لغة الجسد.. وسيلة اتصال عالمية ومصدر للعرض المسرحي-1

في اعتقادي ان لغة الجسد هي أصل جميع اللغات المنطوقة لمختلف الأمم والقوميات، فلم يكن الانسان الأول قد عرف اللغة المنطوقة بل كان يستخدم الايماءة الجسدية وسيلة لاتصاله بالاخرين وبدوافع من غريزة المحاكاة – محاكاة الطبيعة طلباً لتحقيق حاجة او لدرء خطر . وكان يرافق الايماءة الجسدية احيانا صوت يظهر تلقائياً نتيجة فعل معين كما لو وجد بركة ماء ليشرب منها وهو عطش فيؤشر بيده اليها ويصدر صوتاً مثل (أي) ثم يتحرك نحو البركة . او نتيجة رد فعل كما لو توجه نحوه حيوان مفترس فترتعد فرائصه ويصدر صوتاً مثل (آه)، وهكذا وعبر الازمان تطورت تلك الاصوات البدائية الى حروف وكلمات وجمل وصارت لغة لفظية منطوقة وكان اصلها واحد هو (الألف باء) . وعبر الازمان اختلفت لغات الاقوام المنطوقة لاسباب عديدة لا مجال لشرحها هنا، ولكن الايماءة الجسدية بقيت على حالها لم تتغير وبقى البشر يستخدمونها احيانا اما تلقائياً او عندما يعجزون عن الاتصال باللغة المنطوقة.ظهرت في السنوات الاخيرة من القرن العشرين دراسات كثيرة عن لغة الجسد كونها لغة عالمية شمولية حيث ان العلامات والاشارات والرموز الحركية التي يؤديها الانسان باعضاء جسمه يمكن ان تفهم من الانسان الآخر تلقائياً لأنه هو الاخر يستعملها احياناً او ذلك لكونها تصدر عن دوافع ومشاعر مشتركة. في عام 1970 نشر اول كتاب عن لغة الجسد ألفه (جوليوس فاست) لخص فيه نظريات علماء السلوك حول الاتصال اللاشفاهي.
تتوزع لغة الجسد على اعضاء الجسم العليا وخصوصاً الرأس والوجه والكتفين والذراعين والاصابع، فهزة الراس الى امام تعني الموافقة وهزة الرأس الى الجانبين تعني الرفض (مع استثناءات لدى بعض الشعوب حيث يحدث العكس) وهناك رفع الحاجبين وهناك التقطيب وهناك رفع الكتفين دلالة على الجهل.والاشارة بحرف (V) بالاصبعين تدل على الانتصار والاشارة بالابهام دلالة على الموافقة ووضع الاصابع على الخد وتحت الذقن تدل على التفكير ووضع الكف على الفم يدل على الدهشة. ولمس العين بالاصبع له دلالة وفرك العين بالاصبع له دلالة وهكذا فان لغة الجسد ترتبط بعلم الدلالة (السيميولوجيا). كان (شارلي شابلن) اول الفنانين السينمائيين الذين استخدموا لغة الجسد في افلامه الصامتة وذلك لادراكه بان ايماءاته الجسدية ستكون مفهومة دلالياً من قبل جميع المتفرجين في العالم . وكان كتاب (جارلس داروين المعنون (التعبير عن العواطف لدى الانسان والحيوان) والمنشور عام 1872 من اهم المصادر التي تطرقت الى لغة الجسد، لكون من الدراسات الحديثة بشأن تعبيرات الوجه واعضاء جسم الانسان الاخرى والتي تعبر عن افكار الانسان ودوافعه وانفعالاته وعواطفه .
ويشير (ألين بيز) الى ان “معظم الباحثين يتفقون على ان القناة الشفهية  تستخدم بصورة رئيسة لنقل المعلومات في حين ان القناة غير الشفهية تستخدم للتفاوض في المواقف في ما بين الاشخاص، وفي بعض الاحيان كبديل للرسائل الشفهية ، مثلاً قد تقدم امرأة نظرة قاتلة الى رجل ما ، انها سترسل اليه رسالة جلية دون ان تفتح فاها”، ويذكر (بيز) ايضا “ان النساء عموماً مدركات اكثر من الرجال، وقد اوجدت هذه الحقيقة ما يشار اليه عادة بانه حدس النساء. ان للنساء قدرة فطرية على التقاط الاشارات غير الشفهية وفك رموزها.”
تطرق (بيز) الى ايماءات راحة اليد حيث تدل الراحة المفتوحة على الصدق والامانة والاستقامة  والخضوع والطاعة ويستغرق في دلالات وضعية الراحتين لدى البشر والمصافحة وانواعها. وتطرق الى ايماءات اليد والذراع فلتشابك الاصابع دلالة ولأوضاع الابهام دلالات وهناك دلالات لوضع ليد على الوجه ومناطقه – الفم والخد والاذن وكذلك الحال بالنسبة لوضعيات الذراعين وهناك دلالات لاوضاع الساقين والقدمين.
وينتقل (بيز) الى اشارات العينين، ويستطرد في وضعيات الجلوس ويشير الى دلالات الابتسامة. ويستنتج من كل ذلك ان باستطاعة المرء ان يقرأ افكار الآخرين من خلال لغتهم الجسدية – ايماءاتهم.

 

سامي عبد الحميد

http://www.almadapaper.net/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *