مسرحية مانيكانات حكاية الضحية والجلاد – العراق

مسرحية مانيكانات

حكاية الضحية والجلاد

احمد جبار غرب

قدم الفنان والمخرج المسرحي المغترب فاروق صبري عرضا مسرحيا على شكل المينودراما التعاقبية مابين الإبطال بعنوان (المانيكانات) للفترة من 26 تموز ولغاية 28 منه وذلك على خشبة مسرح الرافدين الكائن قرب المسرح الوطني وهو من تمثيل الفنانة ميلاد سري والفنان طه المشهداني وإخراج فاروق صبري وهو عمل ينتمي للمينودراما التعاقبية والتي لم تقدم من على مسارحنا بشكل مكثف وهو يتناول شخصيتين الجلاد والضحية فالجلاد بكل جبروته وبطشه وساديته يحاول تحقيق رغباته وسطوته على الضحية.

وهنا سواء كان الجلاد أو الضحية لا تمثلان شكلا فرديا للجلاد والضحية و أنما ينعدم الزمان والمكان ليكون في فضاء العالم المترامي الإطراف مع إشارات ذات مغزى لواقع ما تقبع خلفه السوداوية والعنف ونتيجة لذلك تفقد الضحية سلوكها الطبيعي وتتجه للجنون  نتيجة الممارسات الوحشية للجلاد ويقول الفنان المخرج فاروق صبري عن تجربته المسرحية ورسالته إلى المتلقي  (أذا كانت هناك رسالة بهذا العرض وهي  أن الضحية أية ضحية أن لم تقاوم جلادها  ولم يواصل رفضها فهنا الكارثة الكبيرة, الاستمرار في عدم مواجهة الطغاة فان الجلادين سوف يزدادون ,هنا الضحية التي أقدمها للعرض ليس مشخصة في زمان ومكان  وهي ضحية موجودة في كل تاريخ البشرية رغم أني راعيت أن أعطي بعض الإشارات التي تعني أمكنة محددة و حينما قدمت الضحية لم أقدمه شخصا سويا  فبعد التعذيب والقسوة على يد الجلاد جعلتها منسلخة من كل إنسانيتها بمعنى قدمتها بحالة جنون عاصفة لذلك  فهنا الجنون صنعه الجلاد وليس جنونا طبيعيا ).

فلسفة العرض المسرحي

الحياة تعني رجلا وامرأة وكائنات متوحشة  وطبيعة نحس بوجودها ولكن الرجل والمرأة هما قطبا الحياة السالب والموجب وفي لحظة الحث  تنتج الصعقة فالرجل هو السيد وهو المانح والمرأة هي من تأخذ ثم تعطي وهي أكثر عطايا من الرجل لأنها تتحمل الألم والقسوة في لحظة المخاض والصيرورة الأولى (الولادة) ثمة أمور شائكة تجري في حياتنا قد لا تتحملها مشاعرنا هناك واقع اسود نحاول أن نسبغ عليه بعض البياض ليدمغ في مخيلتنا وحتى لو كان وهما لأجل أرضاء ذواتنا على إننا بشر ننتمي إلى الإنسانية بكل سموها ورقيها وأننا نتاج الحضارات العظيمة التي وصلت للأقاصي ,القمر,. المريخ وحتى أننا بتنا نتجسس على الشمس وما اسمي تلك الانجازات لقد اكتشفنا لعللنا الدواء وأسسنا المشافي, ولكي تدور الحياة في دورتها الأزلية أسسنا منظومة التعليم لأننا نطمح في المزيد من التألق على مستوى الآلة لتسخيرها في خدمتنا, وبلغنا الذروة عندما تجتمع العائلة في بيت واحدة وهي منتشرة في كل بقاع العالم للتحاور فيما بينها ,استقرئنا النسبية في ما أنتجناه وهو الذي يقول أن الزمن بعد رابع وان نقطة الوصول التي تريد أن تبلغها لن تبلغها أنما هي التي تأتيك وأنت ساكن في مكانك وهذا هو المتحقق فعلا  لكن رغم كل هذا الضجيج والهوس اللغوي في توصيل ما أريد لحضرتكم لازال الإنسان يعاني من الألم ,يشقى,ويموت هو ذلك الإنسان المستبد والطاغي والذي يريد تكريس كل شيء لحياته الصاخبة ما عليه سوى أن يأمر وينهي  أما نحن مجرد مومياءات محنطة أو مانيكانات خالية من الروح بعد أن امتصتها تلك القوة الشريرة الموجودة في أعماقنا, الرغبة في التسلط  والاستبداد, نحن نعيش كل المتناقضات والازدواجية , فينا الجمال والقبح والخير والشر والحق والباطل, اللذة والألم الكآبة والسعادة ,الغنى والفقر نحن من حول أراجيح الطفولة إلى أراجيح للأجساد المتدلية تلك الأجساد التي وقفت يوما في طريق طموحنا نحن السادة المهيمنين على هذا العالم نحن نتوق لتحقيق كل شيء حتى لو كنا انفصاميين  وننشطر في أعماقنا ما يهمنا هو أن ننتصر بكل الأساليب على انسانيتنا ومنذ الجريمة الأولى حين قتل هابيل آخاه لازالت تلك اللعنة تلاحـــــقنا لم تهدا البشرية يوما.

تسويغ الدماء

حروب وغزوات, انتصارات وهزائم بناء وخراب هناك من يقول أنها الأقدار وهؤلاء يريدون تسويغ الدماء التي نراها سوى صيغة حمراء نستخلصها من معادلات كيميائية , دائما القدريون هم من يسعى لإنعاش فكرة أن الحياة وجدت حسب مقاسهم وانك يجب أن تموت لتخلد فيما بعد حتى وان كنت فقيرا معدما وباقي السادة يستمتعون بأطايب الحياة وملذاتها, ما عليك سوى أن تخدم الأسياد وألا فالسوط جاهز لنربيك ونجعلك تمشي على الصراط المستقيم هكذا يقول السادة والزعماء والشموليون والقدريون , تبادل الأدوار في العرض المسرحي مانيكانات بين الرجل والمرأة اظهر لنا البون الشاسع بينهما. فكل جرائم الإنسانية يتحملها الرجال. والرجال الذين يعشقون التعذيب هم ساد يون يستمتعون بآلامنا, وأنا شعرت بان المرأة حتى وهي تضاجع بضم التاء  يفقدها الرجل إنسانيتها من اجل شهوة عمياء ورغبة سوداء تجول في نفسه فلا وجود لرغبة مشتركة ولا (اورجازم)(الرعشة الكبرى)  تصل أليه بحسها ونشوتها أنما من اجل إشباع غريزة ذلك الكائن البطل والضحية التي استلبت وفقدت عقلها وتملكها الجنون لا حول لها ولا قوة , ونحن الشعوب المقهورة نتحمل عواقب صمتنا ومازوخيتنا (اللذة بالألم) بعدم الرفض والانصياع التام لذلك الشرير الذي قد يكون فردا أو جماعة او كيانا , تقودنا وتسيرنا سواء بقدريتها أو بآلاتها وأنا هنا لا أتكلم عن شيء خاص إنما عن الإنسان عموما فهناك شعوب تذل وتحتقر من قبل قادتها وهناك شعوب ترتسم معالم المدنية والتحضر فيها ولكنك إذا لم تعمل سيفتك بك الجوع والفاقة والجشع الرأسمالي حول الإنسان إلى آلة أو ماكينة إنتاج  ليثرى أصحاب الثروات وتكبر أموالهم وشركاتهم  ويبقى الآخرون مقيدين بتلك الأطر ولكن واسمحوا لي أن أقول أن المرأة هي من تصنع الحياة ,صحيح المنتج مشترك لكن الطباع تختلف ,المرأة كائن جميل لولاه لضاع الرجل والحروب والغزو والدمار أنتجه الرجل وهذه حقائق لا يمكن أن تدحض وحتى اللحظة الأخيرة من العرض المسرحي وإثناء المخاض يأتينا المولود الجديد وهو يلف بقطعة سوداء وتلك دلالة عميقة أننا سوف نظل نعيش والموت يتربص بنا و تلك الحقبة ما لم   يحدث تغيير حقيقي ينقذنا وهذا المولود سيتحول إلى شيطان أو طاغية صغير ينمو ويترعرع في ضل أجواء مهدت له القوى السوداء, هذه هي رؤيتي لعمل زميلي الفنان فاروق صبري وتأويلي لهذا العرض المسرحي المشوق وفيه جماليات المكان والقسوة والرعب والإيقاعات الهيتشكوكية .

صمت مطبق

الموسيقى ساعدتنا بضجيجها لنعيش عوالم ذلك العرض ويأتي الصمت المطبق لنبتلع أنفاسنا  التي تعكس حياتنا المعاصرة كما أود الإشادة بالفنانة ميلاد سري التي باغتتني في حضورها ولم أتعرف عليها إلا بعد أن استذكرت صوتها وآدت بشكل رائع وبجرأة قل نظيرها وأجادت الجنون الذي فرض عليها أحييها على ذلك وعلى جرأتها والتي نفتقدها عند فناناتنا وفي أجواء قاتمة نعيشها نرى هكذا أداء وهكذا عمل اعتقد شخصيا انه نجاح متحقق كما احي الفنان طه المشهداني على قدرته العجيبة في الإيماءات والانتقال من طبقة صوتية إلى أخرى وكذلك دخول الشخصية مجسدة بشكل رائع في ذلك السادي الذي يجلد الدمى والضحية بتلك القسوة المريعة ويتقاذفها كما أذهلني في العملية الحميمة وكنت أتصور أن هناك قرينا له لكن هو كان مع الدمية التي ستضل واجهة عرض لتجار الحروب والسرقات وأتمنى من دائرة السينما والمسرح ممثلة بمديرتها الدكتورة إقبال نعيم  أن تمنح هذا العرض فرصة للاشتراك في المهرجانات العربية والدولية ليرى العالم مسرحنا وكيف نعمل في ظل الممنوعات الحمراء (التابوات) وختاما  أبارك للعاملين في هذا العرض المسرحي  وكل من عمل على أنجاح هذا العرض.

 

https://www.azzaman.com

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *