مسرحية «جوكينغ» لحنان الحاج علي: لأنك حرّ ستحارَب ككافر ومجرم

 

 

 

امرأة ليست ككل النساء، امرأة قوية تعلمت من المسرح القوة والصلابة ، امرأة عشقت المسرح الذي جاءته صدفة اثناء الحرب الاهلية اللبنانية

« كنت أبحث عن وسيلة أستطيع من خلالها التعبير عن الغضب والأسى، وأحياناً عن الفرح… وكان أن تعرفت، عن طريق المصادفة، إلى المسرح « كما تقول عن بداياتها وبعدها اصبحت من اشهر وامهر الممثلات اللّبنانيات، حنان بالحاج علي اللبنانية الاصل وعالمية الانتماء ممثلة ابهرت جمهور قاعة الريو بليونتها وشدتها معا في عرضها «جوكينغ» ضمن فعاليات ايام قرطاج المسرحية.

«جوكينغ» لحنان الحاج علي ودراماتورجيا لعبد الله الكفري تنقل حكاية امراة في الخمسينيات من عمرها، تمارس حنان الحاج علي المواطنة اللبنانية والممثلة رياضة الهرولة «الجوغينغ» للوقاية من السمنة وتفتت العظام والتوتر العصبي.

كل امرة تسكنها «ميدي»
امرأة ترقد على الركح، تغرغر وتستعمل «الراء» و»الغاء» و»الخاء» لشد انتباه المتفرج وليكون المتفرج بدوره جزءا من العمل يتابع غرغرتها، ثم تنهض وتحدث الحضور عنها، عن حنان الممثلة والمرأة التي تتنهض يوميا لممارسة الرياضة للوقاية من السمنة وتفتت العظام والتوتر العصبي، اثناء ممارسة الراضة تطرح حنان العديد من الاسئلة، عن الله، عن المرأة عن الوطن عن الاسطورة والتراجيديا، عن حال البلدان العربية الامس واليوم.

اسئلة قد تبدو بسيطة الطرح ولكنها عميقة المعنى تبحث فيك في ذاتك، ستجدك معها على الركح تشاركها الحديث تشاركها الفكرة وتشاركها نفس الوجع ونفس الحلم.

وحدها على خشبة المسرح، تكشف حنان، الزوجة والأم، هويتها لتصبح ممثلة تجسد وجوها معاصرة متعددة من «ميدي» الأسطورية تتراكم أمامنا مثل الدمى الروسية، وحدها بلباس اسود وحذاء رياضي يسهل عملية الجري خلف الحلم وخلف الفكرة، على الركح تنطلق القصة من حنان الحاج علي الفنانة الى المراة الى الام، ثم تحملها الذاكرة الى شخصية «ميدي» التراجيدية تلك المرأة القوية والجريئة حد تقطيع ابنائها لمعاقبة خيانة زوجها، تماما كما «ميدي» تكون حنان الحاج علي حين تقاوم كل اشكال الصمت الخانق في بيروت يوميا، كما تقطع ميدي أبناءها تقتل حنان المرأة ظلم المجتمع وتحاول خنق كل مقومات السلبية والعقلية البالية التي تريد تقييد المرأة فحنان الحاج علي مدافعة شرسة عن حقوق المرأة الثقافية والاجتماعية في بلدها بيروت، كما قتلت «ميدي « أبناءها تريد حنان ان تقتل كل ما قد سيقوّض حقوق المرأة وحريتها في مدينتها «بيروت التي تبني لتهدم».

تهرول على الركح، تركض كم يلاحق فكرة ما، تحاول ضبط انفاسها ليفهم الجمهور كلماتها، من شخصية ميدي الاسطورية و تعود بنا الى لبنان الشخصية ايفون المرأة اللبنانية التي قتلت بناتها الثلاث وانتحرت انتقاماً أيضاً من زوجها، ثم شخصية زهرة المرأة الجنوبية التي عاشت حالة شبه «ميديوية» بعد خيانة زوجها لها وفقدها أولادها الثلاثة في ظروف شبه قدرية، بين الاسطورة والواقع، بينم المسرح والحقيقة تتجول حنان الحاج علي في دواخل النساء لتكشف ان داخل كل امرأة «ميدي» قد تقتل جزءا منها دفاعا عن كرامتها.

المسرح حياة والخشبة وطن
المسرح حياتها، منذ اكتشاف الخشبة وحنان الحاج علي مبدعة مختلفة، كلما سقطتت تنهض من رمادها تماما كما طائر الفينيق، الخشبة الصغسيرة وطنها في عرض «جوكينغ» تمارس الرياضة، تغير اكسسوارات العرض تضيّف جمهورها على «سلطة الفواكه» كما فعلت ايفون مع بناتها، ترقص، تركض تحلم، كل ما تمارسه في اليومي اثناء ممارسة الرياضة نجده على الركح بجرأة كبيرة وشحنة حب للمسرح غير متناهية، عمل يقدم في لبنان مجانا فقط للابتعاد عن الرقابة والصنصرة، عمل فاز جائزة في مهرجان إدنبره وسلمها الجائزة روبرت ماكدويل الذي اكد انها تسلمت الجائزة «لحضورها المسرحي المتين وعصبها المسرحي الملفت، ولشجاعة الطرح الذي تناولته المسرحية».

الركح عالمها وعالم الكثير من النساء، على الركح تنقد الانظمة العربية تتهكم من مصطلح الوجدة، على الركح تشاكس الحلم وتعانده لتثبت انها حية وتقاوم، على الركح تصنع لنفسها ولكثير من النساء علم من القوة ونتسج افكارها المقاومة دون خوف او مهادنة، على الركح تحملنا حنان الحاج علي الى عالم المرأة الصادقة والمفقاومة، المرأة الهادئة والجريئة، الى كل هذه المتناقضات تحمل جمهورها في رحلة بحثها عن هوية مفقودة، عن حق مسلوب وعن امل يريدون سرقته، عن الوطن تسال عن عدم قدرة الام على منح الجنسية لاطفالها تتساءل، عن الدين والجنس والسياسة تتحدث بكل جرأة فنانة مقاومة فنانة اختارت ان تكون شرسة فنانة تعمل بمقولة فيولات فالنتينا».

لأنك عاشق للحيـاة بكل ما أتيت من نَفَسْ
و لأنك مغرم بالطبيعــــة
لأبعد حد
ستكون حرا.. حيا .. طبيعيا وعاديا ..
وسيفهمك الجميع على أنك شاذ.. مريض و خارج عن القوانين
ستحاربك ككافر ومجرم
وستنفر كالوباء والفقر
هم كسبوا مكانهم في القطيع وأنت كسبت نفسك …

وعلى الركح وفي عمل «جوكينغ» كسبت حنان الحاج علي المرأة كسبت حريتها وقوتها وكسبت كرامة امرأة لا تعرف للمهادنة سبيلا.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *