مسرحيه “قلب الحدث” لمهند هادي في مالمو : عواد علي

المصدر : محمد سامي موقع الخشبة

بعد مرور ثماني سنوات على عرض مسرحية “قلب الحدث” يعيد مؤلفها ومخرجها العراقي مهند هادي عرضها في مدينة مالمو السويدية ابتداءً من يوم الجمعة 4/ 9/ 2017.
تتمحور موضوعة المسرحية حول ثلاث شخصيات: مدمن حبوب مخدرة، بائع جرائد، وامرأة تُقتل في تفجير إرهابي وهي داخل سيارة، ثم تعود إلى الحياة، في لعبة درامية فانتازية افتراضية لتكشف عن ذواتها، همومها وأحلامها وإحباطاتها ومواقفها، والتحديات الوجودية التي عاشتها قبل موتها.
يشترك العرض مع عرض هادي السابق “حظر تجوال” في أن شخصياته من تلك الشريحة المسحوقة تحت وطأة المعاناة اليومية في واقع مترع بالخوف من القتل والفوضى والدمار صنعه الاحتلال وشريكه الإرهاب، لا لشيء سوى أن هذه الشخصيات الثلاث تبحث عن الخلاص من تلك المعاناة، وتريد أن تحيا حياةً إنسانيةً كريمةً، لكن رحلة البحث عن الخلاص تتحول إلى رحلة صوب المجهول في مدينة صار الموت المجاني فيها سيد الموقف، يتربص بتلك الشخصيات وبآلاف مثلها في المنازل والشوارع وأماكن العمل والمدارس ودور العبادة…، فليس ثمة فضاء آمن إلاّ ما ندر، بحيث يغدو بقاء الإنسان على قيد الحياة محض مصادفة عبثية.
يستهل المخرج هادي العرض من قلب الحدث: صافرات الخطر تقترب، وتخترق جدران القلوب بضجيجها الذي بات مألوفاً، وحين يدخل المتلقون إلى قاعة العرض يكون الفعل على الخشبة قد بدأ. خليط من الأصوات في المدينة: ضجيج السيارات، هدير الطائرات المقاتلة، وحركة المارة وشخصيات المسرحية، يعطي انطباعاً بأن المتلقي إزاء حركة يومية تتكرر وتحدث كل يوم، ثم لا تلبث أن تتغير هذه الحركة إلى فعل مسرحي، كان واضحا على أداء الممثلين، يشير إلى محاولة الشخصيات التراجع وتغيير مواقفها. من أوضح ملامح ذلك الأداء حركة المدمن (مثّله سمر قحطان) في تقدمه الى الإمام وتراجعه، وحركة بائع الجرائد (مثّله فلاح إبراهيم) ورفضه بيع إحدى الصحف، والحركات السريعة القلقة التي تقوم بها المرأة) أدّت دورها آلاء نجم).
في سياق الكشف عن العوالم الداخلية للشخصيات بين لحظة اتخاذ قرار التغيير ولحظة الانفجار، كان الزمن هو المحور الأساس الذي لعب عليه المخرج، وشكّل على أساسه سينوغرافيا العرض، موظفاً مفردة الكلاكيت في قطع المشاهد، والتحول من شخصية إلى أخرى، والانتقال من الماضي إلى الحاضر وبالعكس في أثناء سرد الشخصيات لوقائع حياتها السابقة للحظة الانفجار، تلك اللحظة الرهيبة التي شكلت حافزاً فنياً ووجودياً لأن تكشف عن همومها الاجتماعية وعوالمها الداخلية، والعلاقات التي تربط بعضها ببعض. فالرجل المدمن الذي خرج ولم يعد، كما ورد في برنامج المسرحية، كان قد قرر، في لحظة مراجعة للذات، أن يوقف ذلك الظلام الذي يلفّ بصره وبصيرته. المرأة قررت مغادرة بيتها وترك زوجها السكير والحياة الخانقة التي تعيشها، وبائع الجرائد قرر أن يكون ذلك اليوم يومه الأخير في بيع الجرائد، لكن الإرهاب كان أسبق إليهم من التغيير، فتلقفهم ذلك الوحش المفاجئ، الانفجار الانتحاري الذي كان يتربص بهم ليغتال المستقبل الذي كان يمكن ان يكون كل واحد منهم فيه إنساناً آخر. ما بين لحظة اتخاذ قرار التغيير ولحظة الشعور بالنهاية، يأتي اكتشاف القاتل المندس وهو الشخصية الرابعة في المسرحية التي مثّلها المخرج نفسه بين طيات حياتهم اليومية، ذلك السارق لأحلامهم الإنسانية البسيطة، وصاحب الوجه الأصفر الشبحي الميت والمميت، يدخل إلى الحدث ليبث الرعب والشك في نفوسهم، فيجعلهم يتخبطون في حيرتهم: من يكون المجرم الذي فجرهم؟ ربما هو واحد منهم. وذلك واحد من أساليب الإرهاب في زعزعة ثقة الناس بعضهم ببعض(2).
إن المفردة الوحيدة والمهمة التي ميّزت هذه الشخصية، ودعمت وجودها على خشبة المسرح هي “حقيبة السفر”، وقد حوّلها المخرج من علامة تقليدية تشير إلى أن حاملها مهاجر أو لاجئ عائد إلى الوطن، إلى علامة تشير إلى أن حاملها تاجر موت جاء من خارج الحدود (وهو وجه آخر للمحتل). وفي سياق آخر تنتقل هذه العلامة إلى مظهر دلالي ثانٍ حين يحملها سياسي فاسد، أنيق الشكل، هارب إلى الخارج، وقد حشاها بـ”غنيمته” من المال العام المسروق، الذي سيمنحه عيشاً مرفهاً، ويبعده عن شعب أرهقه الجوع والألم(3).

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *