عزلة المسرح في زمن كورونا (37) المسرح فن إنساني رفض دوما ارتداء الكمامة..! – ذ. محمد أمين بنيوب (المغرب)

عزلة المسرح في زمن كورونا (37)

المسرح فن جماعي، وطبيعة جسد الفرجة المسرحية لا يتحقق جوهرها الا بالجماعة وفي الجماعة.. سواء على مستوى التشكل الابداعي من خلال التداريب والتحضير أو على مستوى التلقي والتفاعل الجماهيري الحي.

فماذا عن “عزلة المسرح في زمن كورونا”؟ وهل ما عرفته المنصات الوسائطية الالكترونية من مبادرات واسهامات “مسرحية الكترونية” قدم لهذا الفن الجماعي الحي والعابر، ما كسر شيئا من عزلته وانكماش فعله وفاعليته وتفاعله؟ هل تلبى رغبة الفرجة الحية بكبسولات فيديو ؟ وما تأثير الافكار المبتكرة الكترونيا على الفرجة المسرحية؟ المسرح وعاء ابداعي يحتضن الفنون جميعها.. فما تاثيرها على قواعده الثابتة والمتغيرة ؟ وما الفواصل بين التأثير الحقيقي والتاثير المزيف الزائل؟

ملف تشارك فيه مجموعة من الأسماء المسرحية العربية لإبداء الراي ومناقشة حاضر المسرح في الزمن المرتبط باكراهات الظروف المعطاة التي فرضتها الجائحة على الجميع… وما طبيعة النشاط المسرحي الإلكتروني الذي عرفه الظرف “الكروني”…

إعداد: عبد الجبار خمران 

المسرح فن إنساني رفض دوما ارتداء الكمامة!

ذ. محمد أمين بنيوب (المغرب)

كل الشخصيات التي رسمت معمار المسرح الإنساني، دُونت على الورق وتحقق وجودها الفعلي على الركح. ظلت تلك الشخوص تصدح عاليا في تاريخ الحضارة الإنسانية ولازالت حتى يوم الناس هذا، تصارع من أجل البقاء والحياة.

عرفت البشرية حروبا وزلازل وهجرات وأوبئة، حتمت عليها السيرورة التاريخية، أن تغيرأنماط وعيها الإجتماعي وممارساتها الثقافية وأن تتألقم مع الانتكاسات الطارئة والاستثنائية وأن تطوع عقلها من أجل التفكير في بناء مسار جديد لحياة الأفراد والجماعات. كان  الفيصل الأساس  في هذا التغيير، انخراط الابداع و نبوغ الخلق والابتكار في منح الجماعة الإنسانية عيشا مشتركا آمنا. فالفنون بمختلف أصنافها ومبدعيها، هم من مثلوا جوهر الإنسانية وبصموا هويتها الحقيقية، ترافعوا من أجل قضاياها ودافعوا عن حقوقها وتطلعاتها، بواسطة لغات، الكلام والرسم والموسيقي والنحث والعمارة والصورة والرقص.

بناء عليه، فالمسرح قاوم دائما كينونته الخارقة بواسطة العقل النقدي الإبداعي في مواجهة كل العوائق، سواء كانت من صنع وجنون البشر أو من عنف وشراسة قوى الطبيعة.

اليوم، ومع هذه الجائحة الطارئة التي حتمت على البشرية جمعاء أن تعيد النظرفي تدبير حياتها وتدبيرعلاقاتها الاجتماعية، سواء في حدودها الجغرافية أو في ارتباطها مع الآخر.. لم يكن أحد منا يتصورهول وقوة هذا الاجتياح الكوفيدي الكوني،الذي أغلق الحدود في وجه التنقل البشري وعطل كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والفنية. لم نكن نتوقع أن نلج قسرا الحجر الصحي وطوارئه الاستثنائية وتوقيف جل أنشطتنا الفكرية والابداعية، التي شكلت جسر التواصل الإنساني مع المتلقي. أصبحت الذات المبدعة في عزلة ثقافية وصعب التفاعل بشكل حي مع الذوات الآخرى المدعمة والمشاركة في حكايا إبداعنا. الكل تقاسم  نظام حجرصحي،في صدماته الاجتماعية و النفسية  والكل يتطلع لأفق جديد لاستعادة مجرى حياته العادية و ممارسة طقوسه الاجتماعية  والعودة لأنشطته الثقافية والفنية.

ربما من حسن حظنا، أننا عشنا تمثل العالم عبر الوسائط الاتصالية الاجتماعية واستوعبنا عن قرب وبوعي مقلق، مقولة المفكر ماكلوهان، العالم قرية كوكبية، العالم قرية تختزن روح وعقل  وفكر البشرية.. قيم كبرى وفضلى، تفترض منا اليوم، إعادة بعثها وحمايتها لخدمة المشترك الإنساني. يجب التأكيد على أن ميادين الفنون بمختلف مهنها، تعرضت بشكل مباشر للحجر. فهي فنون الظهور بامتيازوحياتها تتحقق في انصهار واحتكاك مع الجمهور. فالبرغم من المجهود الكمي والنوعي، الذي بذله الفنانون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتقريب المسافات الإبداعية والثقافية وتخصيص برامج همت تقديم عروض في فنون الرقص،والمسرح والموسيقي وعقد لقاءات مفتوحة حول قضايا الثقافة في زمن الحجر الصحي،يظل المجهود استثنائيا حتى لاتنقطع جسور التواصل ما بين المبدع و العالم الخارجي. على الأقل، لعبت تلك الوسائط دور الوسيط الرقمي، صوتا،صورة وحركات، في خلق دفىء ثقافي وفني وسط جدران الحجروضغطه النفسي.

لقد علمنا درس كوفيد 19، أن حرية المبدع وحرية العرض الفني، قيمتان فلسفيتان متجاورتان لعمل المبدع وإنتاجه الابداعي. ولا يمكن أن نستغني عنهما. فبدونهما لامعنى  للثقافة والفن والفكر وسط المدينة. والفنان هو صانع الأفق والطموح بواسطة الفكر والجمال. 

 من المؤكد أن الحياة البشرية ستعود من جديد وسيعود معها الكائن البشري لاستكمال مهامه المجتمعية والانخراط الفعلي في معترك الحياة ،بكل أسئلتها المقلقة ووإشكالاتها الكبرى، سيبصم على مرحلة جديدة من الوعي والرفع من قيم الإنسانية وسيكون المثقف والعالم والمبدع والفنان ،إحدى تجليات هذا التحول، بغاية منح الكون المشترك جدوى لماهية الإنسان وضروروة وجدوه الحتمي.

في تقديري المتواضع،  أتوقع  أن تحظى الثقافة والفنون برعاية واهتمام أكبر من طرف الحكومات الوطنية وأن تمنح للفنون المشهدية وخاصة الفنون المسرحية فضاءات شاسعة للتحقق وأن توسع دائرة الحقوق الثقافية والفكرية والفنية للمشتغلين بها..

وفي تقديري المتواضع، أتوقع أن يمنح للمسرح حق التواجد في كل المناحي المجتمعية، في المؤسسة التربوية والمدن والقرى والأحياء.

في تقدير المتواضع، أتوقع أن يمنح للفنان رعاية اجتماعية فائقة حتى يحس أنه جزء لايتجزأ من المجتمع وأنه ليس عبئا هامشيا لافائدة منه.

في تقديري المتواضع، أتوقع أن تشهد بنيات العمل المسرحي،كتابة وإبداعا وعرضا وإشعاعا،العودة  القوية لدور المسرح في  تأدية وظيفته، في بناء الأفراد والجماعات ومدهما بأسلحة الوعي النقدي لفهم الذات واستيعاب الآخرلمواجهة كل أشكال الانهيار والعزلة .

في تقديري المتواضع، أتوقع أن يبزغ نبوغ إنساني، في العلوم والثقافات والفنون والابتكار والإبداع، نبوغ نهضوي، قد يأسس لمرحلة مغايرة، من شأنها أن تبني عالما جديدا لناشئتنا وأجيالنا القادمة.

في تقديري المتواضع، أتوقع أن يضحى المجتمع الثقافي والعلمي وأطرهما المعرفية والفنية، حجر الزاوية لامحيد عنهما في تقدم  الشعوب والأمم ونسج علاقات ثقافية وفنية عابرة للحدود ومدعمة لقيم العدالة واالسلام بين مختلف الأجناس والثقافات .

ذات مرة صرح الكالتب والفيلسوف الفرنسي  ألبير كامي: سيرحل الطاعون وستبقي قلوب البشرعلى ماهي عليه. لنغير زاوية النظر والمعادلة. لنواجه كل أشكال الطاعون والحجر ولترحل حتما. وعلى قلوب البشرية بدورها أن تتغيربانبثاق نبوغ فكري وثقافي وإبداعي حتى لاتستكين لما هوعليه.

من يدري..؟  

 محمد أمين بنيوب، كاتب مسرحي

أستاذ بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي – المغرب

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …