محيي الدين زنكنه … المسرحي والأديب الكردي ذو اللسان العربي – العراق

احمد نجم

كردي القومية وعربي اللسان والقلم ، هكذا كان المؤرخ والاديب ابن خلكان وهكذا كان رائد الشعر الحديث بلند الحيدري وهكذا كان الشاعر الكبير معروف الرصافي ومنافسه جميل صدقي الزهاوي ، وهكذا هو اديبنا الراحل محيي الدين زنكنة الذي يعده بعض النقاد افضل كاتب مسرحي عراقي معاصر ، ولد في كركوك عام 1940 وقضى فيها طفولته قبل ان يتخذ من بعقوبة مقرا لسكنه ليرتبط اسمه فيها وفي شوارعها ومقاهيها مما جعله يعد من ابرز رموز مدينة البرتقال في القرن العشرين.  تخرج من كلية الاداب قسم اللغة العربية وعمل بعدها مدرسا في محافظات عدة حتى استقر في الاعدادية المركزية وسط بعقوبة في ستينيات القرن الماضي.

ارتباطه ببعقوبة

عاش زنكنه في بعقوبة اكثر من 37 سنة وارتبط بمجالسها ومقاهيها واحب جلسات البساتين وعلى ضفاف الانهار ، وكون علاقات اجتماعية مع معظم عوائل بعقوبة وادبائها ، واحد من اقرب اصدقائه الذي اعده زنكنه فردا من عائلته هو الاستاذ كريم الدهلكي صاحب المكتب الوحيد لتوزيع الصحف في بعقوبة الذي تحدث لي عن علاقته بزنكنه التي وصفها بالعلاقة الابوية، حيث كان الراحل زنكنه يقضي الكثير من اوقاته في مكتبة الدهلكي وحتى ساعات متأخرة من الليل وكان يحضر الاحتفال السري بذكرى تأسيس الحزب الشيوعي الذي يقيمه الدهلكي سنويا . للدهلكي ذكريات كثيرة مع صديقه الروحي تحدث عن احداها حين ذهب الى مديرية امن #ديالى للحصول على اذن بالسفر الى برلين بعد الدعوة الرسمية التي وصلت الى زنكنه ولم يعط ضابط الامن الاذن بالسفر الا بعد ان تعهد الدهلكي بأن يقضي طيلة حياته مسجونا ان لم يعد زنكنه الى العراق مجددا وسط ذهول الراحل الكبير الذي اصبح بعدها صديقا لضابط الامن بعد ان عرفه ميله للثقافة والقراءة ، ولم ينقطع الدهلكي عن زيارته بعد ان انتقل الى #السليمانية عام 2006 واستمر يزوره شهريا وتحدث عن الوحشة التي شعر بها زنكنه على الرغم من انه بين اهله وابناء قوميته الا ان حنينه وشوقه الى بعقوبة لم ينته وكان يسأله عن اهل بعقوبة فردا فردا.

بعيد عن الاضواء

كان هادئا وقورا يطبع الجد قسماته وحركاته حتى خلت انه لا يضحك ، هكذا يصفه صديقه المقرب الدكتور عبد الحليم المدني الذي كان يرافق زنكنة بشكل مستمر حتى في مهرجان المربد حيث كان ضيفه الدائم . رغم كونه الكاتب المسرحي الاول الا انه لم يكن راغبا بأية شهرة لانه يرى ان العمل الابداعي يقدم نفسه بنفسه فكان بذلك واحدا من اكثر ادباء العراق ابتعادا عن الاضواء ، لا يحب الحديث عن نفسه حتى لطلاب الماجستير الذين اختاروا مسرحياته كمادة لرسائلهم العلمية ويرفض الحوارات الصحفية بشدة حتى احتاج بعض الصحفيين لوساطة تلميذه المقرب صباح الانباري لاقناعه بتسجيل الحوارات الصحفية. كتب زنكنة مجموعته القصصية الاولى بعنوان (كتابات تطمح ان تكون قصصا) في تواضع كبير منه فلم يجرأ على تسميتها قصصا فعلق الناقد الكبير علي جواد الطاهر على هذه المجموعة بالقول: ( انها لقصص فيها ما يفوق ما كتبه الاخرين مصحوبا بدعاء طويل).

علاقته مع السلطة

رغم كونه يساريا ويميل للانتصار للمظلومين والمسحوقين الا انه لم ينتم لأي حزب سياسي ولم يكن يحب قيود العمل الحزبي ، مع ذلك مارست السلطة ضده ضغوطا لكي يقدم عملا يخدم الحرب الا انه كان يخرج نفسه بذكاء من هذه المواقف المحرجة ويقدم احيانا اعمالا عن بشاعة الحروب والظلم فيتجاهلها المسؤولون حينما يجدونها لا تثقف لقضية الحرب ، مارست السلطة ضده تضييقا وعرقلت احدى المرات سفرته الى مصر واخذت الوزارة ترسله للاخرى حتى حرم من المشاركة في مهرجان القاهرة. في العام 1967 كتب مسرحية (الجراد) التي عرض فيها بجرائم الحرس القومي وعرضت على المسارح عدة مرات وهرب بسببها الى جبال كردستان بسبب ملاحقة البعثيين له. بعد عام 2003 رفض زنكنة عدة مناصب عرضت عليه اهمها مستشارا لغويا لرئيس الجمهورية الا انه فضل الاستمرار في كتابة قصصه ومسرحياته الخالدة على المناصب الزائلة.

محطات الابداع

علاقة زنكنه بالكتابة بدأت وهو بعمر 14 عاما فقط واستمرت حتى ايامه الاخيرة التي منع فيها من القراءة والكتابة ومشاهدة التلفاز لان مرض السكري الذي لازمه في سنواته الاخيرة أثر على عينيه حتى انتهى به الامر متوفيا في صباح 21 اب 2010 اثر نوبة قلبية ، توفي وهو لا يزال ينتظر تأشيرة الدخول الى اوروبا للعلاج. زنكنه من اكثر كتاب المسرح فصاحة في الاسلوب واللغة ومع ذلك كتب بعض مسرحياته باللهجة المحلية ، وقائع حياتية كثيرة يسردها عن شخصياته المسرحية وكانه يريد ان يفتح لها سجلا

حياتيا.

عشرات المسرحيات كتبها طيلة حياته عرضت بعضها في برلين والقاهرة والخرطوم وتونس والمغرب ولبنان وفي بعض دول الخليج ، اول اعماله هي مسرحية (السر) تبعها بعدة اعمال مهمة منها (الجراد) و (السؤال) و (الاجازة) و (صراخ الصمت الاخرس) و (الاشواك) و (رؤيا الملك) اضافة الى عدة روايات ابرزها رواية (بحثا عن مدينة اخرى). كرم في قرطاج والقاهرة التي نال فيها جائزة افضل كاتب مسرحي وحازت مسرحيته (الخاتم) على المركز الاول من وزارة الثقافة عام 2005.

وعلى الرغم من كل هذا الابداع الان انه لا يزال اسما مجهولا لدى معظم اهالي #ديالى ولم تلتفت الحكومة المحلية للاحتفاء به او تسمية مدرسة او شارع باسمه على اقل تقدير.

———————————————–

المصدر :مجلة الفنون المسرحية –  الصباح

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *