مسرحية(ثورة) المصالحة بين المسرح والجمهور . هشام كفارنة – سوريا.

البطاقة الفنية للعرض:

  • اقتباس:يوسف ميله
  • هشام بوسهله
  • عن نصي:
  • الجثة المطوقة
  • الأجداد يزدادون ضراوة
  • لِ كاتب ياسين
  • تصميم العرض:
  • عبد القادر جريو
  • منفذ الإخراج:
  • عبد الإله مربوح
  • الممثلون:
  • سعاد جناتي
  • نوال بن عيسى
  • عبدالله جلاب
  • أحمد بن خال
  • عبدالإله مربوح
  • أبو بكر الصديق بن عيسى
  • أحمد سهلي
  • سينوغراف:يوسف عابدي
  • سينوغراف مساعد: حمزة عراب
  • موسيقى:عبدالقادر صوفي
  • كريوغرافيا:رياض بروال

 

* هي ثورة.. وللثورة إيقاعاتها ونبضها…لها تضاريسها وأبناؤها.. ولها تجلياتها في الآداب والفنون.. فلذا لها من يكتبونها توثيقاً وتأريخا… ومنهم من يمسرحها فيكون كاتب ثورة

ومامن ثورات أعمق وأكثر أحقية من ثورات التحرير  ومن أبرزها  وفي مقدمتها الثورة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي ففي فرادتها توفر بنى وتراجيديات وأحداثاً جساماً تتيح للمبدع أن يعيد صياغة حكاياتها وينظم شخصياتها لأداء رسالة مرتبطة بأدب المقاومة وفنها ومسرحها فلذلك كان نصا الجثة المطوقة والأجداد يزدادون ضراوة للمبدع كاتب ياسين حلقتين مهمتين فريدتين من عقد مسرح الثورة . وتوفر في هذين النصين مايغري المبدعين من المخرجين لتناولهما عشرات المرات ويتم تقديمهما في غير مكان وزمان. لأهمية الموضوع ولمتانة الحبكة ولفرادة اللغة وشاعريتها وتألق الصنعة والخيال،

وإن كانت الثورة ضد المحتل الفرنسي فإن كاتب ياسين لم يتوان عن استخدام اللغة الفرنسية في كتاباته بشكل عام فهو يعتبرها غنيمة حرب ورغم ان هذا يسهم في تمكين آلتهم السياسية وفق تصريحاته إلا أنه يعود ليقول أنا أكتب بالفرنسية لأخبر الفرنسيين أنني لست منهم،

وبحرفية عالية تتم عملية الاقتباس من النصين المذكورين لاستخلاص أهم مافيهما بتكثيف واختزال منحازين لما يؤسس للغة عرض رصين متين ينضح من الجمال والشاعرية ويغلفهما بما يقتضيه بناء المشهد  بصرياً في عرض (ثورة) لمصممه  الفنان المتعدد المواهب عبد القادر جريو،

ومن المدهش أن عملية الاقتباس قام بها كاتبان معا ولكن لاتشعر إلّا أن لهما قلماً واحداً ورؤيا متفقاً عليها كانت تحكمهما وتتجه بهما لإنتاج نص ثورة،

ينطلق العرض من مشهد استهلالي دلالي أمام البوابة العملاقة ذات الجناحين و التي تتوسط الخشبة حيث يظهر لخضر مستمعاً لوصايا كبلوت باعتباره الوارث الذي سيحمل الرسالة والأمانة في رفع شعلة المقاومة بما تتضمنه من قيم على شكل وصايا وتركات الأجداد للأبناء والأحفاد

(تركت لك الحقيقة..وسعادة الفلاح.. تركت لك فقر الفقراء.. ونغمة الموسيقا.. تركت لك الثبات ونبات الاختلاف… تركت لك الحيلة والقوة والشراسة… تركت لك الثورة.. أنت الوارث)

لينقلها بدوره لرفيقي الدرب مصطفى وحسان اللذين يكونان بانتظاره لعقد اجتماع لتحديد اسم الحركة وخططها قبل أن يقتحم طاهر بكؤوس نبيذه الاحمر خلوتهم داعياً إياهم لعدم التورط في أي عمل عدائي ضد الدولة العظمى التي لاتقهر،

في المشهد التالي نرى كبلوت المقيد وماريانا  تحاول انتزاع اعتراف منه بينما يحاول الطاهر إقناعه بالتعاون دون جدوى … لتدخل بعد ذلك نجمة الشخصية الرمز التي تضىء المكان والزمان نجمة الوطن والأم والحبيبة ليدور حوار بينها وبين لخضر الوارث العاشق الذي يبوح لها بأنه لايريد أن يتقاسمها معه أحد ويكون بينهما وعد وعهد لتختفي النجمة وتدخل ماريان وقد سمعت مادار من الحديث بين لخضر ونجمة وعرفت بأن لخضر هو الوارث ولينتهي المشهد بينهما بإعدام لخضر شنقاً حيث تتدلى جثته مطوقة من كل الجهات حتى لنشعر معها أننا جميعاً لسنا سوى جثث مطوقة وإن كان استشهاد بعضنا مؤجلاً إلى حين، لتدخل نجمة بعد ذلك وتؤدي مشهد رثاء بلغة مفعمة بالشاعرية والرمز

(لخضر أسمعني… ألاتحن علي…سأسمعك وأطيعك ولن أجادلك بعد الآن…لخضر.. أنسيت أنك أنت الوارث..نجمة.. لن تفرح من دونك.. لن تعيش.. ولن تزغرد

تزغردهذا أوان أن تكتبوا على بياض الصفحات… أن لخضر قد مات

للذين يكتبون الحكايا في الظلمات…..أبشروا فهذا لخضر قد مات

للذين يُسودون بياض الصفات استعدوا لليالي الحالكات……

فما يأتيكم بعد اليوم إلا الندم على ما فات……

لخضر…..لخضر….

سأبكيك دموعا لن تجف…سأبكيك دما ملطخاً في الوجوه…

سأنوح وأندب عليك يا لخضر…)

فتقوم ماريانا بمواساتها ومشاركتها الندب فهذا شأن من يقتل القتيل ويتباكى عليه ويمشي في جنازته لكن نجمة تدفعها بعيدا متهمة إياها بإخفاء لخضر وهي تنذرها بأن ساعة القصاص قد أزفت… في المشهد التالي يدخل الطاهر وهو يصرخ بأنه قد حذر لخضر من المصير الذي ينتظره إن هو أصر على المضي في ماعزم عليه ليدخل عليه كل من مصطفى وحسان بقصد محاسبته إلا أن كبلوت يدعوهما لأن يتركاه لشأنه وألا يلطخا أيديهم بدم خائن ليفر بعدها الطاهر كالمجنون… تدخل نجمة وهي ترش الماء داعية النساء لمشاركتها الأمر ..

( رُشّوا يا نساء….رُشّوا…..رُشّوا الماء

رُشّوا الماء على التُراب حتى يصبح طيناً يبني سوراً يحمينا

رُشّوا الماء على الغرس…..ينبت ورداً وشوكاً يجرح كل من يتعدّى علينا

رٌشّوا…..رٌشوّه….رُشّوا ماء الدموع المتحجر في الكفوف

رٌشّوه على القبور….قبر لخضر ومن معه……ثأرك حق علينا

ليتني لم أحضنه

فمن غاية الحب

إلى غيابة اللحد…

مات لخضر……موته شكوك في ظنون

بل قتلتموه…..بل أنت….أنت العدو…

بل أنت…… أنت الحبيبة…..أغريته حتى أحبك…من الحب ماقتل

ابتهجي…..إفرحي……أسكتي….تكلمي……أصمتي ….أصمتي

تكلمي….نحن لوحدنا….رجالنا في الحرب…..رجالنا في السجون

رجالنا في المنفى…..رجالنا في المقابر…وأصبحنا لوحدنا نحن النسوة

فلنزدد شراسة…ولنسر نحن أيضاً إلى الوطيس

أأنتن متأهبات…..أأنتن حياّت…..أأنتن على الموت مقبلات…..هاكن بندقيات)

لحضور الماء هنا وظائف عدة كما لوأنها تروي ظمأ الشهيد وتسقي تربة قبره إضافة إلى كون الماء عنصر  تطهير ودلالة على انبثاق الحياة من الموت واستمرار النهج لبلوغ الخلاص من خلال التعبئة للعزيمة وإرادة التحدي ، وليدخل حسان ويخبرها مدعياً أنه الوارث لكنه يعجز عن الإجابة على سؤالها الذي يبدو بالنسبة إليه كأحجية وان لخضر الذي تحسبه ملاكاً لم يستطع رد الأذى عن نفسه وأنه تسبب بأفكاره في موت مصطفى لنكتشف مع دخول مصطفى وحبل المشنقة في يده المكيدة التي دبرها حسان للنيل من لخضر ومنه، وبعد أن يفضح أمره يقوم بلف الحبل حول عنق حسان فتصرخ به نجمة وتخرج وهي تقول : لست لأحدكم.. لست لأحدكم وحين تغيب نسمع صوت طلقة دلالة على استهدافها وليسعر الأمر نار المقاومة التي تضطر ماريان بما تمثله من حضور المحتل الفرنسي للانسحاب في حين يغلق كبلوت البوابة خلفها وقبل أن يتمكن الطاهر من اللحاق بها

 

وبما أن جريو منشغل بالهمين الفني والسياسي فإنه سرعان مايتلقف النص المنجز ليضيف إليه من خلال تصميمه للعرض أبعاداً جديدة مستثمراً لهذه المهمة مالديه من نزق الثائر على منظومة إجتماعية لمسلمات بائدة وما يحوزه من معرفة بأسرار التأطير الفني ومايكتنزه من مواهب في التمثيل  والغناء  وقد تجلى كل هذا في عناصر العرض المختلفة من ديكور اتسم ببساطته فالخشبة تكاد تكون خالية إلا من بوابة عملاقة تفصل بين فضائين يمكن الذهاب بالخيال بعيداً لتحديد ماهيتها وكما لو أنها بوابة الأسرار أو بوابة المدينه او بوابة مقام يضم منبرا أو مذبحاً تتدلى فوقه الأنشوطة التي تلتف في أكثر المشاهد تأثيراً حول رقبة لخضر(الوارث) ، وإضاءة معبرة ساهمت في التعويض عما يلزم من قطع ديكور إضافية لتحديد المكان حيناً ، وللتعبير عن تغير الزمن حيناً آخر، وموسيقى اعتمدت التراث الشعبي  وأزياء واكسسوار سُخّرت جميعها لخدمة الممثل السيد في فن المسرح فجاء الأداء حاراً نظيفاً معبراً عن مختلف الحالات الدرامية التي مرت بها شخصيات العرض المختلفة والمتمايزة إذ حملت كل منها سماتها الفيزيولوجية والنفسية ونبرتها الخاصة التي تنوعت خلال تتامي و تطور الأحداث من مشهد إلى آخر عبر رؤيا بصرية مشغولة بعناية تشكيلية فائقة محققة سينوغرافيا ذات قيم جمالية عالية على بساطتها، ولأن جريو من الداعين للمصالحة بين المسرح والجمهور فإن ذلك اقتضى أن يقدم مع زملائة عرضاً محكماً من حيث الشكل آميناً من حيث المضمون للرسالة النبيلة المتوخاة من تقديم هذا النوع من العروض دون المغالاة في استعراض الإمكانيات و الاستعلاء على الجمور أو الانجرار إلى ماقد تشكله العناوين الثورجية من أفخاخ المبالغة في تصوير عواصف الثورة وهياج الشعب الذي اشترى مقابل الوشاة والعملاء الذين باعوا وتحت مظلة وحماية المحتل الذي يغريهم ببيع ضمائرهم ويرهبهم بما يستعرض من بطش وتنكيل وإبادة شكلت في يوم واحد ٨ إيار مايو ١٩٤٥ حرباً أعتى من حرب عالمية على الجزائر ذهب ضحيتها ٤٥ألف شهيد… لم يثقل العرض بجموع المتظاهرين الهتافين ضد المحتل ولم يشوه المشهد بحشود من عساكره يحملون أسلحتهم الفتاكة مقابل بساطة مالدى الثوار الرفاق الثلاثة المنخرطين في المقاومة على اختلاف سلوكياتهم وتنوع أهدافهم وتباين دوافعهم نحو الانغماس فيها (لخضر.مصطفى، حسان) والذين يحذرهم طاهر صاحب الحانة المتنقلة من

أن محاولاتهم لن تجدي نفعاً وعليهم أن يتخلوا عنها وأن ينصرفوا لشرب النبيذ الأحمر إذ لاجدوى من مصارعة الدولة العظمى صاحبة الجبروت. لذلك فهو يفضل أن يظل منحازاً إلى صف ماريان المرآة التي تمثل غطرسة المحتل وخبثه والتي دفعت بالخضر نحو حبل المشنقة،حيث وعدته بأن تأخذه معها في حال رحيل الفرنسيين عن الجزائر ورغم ذلك فإنها تخذله في نهاية الامر حين رحيلها للدلالة عن جلاء الفرنسيين عن أرض الجزائر نتيجة لمقاومة أبطالها وأهلها الذين قدموا التضحيات واشتروا حريتهم بغالي دمائهم ، مما يؤكد أن الانتصار لايكون إلا لأصحاب الحق وأن الطغيان إلى زوال مهما طال الزمن وازدادت الخطوب والمحن.

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر