(عين) رجل المسرح – العراق

حسنا فعلت دار الثقافة الكردية للنشر بوزارة الثقافة حين استذكرت رجل المسرح الفنان قاسم محمد، الذي ملأ الدنيا بأعماله المسرحية الخالدة منذ «النخلة والجيران»، و «الشريعة وبغداد الأزل» وغيرها من روائع المسرح العراقي. وكان يفترض أن تحتفل به مؤسسات المسرح مثل دائرة السينما والمسرح أو معهد وكلية الفنون، لكنه جاء من دائرة الثقافة الكردية في موقف تشكر عليه .
قاسم محمد فنان كردي لكنه لا يعرف التكلم بالكردية، لأنه نشأ في بغداد وعاش في الغربة طويلا. وهو خريج موسكو، درس على حساب وزارة التربية واشترطت عليه أن يخدم لعشر سنوات في معاهدها فدرس في معهد الفنون الجميلة.
قاسم محمد ليس فنانا عاديا بل هو رجل المسرح بحق ممثلا وكاتبا ومخرجا ومنظرا.
في المسرح قاسم محمد يشبه العمال الذين تعودوا أن يخرجوا للعمل مع نفحات الفجر الأولى وهم ينشدون نشيد اليوم الذي يخفي خلفه غبار الأمس وقلق الغد.
كان يؤمن بأن المسرح هو نوع من التصوف المعاصر الحديث في هذا العصر المادي المخيف. ويقول عن ذلك: «أن تتصوف يعني عميقا تتعرف، يعني تزهد في الزائل.. تتجاوز حد المائل.. يحسدك المدهش.. للروح من الروح.. تتحول.. تحاول يا بناء الله.. ان تتكامل مع الله تتماثل.. تعشق.. تتعاشق.. ولفرط عشقك يعصي عليك
البوح.. فلا تبح.. تبقى كالمجروح.. معلقا في سمو تكسر الروح.. تخلق ألف روح.. لأنك تتصوف.. لأنك ملهوف.. تتعرف.. لأنك تخرق الصفوف صفا، لأنك تحترق.. تخترق.. تعبر الى اللامألوف المألوف.. راكضا.. لاهثا.. ملهوفا».
عمل قاسم على التجريب كثيرا، وكان يجرب جميع الأساليب في الكتابة والإعداد والإخراج، منطلقا من مقولة بيتر بروك الشهيرة: «لا شيء صائبا أبدا لذا علينا أن نديم التفكير والتعبير والابتكارات».
كذلك انشغل قاسم محمد بالتراث كثيرا فدرسه دراسة متأنية وغرف منه الكثير ليعد من خلاله الكثير من الأعمال المسرحية أبرزها مسرحية «بغداد والأزل بين الجد»، و»الهزل وراس المملوك جابر» و»كان ياماكان» و»طال حزني وسروري في مقامات الحريري».
الكتابة عند قاسم محمد كما يذكر في رسائله هي كالإبداع المسرحي خروج وولوج! خروج عن العالم الساكن، وولوج الى عالم الأحياء والإبداع والابتكار وهي ايضا مقاومة الفناء في عالم كل ما يحيطنا فيه عنصر من عناصر الافناء. إذن علينا أن نواصل العطاء (الزين) ولا بأس أن نلقي بهذا (الزين في شط مياه الناس)!، كما كان قاسم محمد واحدا من أهم كتاب ومخرجي مسرح الطفل في العراق لا بل حتى من مؤسسيه. وأذكر لحظة وفاء نادرة قوبل بها قاسم محمد حين أطلق اسمه على دورة مهرجان مسرح الطفل في نفس العام الذي رحل فيه. وأثناء المهرجان فتح الفنان د.شفيق المهدي خطا مباشرا على الهاتف الجوال مع قاسم محمد في الشارقة وقال له اسمع جمهورك يهتف يا فناننا الكبير، فرد قاسم والسعادة تملأ نفسه: إنه وفاء ووفاء من نوع آخر. ويؤمن هذا الفنان الجليل بأنه توصد أبواب العالم الواقعي القريب.. يمكن لخيالك أن يخلق عالما خياليا وبعيدا، ويمكن للخيال ان يستحضر الأشكال والتكوينات العظيمة وكذلك الرؤى التي تسحر الألباب. لذلك كان قاسم محمد يعمل بخيال كبير.

————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – قحطان جاسم جواد – الصباح

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *