(عين) قراءة في كتاب ” مسرح محمد علي الخفاجي الشعري” – العراق

كثيرا ما ترددت للدخول إلى رحلة الأديبة الباحثة عالية خليل إبراهيم ، لامتلاكها قدرة التبرير والنزوع إلى النفي ، وعدم الرضوخ لأي رأي إلا بعد أيجاد ما يبرره اقناعيا ، اكتسبت الباحثة هذه الخصيصة من قراءاتها الكثيرة في كتب الأدب والفلسفة ، وحينما اختارت مسرح الشاعر علي الخفاجي الشعري لمستلزمات نيل شهادة الماجستير ،
أوجدت تعريفا للمسرح الشعري مقتصدا من باب تبريراتها الاندفاعية في الاختيار ، فكما هو معروف أن المسرح الشعري ( جنسا أدبيا وفنيا له هويته الخاصة ) ، ويعتبر ( ملتقى لآداب وفنون من النادر أن نجدها مجتمعة في جنس آخر .. منها الشعر والدراما والسنوغرافيــا وتقنيات الممثل والأزياء والماكياج والموسيقا .. )
إذن المعنى من هذا الاختيار يعتبر التبرير الأول أما التبرير الثاني وهو اختيار الشاعر الكبير محمد علي الخفاجي موضوعا للبحث ، كونه رائد من رواد المسرحية الشعرية الحديثة .
ومن هذين المنطلقين اعتمدت الباحثة المنهج الوصفي التحليلي لبنية النص المسرحي وانطلقت لدراسة القصيدة الدرامية والدراما الشعرية عند الخفاجي
باعتباره دائب الاشتغال على التداخل ألأجناسي بين النوعين ، وحتى تبرر دراستها أكاديميا وتلم الموضوعة الرئيسية وتجليها من بعض جوانبها قسمتها إلى فصول ومباحث وبدأت في مصادر المسرحية الشعرية ومرجعياتها عند الخفاجي ، وكانت أولى دراستها هو التراث العربي باعتبار التراث ( يشمل جميع عناصر الثقافة المكتوبة والمنقولة والشفاهية للأمم والشعوب ) ، وربطت علاقة هذا بالمسرح وهي علاقة امتدت جذورها إلى المسرح الإغريقي ( وتوطدت أواصر هذه العلاقة في مسيرة المسرح العربي ، فأصبحت ظاهرة استخدام المرجعية التراثية في المسرح من أكثر الظواهر رسوخا وتأثيرا في المسرح العربي والعراقي على حد سواء حيث اعتمد الخفاجي على النصوص الدينية المقدسة وتلك الطقوس والاحتفالات الشعبية .
وظهر من خلال البحث تعدد مستويات حضور التاريخ عند الخفاجي بالتوظيف المباشر أو في استلهام الطاقات الرمزية والإيحائية للتاريخ ومحاولة ( بث روح جديدة في الموضوع والنص التاريخي من خلال ربطه بالواقع المعاصر ) ، ودلت الباحثة على أن الأخذ من التاريخ يتطلب قدرة إبداعية تتعلق بموهبة الشاعر وقدرته على قراءة التاريخ ، قراءة منتجة ابداعيا ووعي لحركة التاريخ واختيار الحقبة الصالحة للتوظيف الدرامي وهكذا فعل الشاعر الخفاجي تارة بصورة مباشرة كما في مسرحية ( ثانية يجيء الحسين ) وتارة أخرى استلهم الطاقات الرمزية كما في مسرحية ( الجائزة ) ، ففي المستوى المباشر كان التداخل بين النصوص التاريخية وبين نصوص المسرحيات تناصا كما عدته الباحثة وهي أبرز ظاهرة عمل عليها الشاعر وعدت الباحثة الفعل والشخصية مصطلحا يطلق عليه ( الموضوع ) فالفعل هو ( ماذا حدث ) ؟ والشخصية من يقع عليها الحدث ( فالمتن الحكائي للتاريخ هو الموضوع التاريخي بأحداثه وشخصياته ) .
وكانت استفادة الخفاجي من النصوص الدينية المقدسة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف قد تمثلت في مسرحية ( نوح لا يركب السفينة ) كدراما شعرية متخيّلة ، أما في مسرحية ( أبوذر يصعد معراج الرفض ) فكان هناك تداخل وتحاور مع النص المقدس سواء في التضمين أو الاقتباس ، أما المراجع والمصادر التي رجع إليها الشاعر الخفاجي هي التراجيديا الإغريقية ، وصنفت الباحثة ثلاث مسرحيات وعدتها ضمن المأساة بالرجوع إلى تعريف أرسطو للتراجيديا كونها ( محاكاة لفعل جليل كامل له عظم ما ) … الخ ، وحاولت تطبيق تعريف أرسطو وأخذت الفعل الجليل كونه فعل مترابط يشتمل على البداية الوسط والنهاية ومن خلال البحث ظهرت شخصية الباحثة بحضورها النقدي التطبيقي وتحيل الى اللغة الشعرية عند الخفاجي ، بانها تناسب الموقف التراجيدي والشخصية التاريخية وتعتمد على الفعل المنظور حتى تصل إلى ( تنقية العواطف وتهذيبها وموازنتها ) وهي حالة التطهير ، ومن خلال تجوال الباحثة عالية خليل في دخولها إلى عالم محمد علي الخفاجي حيث كان حضورها واضحا بشخصية الباحث الناقد المحلل وبالاعتماد على مصادر ومراجع مهمة ، كي تكون أطروحاتها علمية رصينة ومن بين أطروحاتها ( أن نظام الشطرين والقافية الموحدة يعيق البناء الدرامي للمسرحية ، ولا يواجه الشعر الحر مشكلة من ذلك النمط ، فهو قد تخلص نهائيا من أسار البيت الواحد والقافية الواحدة ) .
واعتمدت على دعوة الشاعر والكاتب المسرحي العربي علي أحمد باكثير في الاعتماد على الشعر المرسل والعمل البحور المتجانسة ، كي تبرر استخدام الخفاجي لتقنيات المسرحية الشعرية الحديثة والشاعر الخفاجي هو محور دراستها ثم أنها بينت تأثره بصلاح عبد الصبور الذي تأثر بالشاعر والناقد الانجليزي ت . س إليوت مما أثبتت أن الرؤى والأفكار المطوحة في الشعر ، هي رؤى وأفكار كونية وعكفت على مقارنة بين اختيار عبد الصبور للحلاج واختيار الخفاجي للحسين وذكرت بهذا الصدد أراء الدكتور محسن أطيمش في التقريب بين الحلاج والحسين بدراساته المستفيضة عن المسرحيات الشعرية و أظهرت الباحثة اهتمام الخفاجي لتقنيات العرض المسرحي مثل الإضاءة والديكور والأزياء وكذلك تقنية التمثيل الصامت كما استخدم الرقص التعبيري ثم بعد ذلك ركزت على أنماط المسرحية وعناصر بناءها وهي لا تختلف عند الخفاجي حيث تمثلت بالصراع والشخصية والحوار ، بيد أنها شخصت مستويين من حضور هذه العناصر . المستوى الأول التاريخ والمعاصرة واستعملت مصطلح ( الاقتصاد ) في اللغة وتعني به التكثيف العالي ومصطلح التوتر وتعني به أسلوب المفارقة و( المفارقة بوصفها أسلوبا لغويا ) تقوم على أساس التناقض الحاصل بين طرفين متقابلين في تشكيل واحد ، والاستخدام الآخر عند الخفاجي وهي الصورة الشعرية ، ثم تعرضت بصورة منفصلة لمسرح الطفل عنده ، لأن مسرح الطفل يعد من أكثر أشكال ألآداب والفنون ملائمة للأطفال والظاهر أن الشاعر الخفاجي قد أهتم بدقائقه وخضع لاشتراطات الفئات العمرية والعقلية والثقافية للأطفال ، وفي فعل البناء الدرامي استعرضت الكاتبة الوحدات البنائية الأرسطية والتقنيات الأخرى وربطتها مع المسرح الحديث والمعاصرة ، حيث بدأ المسرح الحديث يعتمد على الإيقاع الدرامي بخلق انسجام بين أجزاء العنصر المسرحي الواحد أو بين العناصر كلها واعتمدت لدراستها البناء الدرامي على بنية التوازي أي الربط بين البداية والوسط والنهاية وهي مراحل احتدام الصراع في تسلسل زمني سببي واضح وأيضا على البنية الأستعارية المركبة لأنها تتحقق بربط القصة في تسلسلها المنطقي وبمستويات متعددة ومتناقضة من التفسيرات ، وقد استطاعت الباحثة عالية خليل إبراهيم أن تمسك بموضوعاتها وتقدمها بجهد أثمر عن دراسة مبحثية ركزت على إبداع الشاعر الكبير محمد على الخفاجي في المسرح الشعري وهذه الدراسة ستكون بكل تأكيد مرجعا للباحثين والدارسين.

—————————————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – وجدان عبد العزيز – ملاحق المدى

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *