شباب «مهرجان المسرحيات القصيرة» إلى الاحتراف

بعد خمسة أيام من العروض واللقاءات الفكرية أسدل الستار يوم الخميس الماضي على واحدة من أهم الاحتفاليات الثقافية لمدينة كلباء الوادعة، وهو مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة في نسخته الرابعة، الذي أصبح مناسبة سنوية يتحينها جمهور المدينة لشهود عروض مسرحية ينعشها بالدرجة الأولى أبناء كلباء التي تفتخر بأنها ظلت على الدوام منبعاً للطاقات المسرحية التي رفدت الساحة الإماراتية بممثلين ومخرجين وكتاب مسرحيين، منذ نشأة جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح عام 1978، والتي ظلت تنشط في كل المهرجانات الوطنية، وهي إحدى الفرق التي استمر نشاطها حياً وفاعلاً، وتفتخر اليوم بأنها تضم في عضويتها أكثر من خمسين منتسباً مسرحياً، أغلبهم من الشباب، وكان هذا الاستعداد والهواية المتأصلة لأبي الفنون أحد الحوافز التي حدت بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ممثلة بإدارة المسرح أن تختار كلباء اختياراً دائماً لتنظيم هذا المهرجان الذي أصبح اليوم إحدى علامات النشاط الثقافي فيها، وأضحت له خصوصية تميزه عن غيره من المهرجانات الأخرى.

امتاز مهرجان هذا العام بأربع ظواهر مهمة، وتدل على سيره نحو الأمام، وأن كل دورة هي إضافة جديدة لرصيده، وأولى هذه الظواهر تمثلت في تحسن تجارب المخرجين الذين سبق وأن شاركوا في الدورات الماضية، وهم بدر الرئيسي ومهند كريم ومحمد جمعة وخليل إبراهيم، فبالمقارنة مع تجاربهم السابقة، تعد التجارب الجديدة أرقى، فقد ظهر أثر الخبرة والتدريب في عملهم، سواء في ناحية الحلول الإخراجية والاستفادة من عناصر العرض المسرحي كلها، أو ناحية ضبط عمل الممثل وتوجيهه، ولا يعني ذلك أنه لم تكن هناك نواقص في عملهم، فهم في العموم لا يزالون يتدربون ويشقون طريقهم نحو الاحتراف، كما ظهر أيضاً أثر التجربة في الممثلين الذين مثلوا في المهرجان من قبل، وقد أدى ذلك إلى رفع مستوى التنافسية بين العروض المشاركة فيه، كما أن مهرجان هذا العام شهد منافسة قوية، وشاركت ستة عروض هي «الموت يستأذن في الدخول» لودي ألن وإخراج بدر الرئيسي، و«شكسبير منتقماً» وهو من إخراج مهند كريم الذي أعده عن نصوص لشكسبير، و«الإسكافية العجيبة» من تأليف غارسيا لوركا وإخراج دينا بدر، و«جثة على الرصيف» لسعد الله ونوس من إخراج محمد جمعة علي، و«قضية ظل الحمار» لفريديش دورينمات من إخراج أنس عبدالله، و«حكاية الرجل الذي صار كلباً» لأوزفالدو دراغون إخراج خليل إبراهيم، واستضاف المهرجان عرضاً سابعاً هو مسرحية «الفخ» التي أنتجت في ورشة الإقامة المسرحية في خورفكان والتي أشرف عليها الفنان يوسف بحري.

والظاهرة الثانية كانت المشاركة المكثفة لممثلين قادمين من مهرجان المسرح المدرسي في الشارقة، ما يعني أن المهرجان أصبح جاذباً، ومحطة تكوينية مهمة للشباب الهواة للمسرح في الدولة، يسعون لخوض تجربته لكي تؤهلهم لمراحل أخرى، وهذا التواصل بين المهرجانات، مطلوب وينبغي استمراره وترسيخه، لأنه في غياب معاهد تكوين تصبح المهرجانات بتعدد مستوياتها بديلاً تكوينياً مفيداً.
أما الظاهرة الثالثة فهي أن المهرجان اختار أن ينفتح على واقع الحركة المسرحية المعاصرة في الوطن العربي والعالم، وأن يطلع المشاركون فيه عن كثب على الممارسات المسرحية الميدانية، فكان موضوع الندوة الفكرية المصاحبة له عن «محترفات التدريب المسرحي والسبيل إلى العالمية»، كما تخللت المهرجان ثلاث ورش مسرحية في مجال التمثيل الصامت والارتجال وفن البهلوان، ونظمت فيه ندوة فكرية حول«المحترفات المسرحية والسبيل إلى العالمية»، فحصت أساليب وتوجهات اشتغال المحترفات المسرحية في الراهن، ونظرت في ما يحدث الآن وليس في ما ينبغي أو ما كان، ولم تبتعد مواضيع ملتقى الشارقة الثالث للبحث المسرحي الذي أقيم ضمن المهرجان عن تلك الراهنية والنظر في الممارسة العملية، وتعزز ذلك باستضافة ورش لثلاثة من الفنانين المسرحيين العرب، تخصص كل منهم في نوع من الممارسة المسرحية النادرة في العالم العربي، والتي أصبح لها حضور متزايد في المسرح العالمي، وهم المغربيان سعيد باجا المتخصص في فن البهلوان، فريد الرقراقي المتخصص في فن الارتجال، والسوداني نبيل ساتي المتخصص في فن التمثيل الصامت، وهي كلها فنون عملية وتلقي الضوء على جانب من الخبرات المسرحية الضرورية للممثل، والتي أصبح الاهتمام بها في تزايد.
الظاهرة الرابعة هي الاهتمام الذي أولته الدوائر الحكومية المحلية في مدينة كلباء للمهرجان، فكان ممثلوها حاضرين في العروض، ورعت الندوات التطبيقية وتولت توزيع الجوائز على الممثلين الفائزين بتصويت الجمهور في المسابقات الليلية التي كانت تقام بعد العروض، وقد رصدت إدارة المهرجان جائزة تقديرية لتلك الدوائر تقديراً لرعايتها له، وفازت بها في هذه الدورة دائرة التنمية الاقتصادية في كلباء، ولا شك أن هذه الرعاية مطلوبة، وتدعم المهرجان وترسخه.
يشكل المهرجان فرصة ثمينة لهواة المسرح والشباب الطامحين إلى اكتساب الخبرة في سبيل الاحتراف، وتعتبر الأشهر التكوينية الثلاثة التي تسبقه، والتي تجري فيها دورة العرض المتكامل بالإضافة إلى المشاركة في عروض المهرجان نفسه مهمة لأولئك الشباب، خاصة أنه يسمح لهم بالمشاركة في ثلاث دورات، وهي فرصة كافية لتفتُّق القدرات وامتلاك الخبرة لدى أصحاب المواهب، لكنّ الاقتصار على ما يقدمه المهرجان وحده لا يكفي لمن يطمح إلى التطور والاحتراف، فعلى أولئك الشباب أن يعززوا ما يشاهدونه على الميدان بالقراءة المستفيضة في مجال المسرح العربي والعالمي، وأن يرفعوا مستواهم المعرفي حتى تكون الأسس راسخة والبناء صلباً، ففي المسرح كما في كل حرفة أو فن إنساني، لابد من جناحين هما المعرفة والخبرة.

 

http://www.alkhaleej.ae/

الشارقة – محمد ولد محمد سالم:

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *