على خشبة مسرح!

فهد عافت

 

فهد عافت

ـ فيما لو بدأت فرقة مسرحية عرضها، ثلاثة ممثلين على خشبة المسرح، ولكن مقاعد الصالة كلها فارغة باستثناء مقعد يجلس عليه رجل واحد، هو كل جمهور ليلة العرض هذه، تُرى ما الذي يمكن لممثلي المسرح تَمَنِّيه، أنْ يكونَ الرجل متفرّجاً، أم ناقداً صحفيّاً، أم رجل أعمال يفكّر في فتح شركة إنتاج ويبحث عن وجوه شابّة؟!

ـ الممثل الذي تكون أعلى أمنياته أن يكون الرجل متفرِّجاً، هو أقرب الممثلين الثلاثة إلى الفن، لا بأس أن تكون الأمنيات الأُخرى حاضرة، غير أنه وفيما لو كانت أمنيّته المُهَيْمِنَة، هي أن يكون الرجل الوحيد في الصالة متفرِّجاً، فهذه أُمنية فنّان حقيقي، حتى وإن خانته الموهبة والقُدُرَات، ويا لمصيبة من لا يتوافق حلمه مع إمكانياته، في هذه الحالة سيعيش وَرْطَة كبيرة، قد تؤدي به إلى الجنون، أو إلى التوبة عن الفن وتحريم التمثيل والمطالبة بحرق ستائر المسارح وأخشابها!

ـ إنّ واحدةً من أهم أسباب التّطرّف، فيما أظن، أن تكون لدى إنسان ما، رغبة مُلِحَّة، أمنيّة صادقة، شغف وعشق حقيقي، في أن يكون شيئاً ما، شيئاً مُحَدّداً تماماً، ثمّ حين يبدأ طريقه فيه تتكشف له مقادير الخذلان من قُدراته ومواهبه فيه.

ـ الممثِّل الذي سَبَحَتْ أمانيه، في بحر أن يكون ذلك الرجل ناقداً صحفيّاً، إنّما أراد الشهرة، وطلب الشهرة ليس عيباً في حد ذاته، لكنه حين يكون الرغبة الوحيدة الأكيدة، حين يكون الأمنيّة الأكثر تسلّطاً، فلا يقترب منها سواها إلا على بعد أميال، فإنها تشكّل إما الطغيان إن هي تحقّقَتْ، وإما حسرة الحقد والكراهية والاتّهامات الباطلة للناس والمجتمع إنْ هي لم تتحقّق، ولربّما انتقل صاحبها من خانة الحسرات الحاقدة إلى خانة الكفر والإلحاد، يُلبِس ذلك بتنطّع فلسفي يتوكَّأ على عناوين فاقعة، لا يخشى سوى من انكشاف زيفها، وتبيان خيبة الطِّلاء على وجهها.

ـ الممثِّل المسرحي الذي تأكد له أن جمهور عرضه المسرحي ليس سوى رجل وحيد، فتمنّى أن يكون هذا الرجل منتجاً يفكّر في التعاقد معه، لعرض مسرحي جديد، يكون أكثر الممثلين الثلاثة واقعيّةً، وأطمعهم بالوظيفة! إنه حتماً أقل طموحاً مما يستوجبه العمل الفنّي، غير أنه أقل الثلاثة عُرْضَةً للتأثُّر بالنقد والفقد، ولأن الأرزاق بأمر الله تنفتح من كل باب، وما إن يُغلق باب حتى يفتح الله ألف باب، فإن مثل هذه النوعية من الناس تعيش بسلام أكثر من غيرها، وحتى ضجيجها يظل هادئاً، فهو ضجيج طارئ ومؤقّت على الدوام، مشكلة هذا النوع من الناس أنه لا يمكن له أن يكون خَلّاقاً، وهو أقل مُبادَرَة مما يمكن له تقديم جديد للحياة في شكلها وفي معناها، هو في أفضل حالاته واحتمالاته: أكثر من آلَة وأقلّ من عَالَة.

ـ وليوسف وهبي جُمْلَة شكسبيريّة، شهيرة: “ما الدنيا إلّا مسرح كبير”.

—————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – الرياضية  

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *