فن “المونودراما”.. مسرحية الممثل الواحد ماذا تعرف عنها؟

1280x960-1

بينما يرى كثيرون أن مشاهدة مسرحية كاملة لا يظهر فيها سوى ممثل واحد، يؤدي دوراً أو عدة أدوار، سواء كان دوراً صامتاً أو ناطقاً، تبعث على الملل، يجد آخرون أن مثل هذا العمل يُظهر إمكانات الفنان وطاقاته، وقدرته على ملء المسرح، وتحريك عاطفة الجمهور.

ذلك هو فن “المونودراما” الذي يعتبر أحد الفنون الدرامية، وشكلاً من أشكال المسرح التجريبي، التي تطورت واتسعت رقعتها خلال القرن العشرين.

ولـ”المونودراما” عدة تعاريف، لكن جميعها تتفق أن المونودراما هي مسرحية يقوم بتمثيلها ممثل واحد يكون الوحيد الذي له حق الكلام على خشبة المسرح، فقد يستعين النص المونودرامي في بعض الأحيان بعدد من الممثلين، ولكن عليهم أن يظلوا صامتين طول العرض وإلا انتفت صفة “المونو” (كلمة يونانية الأصل mono بمعنى واحد) عن الدراما.

يعتبر كثيرون أن أصل هذا النوع يعود إلى ما قدمه الممثل والكاتب المسرحي الألماني جوهان كريستيانابراندز عام 1775-1780.

لكنه لم يلق رواجاً كبيراً لأنه لا يعد حواراً ثنائياً، ويعود أوَّل نص مسرحي يصنف كمونودراما مكتملة الشروط الفنية إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسي جان جاك روسو، وكان ذلك عام 1760، وهو نصه (بجماليون).

لكن أول من أطلق اسم مونودراما على نصه (مود Maud) كان الشاعر ألفريد تينيسون Alfred Lord Tennyson في العام 1855. لاحقاً بدأت نصوص المونودراما تتكاثر ويرتفع لها الصوت، فكتب تشيخوف نصه الشهير (مضار التبغ) ووصفه بالمونولوج في فصل واحد، وكتب الفرنسي جان كوكتو نصه (الصوت الإنساني)، وكتب يوجين أونيل نصاً مونودرامياً بعنوان (قبل الإفطار)، في حين كتب صموئيل بيكيت (شريط كراب الأخير) الذي اعتنى بالمونودراما، ووجدها أنسب الأشكال المسرحية للتعبير عن العبثية التي تقوم على عزلة الفرد واستحالة التواصل الاجتماعي.

برز هذا الشكل المسرحي وازدهر في العصر الحديث خاصة بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، هذا يعود إلى أن ظهور المدرسة النفسية بريادة سيغموند فرويد ومن تلاه، ساهمت في ترسيخ فن المونودراما، بالتركيز على الأمراض الشخصية والعصبية والنفسية للإنسان، ومن ثم انعكس هذا على خشبة المسرح، حيث يأخذ الفنان المسرحي مادته من الحياة ليضعها في نهاية الأمر بأمراضها وانفصامها ووحدانيتها على خشبة خالية تبحث عن مخلص، أو من يستمع إليها.

من أهم السمات المميزة لهذا الشكل هي الفردية والتركيز المنصب على الفرد؛ فبداية من وجود الفنان وحده على خشبة المسرح مواجهاً الجمهور، يسرد حواراً أو حتى يؤدى أداءً صامتاً، لكنه ملزم بملء المسرح وإقناع الجمهور بما يقدم.

كذلك فإن الممثل ولكونه وحده على خشبة تكاد تبتلعه داخلها، فالأمر يصبح شخصياً وذاتياً مع هذه النفس القائمة على خشبة المسرح. فكل ما يحدث من جانب واحد لا أكثر.

ولكون العمل قائماً من جانب واحد، يجعل الممثل التركيز على ما يرويه من حدث، أيضاً فإن الصراع النفسى من أهم سمات المونودراما لأن الحدث المتصاعد يكون من خلال فرد واحد يجادل ذاته، وبهذا فالصراع داخلي نفسي.

وعلى الخلاف من العمل المشترك مع فريق من الممثلين، فإن المونودراما تحتم على الفنان الاهتمام بالخلاص الفردي على الخلاص الجماعي، لهذا يغرق في الذات متناسياً المحيط الواقعي.

لكن المونودراما تعاني من إشكالية التلقي؛ فمع شيوع هذا النوع من الفن وتملكه مساحة من الاهتمام من قبل المسرحيين والمسؤولين عن المسرح في العالم، إلا أنه يواجه إشكالية حقيقية، وهي إشكالية التلقي.

فمعروف أن الجمهور هو الحكم الأول لأي عرض مسرحي، وهو الذي يقرر نجاحه أو فشله من خلال استجابته وتلقيه لهذا العرض، لذا تلقى المونودراما نفوراً من جمهور المسرح، وتبدو أكثر نخبوية، يتابعها الخاصة، إلا ما ندر من تجارب مونودرامية تمسكت بالجماهيرية بتناولها لقضايا تهم الجمهور ولكنها لا تتنازل عن القيمة.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *