مسرحية تشاهدها وكأنك أمام التلفزيون وبيدك الريموت كونترول / فيصل عبدالحسن

مسرحية “بيريكولا” تلامس أحلام بعض الشباب في الهجرة إلى دول أوروبية، هذا الحلم الذي يتحول في الكثير من المحاولات إلى كابوس.

عرضت مؤخرا على مسرح محمد الخامس بالرباط  مسرحية “بيريكولا” التي لامست أحلام بعض الشباب في الهجرة إلى دول أوروبية، هذا الحلم الذي يتحول في الكثير من المحاولات إلى كابوس، سواء بعد الوصول إلى هناك أو في الطريق إليه.

المسرحية من تقديم فرقة ثفسوين للمسرح الأمازيغي بالحسيمة، وبدعم من وزارة الثقافة المغربية، ومن إخراج أمين ناسور وتأليف سعيد أبرنوص. سينوغرافيا طارق الربح، موسيقى وأداء إلياس المتوكل وتمثيل شيماء العلاوي، سليم بوعثمان، وكريم بوعزة وعرضت في العديد من المدن المغربية كالرباط والحسيمة والناظور ووجدة وجرادة  وغيرها.

لا يخفى أن المسرح العربي بات يعاني من غياب الجمهور، ما يطرح أمام الفاعلين المسرحيين طرقا جديدة ومبتكرة للتجديد في الخطاب المسرحي وطرق طرحه بما يتماشى وضرورات العصر، ومزاجية المشاهد، وسرعة الزمن وانفتاح الأمكنة وسطوة التكنولوجيا، وهي كلها عوامل أخذها المسرحيون المغاربة، مثلا، في اعتبارهم في محاولة لتقديم مسرح جديد.

وتتحدث المسرحية، وهي الجزء الأول المعنون “بيريكولا” عن مجموعة من الفنانين المغاربة يحصلون على فرصة للعمل كممثلين ثانويين، وبدلاء عن الفنان الرئيسي في اللقطات الخطرة من الفيلم، وكومبارس مع مجموعة فنية ألمانية جاءت إلى المغرب لتصوير فيلم بمنطقة الريف.

غسان كنفاني

في إحدى عربات “كرفانات” الحاجات المهملة والملابس القديمة تدور النقاشات بين هؤلاء الشباب المغاربة الذين تم اختيارهم للمشاركة في الفيلم الألماني، حول حياتهم، وما عانوه من تجارب حب فاشلة، ومحاولاتهم السابقة في العمل بمشاريع غير ناجحة.

وينقلنا المخرج إلى مشاهد تمثيلية من سيرة هؤلاء الشباب، كاسترجاع لما مرّ بهم من حوادث وخيبات بسبب قلَّة التجربة أو عدم فهم لطبيعة المجتمع من حولهم، وعدم توفرهم لما يحتاجه سوق العمل من خِبْرات.

فيقرر الثلاثة “ربيعة وموح وطافا” بعد أن يئسوا من أن يجدوا حلا لمشكلاتهم وخيباتهم، الهجرة إلى الخارج، فيهتدون إلى فكرة أن يهاجروا من خلال الاختفاء بين صناديق ومهملات الفرقة الفنية الألمانية في إحدى كرفانات المعدات، التي ستعود إلى ألمانيا بعد انتهاء تصوير الفيلم في المغرب.

العقدة الدرامية التي استخدمها مؤلف مسرحيتي “بيريكولا” و”باركيغ” تذكرنا بحبكة رواية “رجال في الشمس” لغسان كنفاني، والتي نشرت في بيروت العام 1963، وحكت عن مأساة ثلاثة فلسطينيين اضطروا للتسلل إلى الكويت في هجرة سرية من خلال الاختفاء في خزان للماء تسحبه سيارة، للعبور من خلال نقطة تفتيش الحدود بين العراق والكويت، لكنهم يختنقون في خزان الماء حتى الموت.

وفي مسرحية “باركينغ” الجزء الثاني من العمل يكمل المخرج أمين ناسور حدث المسرحية الأولى، وهي من إعداده مع ممثلين إضافيين على كادر المسرحية السابق هما محمد أفقير وأشرف اليعقوبي.

ويواصل الممثلون حدث مسرحيتهم السابقة بوصول عربة الكرفان، التي تحمل أمتعة الفرقة الألمانية والتي اختبأ بينها الفنانون المهاجرون إلى منطقة نائية.

ويظن الفنانون أنهم وصلوا أخيرا إلى ألمانيا بعد معاناة سفر طويلة، أمضوا خلالها ساعات في قلق من أن يكتشفهم أحد مصادفة ويفضح وجودهم بين الأمتعة، وهم في وضع اختفاء غير مريح. ولكن المفاجأة الحزينة بالنسبة إليهم، والتي تضحك الجمهور وتشكل مفارقة لها مغزاها الذي يشير إلى عدمية فكرة الهجرة من الوطن، حين اكتشافهم أنهم لا يزالون في وطنهم، وأن المنطقة النائية التي ظنوا أنها أرض ألمانية، هي في الحقيقة منطقة “بارك” (موقف) لوقوف السيارات في ضواحي مدينة مغربية.

المسرحيتان تمتازان بتقنية الاسترجاع واستخدام المشاهد القصيرة، وسينوغرافيا بسيطة لكنها مؤدية

امتازت المسرحيتان بتقنية الاسترجاع واستخدام المشاهد القصيرة وسينوغرافيا بسيطة، لكنها مؤدية، وديكور سهل التركيب والتغيير، وموسيقى مؤثرة ساهمت في تنامي الحدث الدرامي، وصاحبت انفعالات الممثلين من خلال حواراتهم الحالمة عن ذكرياتهم. ذكرتنا هذه التقنية أيضا بتجربة المخرج الطيب الصديقي في مسرحه “الجوال” (الماكدور) عند تقديمه في العام 2001 مسرحيات البَسط (مفردها بَسطة) كمسرحية “الفيل والسراويل البيضاء” و”مقامات بديع الزمان الهمذاني” و”جنان الشيبة” وغيرها.

مسرح البَسط

مسرح البَسط نوع من المسرح استنبطه المسرحي المغربي الراحل الطيب الصديقي من مسرح شعبي مغربي قديم برع في تقديمه فنانون مغاربه منذ القرن السادس عشر، ويقوم على تقديم مشاهد قصيرة، وكل مشهد لا يستغرق سوى دقائق قليلة. تخصَّص بتقديم مفارقات ساخرة أو مواقف كوميدية أو تعليقات تحمل مضامين اجتماعية إرشادية وتعليمية.

واعتمد مسرح البَسط على نصوص كثيرة من المفارقات المستقاة من الكتب التراثية، كالبخلاء للجاحظ، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، وأخبار الحمقى والمغفلين، والأذكياء، لابن الجوزي، وغيرها من التراث العربي الساخر.

وأضاف مخرج المسرحيتين لتجربة الصديقي أن جعل كل مسرحية تقدم بشكل مستقل في حفلة خاصة بها، وكل واحدة مؤلفة من العديد من المشاهد التي تقوم على الاستذكار أو تقديم المفارقات القصيرة التي تحصل للممثلين.

ومن الملاحظ أن اختيار المسرحيات المتتابعة، كمشاهد سريعة أو مسرحيات بأجزاء يكمّل بعضها البعض الآخر الذي سبقه فيه استفادة من التجربة التلفزيونية، وكما يجري العمل في تقديم الدراما التمثيلية كمسلسل متتابع.

وبرهن هذا اللون على أن المُشاهد الذي اعتاد على تغيير القنوات التلفزيونية بالرموت كنترول كل دقيقتين من دون أن يثبت على قناة فضائية واحدة، بدافع الملل أو الاستزادة من مشاهدات مختلفة، سيعجبه هذا اللون من العروض المسرحية التي تتكون من مشاهد تمثيلية قصيرة تعتمد على المفارقة الضاحكة الهادفة والتعليق الساخر.

________________

المصدر / العرب

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *