مسرح عالمي : حدائق الحيوانات الزجاجية وفرانكيشتاين.. استناداً إلى سيرة كاتبها تينيسي وليامز الذاتية

ترجمة: عادل العامل

تتجلى هشاشة عنوان “حدائق الحيوانات الزجاجية ” عبر مسرحيته الشبيهة بسيرته الذاتية وبشكل خاص، من خلال شخصية لورا الرقيقة الهشة (التي تقوم بدورها كيت أوفلين). وهي تتّسم بالخجل الشديد وذات قدم ملتوٍ، فانسحبت من العالم الخارجي، ولم تعد تغادر الشقة التي تعيش فيها مع أخيها الشاعر الكاتب الطموح توم (مايكل أسبير) وأمها الحسناء الجنوبية أماندا (شَيري جونز)، كما جاء في هذا العرض النقدي لنيل نورمان. 

وقد هجر زوج أماندا العائلة قبل سنوات وهي تقضي أيامها الآن مسترجعة في ذهنها معالم شبابها المضيئة، مثل الرقص في مرقص الحاكم في جاكسون، بينما تحاول أن تجد “طالباً شهماً” ليد ابنتها لورا. وحين يُقنع توم صديقه جيم (برايان سمث) بأن يأتي إلى البيت للعشاء، يكون المشهد معدّاً لمواجهة سهلة التصدع كوحيد قرن لورا الزجاجي المدَّخر، وهو الحيوان الأخير غير المحطم في مجموعتها.

ويجلب جون تيفاني بعضاً من السحر المحيّر لهذه القصة المؤثرة الذي صنعه لمسرحيات هاري بوتر. وتبدأ المسرحية، التي تُعرض على مسرح غرينوتش حتى 25 آذار الحالي،  بتوم وهو يُقدم السرد الافتتاحي ويسحب بعد ذلك لورا خارجاً من داخل أريكةٍ وكأنها يؤتى بها إلى حياتها وهي تتمنّع. وإذا كان النصف الأول يستغرق وقتاً قليلاً ليسخن، فإن الانتاج يحلّق بعد فترة فاصلة حين يسحب جيم لورا ببطء إلى خارج قوقعتها ويقدم لها بشكلٍ عفوي أملاً في السعادة.

ولم أعد أستطيع أن أتذكر عدد المرات التي شاهدتُ فيها تكييفات الرواية القوطية الشهيرة للكاتبة الانكليزية ماري شيلي (1797 ــ 1851). فقد كانت هناك أفلام سينمائية، وأخرى تلفزيونية، بل وباليه، مستلهَمة جميعاً من قصة الرجل الذي خلق وحشاً، (فرانكينشتاين). ونسخة المسرح هذه، التي كيّفها جون جينمان لمسرح بلاكيد، لها خصوصيتها. فوحش فرانكينشتاين هنا مصوَّر بدمية متحركة ذات حجم طبيعي. والإعداد هو البساطة نفسها مع القليل من الأشعة وقماش الأشرعة المائج ليمثّل السفينة العالقة في الجليد في القطب الشمالي ــ حيث تبدأ القصة وتنتهي.  وتؤدي تأثيرات الإضاءة، والموسيقى، والصوت إلى خلق حياةٍ على المسرح عن طريق النقر بدءاً من صوت تصدع الجليد إلى طقطقة الرقبة، وهو ما يضيف تحفيزاً للخيال. كما أنها تخدم أيضاً كمنبر للمؤدين الخمسة الذين يقومون بأدوار متعددة، إضافةً إلى تشغيل المخلوق الاستثنائي أو الغريب الذي أنجزه صانع الدمى إيون ستون، المرادف الواقعي لفكتور فرانكينشتاين (العالم الذي خلق الوحش في رواية ماري شيلي). 

ويستخلص النص المنظَّم على نحوٍ جميل، العناصر الجوهرية للقصة التي ينتهي فيها فكتور، المبتلى بالشعور بالذنب لخلقه الوحش، إلى التخلي عنه فيدبّر الوحش مكيدة للانتقام منه. كما أن النص يسلط الضوء على نزاعات الشخصيات وطموحاتها المشتركة، وبشكل ملحوظ قبطان السفينة عديم الأصدقاء روبرت وولتون (آشلي سين كوك) وفكتور فرانكينشتاين (بين وورويك) الذي يحكي له قصته بعد إنقاذه من الجليد القطبي.

ويمكن القول إن، العلاقة ذات الطرق الثلاث بين فكتور، وأليزابث ” الأكثر من أخته ” (وتقوم بدورها لارا كووين) وصديقه الحميم هنري كليرفال (ماكس غالاغر) علاقة مقنعة كلياً، كما هي حال المخلوق ذاته من أول تنفس تجريبي له حتى عنف انتقامه المكروب. وإن هذا العمل المسرحي، الذي يعبّر عنه صوتياً لويس لابوفتش ويتعامل معه اثنان أو ثلاثة من الممثلين، عمل يتّسم بالرعب، والإثارة التي كانت ماري شيلي ستحبهما بالتأكيد.

وأخيراً فإن “حدائق الحيوانات الزجاجية ” هذه، في الأصل، مسرحية من خمس شخصيات كتبها تينيسي وليامز، وعُرضت أول مرة عام 1944 فحققت لوليامز الشهرة. وتتميز المسرحية بعناصر قوية من سيرته الذاتية، مصورةً شخصياتٍ تستند الى الكاتب نفسه، وأمه المضطربة، وأخته الهشة ذهنياً روز. وقد اعتمد وليامز، في كتابته للمسرحية، على قصة قصيرة مبكرة له وعلى مخطط مسرحي كان قد كتبه تحت عنوان “The Gentleman Caller”.  

————————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية –  المدى

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *