فنانون: تنازلت الثقافة العربية عن خطابها العالي فضَعُفَ المسرح

قال الفنان المسرحي الإماراتي مرعي الحليان إن المشكلة التي يواجهها المسرح العربي تتمثل في «عملية التهميش والتغيب التي مورست عليه، بسبب تنازل الثقافة العربية عن مستوى خطابها العالي جداً، والحوار الفكري الإبداعي اللذين كانا موجودين في الثمانينات».

وأضاف الحليان بأن «خطاب القومية والخطاب الثقافي الذي كان حاضراً في الثمانينات هو ما أوجد عباقرة المسرح أمثال قاسم محمد والصديقي».

جاء ذلك في ندوة شهدها معرض الشارقة الدولي للكتاب (4 – 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015) جاءت تحت عنوان «سبل النهوض وتجدد المسرح العربي» شارك فيها إلى جانب الحليان، كل من إسماعيل عبدالله رئيس جمعية المسرحيين في الدولة وأمين عام الهيئة العربية للمسرح، والفنان أحمد الجسمي.

الفنان والكاتب إسماعيل عبدالله بدأ الحديث، عن تجربته الأخيرة مع مسرح العرائس والدمى الذي أقيم أخيراً في القاهرة وشارك فيه إسماعيل، وقال «منذ البدء كان المسرح مصباحاً منيراً مؤثراً في مجتمعه مساهماً في حركة التنمية وإن خفت ضوؤه بسبب الأعاصير والرياح العاتية في زمن أو آخر إلا أن هذا المصباح مازال قادراً على أن ينير لا يموت ولاينطفئ هذا الضوء لأن زيته نبض الناس وإخلاص مريديه وحواريه والمشتغلين فيه».

وأضاف «يقال أننا نمر في زمن خفوت هذا الضوء وسنتحدث عن هذا حينما يحين الوقت ولكن طلب مني الحديث عن تجربة القاهرة فيجب أن أتوقف عند الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية التي عملت على إعدادها الهيئة العربية للمسرح وانتهت من إنجازها في أواخر عام 2012 وشارك في وضعها أكثر من 300 مسرحي عربي شخصوا الحالة المسرحية العربية.

وأوضح «هذه الاستراتيجية تم اعتمادها من قبل وزارء الثقافة العرب أخيراً، وأوكلت إلى الألكسو مهمة التتنسيق بين الهيئة العربية للمسرح ووزارات الثقافة العربية لتنفيذ ما نصت عليه أو اقترحته هذه الاستراتيجية. من ضمن اقتراحاتها كانت إعادة الروح إلى فنون العرائس والدمى والفنون المجاورة، وذلك إيماناً منا بأهمية هذا الفنون في صناعة الفرجة المسرحية أو الشعبية وتأثيرها في النشئ منذ بداية هذه الفنون في عام 1958 حيث أول تجربة لمسرح العرائس في الوطن العربي في القاهرة».

وأضاف «أن ما تم في القاهرة من نجاح فاق التوقع، فلقد كان هناك احتفاء شعبي على مستوى المحافظات وعلى مستوى التنظيم بذلت كل الجهود لإنجاحه ثم التمام شمل العرائسيين والمشتغلين بمسرح الدمى في الوطن العربي».

وقال عبدالله أن عروض الدمى والعرائس قدمت في أماكن مختلفة ولثقافات متنوعة في المجتمع المصري، من الشباب الواعي والمثقف وصولاً إلى سكان المناطق الشعبية التي استقبلت هذه الفنون بشكل يفوق التوقع» واختتم حديثه عن الملتقى بقوله «نفخر بما تحقق في الملتقى لأن هذا يأتي ضمن استنهاضنا للحركة المسرحية العربية من جديد».

بعدها تحدث الفنان أحمد الجسمي عن بدايات المسرح قائلاً «قديماً كان هناك حالة تنافس عالية بين المسرحيين العرب حول العروض المسرحية والبحث عن هوية المسرح العربي، فكانت هناك عروض الطيب الصديقي التي توجد فيها حالة بحث وتجلي سواء في النص أو الإعداد، ومن العراق كان هناك قاسم محمد». مقارناً بين مهرجانات المسرح سابقاً واليوم قال «في مهرجانات المسرح اليوم يمكننا أن نعرف من أول وهلة أن هناك عرض واحد متميز من بين العروض جميعها، يحمل هدف معين وبه حالة إبداعية ساحرة» موضحاً «لا أجزم بأن روح المنافسة خفتت بين الشباب، إلا أن طبيعة الأعمال المقدمة تغيرت، فمع بداية أي مهرجان أصبح من السهل إدراك العرض المتميز، لما يحمله من هموم وقضايا المجتمع».

وأضاف الجسمي: «ارتقاء النشاط والفعل المسرحي العربي في زمن ما، منح المسرح العربي فرصة التواجد بجانب المسرح العالمي، ولذلك أسباب كثيرة منها تحرك المؤسسات العربية باتجاه المسرح العربي، إذ لم تنقطع المهرجانات العربية في قرطاج ودمشق وبغداد والقاهرة والمغرب والأردن»

وعودة إلى المسرح قديماً قال «كانت هناك عروض تجمع شمل كافة المسرحيين العرب مثل مسرحية كرم مطاوع «وا عروبتاه» التي قدمت في بغداد. هذه النوعية من الأعمال التي تجمع الفنانين العرب ما بين كتّاب ومخرجين وفنانين كانت تعطي نوعاً من الحياة للمسرح العربي إضافة إلى أننا كنا نحتك بمبدعين وأساتذة كبار وحصيلة الاحتكاك أن تأتي بالتجارب إلى بلدك».

الجسمي أشار إلى أن الوضع الحالي تغير لكنه أشار «حالياً لدينا المهرجان الخليجيي الذي يتميز المسرح الإماراتي فيه لأسباب كثيرة أهمها أننا نحصل على دعم حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، الذي جعل المسرح الإماراتي متطوراً وثابتاً ومتجدداً على الأقل على المستوى الخليجي»

وإضافة إلى ذلك أشار الجسمي «كذلك فإن تبنى حاكم الشارقة للهيئة العربية للمسرح هو استنهاض للمسرح، وأيضاً حين نتحدث إلى ما حققته أيام الشارقة المسرحية من إنجازات وهي من أهم المهرجانات المسرحية في الوطن العربي إذ، أصبحت رافداً كبيراً في المهرجان الإماراتي والمسرح الخليجي أيضاً بدليل أن كتابات إسماعيل عبدالله أصبحت مطلوبة في جميع دول الخليج.

وقال الجسمي «بعيداً عن الظرف السساسي والربيع العربي وتأثيراته، أًصبح لدينا في الشارقة حالة من الإبداع بحيث أصبحنا نفكر بالهم العربي قبل الهم المحلي، كما في ثلاثية إسماعيل عبدالله ومحمد العامري وأنا ثالوثهم في هذا الإبداع كممثل. نحن نقدم مسرحيات مثل «حرب النعل» أو «صهيل الطين» أو «لا تقصص رؤياك»، لا نتحدث فيها عن هم عربي فقط بل عن هم الوقت الحالي الذي نعيشه، واليوم من النادر أن نرى بعض التجارب المحلية أو الخليجية بل حتى العربية التي تحمل مثل هذا الهم، فالهموم أصبحت مختلفة. أعتقد أن المسرح سوف يستمر بقوة أكثر وخصوصاً في ظل وجود رجل مثقف مثل حاكم الشارقة يتبنى المسرح والمسرحيين على مستوى الوطن العربي، ولذا سوف يكون المسرح بخير».

الفنان مرعي الحليان، تحدث عن المرحلة التي ذكرها الجسمي وقال «المسرح العربي لايزال حياً وقوياً، ومريديه ومفكرية ومحبيه في ازدياد، ولكن المشكلة التي يواجهها تتمثل في عملية التهميش والتغييب التي مورست عليه، وجزء من السبب يعود لتنازل الثقافة العربية عن مستوى خطابها العالي جداً، الذي كنا نشعره في فترة الثمانينات والحوار الفكري الإبداعي الذي كان موجوداً»

وأضاف «ما أوجد قاسم محمد والصديقي، وكل عباقرة المسرح، هو الخطاب الإبداعي العام المؤثر في الساحة العربية، وخطاب القومية العالي والخطاب العروبي والثقافي الذي كان حاضراً وقتها».

واستذكر قائلاً «كان سعد الله ونوس يقود جيشاً من المسرحيين ويقود راية في المسرح الاحتفالي وكان الشاعر أدونيس يقود الحداثة من لبنان وكان هناك خطاب فكري عالٍ جداً في الساحة. هذا الخطاب كان متوفراً للمتفرج والمستمع والمريد العادي وكنا نشاهد كل هذا عبر الإذاعة والتلفزيون والصحافة. حين بدأ الإعلام يتخلى عن هذا الخطاب وبدأت الصحافة تذهب إلى التسلية وإلى الخبر «اللايت» و «اللايف ستايل» أصحبت الثقافة والفكر ليست لقارئ اليوم».

وتابع «في أيام الخليج الثقافية كانت الصفحة الثقافية تفرد بكاملها لقصيدة شاعر من الشعراء ويتم الاحتفاء بها، وكان هذا يغذي المستمع والقارئ والساحة العامة. كانت المحطات التلفزيونية تفرد مساحات للحوار والخطاب الأدبي والإبداعي بما فيها المسرح، فكان التلفزيون يقدم مسرحيات ولديه برامج ثقافية. الآن في كل محطة هناك برنامج ثقافي يتيم جداً يرمى في آخر الأسبوع لأن الثقافة لم تعد تناسب هذا العصر، الخطاب الفكري العالي الواعي لا يناسب هذا العصر. مسرحيات مثل «صهيل الطين» و «حرب النعل» ومثل هذه الأعمال لا يمكن أن تقدم الآن لكي يسهر عليها الجمهور.

لكن الحليان برغم ذلك يرفض أن يقول أن المسرح يموت إذ يشير «كيف نقول أن المسرح يموت ولدينا الهيئة العربية العامة للمسرح التي تصرف ملايين الدراهم سنوياً لاستضافة أكثر مما يقارب من 500-600 ضيف مسرحي عربي وتقيم ورش للبلدان، هناك أموال تصرف في المهرجان العربي الذي تقيمه الهيئة سنوياً في عاصمة من العواصم العربية للم شمل المسرحيين العرب وتوحيد مشاكلهم وتعاطيهم مع الإبداع السمرحي».

وتابع الحليان: «بلا شك أن مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح كل عام في إحدى العواصم العربية، فيه دليل على أن الحركة المسرحية العربية لاتزال حيه، ولكن بسبب تعنت وسائل الإعلام وعدم اهتمامها غاب عن الواقع ولم يعد أحد يشعر بأهمية المسرح».

ودعا الحليان في ختام مداخلته إلى ضرورة إعادة إحياء الصفحات الثقافية في الصحف والإعلام الثقافي المرئي والمسموع، وذلك حتى نتمكن من إعادة الخطاب الفكري العربي مجدداً وبالتالي تحفيز الحركة المسرحية العربية لتقديم ما لديها من إبداعات، بقوله «كيف نقول إن المسرح العربي سقط في ظل وجود ملتقى الدمى أو الإبهار الخطير الذي حصل في الأحياء الشعبية. إذن الناس تتعاطي مسرح وهناك من يعمل في المسرح لكن هذا لا يجد له مساحة في الإعلام العربي الذي تخلى عن الخطاب الفكري المثقف الواعي وبدأ يذهب إلى الخطاب السطحي إلى التسليع، وبالتالي لا نجد مساحة الآن حتى لتثقيف أبنائنا نحن تثقفنا من الراديو والتلفزيون ومن الصفحات الثقافية في الصحف، لكنها قتلت الآن وأصبحت صفحات إخبارية فقط لا يمكن أن تنشر إبداعاً لذلك أطالب من خلال هذه الجلسة أنه لكي نعيد الخطاب للثقافة العربية أن يكون حاضراً وأن يكون قوتاً يومياً للناس».

 

منصورة عبدالأمير

http://www.alwasatnews.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *