عن الوهم الكوميدي لمؤلفها بيير كورني/ترجمة أسامة سليمان

 

على الرغم من نجاح مسرحية الوهم الكوميدي16366في عصر كورني لكنها سريعاً ما نُسيت بعد موته .انه نفسه كتبها في وقت أصبحت الوحدات الأرسطية الثالثة مبدأ ذهب الى أن يكون وحشاً عجيباً فبينما فونتنيلي ابن أخيه كتب عنها مزدرياً فلقد ذكر أنها متنافرة وغريبة,في القرن التاسع عشر قام جيزوت الصارم بإسقطها من الحياة الأدبية كعمل ليس له أهمية ..واللافت للإنتباه أن مصيرها المرواغ في أول تاريخ لعرضها يدفعنا إلى التصديق بذلك .ففي اللحظة الحاسمة التي كان كورني فيها حائر,كان يعمل على تقديم مسرحيته السيد .
في ثلاثينيات القرن العشرين لم يمر وقت طويل حتى أزيح التراب الذي علق بالمسرحية فلقد عبر شلمبرج عن أعجابه بها قائلاً انها مصدر للإبتهاج ففي عام1936أي بعد مرور ثلاثمائة عام من عرضها الأول ,أيام كورني يقول شلمبرج ان كورني للمرة الأولى والأخيرة في حياته قدم شيئا مغايرا فهو لم يقدم مسرحية مرحة بقدر ما قدم مسرحية ضاحكة بواسطة كل وسائل الكوميديا المتعارف عليها المتجسدة في شخصية ماتمور المتفاخرة .فالنشاط القائم على حماس شلمبرج دفع إلى تقديم المسرحية عام1937على خشبة الكوميدي فرنسيز وقد اخرج المسرحية لويس جيوفيت وكان عرضاً لاينسى وتبع العرض دراسة لبرسلاش التي كشفت عن مسرحية غير متداولة لبيير كورني وغير مطروقة أكاديمياً فالمسرحية تجسم كل ماهو أصيل عن كاتب مسرحي في القرن السابع عشر حالم وعاطفي الشعر.

ليس من المستغرب أن تبقى مسرحية الوهم الكوميدي مدة طويلة بدون أن تلقى التقدير المناسب لها .فلعله من المفيد أن نقتبس عنوان فصل من كتاب برسلاش الا هو:(انتصار الرومانتيكية)التي كانت محتقرة من تقاليد الأدب الفرنسي . فبعد أن شاع فن السينما ,حاربت الرومانتيكية ليعود اليها احترامها أو على الأقل كسبت قبولاً وفي نفس الوقت اعتاد الجمهور على تغير المنظر والزمن والموضوع السريع .

وقد حدث أن غزت الكوميديا سريعاً السينما ..فنجد الساحر الذي يعرض لأب مغامرات أبنه المفقود مقدما اياها على شاشة ظلية بواسطة أشباح,عبر مشاهد مبنية على فكرة مسرحية داخل مسرحية ,التي تحدث أثراً أكثر تعقيداً للأحداث تكون مستحضرة ,أما الخاتمة(عندما نعود إلى ,والد الشاب الصغير ) توجد شاشة لعرض درامي أخر لكن هذه المرة عبر الإبن وحبه أثناء حل العقدة الدرامية التراجيدية .بكلمات أخرى توجد مسرحية بداخل مسرحية ثانية وهذه المرة يكون الأمر وهما على مستويين ينمحيان من الواقع طالما أن ما نشاهده يكون عرضاً مسرحياً يستحضر على الشاشة ويشكل جزءاً من المسرحية الإعتيادية .

مامن حاجة لكي نقول أنه لا أثر في مسرحية الوهم الكوميدي للوحدات الأرسطية الثلاثة .فالموضوع سيكون جلياً لنا الآن إنها عبارة عن شذرات .ان الزمن يتحرك بصورة مبهرة بين الماضي والحاضر .ان المنظر شيكسبيري بإمتياز ويتغير بسرعة لكن فقط في الحدود المتعارف عليها فالسجن يكون متمثلاً عبر أصطكاك الأصفاد التي لدى كليندور .ان التفصيل المسرحي يتركنا نتابع الوصف الساحر للمشهد كالآتي:(اننا نحتاج في المنتصف الى قصر مزركش .وعلى الجانب الأول قصر آخر لساحر قائم على أعلى الجبلوعلى الجانب الثاني متنزه ,الفصل الأول يكون ليلاً,فيه قمر تدفعه الرياح وعصا ساحر ومرآة سحرية وأبواق وأوراق مخروطية وقبعة ساحر من شجر السرو) ..ان هذه المستلزمات المسرحية تبدو قريبة الشبه بمستلزمات مسرحية حلم ليلة صيف

ان الأصول الرئيسية للرومانتيكية المنظرية تكون واضحه فمصادرها موجودة في الأدب الإسباني ..ففي الحقيقية أن ان التأثير الإسباني يكون واضحاً في كل تفاصيل مسرحية الوهم الكوميدي .فكما ذكر البروفسير ميليس في ملاحظته : (ان المسرحية كلها إسبانية في مذاقها .فالشخصية الأساسية تحمل اسماً إسبانياً الذي هو ماتمور ويرتدي ملابس إسبانية وريشة كبيرة على قبعته ومعها سيف عملاق فلو أن نمط الـ miles gloriosus يمكن أن يقتفي أثر أسلافه المنتسبين إلى بلاوتوس وفيما وراء أصولهم التي أصبحت مجسمة في فرنسا حوالي عام1630فكلها تعيش في الجانب الآخر من جبال البرنس
على أي حال ان المتعة الكبيرة من هذه الكوميديا لا تكمن في الشكل أو الأصول لكن في حيوية الشباب ومرحه فنحن نجدهما على امتداد الخمسة فصول ان حيوية التشخيص والفعل واللغة تذكرنا بالإبتكار الفياض لدى فرانسوا رابليه,وهناك نقاط متبعة بشكل ملحوظ مأخوذة من مهارات سكارون .ان كورني لم يكن قد عوقب من معارضيه كما فعلوا في مسرحية السيد.انه ليس فقط يقوم بإشاعة البهجة وتمكين نفسه من رسم صورة متعارف عنها عن الثرثار لكنه أيضاً يحاكي صوت السيف المنذرفي مسرحية السيد والكلام المنمق في مسرحياته الأخيرة ,وحتى التي كتبها قبل ذلك ان شلنبرج يذكر أن كورني استعمل الوزن الشعري ,والنظم ولغة مسرحية السيد ليؤلف منها تهديدات ماتمور الساذجة .ان بوللو عندما كتب تأبيناً عن كوندي استعار سطرين من شخصية ماتمور قالهما في مونولوج طويل هما:ان مجرد اسمي يجعل أسوار القلعة تنهار ويمحي كتيبة وينتصر في المعركة (233-234)
ان الشخصيات الأخرى لاتملك عمرا طويلا مثل ماتمور ..لكن كليندور ذا الضمير الميت يعد شخصية غير اعتيادية على الأقل في عام1636.على الرغم ان الصعاليك أمثاله يرون كثيراً بوضوح كنظائر له متمثلين في شخصيات المغامرين في القرن الثامن عشر وذلك في أشكال عديدة مثل فيجارو والمغامر جيل بلاس والممثلة المغناج الوقحة ليسي الذين أيضا تشاركوا(منذ أكثر من مئة عام )مع ماريفو الممازح الناعم المغازل
في النهاية فالقراء انتباههم ينبغي أن يكون قد أستدعي لمعرفة الدفاع الممتدح عن الخشبة في الفصل الأخير .ان انطوني أدم يقترح أن كورني تحدث على عجالة عمن يهاجمون المسرح فكان هذا حدث لاغرابة فيه في عصر كانت الكنيسة تعتبر المسرح عمل من أعمال ابليس ان الدفاع القوي لكورتي يشير الى انه كان على نحو مباشر يحمل على عاتقه شيئا من النقد اللاذع ..فعلى اي حال كان ذلك مناسب كونه في عمل غير معتاد وممتع ينبغي أن ينتهي بالتزام شخصي .انها مسرحية من القرن السابع عشر التي ينبغي أن تنجح في أقامة اتصال مع شيكسبير فهي متكيفة مع الجمهور الأنجلو سكسوني
بقلم جون كيرن كروس
وهي من مقدمته عن ترجمته لمسرحية الوهم الكوميدي من الفرنسية الى الإنجليزية في منشورات البنجيون الكلاسيكية

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *