمشاة. قدم العرض الحد الأدنى من الديكور المسرحي، تاركا المساحة المفتوحة لحركة الدمى، وتكفلت الخلفيات البارزة المرسومة يدويا والقطع المتحركة بتقديم صورة المكان المطلوب. كانت الاضاءة في مشاهد القرية دافئة تحاكي اشعة الشمس، بينما جاءت قاسية ومليئة بالظلال في ساحة المعركة. وكذلك ظهر التناقض صوتيا؛ بين اصوات العصافير في القرية وأصوات القنابل في الحرب. تحمل محركوا الدمى العبء الأكبر (فنيا وجسديا)؛ اذ حركا الحصانين لساعات، وحملا ثقل راكب على ظهره احيانا.

رؤية مسرحية

قال الكاتب «موربيرغو»: «حينما طرِحت مسألة تحويل الكتاب لمسرحية، كان اول ما تبادر لذهني تقديم الحصان بطريقة البانتومايم (الايماء الصامت)؛ وقلت لنفسي: ما هذا السخف؟». لكن النتيجة كانت مبهرة.. قدمت المسرحية ما يزيد عن ثلاثة آلاف عرض، شاهده نحو 2.7 مليون شخص في لندن، وأكثر من سبعة ملايين حول العالم.

يقول المخرج «توم موريس»: «بدأنا بدراسة حركات الحصان بالتفصيل، وحاولنا احيانا وضع أنفسنا في موقف الحصان لنعرف كيف سيفكر..». دعي الكاتب مرارا للمشاركة في تمارين الاداء والانتاج المسرحي، وقدم رأيه حول التغييرات المقترحة. لكن الرؤية المسرحية حرصت على تقديم وجهة نظر الكتاب الأصلي؛ ولعل تجربة الحصان جوي في ساحة الحرب ومواجهة أهوالها كانت الاكثر صدقا لما كتبه موربيرغو. كما ان استخدام الدمى بهذه الطريقة جعل المسرحية اكثر قربا لجمهور المسرح من أصل الرواية الموجهة للشباب. 

افتتحت المسرحية في لندن عام 2007، وعرضت في برودواي وتورنتو واستراليا وبرلين وهولندا وجنوب افريقيا والصين. توقفت عروضها في لندن عام 2015 (بعد 7 سنوات وارباح فاقت 19.5 مليون دولار)، على ان تبدأ جولة في المدن البريطانية عام 2017، تنتهي تزامنا مع الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الاولى. 

——————————————————————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – ترجمة – مي اسماعيل – الغارديان البريطانية   – الصباح

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *