“ليالي المسرح الحر” في عمّان تحتفي بالمرأة

 

 

، اعتمادا على الدعم الشحيح الذي يتلقاه من بعض المؤسسات الرسمية والأهلية. وكان المهرجان ذا طابع عربي في بدايته، ثم أسبغت عليه فرقة المسرح الحر التي تنظمه صفة “الدولي” ابتداء من الدورة الثامنة عام 2013، مع أن الفرق الأجنبية التي تشارك فيه غالبا ما تكون قليلة.

اختار مهرجان ليالي المسرح الحر في عمّان شعار “المسرح مفتاح قلب المدينة” لدورته الرابعة عشرة، التي انطلقت يوم السبت 27 أبريل الجاري وتستمر حتى 2 مايو المقبل، بمشاركة 7 عروض من سويسرا وإيطاليا وجورجيا والعراق والكويت ومصر وفلسطين، إلى جانب عرضين أردنيين خارج المسابقة هما “نساء بلا ملامح” لفرقة المسرح الحر، تأليف الكاتب العراقي عبدالأمير شمخي وإخراج إياد شطناوي، و”جنونستان” لفرقة مسرح الرحالة وإخراج حكيم حرب.

منجز المرأة

يحتفي المهرجان في هذه الدورة بالمنجز الإبداعي للمرأة العربية في مجال المسرح، من خلال تكريم ثلاث فنانات أردنيات هن المخرجة مجد القصص، والممثلتان مرام أبوالهيجاء، ورانيا فهد، والممثلة الكويتية سعاد العبدالله، وتنظيم “ملتقى الشهادات الإبداعية: تجارب نسوية” تتحدث فيه فنانات من الأردن وتونس ولبنان والمغرب، وكذلك استضافة الممثلة السورية سلمى المصري.

وترأس لجنة تحكيم المهرجان هذا العام المخرجة الأردنية سوسن دروزة، وتضم في عضويتها الممثل السوري قاسم ملحو، والناقد اللبناني عبيدو باشا، والممثلة والمخرجة التونسية سيرين قنون، والممثلة المغربية بشرى إيجروك، حيث ستمنح هذه اللجنة جوائزها السبع للعروض المسرحية المتنافسة، كما ينظم المهرجان ورشة عمل بعنوان “فن الإيماء” يقدمها المخرج الفلسطيني سعيد سلامة بمشاركة 40 متدربا.

وحمل عرض الافتتاح السويسري عنوان “تحيا الحياة”، تأليف توماس لاوباشير وإخراج أندريه بيجنات. وهو عرض مختبري مبتكر ينشد تقديم رؤية شاملة وموحّدة للفن وللعالم، متسائلا أين تلتقي الأحلام والواقع في مسيرة جنونية إلى الأمام، ويمزج بين الأداء المسرحي والموسيقى والغناء والرقص، في انسجام مبهر، لتصوير تحولات نمط الحياة الأسريّة في القرن العشرين تحديدا، وإيصال رسالة مضمرة مفادها أن كل فكر معاصر هو نتاج تفكير قديم، والتذكير بأن الأجيال التي تعيش الآن هي نتاج نضال الأجداد وتطورهم ومعاناتهم بسبب الحروب التي شهدتها أوروبا.

أغلب الأعمال المسرحية التي تشارك في هذه الدورة تتناول قضايا اجتماعية وتركز على تفكيكها ونقدها بأساليب مغايرة

 ويسرد العرض، على نحو تعبيري مكثف، تاريخ المجتمع الفلاحي المتلبّد في مبادئه وتقاليده وعلاقته باللباس والغذاء في حياته اليومية، وشيئا فشيئا تعبث التكنولوجيا بهذه التقاليد، خاصة مع اكتشاف الكهرباء، وظهور طرق وأشكال جديدة للتفكير تحمل طاقة متجددة متبدّلة تتحرك إلى الأمام، ولا يمكنها التراجع أو التوقّف.

ويركز العرض الجورجي “بيروسماني”، لمسرح الدولة الاحترافي “بوتي فاليريان جونيا” وإخراج إيلينا ماتسخوناشفيلي، على حياة وأعمال الفنان الجورجي الشهير نيكو بيروسماني، الذي كان يرسم لوحاته بأسلوب فطري مميز، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ومات ميتة مأساوية في قبو. ويمزج العرض بين الأداء التمثيلي وفن العرائس لتقديم سيرة الفنان بيروسماني وتكريسه حياته لفنه الذي آمن به، رغم التجاهل وفقدان الدعم اللذين عانى منهما.

أما إيطاليا فتشارك بعرض عنوانه “الوهم” لمسرح “صوفيا أمندوليا” التابع لأكاديمة روما وتأليف وإخراج فاميو أبودي، يسلط الضوء على قصة حب تتحول إلى قصة موت، من خلال تضافر الظلال والأداء الحركي الرمزي، وجسد يتحدث عن الموت بطريقة خفيفة، يبعث في الأخير سؤالا مفاده “كيف نتغلب على الشعور بالذنب والحب تجاه أنفسنا وتجاه المحيطين بنا؟”.

مسارح عربية

تشارك الفرقة الوطنية للتمثيل في العراق بعرض “فلانة”، تأليف هوشنك الوزيري وإخراج حاتم عودة، وأداء بشرى إسماعيل، آلاء نجم، باسل شبيب، عمر ضياء الدين، ونريمان القيسي. تتماهى في العرض حكايتان، على نحو ملتبس، حكاية الأب والأم وحكاية البنت وزوجها، فيجد المشاهد نفسه وكأنه أمام حكاية واحدة لا تتغير، في حركة دائرية للزمن، وذلك حين تعيد البنت حكاية أمها وأبيها تماما، وحين يروي الأب والأم مسبقا حكاية ابنتهما، فلا يكون للبنت سوى إعادة الحكاية، في أجواء يسودها الوجوم في بيت لا تتطور فيه الأحداث ولا تتصاعد إلا لتعود من جديد كما كانت في نفس الرتابة، وفي إيقاع متوازن لا يكسره أي حدث خارجي أو داخلي.

أما العرض الفلسطيني “مثل ما سقطت الشمس”، لفرقة مسرح الحارة في بيت جالا، فهو من تأليف الكاتب السوري/ الجولاني معتز أبوصالح عن رواية للكاتب البريطاني، البولندي الأصل، جوزيف كونراد، وإخراح بشار مرقص، ويقوم العرض على أسطورة ذات أبطال عاديين، تروي قصة أب ينتظر ابنه الذي هرب منذ سنوات ولم يعد.

فكر حر ينتج مسرحا حرا

كل يوم يعيش الأب على أمل رجوع ابنه، موهما الجميع بأنه سيأتي غدا، وبهذا الوهم يعدي الآخرين بالانتظار ليصبح كل منهم منتظرا شيئا ما. وثمة الابن المعاق وابنة الجيران، التي كرست حياتها للاعتناء بأخيها الأعمى والموعودة بالزواج من الابن الغائب. وفي يوم من الأيام تهب عاصفة قوية على البلد، فيهتاج البحر ويسقط الانتظار. الثيمة الأساسية في هذا العرض هي الانتظار، على غرار ثيمة مسرحية “في انتظار غودو”،  لبيكيت، والسؤال الذي تثيره: من هو هذا المنتظر؟ في إشارة مجازية إلى الخلاص الذي كانت تنتظره المجتمعات العربية من ثورات الربيع العربي.

أما العرض المصري “بهية” لفرقة فرسان االشرق للتراث التابعة لدار الأوبرا المصرية، فهو من إعداد محمد فؤاد عن نص نجيب سرور “ياسين وبهية” وإخراج مصممة الاستعراضات كريمة بدير، ويتمحور حول القصة الشعبية الشهيرة في الريف المصري، وهي قصة غرام الفلاح الشاب ياسين والفتاة الجميلة بهية، وصراعه مع أحد الإقطاعيين في القرية بسبب بطشه وظلمه للفلاحين، ومحاولته الاستيلاء على محبوبته بهية بالقوة.

ويعتمد العرض على أداء حركي تعبيري وأداء موسيقي يتكاملان مع العناصر الفنية البصرية من سينوغرافيا وملابس في تجسيد القضية الرئيسة لبطل القصة ياسين، الذي يحاول الانتقام من الإقطاعي المسيطر على القرية بعد محاولته الاعتداء على حبيبته بهية، وذلك بتحريض أهلها على اقتحام قصره وإحراقه، وكان هذا الفعل هو الشرارة التي أشعلت نار الثورة في قلوب أهل القرية ضد مظالم الإقطاع وقسوته، خاصة حينما يكتشفون أن قاتل ياسين هو الإقطاعي وأعوانه.

ومن الموروث المصري، أيضا، اختار المؤلف والمخرج الكويتي أحمد العوضي شخصيتي “ريا” و“سكينة” في عرضه المسرحي الذي أنتجته فرقة مسرح الشباب، رغم أن قصتهما جرى تناولها في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، لكن الجديد في تناول العوضي لها أنه أضاف شخصية زوج “ريا” السكير، وابنها يوسف ليكون ممثلا لعنصر الخير من خلال عدم رضاه عما تقوم به أسرته من جرائم، إلا أنه ضحية لا يستطيع فعل شيء.

كما جعل ضابط الشرطة شريكا، مقابل المال، للشقيقتين السفاحتين اللتين تستدرجان ضحاياهما من النساء الثريات لقتلهن بحجة قراءة الفنجان وفك السحر عنهن.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش