غايَةُ الغايات – د. محمد المديوني

.jpg

     للرقم “12” دلالاتٌ تتجاوز ما يعنيه في العَـدِّ والحساب؛ فغالبًا ما يقترن هذا الرقمُ، في ثقافات البشر المُختلِفة المتنوِّعة، بمعاني النهاياتِ ومعاني البدايات في آن، ألا يُقسم اليوم إلى نهار وليل كلاهما يقوم على 12 ساعة … والسنة، ألا تقوم في حساب مختلف التقويمات التي عرِفتها البشريّة على 12 شهرًا … وقس على ذلك ما يدور في أذهان الكثيرين ممّن يؤمِنون بالأجرام وبقُدرتها على استكناه ما يُخَبِّئُه الآتي للبشر والأقوام. لا يُمكن أن لا نرى في وصول مهرجان المسرح العربي، وهو في مدينة عمّان، إلى دورته الثانية عشر الاّ انتهاءً من مرحلة وانطلاقًا في أخرى، وقد حصل من النُّضج ما حصل: فلقد نشأت آليّاتٌ للتسيير عند العاملين فيه ما انفكّت تتدفّق وتترقّق؛ وحَصُلَ للمشرفين عليه والمتعاملين معه من الدّربة في التخطيط والإنجاز ما جعله نموذجًا لا يُستهان به.

ولقد تعدّدت فقرات المهرجان وتنوّعت النشاطات ولامَسَتْ مجالاتٍ في المسرح وحوله تَشِي بسَعْيٍ إلى الشمول: … عروض مسرحيّة … ندوات نقديّة تطبيقية … ندوات فكرية، مسابقات في التأليف للكبار والصّغار … منافسات في البحوث وفي الدّراسات … إصدارات … إضافةً لصوَر الاحتفاء بالفنّانات والفنّانين … كل هذه النشطات قد رسَمت آفاق انتظار ما انفكّت تتّسع لدى المسرحيّين والمَعنيّين بهذا الفنّ من بين العرب. إنّ تعميقَ هذه النشاطات وترقيقَها أمْرٌ سيحصُل، في تقديري، بحكم التراكم في الدورات الآتية …

يبقى أمرٌ أرجو أن يحظى، في المُستقْبَل، بعناية أكبر، وأن يُنَزَّل منزِلةً أهمَّ لدى منظّمي هذا المهرجان ومُهندسي برامِجه، ويتمثّل ذلك في السعي إلى تحقيق ما أسمّيه “اكتمال الفعل المسرحيّ” الذي من دونه لا تنشأ “حياة مسرحيّةٌ” في مختلف أقطارِنا العربيّة؛ و يتمثّل “اكتمال الفعل المسرحيّ” هذا في حضور الجمهور العاديّ من سُكّان المُدن التي تُنظَّمُ فيها دورات هذا المهرجان فلا يُقْتَصرُ فيها على المسرحيّين المحلّيّين والضيوف، على أهمّيّة هذا الجمهور …

إنّ المسؤوليّة في هذا الشأن ليست، بطبيعة الحال، مسؤوليّة الهيئة مباشَرَةً… ولكنّ بتنزيلها هذا الأمر منزلةَ ما هو هامّ في شواغل المُسهِمين المَحلّيِّين في تننَظيم المهرجان فإنّها ستُسْهم، بذلك، في تحسيس مختلف الأطراف بهذا الأمر تحسيسًا من شأنه أن يدفع إلى تطوير صلات المهرجان بالجمهور أينما حلّ، ويُسهم إسهامًا هامّا في ترسيخ هذا الفنّ في مختلف البلدان العربية الذي لا يُمكن أن يَتِمّ دون تحقيق “اكتمال الفعل المسرحيّ” … أليس ترسيخ هذا الفنّ غايةَ الغايات من نشأة الهيئة العربية للمسرح ؟

د. محمد المديوني-  تونس

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش