مسرحية “نحن هنا “عمل مسرحي استثنائي مدهش اعتمد اسلوب السهل الممتنع في خط سير الاحداث وتصعيد افعالها الدرامية  

المسرحية اقتربت من الكوميديا الهادفة في النقد السياسي والاجتماعي..

 ثائر القيسي – دائرة السينما والمسرح-  مجلة الفنون المسرحية 

قدمت فرقة السراج المسرحية للمكفوفين بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح و على خشبة المسرح الوطني مساء يوم الجمعة المصادف ٤-٥-٢٠١٨ مسرحية (نحن هنا) حملت العديد من الرسائل الانسانية الجمالية وعبر وسائل ايصال حسية تفوقت على كل المرئيات والملموسات المتعارف عليها في الاداءات المسرحية التي شاهدنا فيها الممثلين وهم يتقاسمون المساحات باتصال لصيق مع احداثيات المكان المسرحي ..اذ شاهدنا اليوم منعطفا اسلوبيا في تجسيد الرؤية الاخراجية فوق ما تحتمله حتى الاشعة فوق الحمراء وهي تنشر اضوائها فوق الاماكن الخافية عن الابصار من حيث ما ارسله الممثل المكفوف وهو يتعامل مع بقع المساحات وانه لشيء مدهش حين تتفاعل الشخصيات الموكل اليها مع مهمة تأدية الادوار ضمن عناصر العرض الاساسية ..الصوت ..الحركة ..الفعل لمتلىء الفضاء المسرحي بمؤثرات شعورية تدفقت كالبركان من قمة جبل شاهق ، فشاهدنا في الاستهلالي وعند رفع الستارة صورة تغريبية بموحيات الضوء العاكس لخيالات الظل فيما وراء العمق المسرحي وباستخدام الموسيقى الملحمية التي خيل الينا ان وراء هذا المشهد البريختي أساطير تقصها علينا ميثولوجيا العراق الغائر بقدم التاريخ وحكايات الرموز التي فقدت ابصارها ولكنها تركت بصماتها على مسارات الحضارات المتعاقبة ،وكانت خشبة المسرح الوطني لحظتها اكبر واعمق مما عرفناها حين احتوت اقاصيص الحضارة السومرية والبابلية والاكدية بما تعنيه من فكر انساني اغرق العالم القديم بمعطياته المعرفية بدءا من الحرف الذي ابتكره العراقيون القدماء .

كان هذا العرض في مشهده الاول بمصاحبة الراوي الذي كان يتنقل بين الشخوص باشعاره الدالة على ثيمات العرض وبالقائية جمالية اضفت على الحوار ابهارا بما بثه من صور تلاعبت بمشاعرنا وقلبت جوارحنا ونحن نشاهده يملىء المساحات ..

وفي المشهد الثاني تول العرض همومنا المعاصرة وانزل عناصره الادائية في مختلف فئاتهم الاجتماعية لتبدأ من هنا حكايات رمت بحجرها في مستنقع الفساد الضارب اطنابه في اعماق الدولة والمجتمع وباسلوب فكهي ونقدي جميل لوضع الفساد والمفسدين في زاوية من زوايا العتمة بقصد التعبير عن العمى الحقيقي حين تفسد الارواح والقلوب والعقول وبصبح الوطن بين ايدي المفسدين ككرة ثلج يفتتونها وهم يتقاذفونه حتى اسقطوا انسانه في احابيل اليأس والفقر والجهل لكن الصراع الاهم تجلى في دفع اسمى علاقة حب بين مكفوقين يتصلان مع بعضهما بسيمياء حسية ابتعدت كليا عن الرؤى البصرية للعين وغارت في مشاعر هي الاكثر تأثيرا بنا كمتلقين وكأن المخرج اراد من خلالهما تأسيس معادل موضوعي بي الحب والكره كمسلمتين من مسلمات الصراع على ارض الواقع لينتصر الحب لانه ولد من رحم الحس ووجياته المحمومة وكانت شخصية ضياء الحبيب ونور الحبيبة اللذان اغرقا الفضاء المسرحي بتغريدات حواريهما بتجل ساحر يقابلهما والد نور الذي كان يرفض فكرة زواج ابنته من ضياء بحجة ان كلاهما كفيفان متناسيا صدق المشاعر بينهما وصفاء قلبيهما المتصلات خارج مساحة الرؤية وفي انتقالة للمشهد الثالث دفع المخرج بعنصر اخرا من عناصر الفساد وبرمزية عبرت عن الجهل الذي اصاب المجتمع جراء تدني الوعي الاجتماعي والايمان بالله وبالمنطق من خلال شخصية الفتاح فال واسلوبه في الدجل الديني واستغلال الذكر الحكيم لكتاب الله في تمرير مارب شيطانية لاستغلال البسطاء والسذج من الناس وهي اشارة اخراجية لنقد الظاهرة الدينية المتطرفة .

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *