مسرحية “أشياء تتساقط ..” تأليف : أمل الكردفاني

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية “أشياء تتساقط ..” تأليف : أمل الكردفاني

(مسرحية من ربع مشهد)
 
 
المسرح: (مساحة خالية الا من اربعة مقاعد ذات مساند اسفنجية مهترئة ، يجلس على كل مقعد رجل ، لا تستبين ملامحهم لسقوط الاضاءة على جزئهم السفلي من اجسادهم ، فيما يقع الظل في وجوههم ، لا يفصل بين كل كرسي وآخر اكثر من عشرين سنتمتر ، وتتراص المقاعد بشكل نصف دائرة ، ولكنها كلها مواجهة للجمهور ، باقي مساحة المسرح تتوزع فيها بقايا اشياء مختلفة ، تبدو كقمامة أو مخلفات ، ملابس ، ادوات موسيقية ، قشر موز ، حجارة ، اغصان جافة ، …الخ يبدو الجالسون الأربعة متكاسلين في مقاعدهم اياديهم مرتخية ومتدلية على جانبي المقاعد).
(يسمع صوت دوي..يرفع الجالسون الاربعة رؤوسهم الى السماء بصمت ثم يخفضونها) ، تسقط ثلاث مظلات من السماء على المساحة الخالية)
الجالس الأول: سقطت ثلاث مظلات من السماء
الجالس الثاني: سقطت ثلاث مظلات من تلسماء..
الجالس الثالث: سقطت ثلاثة مظلات من السماء..
الجالس الرابع: سقطت ثلاث مظلات من السماء…
وبصوت واحد يرددون (لا يوجد شمس…لا يوجد مطر..) ..
صمت ….
(صوت صفارة… يتوقف صوت الصفارة … تسقط ثلاث قنابل يدوية دون ان تنفجر) ..
الجالس الاول: سقطت ثلاث قنابل يدوية من السماء..
الجالس الثاني : سقطت ثلاث قنابل يدوية من السماء …
الجالس الثالث: سقطت ثلاث قنابل يدوية من السماء…
الجالس الرابع: سقطت ثلاث قنابل يدوية من السماء…
وبصوت واحد يرددون (لا توجد حرب…لا توجد حرب .. لا توجد حرب..)
الجالس الأول: لقد ناضل الرجل حتى النهاية …
الجالس الثاني: كان رئيس الكتلة اليسارية هو عدوه الأول ..
الجالس الثالث: أما اسعار البطيخ فكانت باهظة الثمن بالرغم من أنه  كان فصل الخريف…
الجالس الرابع: لم يكن هناك ميزان للعدالة ، هل رأيتم قاضيا لديه ميزانا في طاولته السميكة البنية؟..
(صوت دوي … يتبعه بعد فترة صمت سقوط ثلاثة احزية مختلفة النوع)
الجالس الاول: سقطت ثلاثة أحذية من السماء.
الجالس الثاني: سقطت ثلاثة أحذية من السماء..
الجالس الثالث: سقطت ثلاثة أحذية من السماء..
الجالس الرابع: سقطت ثلاثة أحذية من السماء…
صمت .. يرددون بصوت واحد (لا توجد أقدام … لا توجد أقدام .. لا توجد اقدام..)..
الجالس الأول: كان السيد س سياسيا بارعا… لا اعرف كيف ولكنه كان كذلك..
الجالس الثاني: الأتربة اعاقت بصره وهو يقود السيارة .. كان يريد ان يقبل الدبابير التي على كتفيه في نفس الوقت … لقد مات…
الجالس الثالث: وكذلك اسعار الباذنجان .. كان هناك باذنجان احمر ..هل تصدقون هذا..هل تصدقون ..
الجالس الرابع: لم تتوقف السياسة بسبب الحرب بل توقفت الحرب بسبب السياسة ..كانت هذه معجزة..
 
(صوت أزيز يليه سقوط ثلاثة بيضات واحدة وراى الأخرى)
 
الجالس الاول: سقطت ثلاث بيضات من السماء ..
الجالس الثاني:سقطت ثلاث بيضات من السماء..
الجالس الثالث: سقطت ثلاث بيضات من السماء..
الجالس الرابع: سقطت ثلاث بيضات من السماء..
صمت… يرددون بصوت واحد (لا يوجد جوعى …لا يوجد جوعى .. لا يوجد جوعى..)..
الجالس الأول: لقد كان انصرافيا محضا .. رأيته كيف يسقي الورود يوم وفاة زوجته ..
الجالس الثاني: ارتفعت اسعار الخبز ..اتذكر اننا كنا نقف في طابور طويل جدا ..
الجالس الثالث: لم يتحمل وحشة التعذيب طويلا لقد اقر بجميع المتآمرين معه ..وتم اعدامهم جميعا بدون محاكمات عادلة ..
الجالس الرابع: هناك سخونة في مجرى البول..في المستقيم تحديدا..ولكنها ليست البروستاتا… لقد كان عجوزا جدا ..
صمت … (يهبط اربعة ملائكة من السماء)…
الجالس الاول: سقط اربعة ملائكة من السماء…
الجالس الثاني: سقط اربعة ملائكة من السماء..
الجالس الثالث: سقط اربعة ملائكة من السماء ..
الجالس الرابع: سقط اربعة ملائكة من السماء…
(يقف كل ملاك خلف رجل من الجالسين) ..
الجالس الأول: ان المشهد كان فظيعا… كانت القطة تصرخ وهي داخل الزيت المقلي.. كان ينتظر أكلها بفارغ الصبر..
الجالس الثاني: والبطاطس والفلفل الأخضر .. وتاريخ البيزنطيين ..كل شيء كان له رائحة مختلفة ..
الجالس الثالث: ان جدنا النياندرتالي او كيفما اسموه كان يملك الأرض كلها .. كان كل ظل شجرة ملكه ..وكل ثمرة تسقط منها يهبها لبطنه الجائعة ..
الجالس الرابع: انه ثرثار مثل حلاق اعمى .. لقد قطعت له زوجته لسانه ومع ذلك لم يتوقف عن الاشارة بيديه واصابعه ..
 
(يتسلط الضوء على رؤوس الملائكة الاربعة ، باجسادهم الصغيرة ووجوههم الطفولية ، واجنحتهم الملونة …)
الملاك الأول: أيها الجالس الأول ..
الجالس الأول: نعم يا ملاكي الصغير.. انني مصغ..
الملاك الأول: لقد تذوقت طببخ الجنة .. كان شهيا ولكن طبيخ السيدة كان أشهى .. هل تعرف لماذا؟
الجالس الاول: نعم أعرف .. كان هناك ثوم وبصل .. والجنة لا تتحمل الروائح الكريهة ..
دعني أقول بأن عالمكم العلوي لا يتفق البتة مع عالمنا السفلي..انا لا أعرف حقيقة ايهما اكثر ثراء ..لكن..وبما أنني بشري ..وبما أنني اناصر جنسي حد العنصرية أستطيع ان اقول بأن الجنة فقيرة جدا .. انها كلوحة جميلة لكنها لن تضاهي الطبيعة …
الملاك الثاني: أيها الجالس الثاني؟
الجالس الثاني: نعم يا ملاكي ..هل انت ملاك حارس؟
الملاك الثاني: انا لم اتخصص بعد يا سيدي .. لكنني اعرف مهامي جيدا .. في الواقع هل تعرفون انتم مهامكم .. لماذا تبدون لي فوضويين هكذا؟..
الجالس الثاني: ان تاريخ الفواكه في الارض كان مضطربا جدا… لم تبين لنا النظرية كيف تطور الموز ليكون موزا … ولماذا لم يصبح شيئا آخر … ان الفوضى التي تتحدث عنها ليست حقيقية ..لأن عالمكم ثابت .. خاضع .. لا يمكن اكتشاف شيء فيه .. مع ذلك فغموض عالمنا السفلي يجعله هكذا … مثل السيد س الذي شنق زوجته لأنها كانت تضغط معجون الأسنان من الأعلى وليس من الأسفل …
الملاك الثالث: ايها الجالس الثالث..
الجالس الثالث: هل تعرف انني كنت اتوقع ذلك.. اتوقع جملتك هذه
الملاك الثالث: او تريد القفز على الواجبات؟
الجالس الثالث: لا لا اريد القفز على الواجبات ..لكنني لاحظت اهتمامكم بالتكرار..التكرار الممل ..حتى في نصوصكم … لقد تبادر الى ذهني ان الاسطورة السومرية غسلت ادمغة السومريين الاوائل عبر التكرار ذي الطبيعة المقدسة … هناك شيء نمله نحن البشر.. التكرار … ومع ذلك ينفي البعض التكرار.. يقولون بأنك لا تستطيع ان تكرر شيئا وانك لا تستطيع ان تنزل في نفس النهر مرتين .. اصدقك القول ان ما يتكرر عندنا هو الشعور فقط… الشعور يتكرر بدون ادنى شك… حتى الكلبة التي كانت حبلى للمرة الخامسة كانت تشعر بذات شعورها حين حملها الاول…
الملاك الرابع: ربما تجاوزا عن ملاحظة الجالس الثالث سأسألك مباشرة ايها الجالس الرابع قبل ان امنحك تأشيرة الخروج .. هل تريد الخروج…
الجالس الرابع: انني اتذكر الاشياء التي سقطت جميعا يا سيدي الملاك الرابع..اتذكر انني في الواقع لم احرك ساكنا ابدا ، لقد كنت مستسلما تماما ..ليس جبنا مني ولكن لأنني لا أملك سوى الا افعل شيئا .. هل تعتقد أنكم في عالمكم اقل عجزا منا.. هذا وهم .. ان عالمنا السفلي هذا هو الاقل عجزا رغم انه في النهاية عجز .. لأننا مثل طفل صغير يملك ثلاثة دمى ..وهو مضطر ان يلعب بالثلاثة حتى يكبر .. نحن نلعب بدمانا بشكل دائم..لكن بدلا من ان تقف الدمية دائما نجعلها جالسة..وبدلا عن ان تسير الى الامام نجعلها تسير الى الخلف .. وفي كل الاحوال فنحن وبشيء مما نسميه ذكاءا نحاول طرد فكرة العجز عنا بلعبة التباديل هذه .. ان الفلاحة وهي تحلب ضرع البقر تختار زوايا مختلفة لقبضة يدها رغم ان الضرع واحد ..
يردد الملائكة الاربعة في صوت واحد:
(فلنجهز مشانق الارواح .. الزهور البرية في الشتاء .. عسل السدر في شمعه … والفتاة تصاب بصرع مفاجئ كل يومين او ثلاثة)..
ينهض الرجال الاربعة من جلستهم وهم يرددون بصوت واحد
( قبة العماء.. مثل سياسي يكذب دائما .. لا شيء يدفعنا الى الوجود سوى اكتشافه .. ولا شيء سوى العجز … فلنرتفع الى السماء)
يرتفع الرجال الاربعة الى السماء ويختفون… ويجلس الملائكة الاربعة في مقاعدهم..
يسود صمت لثلاثين ثانية… تسقط ثلاثة كتب من السماء…
الملاك الأول: سقطت ثلاثة كتب من السماء..
الملاك الثاني: سقطت ثلاثة كتب من السماء..
الملاك الثالث: سقطت ثلاثة كتب من السماء..
الملاك الرابع: سقطت ثلاثة كتب من السماء ..
(ستار ويظلم المسرح)
 
 
ستار 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *