عين على المسرح-في عمل ملحمي بوثق للذاكرة الوطنية ملحمة الصوفي الثائـر بن عبد الله بن فاطمة 1830-1848-بقلم : عباسية مدوني –سيدي بلعباس –الجزائــر

حتى لا ننسى ، وحتى تظل الذاكرة الوطنية راسخة بأذهان الأجيال الواعدة التي من مهامها الحفاظ على نبض التاريخ والذاكرة ، وحتى يكون لذلكم التاريخ النضالي من كفاح الشعب الجزائري امتدادات على الصعيدين الحسي والمعنوي ، وحينما كان لزاما حمل ثقل هته الأمانة ، كان الفن وتحديدا الفن الرابع أنجع سبيل وأضمن الدروب لتجسيد تاريخ أمة بحجم الجزائر لاستعراض نضالات رجالها ونسائها ممّن ضحوا بالغالي والنفيس لأجل أن نحيا بكرامة وتحت راية الحرية .

الفن وبخاصة المسرح ناطق رسمي لاستحضار التاريخ ولاستنطاق الذاكرة الجماعية ، وهو الملاذ الوحيد في مجال التدفق المعلوماتي والتكنولوجي الطاغي حتى يكون للتاريخ مكانته وللأجيال الصاعدة صوتها الحاضر إبداعيا ، فنيا وثقافيا ، وحينما تكون احدى البلديات على مستوى ولاية غليزان تحمل هذا الحس الفني وهذا الحجم من الاحساس بضرورة وضع تاريخ الجزائر في الواجهة وتحت الأضواء ولا سيما خيرة رجالات هذا الوطن  ممن ضحوا لنحيا شامخين.

لتحقيق كل هذا ، ودوما في ظل انعدام الامكانيات التي لم تكن يوما حجر عثرة في وجه من يعشق الركح وسحر المسرح ، فقد عكف المجلس الشعبي البلدي لدار بن عبد الله وبالتنسيق مع جمعية زمردة للفن والمسرح لمدينة زمورة بغليزان على أن يتمّ الاحتفاء بنص الأستاذ والباحث في التاريخ ” عبد القادر مشاوي” ليكون بمثابة تحدّ بمعية اثنين وثلاثين ( 32) ممثلا رئيسيا وأربعين ( 40 ) ممثلا ثانويا .

العمل الملحمي  الذي استغرق قرابة الشهرين ، من تأليف واخراج ” عبد القادر مشاوي” ، كما أشرف أيضا على ورشة اعداد الممثل الفنان ” مخناش فؤاد” ،وسينوغرافيا من تصميم “كريم سوداني” ، حيث رفع الستار عن العرض شهر أوت بتاريخ 12 من سنة 2018 على مستوى متوسطة الشهداء مفلاح ، جاء لاستعراض محطات هامة من مسيرة مناضل في حجم ” بن عبد الله بن فاطمة ” للوقوف عند انجازاته والمقاومة التي اتّخذها أسلوبا نضاليا لمقارعة الاستعمار الفرنسي.

المولود الفني الملحمي وقف عند  احتلال الجزائر و ما اعقبه من تخلي باي حسن باشا و اتصال قبائل الغرب بالسلطان المغربي و تصدي هذه الاخيرة لقوات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال بوايي في معركة خنق النطاح الاولى و الثانية  و بيعة الامير عبدالقادر التي حضرها سيدي بن عبدالله بن   فاطمة ، و المكانة التي كان يحظى بها لدى زعماء القبائل الأخرى  و قيادته لأهم المعارك و قضائه على زعيم الزمالة و الدواير مصطفى بن إسماعيل وما اعقبه من انتقام من قبيلة فليتة  و كذا تصدي الشيخ لقوات الجنرال بورجولي الكثيفة الى حين ظهور الشيخ بومعزة و عودته للمقاومة حتى وفاته في سنة 1848 .

الملحمة  التي ضمت اثنان وسبعين ممثلا ، اتّسمت بالانصهار الروحي والفني بين الأجيال ، حيث عرف العمل وجوها فنية من الرعيل الأول أمثال ” عدّة بوشامة ” الذي لم يصعد الركح منذ سنة 1970 ، هو الذي مثل الى جانب  ” حسن الحسني” ، وأبى الا أن يشارك الى جانب ” جبلي محمد “ .

العمل الملحمي استعرض طابع المقاومة الجزائرية التي كانت أنجع السبل والحلول لمجابهة الاستعمار الفرنسي ، وكانت لتلكم المقاومة ميزات وخصائص لعل أهمها حفاظها على الخط الزماني الذي امتد من 1830 الى غاية 1916 ، وخاصية المكان حيث أن المقاومة الجزائرية اتسع نطاقها لتعم التراب الوطني الذي كان الاحتلال الفرنسي غازيا له .

ولما كانت منطقة غليزان جزء لا يتجزأ من تراب الوطن ، فقد طالتها هي الأخرى يد المستعمر، الا أن غليزان كانت تتربع على عرش قبيلة من أشرس وأعتد القبائل بالجزائر،  ألا وهي قبيلة فليتة تحت زعامة  رجل دين متصوف من الطريقة الرحمانية ، ممن حملوا   السيف والقلم ، وهو المرابط الشريف ” بن عبد الله  بن فاطمة” ليكون قائدا للمقاومة بغليزان ومعلنا البيعة للأمير ” عبد القادر” في سنة 1832 بمعسكر ، حيث   قاد ” بن عبد الله حربا شرسة تحت لواء الأمير ” عبد القادر” منها معركة الظهرة ، معركة مزغران     ومعركة بوسليط .

وانتصاره بتلكم المعارك ، لم بمر بسلام فقد دفعت منطقة فليتة الضريبة غاليا ، ومع ذلك واصل المناضل ” بن عبد الله ” مقاومته الشرسة ، والعمل المسرحي الملحمي استعرض عديد المحطات من نضاله وكفاحه المستديم ، وكفاحه لم يقتصر على مقارعة العدو الفرنسي فحسب بل واصلح كفاحه ضد الجهل ، وفتح بيته لطلبة العلم من كل حدب وصوب حتى مماته سنة 1948 .

العمل الملحمي الذي دام قرابة الساعتين جسد نضال شعب كافح لنيل الحرية قبيل انطلاق الشرارة الاولى لاندلاع الثورة المظفرة ، وجاء لتبقى تضحيات هؤلاء الرجال راسخة في الأذهان وتكون مرجعا تاريخيا ووطنيا .

هته الملحمة التاريخية التي رفع التحدي من خلالها لفيف من المهتمين باللعبة المسرحية والذاكرة الوطنية يأتي تحدّ من نوع آخر ، في زمن التلويح والتشهير بسياسة التقشف المادي  ، وتحدّ من نوع آخر للموازنة لما يصرف من مبالغ ضخمة نظير تفهات فنية لا صلة لها بالفن الرابع وبين ما يتحمل جمع من الممثلين وممن أطّروا وعكفوا على هذا العمل الملحمي ، تحدّ من نوع  آخر في زمن المناداة بالثقافة للجميع والملايير تصرف على مجسّم وتمثال من الرخام ، تحدّ فني من نوع آخر في زمن الرجال نظير ما يقدمه من يدّعون المسؤولية الفنية والثقافية .

الفن الرابع سيظل رسالته الفنية والانسانية ، وسيظل يوثق للذاكرة الفردية والجماعية حتى لا ننسى ، وما قدّمه جموع الممثلين بمنطقة نائية لخير دليل على شغفهم الفني ومدى ثقتهم بالذي ما نزال نسميه مسرحا في ظل كل المعوّقات والحواجز

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *