كُتّاب المسرح.. غيابٌ تقوده إغراءات الرواية والدراما التلفزيونية

خلود حوكل – البيان – مجلة الفنون المسرحية 

 

ما يقارب من 15 فرقة مسرحية، وما يزيد على 4 مهرجانات مهمة تقام سنوياً، إلا أن هناك أزمة نصوص مسرحية يعاني منها المسرح في دولة الإمارات.
 
ولمعرفة الأسباب التي تقف وراء هذا الانصراف عن الكتابة للأعمال المسرحية نحو كتابة القصة والرواية، تم طرح هذا السؤال باعتباره قضية مهمة يعيشها المسرح الإماراتي اليوم، بعد مرور 68 عاماً على تجربته وانطلاقة مشواره الذي بدأ في العام 1950، ومما يؤكد أهمية مثل هذا التساؤل، تلك الورشة التي أقامها أخيراً، مسرح دبي الشعبي بالتعاون مع هيئة دبي للثقافة والفنون (دبي للثقافة) واحتضنها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في فرعه بدبي، والتي كان عنوانها (تحويل العمل الروائي إلى نص مسرحي).
 
توجهنا بهذا السؤال لعدد من المسؤولين والكتّاب والمهتمين، ورصدنا عدداً من إنجازات وأعمال المسرح الإماراتي، الذي شهد انطلاقاته الأولى في مدرسة القاسمية، من خلال عدد من المسرحيات، مع حضور العنصر النسائي الذي كان واضحاً من خلال الكتابة التي ظل جزءاً منها حبيس الجدران وأروقة المدارس، إضافةً إلى المشاركة النسوية التي فتحت الباب على مصراعيه لظهور جيل من الفنانات.
 
لكن يظل السؤال الأهم والأبرز الذي طرح: هل يعاني المسرح الإماراتي أزمة كُتّاب؟
 
وكانت الإجابة ب”نعم”، حيث أكد المشاركون أن السبب في غياب وضعف وجود كتّاب المسرح، تحول الكتاب نحور خيارات كتابة الرواية وكتابة أعمال درامية تلفزيونية.
 
«حرفنة» مفقودة
 
وجهنا السؤال بداية لياسر القرقاوي، رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الشعبي، الذي قال إن الجانب الأدبي هو النوع المسيطر على أي نوع من أنواع الفنون، وأهم الأعمال والأفلام السينمائية المعروفة هي عبارة عن روايات تم تحويلها إلى سيناريوهات أفلام أو مسلسلات عالمية، وهناك أعمال عربية مهمة في التاريخ العربي حولت إلى مسلسلات مثل ثلاثية نجيب محفوظ و«ليالي الحلمية» اللذين قدما في ثمانينات القرن الماضي، وهو أهم ما أنتجته الدراما العربية، لكن ما يحدث الآن هو الابتعاد عن حرفنة كتابة السيناريوهات بشكلها الخاص.
 
فلم يعد هناك كتاب متخصصون للمسرح ويكتب للمسرح فقط دون غيره، وهذا ما لمسناه، وطرح خلال الورشة التي أقامها مسرح دبي الشعبي بالتعاون مع هيئة دبي واتحاد كتاب وأدباء الإمارات في دبي، والهدف منها الاطلاع على الإمكانيات، والبحث عن مواهب لسد نقص فراغ النصوص المسرحية، فكان إطلاق نادٍ لكتّاب المسرح، فالنصوص المسرحية في المسابقات أقولها سيئة، ولا ترضي الطموح، وعن تجربة حولت أحد النصوص إلى لجنة خاصة بالمسرح، إلا أنها لم تكن مقنعة ولم تستفز المخرج، وفازت لأنها أفضل السيئ!
 
وتابع : كانت هذه الورشة ضمن برنامج مهرجان دبي لمسرح الشباب لتنمية المواهب ضمن برامج وورش أخرى، ويأتي إطلاق النادي الذي يضم مجموعة من المسرحيين ومجموعة من الأدباء لإنتاج نصوص أدبية مسرحية جميلة وراقية في مسرح دبي وغيرها من المسارح.
 
معاناة وحلول
 
وقال الكاتب والمخرج المسرحي مرعي الحليان : لدينا كُتّاب مسرحيون، ولو أنهم قليلون بالنسبة لساحة مسرحية عريضة بها ما يقرب من 15 فرقة مسرحية مُشهرة، وهذه الفرق تعمل على مدار العام، ولدينا حركة مسرحية في الدولة نشطة وتتميز بتعدد مهرجاناتها الموسمية..
 
فهناك مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان الإمارات لمسرح الطفل، ومهرجان دبي لمسرح الشباب، ومهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي، ومهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة.. إضافة إلى المواسم والمناسبات، والتي تتطلب عروضاً دائمة، وهذه القلة من الكتّاب في الحقيقة لا تلبي متطلبات الفرق المسرحية، ولا تلبي هذا النشاط الواسع من العروض.
 
وتابع: هذا من جهة، أما من جهة أخرى فحتى هؤلاء الكتاب القلة إنتاجهم قليل، فقد خسرنا أسماء في الساحة المسرحية وجدت لها مكاناً آخر غير المسرح، فبعض الكتاب تخصص في كتابة الدراما التلفزيونية، وهذا أمر جيد، لأننا أيضاً نعاني نقصاً في كتاب الدراما التلفزيونية، لهذا فإننا نجد اليوم أن الذين يغطون الساحة المسرحية ونشاطها كله لا يتجاوز عددهم الأربعة كتّاب على أكثر تقدير..
 
والبحث عن مخرج من أزمة الكتابة للمسرح يحتاج إلى مشروع ورشة مسرحية موسعة، وإلى متخصصين في الكتابة المسرحية يحاضرون في هذا المشروع، ويجب أن ننتبه إلى مسألة مهمة، وهي أنه لا يمكن لمشروع ورشة كتابة مسرحية أن تخرج كُتّاباً في المسرح في غضون أسبوعين أو شهر أو شهرين.. الأمر يحتاج إلى سنة على الأقل.. في بعض الدول حدثت مثل هذه الورشة الموسعة، حيث تم استقدام خبير مسرحي أشرف على ورش كتابة النصوص المسرحية مع عدد من هواة الكتابة، وكانت مخرجات هذه المشروع جيدة.
 
واستطرد الحليان: أن تربي كاتباً مسرحياً يعني أن تؤسس لحالة من الإبداع تحتاج إلى موهبة الكتابة، مع ورشة لصقل المهارات وتعلم تكنيك إنشاء المعالجة الدرامية.
 
الأمر الآخر أيضاً، والذي من المهم الحديث عنه، أنه على الرغم من وجود كُتّاب مسرحيين، إلا أنهم على الجانب الآخر بعيدون عن قضايا المجتمع الآنية.. والتصاقهم بالشارع وهمومه ضعيف، ولهذا نجد أن الجمهور لا يقبل على مسرح يستورد حكاياه ومواضيعه وهواجسه من خارج بيئة المجتمع.. الكاتب المسرحي، هو مرآة مجتمعه ولاقط همومه وما يعتمل في صدور الناس.. المسرح في صميمه، هو كشف المستور، وإظهار ما لا تراه العين في سلوك المجتمع.. والمسرح ابن بيئته ولا تنشأ تجربة مسرحية رائدة وتنطلق إلا من بيئتها أي من محليتها.
 
هذه الأمور كلها يعاني منها النص المسرحي المحلي.. ولن يكون لدينا كتاب مسرحيون على دراية عالية بهموم مجتمعهم وجمهورهم الذي يتوجهون إليه، من خلال تدريب أقلام جديدة لخوص هذه التجربة.. ولدينا خامات مناسبة من الروائيين والقصاصين الإماراتيين الذين يسهل أن يتحولوا للكتابة المسرحية إن أرادوا، فهم يمتلكون أدوات السرد القصصي، وعليهم أن يطوروا أدواتهم لكي يكتبوا للمسرح الذي لا يتكئ على السرد، بل على الأفعال والأحداث التي تحدث الآن أمام المتفرج.
 
أزمة
 
المؤلف والممثل عبدالله صالح الذي بدأ مسيرته الفنية من خلال مسرح دبي الشعبي، الذي ساهم أيضاً في تأسيسه، أكد أن المسرح في الإمارات يعاني بما لا يدعو مجالاً للشك أزمة كتاب مسرحيين، وهذا سبب توجه الكثير من المسرحيين للكتابة نظراً للحاجة التي ولدت هذا التوجه لدى العديد غيره من المسرحيين، مع وجود الخبرة والتجربة الطويلة في هذا المجال، وأضاف أن المسرح في الإمارات خاض مختلف التجارب حتى تجربة النصوص الخارجية، فظهر العديد من الكتاب وغابوا عن الساحة من أمثال الكاتب الراحل سالم الحتاوي الذي كان مكسباً كبيراً للمسرح حتى رحيله، رحمه الله، وعدد آخر من المبدعين مثل إسماعيل عبدالله، ومرعي الحليان وناجي الحاي الذي توقف عن الكتابة لأسباب خاصة، وجمال مطر الذي اتجه للإنتاج والإخراج المسرحي.
 
إضافة إلى الجيل الجديد من الكتاب كجاسم الخراس ومحمود القطان وغيرهم الذين لم يستمروا في هذا المجال، ربما بسبب حاجة الكتابة المسرحية إلى (طول البال) ونفس الكاتب قصير، وأحد الأسباب أيضاً في أزمة قلة الكتاب في هذا المجال هو اتجاه غالبية الكتاب من هذا الجيل لكتابة الرواية والقصة.
 
وأردف صالح : جاء على ذكر مبادرة (ورشة تحويل العمل الروائي إلى مسرحية) التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بفرعه في دبي بالتعاون مع هيئة دبي للثقافة ومسرح دبي الشعبي، وهي خطوة مبشرة لتحويل جيل الشباب نحو العمل المسرحي، لمعرفة أساليب ومفاتيح كتابة العمل المسرحي الذي يعتمد في صياغته على طريقة المشاهد والفصول، بينما تميل الرواية والقصة لأسلوب السرد.
 
لذا قد تكون كتابة الرواية والقصة أسهل، وأكد عبدالله صالح ضرورة أن يتحلى من يرغب بالكتابة بثقافة عالية، وأن يملك حصيلة غنية من المفردات التي تخدم نصه، إضافة إلى قدرته على البحث لخلق أفكار جديدة ومبتكرة للقضايا التي يطرحها، إضافة إلى ضرورة أن يحرص على حضور العروض المسرحية المختلفة للاطلاع والاستفادة.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *