صبحى ملك «الكاريزما» تحدى المسافات وكسب الرهان على مسرح «سنبل» / هند سلامة

مهما تغيرت الأوضاع وتبدلت الأحوال لن يتغير الفنان محمد صبحى ولن يكف عن صرامته الشديدة فى اتباع تقاليد المسرح؛ تقاليد العمل وتقاليد الفرجة ليس فقط فيما يخص التزامه والتزام الممثلين بينما التزام الجمهور أيضا وضرورة ضمانه أن جمهوره سوف يتبع تقاليد الفرجة المسرحية ومن تقاليد الفرجة ألا ينشغل المشاهد عما يجرى على خشبة المسرح، بالطبع تقع على الممثل مسئولية امتلاك انتباه الجمهور طوال فترة العرض، لكن كيف يفعل ذلك وهناك شيء آخر أصبح يشغلنا حتى عن أنفسنا وليس عن مجرد المشاهدة. وهو «الموبايل» أو التليفونات المحمولة، لم يسمح الفنان محمد صبحى بدخول أى فرد بهاتفه ووضع خزينة على بوابة المسرح لتسليم الهواتف بها كى يسمح لك بدخول قاعة العرض..!
الحرب على التكنولوجيا
فى البداية شعر الناس بالغربة والاغتراب وكأن شيئا ثمينا سيضيع من أيديهم كيف يأخذ منا «الهواتف».. وبهذه الحالة من الدهشة سلم الجميع هاتفه ودخلوا المسرح مستسلمين لقرار صاحبه؛ يشير هذا التقليد إلى أكثر من دلالة أولها شدة احترام هذا الفنان لفن الفرجة المسرحية فلا يليق ولا يصح أن ينشغل عنه جمهوره بأى شيء خاصة لو كان هذا الهاتف الصغير والدلالة الثانية الصرامة فى تطبيق هذا التقليد فالجميع دخل المسرح بلا هواتف دون استثناء فانصب التركيز طوال مدة  العمل على العرض فقط وهكذا عاد الجمهور إلى سابق عهده فى المتابعة والاندماج طوال مدة العرض بدلا من انقطاع التركيز والانتباه إلى شيء آخر يفسد متعة المشاهدة؛ بجانب ضمان منع التصوير وبث مقاطع من العرض أو صور على مواقع التواصل الاجتماعى، هكذا نجح صبحى فى حربه على وسائل التكنولوجيا الحديثة ولو لساعات قليلة منع الحضور من استهلاك الطاقة والانتباه وكان وقتهم بالكامل للعرض وكأنه يدعوك لترك هذا الذى يشغلك طويلًا للتركيز فى «خيبتنا»..!
الاستنساخ
«خيبتنا» عمل مسرحى كوميدى اجتماعى تدور أحداثه حول الدكتور «بائس» الباحث فى علم الجينات الذى يقوم بتطبيق نظرية الاستنساخ ويأمل من خلالها فى تغيير سلوك البشر لكنه يكتشف سرقة بحثه فيقوم بتجربة نقل جينات العالم العربى إلى الأمريكان فى تصور فانتازى كيف سيكون حال الأمريكان إذا أصبحوا مثلنا كيف سيتصرفون وكيف ستكون ردود أفعالهم الحياتية والسياسية طرحًا ساخرًا لما يعانيه العالم العربى من فوضى حقيقية سواء على المستوى السياسى أو على مستوى السلوك الاجتماعى بجانب تناول العرض للأزمات الاجتماعية من فقر وبطالة واحتياج وتكدس أفراد الأسرة الواحدة فى منزل واحد ثم الإشارة إلى أن هذا البيت الفقير جمع أطراف العالم العربى المشتت سوريا وليبيا واليمن؛ أكثر من قضية وطرح فنى وفى النهاية يؤكد العمل على أننا جميعًا أصبحنا نسخًا مكررة متشابهين فى كل شيء فى القالب الفكرى والاجتماعى وحتى السياسى حمل العرض إسقاطات على الواقع المصرى ومنه إلى الواقع العربى، الواقع المصرى كسلوك اجتماعى فردى ثم الواقع العربى كسلوك جمعى فنحن نكتفى بالمشاهدة دائمًا.
الاحتفاظ بالكاريزما
بالطبع لم يخل العرض من الشكل أو القالب الفنى المعتاد لمسرح صبحى وهو نقل قضاياه ومناقشاتها على الجمهور بشكل واضح مباشر خطابى وصريح وكأن الواقع لا يستحق الكثير من المواربة فنحن أمام واقع مشوه وهذا التشوه وجب عرضه كما هو برغم أن هذا الشكل الفنى غير محبب للكثيرين وقد يراه البعض سذاجة فى طرح الأفكار والقضايا المسرحية إلا أنه وبعيدًا عن كل عيوب الشكل الخطابى المباشر الأقرب للمسرح التعليمى لا بد أن نتوقف عند أداء محمد صبحى وهو يلعبه مع جمهوره فهذا الرجل كان وما زال يحتفظ بكاريزما طاغية على خشبة المسرح بجانب لياقته البدنية فى الحركة والأداء وإن تشابهت عروضه فى قالبها وأسلوبها المباشر وبالتالى هو يستحق كل التقدير والإحترام لحرصه الشديد على إحتفاظه بنفسه ولياقته حتى هذه اللحظة بنفس مستوى التميز فى الأداء، كما أننا إذا وضعنا هذا العمل وغيره من الأعمال فى سياقها الفنى التى تقدم من خلاله وهو مسرح القطاع الخاص، ثم القطاع الخاص الذى يخص صبحى على وجه التحديد فهو مسرح أقرب إلى الجمهور فكرًا وكوميديا وفى نفس الوقت مسرح يحترم الأسرة المصرية التى خرجت بالكامل لمشاهدته، فلم يخب ظن جمهوره وظل على عهده فى تقديم أعمال فنية بسيطة ذات محتوى نقدى لأوضاع سياسية وإجتماعية لواقعنا العربى يعيبها التطويل فى مشاهد النصح والإرشاد لكنه فى المقابل استطاع أن يضحك جمهوره ساعتين بلا انقطاع ومازالت لديه القدرة على الحركة والقفز والسرعة؛ خفة دمه وخفة حركته على المسرح قد تنسيك وقوع العمل فى فخ المباشرة والتطويل فهو صاحب مدرسة الوصول إلى قلوب جمهوره بأقصر الطرق الممكنة.
مسرح كامل العدد
عاد صبحى على مسرحه بمدينة سنبل بطريق مصر إسكندرية الصحراوى وراهن على حرص جمهوره على مشاهدة عمله وكسب الرهان فالمسرح الذى حوله إلى متحف لذكريات أعماله الناجحة كامل العدد برغم بعد المسافة بينه وبين القاهرة فأنت على موعد مع رؤية تاريخ صبحى فى مدخل المسرح ثم «خيبتنا» داخل قاعة العرض، شهد العمل حضورًا كبيرًا للفنانة سميرة عبد العزيز التى لم تتردد فى لعب الكوميديا بخفة ظل وخبرة السنوات الطوال أمام صبحى وكذلك الفنانة سماح السعيد التى تميزت بخفة ظلها ومهارة فى أداء شخصيتها التى قدمتها بهدوء وذكاء المحترفين وكذلك كان الفنانون المشاركون بالعمل ندى ماهر، بوسى الهوارى، حازم القاضى، شوقى طنطاوى، ميرنا ذكرى، عبير فاروق، ديكور محمد الغرباوى وأزياء هانى البحيرى، تأليف وإخراج محمد صبحى.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *