“فابريكا”.. مسرح للفرح السوري رغم سطوة الوجع

نضال قوشحة – العرب – مجلة الفنون المسرحية

مسرحية “فابريكا” تحمل الكثير من السخرية التي تحرك في نفس المتلقي أوجاعا سياسية واجتماعية مزمنة يعاني منها منذ سنوات.

“إن مسرحية ممثل الشعب تحفل بمواقف وأفكار في غاية السخرية والاستهانة بالنواب وأعضاء الحكومة”، بهذا الرأي القاطع جاء تقرير الجهة الرقابية الرسمية في يوغسلافيا عام 1883 عن مسرحية “نائب الشعب” التي ألفها الكاتب برانيسلاف نوشيتش، والتي كانت أولى مسرحياته في مسيرته الأدبية الطويلة، وبسبب هذا التقرير الرقابي تأجل عرضها على خشبات المسارح لمدة تقارب الربع قرن، ثم قدّمت بعد ذلك على المئات من المسارح في العالم، من بينها المسرح السوري، حيث يعمل المخرج أيمن زيدان على إعادة صياغتها بما يوافق الراهن السوري.

في صالة “مسرح الحمراء” بقلب العاصمة السورية دمشق يتابع الفنان المخرج أيمن زيدان ومجموعته تحضير العرض الجديد “فابريكا” المقتبس عن مسرحية “نائب الشعب” للكاتب الصربي برانيسلاف نوشيتش، الذي ستنطلق عروضه الأولى الاثنين.

التحضيرات على أشدها في الصالة وسط جو يحمل الكثير من الجدية والمحبة بين صناع العرض، فمع وصول الفنان لجين إسماعيل من حلب، وبعد سفر طويل يقارب السبع ساعات يأتي فورا لصالة التمرين، ويصل كذلك الموسيقي سمير كويفاتي الذي قدم بدوره من حلب ليحضر التمرين، أما محمد حداقي فكان يقتطع من لحظات العمل ثواني يتناول فيها وجبة غدائه التي تأخر عنها بسبب التمرين.

أيمن زيدان: أتابع المشوار الصعب بحثا عن صيغة لمسرح قريب من الناس

من هناك يقدّم النجم السوري أيمن زيدان مسرحيته “فابريكا” المقتبسة عن المسرحية العالمية الشهيرة “نائب الشعب” في خطوة جديدة منه لتكريس المسرح الشعبي الراقي، الذي يبتعد عن تقديم شكلانية المسرح الكلاسيكي العالمي المعروف والذي لا يلقى شعبيا حضورا كبيرا، ويبتعد أيضا عن الأسلوب الذي يقدّمه المسرح التجاري العادي، الذي كما تجربة السينما التجارية، يقوم على لعبة توابل الفن، من غناء ورقص واستعراض، حيث يبتعد تماما عن جدية الطرح وتقديم قضايا حقيقية.

ولأيمن زيدان في هذا التوجه خطوات سابقة، سجلت نجاحات كبيرة على مستوى تقديم مسرح يقدّم أفكارا هامة وعالية المستوى، وبطريقة شعبية تحقّق فهم وتواصل الناس البسطاء معها، فهو بتجاربه الماضية التي تمتد لأكثر من ثلاثين عاما خلت، أصّل ومن ثم كرّس حالة مسرحية خاصة، تكاد ترتبط باسمه، كانت دائما تحظى بمتابعة جماهيرية كبيرة.

وقدّم أيمن زيدان على امتداد ما يزيد عن الثلاثة عقود مسرحيات مثل “رحلة حنظلة”، “سوبر ماركت”، “فضيحة في الميناء”، “دائرة الطباشير القوقازية”، وقدم حديثا “اختطاف” والتي حققت نجاحا كبيرا في سوريا، كما عرضت في تونس.

وكما جرت العادة، يقدّم زيدان عمله الجديد من خلال مزج هذا النص الأوروبي بنكهة محلية تجعله في متناول البيئة السورية، فعمل مع محمود الجعفوري على إعداد المسرحية بالشكل الذي يتوافق مع البيئة السورية، واختارا معا “البرلمان” عنوانا للمسرحية قبل أن يستقر الرأي نهائيا على اسم “فابريكا”، وهو تناول ذكي لمدلول شعبي معروف.

في المسرحية هناك تناول شيق لصراعات بين العديد من الشخوص في مدينة، حيث النزاع على أشده بين رجلين،  كهل يؤجر غرفة من بيته لشاب، لا يلبث أن تربطه بابنة المؤجر علاقة حب، وشاب وافد يمتلك عنفوان الشباب وقوته، لتبدأ جولات الصراع بينهما، بين رغبة الأب في إخراجه من البيت، ومقاومة الشاب والابنة لهذه الرغبة، لكن هذا الحدث البسيط لن يكون سوى خلفية عادية، عندما تتعقد الأمور أكثر لاحقا وتبدأ مرحلة انتخابات جديدة، وتتيح الدولة للجميع الترشح لها، فيكون التناقض الأوسع والصراع الأعنف بين الطرفين الأساسيين ومحيطهما، كونهما يقفان على طرفي نقيض في العديد من الرؤى والآمال في أحلامهما السياسية والاجتماعية.

زيدان: حالة مسرحية بسيطة، تحاكي أوجاع البسطاء وآمالهم، أحببنا أن نعرضها كما هي بكل بساطتها وحيويتها، لكي تكون في متناول الجميع، ولكي يأتي الناس باختلاف شرائحهم لمتابعتها حتى نجعل من المسرح حالة اجتماعية وليست فنية فحسب

وتتداخل دوائر المال والسياسة والوظيفة العامة وبالطبع الناس المهمشين، لتُحاك من كل هذا قصة كوكبة من الناس، حيث الآمال التي كانوا يرغبون بتحقيقها تصطدم بالتعاطي الحقيقي الذي فرض عليهم نتيجة تعقّد المصالح وتشابكها وصولا إلى درجة شراء الذمم والولاءات لأجل الظفر بمنصب “نائب الشعب” الذي يتحدّث عنه العرض.

وفي المسرحية الكثير من السخرية التي تحرّك في نفس المتلقي أوجاعا سياسية واجتماعية مزمنة يعاني منها منذ سنوات، كما يقدّم العرض محاولة ذكية في تناول موضوعات كبرى بأسلوب بسيط وكوميدي.ويقول زيدان عن عمله الجديد “هي حالة مسرحية بسيطة، تحاكي أوجاع البسطاء وآمالهم، أحببنا أن نعرضها كما هي بكل بساطتها وحيويتها، لكي تكون في متناول الجميع، ولكي يأتي الناس باختلاف شرائحهم لمتابعتها حتى نجعل من المسرح حالة اجتماعية وليست فنية فحسب، هذه اللعبة تستهويني وأحب العمل عليها”.

وفي المسرحية يقدّم زيدان نخبة من الطاقات الفنية، ففي الدور الرئيسي يقدّم بطله شبه الدائم محمد حداقي، كذلك يقدّم لجين إسماعيل الذي كان بطل عرضه الماضي “اختطاف”، وكذلك حازم زيدان في دور العاشق، ولوريس قزق وفادي الحموي ولما بدور وخوشناف ظاظا ونجاح مختار.

يكتب أيمن زيدان عن تجربته الجديدة “في مسرحية ‘فابريكا’ أتابع المشوار الصعب بحثا عن صيغة لمسرح قريب من الناس يحمل بعضا من أوجاعهم وبعضا من أحلامهم.. منذ ‘رحلة حنظلة’ ومرورا بـ’عنترة’ و’فضيحة في الميناء’ و’حكايا الحكيم’ و’سوبر ماركت’ و’سيدي الجنرال’ و’راجعين’ و’دائرة الطباشير’ وصولا إلى ‘اختطاف’، لازلت مصرا على المضي في الطريق الوعر، وكلي أمل أن يوصلني إلى قلوب البسطاء الذين يرون في المسرح برلمانا حرا لهم، في ‘فابريكا’ الآن لحظات اختبرها وكل ما أصبو إليه أن تكون فرجة شعبية ممتعة فيها نتف من الفرح المسروق في أوجاع الأزمنة

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *