(عين) مختارات من مسرحيات شكسبير تمثيلاً وإلقاء على خشبة “البستان” جولييت: كيف وصلتَ إلى هنا وجدران هذا البيت عالية؟

جولييت، حبيبة روميو، التي تركت بصماتها على مسارح العالم عبر العصور ولا تزال تلك الشخصية الشكسبيرية الخالدة، العاشقة حتى الموت، أحيت ذكراها، مع سائر النساء الشكسبيريات، الحاضرات في مختارات ليلة “البستان”، فنّانة عالمية، ميراي معلوف، انجبلت في قدر كلٍّ منهن، والفستان الأسود هالة حولها تتغيّر ملامحه ومعانيه في كل دور، فكانت ولو بفقرة خاطفة، جولييت، الليدي آن، أدريانا وغيرهن…

الفقرات التي كانت ممسرحة بين ميراي معلوف ورفعت طربيه، كانت الأكثر متعة من الإلقاء، حيّة، تعبيرية، نتحسّس بلماماتها، جوهر المسرح الشكسبيري القائم على الثأر والغدر، والحب والجنون، وهذا ما عرّف عنه جلال خوري، مقدّم العرض، والمشرف على مقاطعها، مستأذنا الحضور للكلام بالنيابة عن شكسبير في مستهل الأمسية: “جيت على هالدني بعصر الملكة إليزابيت تودور، عصر ذهبي بكل معنى الكلمة، إزدهار، تطوّر وكمان زمن إنقسامات وتناحر وعصبيّات وتصفية حسابات مرعبة. حروب طاحنة أدت لإزاحة سلالة يورك على يد أسرة تودورز من أوّل أعمال تراجيديا الملك “ريتشارد الثالث”. من الضروري إظهروا بأبشع وجه ممكن ولو على حساب التاريخ”.
“العالم كلّ ما فيه مسرح” إنه المدخل إلى العرض تستهلّه ميراي معلوف إلقاءً بنبرة مسرحية: “من يقف عليه من رجال ونساء، ممثلون لا غير، قادمون ومغادرون…”، يتبعها رفعت طربيه على الإيقاع ذاته: “وكل إنسان في الوقت المحدّد له يؤدّي على الخشبة عدّة أدوار، فصولها سبعة أعمار”. أعمار يتناوبان على تقطيع مراحلها من العمر الأول، إلى المشهد الأخير:” الذي ينهي هذا التاريخ الحافل بالأحداث، هو مشهد الطفولة الثانية”. إلى أن يدخل رفعت في الفصل الأول من “ريشارد الثالث” قائلا: “أما أنا… أنا الذي لم أسوّ بشكل يبيح لي أن أمارس الفرح، ولا لأمتع النظر بصورتي على مرآة حبيبتي أنا… أنا… الذي تنبحه الكلاب…”.
يتغيّر المشهد في مناجاة للحبيبة بأداء من ميراي معلوف: “حبيبتي عيناها جميلتان لا تشبهان الشمس، حمرة المرجان تضاهي حمرة شفتيها”. كأن هذه القصيدة المدخل إلى مشهد مناجاة روميو لجولييت: “كيف وصلت إلى هنا وجدران هذا البيت عالية… فلو رآك احد من أهلي هنا يكون موتك”.
روميو (رفعت العاشق المتيّم): على جناح الحب تسلّقت، فلا أهلك ولا الأسوار تمنع حبي… أنا أرتدي عباءة الليل التي تخفيني عن عيونهم”. ينقطع سيل الحب، تاركا لجلال خوري الكلام على “مسرحية السكوتيش” بالنيابة عن شكسبير: “قصة خيانة وغدر وهذيان وجنون بطلها قائد عسكري شجاع، شوّش عقلو ثلاث ساحرات توقّعولو يصير ملك فتطلب منو زوجتو كدليل حب قتل الملك دانكن للجلوس على عرشو…”.
“نكون أو لا نكون هذه هي المسألة”. كان هاملت أول من قالها قبل أن تصبح مقولة يرددها الناس بكل اللغات. قبل المشهد الثالث لهاملت، يدخل جلال خوري راويا السبب الذي جعل شكسبير يكتب تراجيديته هذه: “هاملت قصة شاب تعطّلت إرادته وأصبح عاجزا عن اتخاذ قرار نتيجة حدث مفجع زعزع كيانه. هملت طرح على نفسه تساؤلات وجودية عن الحياة والموت والطغيان والجريمة”. أخذ رفعت طربيه عن كتفي هاملت أثقاله ليكون هو لبضع دقائق: “من يرغب أن يحمل هذه الأثقال لولا الخوف مما بعد الموت؟”. أوفيليا الشخصية الرهيفة التي يحبها هاملت ويوديها بجنونه إلى الموت، اوفيليا لعبت دورها الخاطف آية طربيه في فستانها الأبيض الناصع وشعرها المزيّن بالتاج، شاردة في القصر تغني، متسائلة عن معنى السلام وقوة الأنسان.
لعلّ الأكثر إثارة في هذا العرض، المشهد الثاني من مسرحية “ريتشارد الثالث”. كنا فعلا في مناخ المسرح الشكسبيري. ميراي معلوف في دور الليدي آن، شخصية شكسبيرية، جميلة وعريقة، مجبولة بالتراجيديا الكبرى فيما رفعت طربيه يقوم بدور كلوستر ببشاعته الخارجية، أعرج، قبيحاً، مجرماً ماكرا.
هي: “ملعونة اليد التي طعنته، ملعون الذي مزّق قلبه”. في هذا الحوار ننتقل من الألم النابع من قلبها إلى السخرية القاتلة منه.
هو: “أيتها القديسة بحق المحبة قلّلي لعناتك عليّ”.
هي: “أيها الشيطان البغيض أخرج من هنا”.
هو: “أيتها السيّدة أنت تجهلين أصول المحبة”.
هي: “ايها القاتل أنت تجهل كل شريعة إلهية أو إنسانية”.
بينه وبين نفسه يزهو بسلطانه عليها: “هل سيطر رجل على إمرأة مثلما فعلت؟ إسطعي أيتها الشمس المشرقة لأرى ظلّي”.
مقطع من “كوميديا الأغلاط” عرّف عنه جلال خوري طالباً باسم شكسبير الحكم عليه بحرية وموضوعية. أدريانا الزوجة المطالبة بالحرية في مواجهة لاسعة بين الزوج (جلال خوري) وأدريانا (ميراي معلوف): “في ميزان الحب من الأجدى أن نتظاهر بغير الحقيقة”.
المقاطع تتتالى شيقة في مناخها المسرحي، نسن السمع في الايات الشعرية، من “الملك لير” إلى “حلم ليلة صيف”، فـ”العاصفة” لتكون النهاية من “هاملت”: “يا له من عمل”.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *