سميحة أيوب وتنوع فنون الأداء أحمد خميس – مصر

     إن الحديث عن شخصية فنية بحجم الأستاذة سميحة أيوب يتطلب الرجوع لكثير من الدراسات التي تتناول فنون الأداء إذ أن طبيعة الأدوار التي لعبتها تنوعت بين عدة مدارس تقليدية وطليعية فلا يمكنك أن تتصورها كأحد رواد الواقعية بشتى أنواعها  ولا يمكنك أن تحكم عليها كأحد علامات التعبيرية أو الرومانسية أو حتى العبث والميلودراما , فتنوع أدوارها وتشابك شخصياتها جعلها تخرج من النموذج المعلب لرحابة الإلمام بشتى الطرق والأنواع ,  وقد أدركت منذ نعومة أظافرها أن المسؤولية الفنية الملقاة على عاتقها كبيرة , فالتميز لن يعطى نفسه إلا للمجتهد والمتطور والمطلع على فنون عدة , فكانت لا تركن لحصص تدريب الممثل بمعهد الفنون المسرحية رغم تنوعها , وإنما راحت تراقب عن قرب تدريبات عروض الأوبرا والبالية التي كانت تزور القاهرة لتقديم عروضها آن ذاك إلى جانب متابعتها لبعض الأفلام العالمية من خلال شرفة منزل الأسرة بشبرا والتي كانت تطل على احد السينمات الصيفية وأيقنت مع بداية التزامها بحضور حصص كبار الفنانين المصريين في معهد المسرح أن امتلاك ناصية الأداء لا يمكن أن يمر عبر الاهتمام بالصوت وحدة أو الحركة وحدها أو الإيماءات وردود الفعل المحفزة للزملاء فقط  , وإنما يتطلب تدريب شاق واهتمام فائق بكل تفاصيل الصناعة وان للتدريب المتنوع أهمية قصوى في تشكيل وجود الممثل على خشبة المسرح وبيان مرونته وكفاءة أدواته بين زملائه وعند المتلقي وقد ساعدها في ذلك الأمر احتضان كثير من مخرجو الإذاعة والسينما لموهبتها الفذة في وقت مبكر فالجهد الفائق الذى يبذله الممثل في بيان الشخصية في الإذاعة من خلال صوته فقط بحيث يحول كل جهده ولكنة صوته لطبيعة الشخصية التي يلعبها مع اعتبار توجه العمل بين الأنواع المختلفة (تراجيدى , كوميدى , رومانسى , ملحمى , شعبى)  يختلف تماما عن تناول الممثل السينمائي لدورة اذ تبرز هنا أهمية التعبير بالوجه والإيماءة وحركة الجسد إلى جانب الصوت المناسب لطبيعة الدور مع الأخذ فى الاعتبار أن التصوير السينمائي يختزل كثير من المشاكل التي يضعها في اعتباره ممثل الأنواع الأخرى, وهى فنون متنوعة تحتاج لممثل واع تماما بالتقنية وبدورها في صناعة العمل الجمالي.

لم يثبت يوما أن سميحة أيوب سعت للتشبث بدور البطولة أو دور الفتاة المدللة وإنما تفهمت المعنى الحقيقي للاحتراف واستطاعت أن تحقق نجوميتها من خلال الأعمال ذات البطولة الجماعية مثل (كوبرى الناموس وسكة السلامة والسبنسة والسلطان الحائر) وحتى حينما احتفى بها النقاد والصحفيين واهتم المخرجين الكبار بإسناد الأدوار الأولى لها في أعمالهم الإبداعية وأصبحت تقدم دائما ادوار البطولة في الأعمال المسرحية كبطولتها لمسرحية سارتر الشهيرة (المومس الفاضلة) من إخراج حمدي غيث كانت دائما ما تحافظ على الوجود الحى داخل نسيج العمل لزملائها في العرض المسرحي إذ أن النجاح سوف يتحقق حين تتضافر جهود الفريق وهو أمر تعلمته من فهم الأستاذ زكى طليمات لنفوس طلابه فإن أعطى لإحداهن دور البطولة في عمل ما كان يحرص على أن تلعب دورا ثانويا في العمل التالي  وحتى في الأعمال التي قدمتها مع مخرجين ليس لهم تاريخ طويل في العمل المسرحي كـ (محمد عمر) المخرج الموهوب كانت متفهمة لأهمية العمل وتأثيره الجمالى ففي مسرحية (الناس اللي في الثالث) لعبت دور الأم التي تعانى تشتت الأسرة ورسمت مع زملائها طبيعة خاصة وفهم عميق لطبيعة المجتمع في ذلك الحين والحقيقة أنها كممثلة كانت تتشكل حسب الفهم العام لطبيعة العمل بحيث يمتزج أداؤها هي وفريق العمل ويتبعوا منهجا واحدا لا يشذ منهم أحد فعلى طريقة ستانسلافسكي حينما يتطلب العمل الإبداعي ذلك وعلى طريقة برشت إذا كان العمل ملحميا وعلى طريقة المسرح الشعبي الخشن إن كانت تقوم بدور تحيطه الأجواء الشعبية البسيطة ويمكنها ببساطة وتلقائية أن تنوع في طبيعة الأداء داخل نسيج العمل الواحد دون أن تربك فريق العمل آو تعرضهم لمشاهد لم يعتادوها وأداء لم ينسجموا معه من قبل , وهو أمر ينم عن احترام حقيقي لكلمة المؤلف المكتوبة وعدم البحث عن شهرة مؤقتة وبالية أو التقاط حدث طارئ والزج به داخل نسيج العمل أو حتى التهكم على زميل تعثرت فى حلقة الكلمات وقد ألهبت سميحة أيوب بقدرتها الفائقة على الأداء المتنوع الكاتب الكبير (خيرى شلبى) فكتب عنها فى مجلة الإذاعة والتليفزيون يقول (الوداعة والشراسة توأمان فى عينيها وهى مارد على المسرح وتذوب شخصيتها فى الدور وتظل تحمل همومه وأوجاعه وان من المؤكد انك ستظل وقتا طويلا بعد انتهاء المشاهدة ترى سميحة أيوب باعتبارها شخصية الدور وترى شخصية الدور باعتبارها سميحة أيوب وإنها تنتمي إلى مدرسة الصوفية – مدرسة الغناء فى نفس الدور وإن المدرسة التي ابتدعتها هى – شخصيات ارتبطنا بها فى الحياة , وتربطنا بها مشاعر قوية , وان ذلك أدى إلى دسامة الشخصية وصلابة القوام أى دسامة ذوى التجارب , ذوى الثقافة الإنسانية العميقة اللذين بنيت قناعاتهم على تخوم التجارب العملية والمعاناة والمكابدة والصبر الطويل , وإنها تتميز بلسان ذرب حاد قاطع أحيانا . لا يعرف (اللوع) ولا المواربة ولا المداهنة وإنها منضبطة الصوت على الدوام حتى فى لحظات الانفعال ونتيجة لانضباط صوتها ينضبط رأيها فى الفن وفى الحياة وفى الناس وفى الأشياء , سريعة البديهة ,قوية الحجة , حادة المنطق قاسية النكتة أحيانا لكن النكتة عندها تحمل رأيا بل رأيا عميقا , فهى الساحرة القديرة ويتعارض مع هذا الرأي الأستاذ (عبد الغنى داود) والذي يقول ولكنني لا أظن خيرى شلبى فى لوحته هذه التى رسمها قد أشار إلى الأداء التمثيلي الذي أتوقف عنده بقدر ما عبر عن إعجاب شديد بإنسانة فنانة والحقيقة أن فهم الأستاذ عبد الغنى داود لطبيعة أداء سميحة أيوب اقرب للصحة, فبورتريه خيرى شلبى يتوقف عند الإعجاب المطعم بكلمات منتقاة بعناية وحب شديدين ولم  يحاول أن يحلل الأداء المتنوع ولا التراكيب الأدائية العميقة أو حتى البسيطة فقط أراد أن سميحة أيوب بكلمات راقية يؤكد من خلالها على جسارة امتلاكها لناصية الأداء التمثيلي ويمتدحها بكلمات ستظل لفترة طويلة معبرة عن حب شديد لهذه النوعية من الأداء الصارم والصوفى  والبسط والمعقد فى الوقت ذاته , يقول عبد الغنى داود فى هذا المعنى أنها حينما قامت بدور جليلة بنت مرة فى مسرحية الزير سالم لألفريد فرج وإخراج حمدى غيث وشخصية عزيزة فى مسرحية (بير السلم) لسعد الدين وهبة وإخراج سعد أردش وهو الدور الذي استطاعت أن تقدم فيه كل ما فى هذه الشخصية من تعاريج على امتداد المسرحية , وغموض قرب النهاية , ولم تكتف بأن تكون مركز الثقل فى المسرحية كلها بل كانت أقرب إلى المايسترو الذي ينظم حركة الآخرين كما يشير الناقد جلال العشرى فى مجلة المسرح (1) 

حين تعرض الفضائيات إحدى مسرحياتها القديمة تستطيع بنفسك أن تتابع ذلك الأداء الأسطورى الذى يجمع فى طياتة كثير من مدارس الأداء ويمكنك فى لحظة واحدة أن تتلمس كيفية اهتمامها بأدق تفاصيل الشخصية الدرامية من حركة ونمط أداء صوتى وسهولة فى استقبال إشارات الزملاء تحاول جاهدة أن تلملم شتات الشخصية بتفاصيلها البسيطة الموحية , وهى بذلك قادرة على أن تقنعك دوماً أنها فى قلب الحدث حسب ما أراد المؤلف ويمكنها بتلك الأدوات غير المتكررة أن تهيمن على خيالك كمتلقٍ لتضع بين يديك قلب الشخصية الدرامية وتكوينها المثالى ,تقلبت بين شخصيات متباينة التكوين مختلفة الطباع فلتوفيق الحكيم لعبت دور إيزيس فى المسرحية التى سميت بنفس الاسم كما لعبت الغانية الحكيمة التى قلبت الأحداث رأساً على عقب فى (السلطان الحائر) وفى مسرحية (الصفقة) لعبت دور مبروكة , وقدمت لبريخت كثير من الأعمال سواء لمخرجين مصريين أو أجانب فقد لعبت دوراً بارزاً فى دائرة الطباشير القوقازية كما لعبت دور الأرملة فى مسرحية (صعود وهبوط ماهاجونى) , كما لعبت دور شامينا فى مسرحية رشاد رشدى المسماة (حبيبتى شامينا) وفى مسرحيات سعد الدين وهبة كانت القاسم المشترك فى معظم ما قُدم , وأذكر فى هذا الإطار أن أول ما جذبنى للفنانة الأسطورة كان أدائها الرائع فى مسرحية (كوبرى الناموس) حيث المرأة علامة الوطن التى يحن إليها الجميع , المرأة الكادحة الأبية المتعاونة مع الثوار , والتى تتحول لكاتمة الأسرار , والتى يحيطها سر كبير فى حياتها , تتفانى ليعيش الجميع , تتعاون لفعل الخير , تقف كما البلد على مفترق طرق وتأبى الهزيمة والخنوع , وعلى جانب آخر لا أنسى دورها الآسر فى مسرحية (سكة السلامة), حيث الممثلة الفاتنة التى تعيش بدايات النجومية والتى تجذب كل من تاهوا على الطريق , ويذكر التاريخ دورها المميز فى مسرحية ( يا سلام سلم الحيطة بتتكلم ) حيث مثلت دور المرأة صوت العدالة وضمير الشعب .. إنها ولادة فى (الوزير العاشق) لفاروق جويدة وضاربة الودع فى مسرحيته الجميلة (الخديوى) وصفية فى  (دماء على أستار الكعبة) , كما أنها كانت ست الملك فى مسرحية سمير سرحان المسماة بنفس الاسم , والساحرة فى مسرحية يسرى الجندى المسماة بنفس الاسم , ورابعة العدوية فى مسرحيتة المسماة بنفس الاسم , ونعمت فى رائعة يوسف السباعى (العمر لحظة) كما لعبت الأدوار الرئيسية فى مسرحيات الدكتور فوزى فهمى (الفارس والأسيرة ) و(عودة الغائب) و(لعبة السلطان) ..و(الفتى مهران )لعبد الرحمن الشرقاوى , وهى المسرحية التى اعتبرتها سميحة ايوب مسرحية طليعية,   ومن ثم فقد قدمت شخصيات لاتنسى فى تاريخ المسرح المصرى , وعلى المستوى العالمى يكفى أن نقول أنها قدمت (أنطونيو كليوباترا) لوليم شكسبير و(أجاممنون) لاسخيلوس و(أنتيجون) لسوفوكليس و(البخيل) و(المتحذلقات) لموليير و(الجلف) و(الخال فانيا) و(النورس )لأنطون تشيكوف و(الذباب)  و(المومس الفاضلة) لسارتر و(فيدرا) لراسين و(الإنسان الطيب) و(صعود وهبوط ماهاجونى) لبريخت .   

 وقد ارتبط اسم سميحة أيوب بأسماء مخرجين لهم باع طويل فى ممارسة العمل المسرحى يمتاز كل منهم بطريقته الخاصة فى هيكلة الممثل وفق رؤيته الإخراجية وفهمه لطبيعة الأداء وأثره فى نفوس مشاهديه وإدراكه لطبيعة المرحلة وطرق التعبير الجمالى التى تصلح لها أو تناسبها , ويكفى فى هذا الإطار أن نشير أنها قدمت أدواراً متنوعة من إخراج كل من زكى طليمات ويوسف وهبى وفتوح نشاطى وحمدى غيث ونبيل الألفي وعبد الرحيم الزرقانى وجلال الشرقاوى واحمد عبد الحليم وكمال يس وسعد أردش وسمير العصفورى وكرم مطاوع وعبد الغفار عودة وهانى مطاوع وعادل هاشم وفاروق الدمرداش وفهمى الخولى وشاكر عبد اللطيف ونبيل منيب ومحسن حلمى ومصطفى سعد وتوفيق عبد الحميد ومحمد عمر وكادت قبل ثورة يناير مباشرة أن تقدم عرض من إخراج خالد جلال باسم (كان فيه واحدة ست) ولذلك العرض حكاية طويلة سوف أعود إليها لاحقا

كما أنها عملت مع أربعة مخرجين عالميين هم الروسى (رسلى بلاتون) وقدمت معه مسرحية أنطون تشيكوف الخال فانيا , والألماني (كورت فيت) وقدمت معه مسرحية برتولد بريخت دائرة الطباشير القوقازية ,  والفرنسى (جان بييرلاروى) وقدمت معه مسرحية جان راسين فيدرا , والانجليزي (برنارد جوس) وقدمت معه مسرحية وليم شكسبير انطونيو وكليوباترا.

وكانت البداية مع المعلم الكبير زكى طليمات الذى وافق على انضمامها لمعهد الفنون المسرحية كطالبة مستمعة , كونها لم تكمل السن القانونية بعد والذي تبناها فنيا ودعمها للاشتراك فى المسرحيات التى كان يقدمها وأعطاها الثقة اللازمة كى تقف بثقة بين زملائها

بمثل زى يوسف وهبي وليلى مراد :

كانت سميحة أيوب ابنة 14 عام قد سمعت فى إحدى الليالي فى الإذاعة أن معهد الفنون المسرحية يطلب آنسات للانضمام إلى المعهد وسوف تمنح الفتاة التي تنجح مكافأة ستة جنيهات وتقول فى مذكراتها (توقفت عن المذاكرة وجلست أفكر فى الستة جنيهات وماذا تستطيع الفتاة أن تفعل بها ) وحين ذهبت مع إحدى صديقاتها فى اليوم التالي للاختبار دون علم أهلها لم تذهب إلا لفضولها الطاغي ورغبتها الشديدة فى دخول هذا العالم الساحر وحين سألها الممثل والمخرج الشهير جورج أبيض: ” إنت بتعملى إيه هنا يا شاطرة؟” وحين أجابته بأنها جاءت مع زميلتها التي جاءت للاختبار , سألها: ” إنت بتعرفى تمثلي؟ ” فما كان منها إلا أن قالت له ” بمثل زى يوسف وهبى وليلى مراد” فضجت لجنة الاختبار بالضحك إذ أن يوسف وهبى كان أحد أعضاء اللجنة ودارت مناقشات بين الأعضاء وطلبوا منها أن تؤدى ما تعرفه فتلعثمت وخافت وبكت وحين هدأوا من روعها قدمت لهم بعد أن تماسكت مقطوعة من الشعر الفرنسي وقررت اللجنة وقتها ضم الطالبة سميحة أيوب كطالبة مستمعة حتى تكمل السن القانونية ومن ثم كان للمفارقة الكوميدية دور هام فى موافقة اللجنة على ضمها إلى جانب الحس الجمالي بإمكانية تطوير تلك الفتاة الغضة والمحبة للأداء التمثيلي

فى المعهد مع المعلم الأول زكى طليمات وطريقته وفى تدريب الممثل :

لا شك أن زكى طليمات والذي جاء بعد جيل الرواد الأوائل كان له منهج مختلف ويعرف تماما كيف يؤهل الممثلين لأداء مبنى على الذاكرة الانفعالية, وفى ذلك يقول تلميذة النجيب سعد أردش ” تميز زكى طليمات بالأداء القوى الذي يفرض حضوره على المتلقي وبإبراز القيمة التعبيرية للحرف العربي وأنه قد علم الأجيال كيفية توظيف أدوات الممثل صوتا وحركة وإيحاء وانفعالا وتقويما نفسيا واجتماعيا وعلمهم أيضا الصدق الفنى , وكيف يمكن تحقيقه من خلال العلاقة الوطيدة بين سلوكيات الممثل وسلوكيات الشخصية الفنية ,بحيث يضع يده على مقومات الشخصية التى يؤديها وصراعاتها الدرامية , وبحيث يقدم لنا فى النهاية عناصر الجمال والشعر فى إبداع الممثل وعلاقة ذلك بالجمهور وبالحركة الاجتماعية” وتلك الطريقة التي شرحها الأستاذ سعد أردش تبين أن الصدق الفنى والابتعاد عن المبالغة اللفظية واكتساب الخبرة العلمية هى قوام عمل زكى طليمات مع طلابه وهذه التعاليم كانت تمثل للجيل الجديد لب قضايا الفن المسرحى وكيفية تقديمه للجمهور وهى طريقة أدائية تتقاطع مع الأجيال السابقة وتبتعد وتكشف مناطق الخلل فيها فإن كانت الأجيال القديمة على ذلك الجيل قد اهتمت اهتمام فائق بمخارج الألفاظ وتضخيم الصوت والاتكاء على مناهج أدائية تفصل الممثل عن الشخصية الدرامية بمعنى تقديمها من الخارج فإن المعلم الأول زكى طليمات قد قرر بناء مناهج مختلفة تقرب الممثل من الشخصية الدرامية وتعطى للامتلاء النفسى بالشخصية الدرامية أهميتها فى بناء الحدث ورغم الجهود الجبارة التى وقعت على كاهل زكى طليمات فى النهوض بفن المسرح إلا أنه حورب بشراسة وأغلق المعهد الذى بناه بجهود مضنية لسيطرة الأفكار الرجعية على المجتمع لفترة طويلة إلا أنه كمقاتل شرس لم ينحن للهزيمة وأصر على إعادة افتتاح معهد المسرح بعد إغلاقه بما يقرب 13 عام بعد دخوله فى حرب شرسة تسأل عن قشور التقاليد ولا تهتم اهتمام حقيقى بمعنى الفن ودوره في النهوض بالمجتمع

المسرحية الأولى (البخيل):

تقول الأستاذة سميحة أيوب إن الفتيات اللاتى كن معها فى بداية الدراسة قد تسربن الواحدة بعد الأخرى بعد اكتشافهن أن الدراسة فى المعهد إنما هى دراسة جادة وتكمل ( ونحن فى منتصف السنة , جاء الأستاذ زكى طليمات وضم الفصول مع بعضها وهو كثيرا ما يفعل خصوصاً فى حصص التمثيل وقال لنا :

  • سوف نعرض على دار الأوبرا مسرحية البخيل لموليير بعد شهر ونصف وسوف تكون حصص التمثيل من خلال مسرحية البخيل .

ووزع الأدوار وكانت كالآتي سعيد أبو بكر ,شكرى سرحان وعمر الحريرى , فريد شوقى , عدلى كاسب ,على الزرقانى , نعيمة وصفى ,فاتن حمامة وسميحة أيوب وكان هذا هو الكاست أو ممثلين المسرحية وبدأنا البروفات وجاء يوم الافتتاح والخوف والتوتر والهلع من الفشل وجاءت النتيجة عكسية لكل المخاوف نجح العرض المسرحى الذى قدمه الأستاذ زكى طليمات بطلبة المعهد العالى للفنون المسرحية وبدأت الصحف تكتب مقالات بها إشادة على العرض والفنانين الواعدين بمستقبل مسرحى يثرى الحركة المسرحية المحدودة وكان من نصيبى أن كتبت مقالة فيها إشادة بما لم أكن أتوقعها وقال كاتبها وهو أستاذنا جميعا ومعروف عنه أنه لا يجامل وهو الأستاذ زكى مبارك هذه الشابة عندها حضور مسرحى طاغ وكنت وقتها قليلة العلم والثقافة ولم ادر ما معنى كلمة حضور فقلت فى سخرية : “حضور إيه ؟ ما انأ حاضرة ومثلت “فضحك منى أستاذي زكى طليمات الذي أصبحت عنده تلميذة مفضلة : ” يا سميحة حضور مسرحى حاجة , وحضورك الفعلى شئ أخر وربت على كتفى فى حنان ” , وقال : ” هل تعلمين يا سميحة أنني كتبت مذكرة لوزير المعارف لعمل استثناء لك من شرط السن وليس بالضروري أن تنتظرى حتى تبلغى الستة عشر عاما لتأخذى الستة جنيهات , وقد حصلت على الموافقة من الوزير وهذه هديتى لك بمناسبة المسرحية ” وطبعا أحسست أنى ثرية (2)

من سميحة أيوب لسميحة سامى :

بعد فترة من الدراسة فى المعهد اقبل عليها زميلها محمد الطوخى وبشرها بأنها مرشحة لمسلسل من إخراج محمد محمود شعبان (بابا شارو) وأن عليها أن تستعد لـ (تيست المايك) فذهبت رغم تحذيرات زميلاتها بأن (زوزو نبيل) سوف ترميها من شباك الإذاعة لكونها تقوم بكل البطولات ولا تحب أن يشاركها أحد وبدا الأمر بالنسبة لها مغامرة محفوفة بالمخاطر ولكن لطبيعتها التى لا تركن للمسلمات ولتعودها على خوض المعارك فى سبيل اقتناص حقها ذهبت للإذاعة محملة بالأماني الطيبة للدخول لذلك العالم المغاير وقابلتها زوزو نبيل بقلب طيب وقدمت إليها ليمونادة كى تهدأ وتقدم كل ما عندها أثناء الاختبار فهدأت وتمالكت نفسها فكتب لها النجاح وخرج عليها بابا شارو متهللا ومهنئا بأنها قد نجحت وأن عليها أن تستعد للعب شخصية عذراء الربيع , فسعدت تماما وذهبت إلى بيت أهلها فى شبرا كى تبثهم الخبر السعيد وتحيطهم بما حدث فما كان من أمها إلا أن طلبت منها أن تغير اسمها حتى لا تحدث مشكلة كبيرة مع عائلة الأب الذى لم يرضى أبدا عن عملها كممثلة , فما كان منها إلا أن طلبت من بابا شارو أن يغير اسمها (سميحة سامى) ونجح الأوبريت نجاحا مدويا ولكن التلميذة سميحة أيوب كانت حزينة لتغيير اسمها وأصرت بعد ذلك ان تعود لاسم العائلة الذى تحبه ويعرفها به الجميع وذلك رغم اعتراض أهلها وخاصة الأب الذى كان يتجاهلها منذ انضمامها لمعهد المسرح واحترافها فن التمثيل

ممثلة درجة أولى أفضل من مغنية درجة ثانية :

تقول سميحة عن ذكراها الأولى مع محمد عبد الوهاب المغنى والملحن الشهير:

(وفى يوم جاء الأستاذ محمد عبد الجواد المخرج وذهب للأستاذ زكى طليمات وقال له : ” عندك تلميذة اسمها سميحة أيوب انأ عايزها فى دور رئيسى فى فيلم” طبعا الأستاذ زكى فرح فرحا شديدا لآن هذا من ضمن رسالة المعهد وهذه الرسالة إثراء الحركة الفنية فى مصر على المستوى الثقافى , وأرسل يطلبنى من المدرج وكنت وقتها منغمسة فى حصة السولفيج مع العظيم محمد حسن الشجاعى الذى كان متحمسا إلى يريد أن يصنع منى مطربة لدرجة رشحنى لأغنى العشرة الطيبة للموسيقار سيد درويش وأحضر لى أستاذا يسمى فؤاد شهرزاد وأرسلني الى مايسترو روسى لأتمرن على السلم الموسيقى أى بمعنى أن صوتى يقوى ويقدر على جميع طبقات السلم الموسيقى , وكان المعهد يدفع لهذا الأستاذ جنيهاً فى الحصة وهذا طبعا من ميزانية المعهد

كان يقع منزل هذا المايسترو فوق جروبى عماد الدين وفى يوم ذهبت للتمرين وشعرت بإعياء شديد وطلبت منه أن اذهب إلى المنزل فرفض لأنه أخذ أجر على ساعة للتمرين وتماسكت وواصلت ولكنى أكاد يغمى على , وهو لم يرحمني لأنه أخذ أجراً

  • المهم انتهت حصص التدريبات وبدأ العد التنازلي للجنة التى سيختارون منها من يقوم بدور نزهة فى الأوبريت وكان رئيس اللجنة الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وللأسف لم يوافق على اشتغالي , ليس لأن صوتي لا يصلح لكن لصغر سنى قال لهم بالحرف الواحد : ” دى مفعوصة البطل هايحب فيها إيه ؟!”

وأسقطت فى يدى وقلت فى نفسى ممثلة درجة أولى أحسن من مغنية درجة ثانية ) (3)

أول وثاني فيلم مع محسن سرحان وزواج بطعم الهزيمة:

  • عملت سميحة أيوب مع المخرج السينمائى (محمد عبد الجواد) فى فيلم (المتشردة) وهو الذى لم يراها من قبل ولكنة سمع عنها من زملاء له فى الوسط الفنى وقامت وقتئذ بدور أخت محسن سرحان , ودلالة ذلك أن البطلة سميحة أيوب بدأ اسمها يتناقل بين المخرجين على أنها ممثلة ذات قيمة متنوعة تستطيع أن تتشكل وفق هوى العمل الإبداعي , ويمكنها ببساطة ان تخرج من عباءة الممثلة المسرحية إلى فنون أدائية مختلفة ونجاحها فى هذا العمل أدى لتزايد الطلب السينمائى عليها فقد فوجئت بمخرج تونسى اسمه (المنصف على) يطلبها لعمل سينمائى ثانٍ وأن عليها أن تلعب أيضا دور أخت البطل , وشاء القدر أن تمرض سميحة أيوب بمرض فى المعدة ,وكان عليها أن تمكث أسبوعاً كاملاً فى الفراش حتى تشفى , وهو أمر قربها كثيراً من البطل محسن سرحان , وبعد مناقشات حامية بينهم عن اعتزاز المرأة بكرامتها واهتمامها بذاتها , وهو الأمر الذى تحول بعد ذلك لحب جارف وزواج دون رغبة أهل سميحة التى أصرت على محسن سرحان , وعارضت أمها وخالها , وتزوجت من محسن سرحان على غير رغبة أسرتها , الذى كان يغير عليها لدرجة صعبة للغاية حتى أنه ألزمها بعدم إستكمال دراستها , والجلوس فى المنزل كربة بيت تربى أولاده ! وبعد كثير من المواقف جعلتها تفكر جدياً فى الإنفصال والعودة مرة أخرى إلى منزل الأهل بشبرا .
  • سمارة تبرز الشخصية المصرية وتعيد صياغة علاقة الممثل بالدور :

بعد الطلاق عادت سميحة أيوب مرة أخرى لمعهد المسرح بناء على طلب الأستاذ زكى طليمات وفى هذه الأثناء زادت الدراسة فى المعهد سنة وأصبحت أربعة سنوات بدلاً  من ثلاث سنوات , وهو الأمر الذي يعنى أن زملائها القدامى قد تخرجوا وأن مجموعة أخرى من بينهن سناء جميل وزهرة العلا وإحسان القلعاوى سيدرسون معها , فى نفس التوقيت سعى زكى طليمات لإنشاء فرقة المسرح الحديث وضم إليها سميحة أيوب وزميلاتها وزملائها الجدد ولعبت فى المسرحية الجديدة للفرقة (كسبنا البريمو) للكاتبة صوفي عبد الله دور البطولة وكتب لهذه المسرحية ولفريق عملها النجاح حتى أنهم نافسوا بها الفرقة القومية ولكن حدثت ازمة كبيرة توقفت على أثرها الفرقة واستبعد زكى طليمات وكتبت ضده كثير من الشكاوى المغرضة وكان يتزعم تلك الحملة الشرسة (عبد الغنى قمر) حسب تعبير سميحة أيوب فى مذكراتها والتي وصفت بدقة كيف أنها وزملائها رفضوا انضمام فرقتهم مع الفرقة القومية ليرأس الفرقتين معا يوسف بيك وهبى  ولكن اعتراض الممثلين الصغار جاء بلا جدوى واجتمع بهم الأديب يحيى حقى كى يقنعهم بأمر انضمام الفرقتين وأنه لا فائدة من الاعتراض وشاءت الظروف أن يهتدى الشباب الثائر (سميحة أيوب وحمدى غيث ونبيل الألفى وصلاح سرحان ونور الدمرداش) لمقولة بسيطة مفادها أنهم مجموعة من الفنانين مهنتهم التمثيل وليس إثارة المشاكل وأن عليهم أن يتقبلوا الأمر الواقع بصدر رحب لتكشف لهم الأيام صدق النوايا من كذبها وأن يوسف وهبى شاءوا أم أبوا فنان كبير له جمهوره الذى ينتظر عروضه وأن من بين ممثليه أمينة رزق صاحبة الأداء الأسطوري

أول عمل مع يوسف وهبى باسم أعظم امرأة :

  • لعبت سميحة أيوب أول دور لها فى الفرقة الجديدة التى ترأسها يوسف وهبى وكانت باسم أعظم امرأة دور صغير إلا أنه أحدث صدى هاماً حتى أنها كانت فى أحد المشاهد تنظر لنفسها فى المرآة , وإذ بها تسقط فجأة فكان أن كتب عنها (أنيس منصور) هذة الفتاة موهبة فذة فلقد كدت أن اقفز من مقعدى كى التقطها قبل أن تسقط .
  • وكان من نصيب الفرقة الجديدة السفر لتونس لتقدم عدة أعمال من بينها أعظم امرأة وهناك فى تونس أوحت سميحة أيوب ليوسف وهبي كى يخاطب أحد متعهديه فى فرنسا كى تسافر الفرقة إلى هناك لتقديم عدة أعمال وفعلا اتصل يوسف وهبى بالمتعهد الذى وافق فورا ,وهو الأمر الذى أسعد الفرقة كثيرا وخاصة سميحة أيوب التى كانت تحلم بالسفر لباريس وجهزت نفسها فعلا فى كل الأحوال كى تفعل ذلك سواء مع الفرقة أو بدونها إذ اتفقت مع ملك الجمل على ذلك , وما يعنينا فى هذه التفاصيل هو مسألة غاية فى الأهمية إذ أن الفرقة قد أعدت مجموعة من المسرحيات هى ( راسبوتين وبنات الريف وأولاد الشوارع ) وهى مسرحيات لم تكن الفرقة قد تدربت عليها بالشكل الكافى وهى مسألة جعلت بعض المشاهد حرة وذات تركيبة يسود فيها الارتجال فى حدود الشخصية الدرامية حتى أنهم أثناء أداء مسرحية أولاد الشوارع قد سمحوا لسميحة أيوب وملك الجمل أن يلعبوا دور أولاد متشردين يلعبون (السيجة) ويلعب معهم (فاخر) دور ولد يتهكم على ملك الجمل ويسخر من منظرها , وظني أن مدرسة الأداء فى عروض يوسف وهبى فى تلك الفترة كانت متأثرة بالعروض ذات الطابع الميلودرامى وعرض بهذا التكوين غريب على تكوين الفرقة وتوجهها الفنى وحينما عادت الفرقة من فرنسا لانتهاء عملها هناك ظلت سميحة أيوب وملك الجمل يتنقلن بين المدن الفرنسية ويشاهدن العروض المسرحية ذات التذاكر منخفضة التكاليف وجلسن فى المقهى الذى يجتمع فية المثقفون , وحينما خاطبت سميحة أيوب والدتها أبلغتها بأن الكل فى القاهرة يسأل عنها باستمرار وان هناك مخرج إذاعي يلح فى طلبها فعادت مسرعة لتجد المخرج الكبير (يوسف الحطاب) في انتظارها كى تؤدى دور سمارة فى المسلسل الإذاعي الذي حمل نفس الاسم , وهو دور مركب يجمع بين خفة الظل وحلاوة الروح الممتزجة بقوة الشخصية والجسارة والإقدام , إنها سمارة ابنة الحارة المصرية صاحبة الصوت الناعم المميز الذى يأسرك منذ اللحظة الأولى وهو أمر جعل اسم المسلسل محفوراً فى تاريخ الإذاعة بحروف من نور , اذ مازال الاسم يردد على لسان سميحة أيوب إلى الآن , وإن كان المسلسل قد اختفى تماما ولم تعاد إذاعته منذ سنين طويلة هم فقط احتفظوا بأيقونة الاسم وجردوه من كل ما كان يرتبط بة من معنى جمالى فيبدو وكأنة مغناطيس يشد الأجيال القديمة التى تعشق الإذاعة التى شكلت خيالها الجمالى السمعى وقد كان المسلسل يشد كل المصريين لدرجة توقف حركة المرور والعمل وتعطل الدراسة حتى أن هناك أخبار تواترت عن شكوى قدمها أساتذة الجامعة عن هروب طلابهم أثناء إذاعة المسلسل وكان كل شخص حينما يأتي موعد إذاعة المسلسل يحاول جاهدا أن يجد له مكاناً فى أحد المقاهى كى يتابع الأحداث , وما يهمنا فى ذلك المسلسل أموراً عدة فأولا ها هى سميحة أيوب استطاعت بعد وقت قصير من علاقتها بالإذاعة أن تحفر لنفسها مكانة غير مسبوقة بين زملائها اللذين عاصروها فى ذلك الوقت وحجزت لنفسها مكانة بارزة فى عقل كل مصرى متابع للأعمال الفنية وثانيا يبين الموقف الذى اتخذته بعد ذلك الفارق الحقيقى بينها وبين الأجيال الجديدة فحين عرض عليها أن تكمل العمل بمسلسل أخر تحت اسم (عودة سمارة) رفضت بشدة متمسكة بالأمل فى أعمال جديدة مختلفة وعدم الركون لنجاح ما واستغلاله على نحو مريض وقالت لهم بالحرف الواحد (إن شاء الله بعد عودة سمارة هنعمل بنت سمارة وأم سمارة ..الخ الخ)

وكانت الغيرة الفنية على أشدها فى ذلك الحين حتى أن سميحة أيوب مرضت بعد المسلسل برئتها ,  واضطرت للابتعاد عن الأضواء والخروج لعدة أشهر فما كان من بعض زملائها إلا أن جمعوا التوقيعات كى تحرم من راتبها الشهرى والمقدر بأثنى عشر جنيها كما أن إحدى زميلاتها اتصلت بها فى عز المرض لتقول لها: “إنت لسه عايشة ؟”

  مجنون ليلى بدلا من السلطان الحائر :

بعد قصة حب متشابكة انتهت بزواج سميحة أيوب بمحمود مرسى الممثل والمخرج الإذاعي الشهير والذي بدأت علاقته بسميحة أيوب بالصدفة إذ أنها رُشحت لمسلسل فى البرنامج الثاني باسم (الذاهبون إلى البحر) وأظن أنها مأخوذة عن المسرحية الشهيرة ( الراكبون إلى البحر ج. م . سينج) وكان مخرج العمل فى ذلك الحين محمود مرسى بعد عودته من الخارج وبعد المقابلة الأولى التى كان يشوبها جو من التوتر بدأت علاقتهما تتحسن من اللقاء الثاني إذ أيقن محمود مرسى أنه أمام ممثلة محترفة تعرف تماما حدود عملها وتنفذ ما يطلبه المخرج بالحرف الواحد رغم عدم تدوينها للملاحظات التي أبداها بخلاف زملائها فى العمل اللذين ابدوا اهتماما شكلياً بالملاحظات ودونوها فى أوراقهم الخاصة المهم تتطور العلاقة بينهما على نحو يظهر أن المجتمع فى ذلك الحين كان ملتزما بالتقاليد والأعراف القديمة ومن خلال مذكرات سميحة أيوب نكتشف أنها كانت معجبة بشخصيته مثلما كان هو معجباً بها ولكنهما لا يمكن أن يلتقيا خارج إطار العمل برغم أن محمود مرسى أسرَّ إلى حمدى غيث باهتمامه بها وهو الأمر الذى نقله إليها حمدى غيث ولكن الإطار الرسمى لم يأتِ إلا بعد عدة شهور وعبر لقاء قادته الصدفة وحدها وما يعنينا فى هذه القصة الشهيرة والتي انتهت بالزواج والسكن فى الزمالك فى نفس العقار الذى تسكن فيه تحية كاريوكا هو إلمام محمود مرسى بطبيعة عمل زوجته وإدراكه أن عملها قد يتطلب السفر فى بعض الأحيان والرجوع إلى المنزل فى وقت متأخر وخلافة وهو الأمر الذى يبين الفارق بين الزواج الأول والزواج الثاني , وبعد أيام قليلة من الزواج جاءت لفرقة سميحة أيوب فرصة سفر إلى المغرب كى يعرضوا هناك مسرحية (السلطان الحائر) من إخراج فتوح نشاطى ,وحينما وافق محمود مرسى على سفر زوجته اتجهت الفرقة الى مطار كازابلانكا بالمغرب لتقابلهم مفاجأة مدوية إذ أن الرقابة هناك رفضت عرض المسرحية والمعروف أن نظام الحكم فى المغرب إنما هو نظام ملكى مما أوقع الفرقة فى موقف حرج وقرروا تقديم عمل آخر ووجدوا ضالتهم فى مسرحية مجنون ليلى فكانت البروفات تجرى فى الفندق بسرعة البرق حتى تلحق الفرقة بميعاد افتتاح العرض وكان من أثر هذا الإرتباك أن حصل سعيد أبو بكر على شخصية ورد زوج ليلى وهى شخصية لرجل أبيض بينما سعيد أبو بكر مميزاً بسمرته وكان أداءه صارما ولكنه متناقض مع طبيعة شكله , وهو أمر كاد يفسد المسرحية إذ أن الممثلين اللذين يتعاملون مع سعيد أبو بكر لا يتمالكون أنفسهم من الضحك إذ أن (البوية) التى دهن بها الممثل وجهه كانت فاقعة والأداء كان صارما ولكن الأمور انتهت على خير والجدير بالذكر هنا أن الفرقة قدمت مسرحيات أخريتان بجانب مجنون ليلى هما (متلوف)  و (بيت من زجاج)

  • هذه المواقف التى اختارتها من حياة سميحة أيوب تبين بجلاء أنها ممثلة من نوع فريد عنيدة ولكنه العناد المبرر بقوة الشخصية واختيار المصير تضع عملها فوق أى اعتبار آخر إذ كان يومها منقسما بين الإذاعة والتليفزيون والمسرح تخرج من الإذاعة لتؤدى التدريبات الصباحية فى المسرح وحين تنتهي من التدريبات اللازمة تعود للتليفزيون كى تؤدى أدوارها المتفق عليها والسؤال الذى حيرني كثيرا فى هذا الصدد هو لماذا لم تلتفت السينما لسميحة أيوب كى تقوم بالأدوار الأولى فمن خلال الدراسات التى كتبت عنها ومن خلال مذكراتها اكتشفت أنها لم تلعب دور البطولة فى السينما إلا من خلال عمل واحد هو (إفلاس خاطبة) سنة 1964 بينما لعبت الأدوار الثانية والثالثة فى أفلام عديدة نذكر منها شاطئ الغرام1950لبركات, الوحش 1953 , ورد الغرام و المهرج الكبير 1955 , جفت الأمطار 1967 ,سوق الحريم 1970, فجر الإسلام 1971 وبلغ مجموع الأفلام التى قدمتها حوالي 40 فيلم سينمائى ليعود السؤال ليطل بعينيه من جديد ترى ما هى شروط النجومية التى كان يبحث عنها المنتجون والتى تضمن لإحدى الممثلات النجومية وتعزها عن أخرى ؟ لو كان الأمر يتعلق بكفاءة تناول الشخصية الدرامية وامتلاك أدواتها والتعبير المناسب عنها بالمنطق الذي يقنع المتلقى فإن سميحة أيوب أكثر الممثلات المصريات خبرة ووعى وتفانى ولو كان الأمر يتعلق بالحضور وقدرة الممثل على جذب الجماهير بأدائه المتقن فإنها متحققة تماما فى هذا المجال وظنى أن هذا السؤال سيبقى فترة طويلة يطرح فى الأوساط الثقافية إذ أن المعايير عندنا لا تخص الكفاءة بقدر ما تخص النصيب فقد صادف النجاح ممثلين فى السينما وأعطى لهم ظهره فى المسرح والعكس صحيح .

سميحة أيوب مخرجة المسرح :

لاشك أن تجربة التمثيل المتنوعة قد صقلت موهبة سميحة أيوب وأعطتها قدرة فائقة على تكوين وجهة نظر خاصة , وأكثر من طريقة فى فهم العمل الفنى وتنوع طرق تقديمه ويبدو فى هذا الإطار أنها قد اختارت الواقعية كمنهج عام فى تقديم أعمالها الإخراجية حيث يثبت التاريخ أنها أخرجت مسرحيتان فقط أولهما هى (مقالب عطيات) وهى مسرحية من إعداد الشاعر المصرى سمير عبد الباقى عن (مقالب سكابان – موليير) والتجربة الثانية بعنوان (ليلة الحنة – فتحية العسال) وهى المسرحية التى أصرت سميحة ايوب على إنتاجها على نفقتها الخاصة وهى مسرحية ذات طابع سياسى تحلل المسؤولية الفردية تجاه المجتمع من منطلق توعوى بالواجب والضرورة والالتزام والجهد وهى طباع كانت المخرجة قد تربت عليها واستوعبتها تماما ونادت كثيرا بتفعيلها فى المجتمع المصرى والعربى , ولكن يبدو أن انشغالها الدائم بسميحة الممثلة جعلها تبتعد خطوات كثيرة عن تكملة مسيرتها كمخرجة واكتفت بنقل خبراتها ووعيها للمخرجين اللذين عملت معهم أثناء تحضير العروض المسرحية التى كانت القاسم المشترك فيها .

بعد افتتاح التليفزيون فى بداية الستينيات أُسند لسميحة أيوب الكثير من الأدوار المتنوعة بين المرأة الارستقراطية والفلاحة والمسؤولة ولكن للحق معظمها كانت أدواراً ثانية فلقد لعبت ادواراً شتى فى مسلسلات مثل خيال المآتة , الطريق , عذراء مكة , الضحية , الرحيل , الجدار , الكتابة على لحم يحترق , طيور بلا أجنحة , المشربية , المحروسة , عصر الحب , ليلة مصرع المتنبى , الضوء الشارد.

والحقيقة أن الممثلة المتألقة سميحة أيوب كانت تؤدى الأدوار المتعلقة باللغة العربية بإتقان شديد فى حين تهرب زميلاتها من تلك الأدوار كونها أدوارا صعبة تحتاج لتدريب طويل على مخارج الألفاظ وفطنة تركيب الإحساس على اللفظ وكفاءة تنويع تون الصوت والاجتهاد فى توصيل المعنى الداخلى وقد وعت منذ بداية عملها فى التليفزيون كيفية توجيه ردود فعلها والتحكم فى حركاتها وتوجهاتها بما يضمن أداءاً راسخاً غير مرتبك أو مشتت وهى صفات تحتاج لممثل واثق فى قدراته الأدائية وواعٍ تماما بمسار العمل واختلاف التكوين عن المسرح الذى يعد فيه الأداء مباشر يقوم فيه الممثل مع زملائه برحلة صعبة ولكنها ذات معالم واضحة أما فى التليفزيون فمعايير التحكم مختلفة تماما وقد يؤدى الممثل جزء من الشخصية التى يلعبها تبدأ من منتصف الشخصية فى علاقتها بالآخرين أو قبيل النهاية بقليل حسب ترتيب تناول المخرج لأحداث المسلسل بعد مراجعة اقل الطرق تكلفة لليوم الواحد فعملية الإنتاج تحكم طرق التشغيل وترتيب المشاهد والممثل الواعي فقط هو من يدرك الشخصية فى مراحلها المختلفة ويضع لها إطارها الصحيح بالاتفاق مع المخرج

وقد كتب عنها كثير من المتخصصين والدارسين نذكر منهم الكاتب والناقد المغربى عبد الرحمن بن زيدان والدكتور هناء عبد الفتاح والشاعر بول شاؤول والشاعر فاروق جويدة والكاتبة نعم الباز والدكتور أحمد سخسوخ والدكتور رفيق الصبان والكاتب محمد عبد الحافظ والناقد عبد الغنى داود والناقد محمد التهامى والكاتبة سناء البيسى والكاتب رجاء النقاش والمخرج احمد عبد الحليم وأستاذنا الدكتور فوزى فهمى الذى كتب يقول :

” لاشك فى أنها أدركت منذ بدء حياتها الفنية أن الزمان شئ نفيس ومحدود وإذا ما نفق أو ضاع هباء لا يمكن استرداده بالإضافة إلى أنها أيضا قد وعت قيمة موهبتها وتفرد حضورها لكنها انتبهت أن ذلك التميز لا يمكن أن ينعكس فى حياتها وفنها إلا عندما يوازيه نمو ينفتح على مشروع للتمرد على الكسل والاستسلام ويراهن على التجدد والتنوع ويرتبط بشروط صدقها فى استمرار مقاومتها لكل ما ينفى مشروعها لذا راحت تنفق الزمن مستهدفة تحقيق وجودها بنضجها الإنساني والفني فى مسار ذاكرة نشيطة مستوعبة تستطلع وتدبر وتراجع وتبصر المرئي وتستبصر غير المرئى ولا يتلاشى من تلك الذاكرة – أمام أية إغراءات – كل تماس لها مع العالم بخبراته إحضارا لتلك الجدارة التى تصورتها لذاتها ورؤيتها لها لذا اكتسبت كيانا قصديا لا متناهيا من المشاعر المتجددة والتصورات والأحاسيس والانفعالات والأفكار والأفعال وما يشكل مخزونا فى علاقتها بالعالم وبنفسها صاغته بجهدها ودوام اشتغالها على ذاتها لاقتدارها على امتلاك إرادة الوجود وجدواه وليس إرادة الحياة فقط.

لا شك فى أن ذلك ما حقق لسيدة المسرح العربي أن تظل وردة متألقة فى فنها بطاقة إبداعية آسرة لذلك الوجود الذى وهبته عمرها كما حماها مشروع وجودها من أن لا تصبح نموذجا فى ردود أفعالها اذ ازدهارها وليد ثراء معرفتها ومراقبتها لذاتها ومناعتها ضد كل استبداد وشجاعة مبادرتها فى اختراق ما لم يتحقق بعد

انا مدين بالاعتراف لها بأنها صاحبة الفضل فى تقديم مسرحياتى الثلاث (عودة الغائب) (والفارس والأسيرة) (ولعبة السلطان) على خشبة المسرح القومي عندما كانت على رأس إدارته وإنا على يقين ان اعترافي لن يجرح شهادتي إذ أن أحدا لا يختلف على عطاء وقيمة ودور . تفرد هذه الوردة المتألقة فى حياتنا سيدة المسرح العربى الفنانة سميحة أيوب ” (4)

سميحة أيوب والعمل الإداري :

بكلمات دالة وموجزة عبرت سميحة أيوب عن وعيها الفارق وقدرتها على اختزال المواقف ففى كلمتها أثناء تكريمها من قبل وزارة الثقافة بعد تقديمها للاستقالة عام 1987 وقفت تقول :

           ”  المنصب قد يصنع بطلا بين الأقزام

             ويضيع المنصب فى يوم

            وتدوس علية الأقدام “

                                 ( وهي كلمات للشاعر فاروق جويدة ) .

نظرا للمرونة والكفاءة التى أظهرتها سميحة أيوب فى كثير من المواقف الحرجة ونظرا لتفانيها المفرط فى الدفاع عن رأيها وفهمها اعتمد عليها زملاؤها فى التعبير عن رأيهم واعتبروها القائد الشعبى لمواقفهم وتحركاتهم فحين ألغيت الفرقة التى كان قد أنشأها زكى طليمات من خريجي المعهد العالى للفنون المسرحية وتم اتخاذ قرار بضم الفرقة لفرقة المسرح القومي بقيادة يوسف بيك وهبى كانت تقود صفوف المقاومة بين الزملاء أمام يحيى حقى الذى جاء خصيصا ليجتمع بالفرقة ويبلغهم القرار النهائى ولكونه يعرف قوة شخصية سميحة أيوب اختصها وحدها بنقاش هادئ تسود فيه الأفكار البديلة والحلول الممكنة , وهو الأمر الذى غير فهم بقية الزملاء لثقتهم أن سميحة أيوب لن تخذلهم بأى حال من الأحوال , وحين كان المسرح الحديث يعرض مسرحية (ألف بوسة وبوسة) وسمعت عن بداية العبور كان قرارها السريع بتقديم عمل يليق بالحدث الجلل , وحتى حين تم إقالتها من المسرح القومى بقرار تعسفى اجتمعت بالزملاء وأبلغتهم أن الفن باقٍ وأن عملها كفنانة لن يتوقف إذ أن رسالتها لا يمكن أن يعلقها موقف أى إنسان , وفى لحظة وفاة الكاتب الكبير سعد الدين وهبة زوجها كانت كالجبل الذى يعرف كيف يستقبل الصدمة ويتعامل معها بصبر وجلد , وبعد كلمة افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى التى ألقتها بعد وفاة الزوج والحبيب وقف جموع الفنانين يطالبون برئاستها للمهرجان ولكنها أصرت على عدم القبول وقالت بحكمة وفهم ” أرفض إدارة المهرجان لأنه لا يورث” وفى عام 1985 أقامت على نفقتها الخاصة احتفال المسرح القومى باليوبيل الذهبى فقد اعتذرت وزارة الثقافة عن إقامة الاحتفال لعدم وجود تغطية مالية فى الوزارة لترميم المسرح فى ذلك الحين.

ومن المواقف التي تظهر قوة الشخصية وامتلاكها للمسؤولية الاجتماعية والفنية موقفها أثناء تقديم مسرحية (أجاممنون) تقول الكاتبة الكبيرة (نعم الباز) والتي لم تكن تعرف سميحة أيوب بعد أني ذهبت لتحييها بعد أدائها فى المسرحية ولكن أحد العاملين بالعرض أبلغها أن سميحة أيوب خرجت مسرعة من أحد الأبواب الجانبية , فقد توفى والدها اليوم ومع ذلك قدمت دورها بالعرض ,

حقيقة أنه موقف صعب للغاية يبين ما لهذه الفنانة المدركة للمسؤولية الفنية تجاه المجتمع من صبر وجلد وتفانٍ ووعى وإنكار للذات , ولكن هذا من وجهة نظرى منتظر من فنانة تم تشبيهها بالهرم والنيل وعبد الوهاب وأم كلثوم حقيقة مها تحدثنا عن أهمية عطائها وتفانيها لن نوفيها حقها .

يقول الناقد الكبير محمد التهامى فى مجمل حديثه عن فترة ما بعد حرب أكتوبر والاتجاه نحو تحقيق المصالحة مع العدو التاريخى :

إدارة المسرح القومى :

“ان ما سجله تاريخ المسرح العربى لسميحة أيوب هو دور أخر حازت به دور الريادة فى تاريخ الإدارة فى المسرح العربى فلقد تبوأت سميحة أيوب أرفع منصب فى المسرح المصرى كمدير عام للمسرح العربى خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ومن يرصد تاريخ الثقافة والفنون فى تلك الفترة سوف يكتشف صعوبة المهمة ومخاطرها السياسية والثقافية التى أمسكت بعنق المسرح المصرى فهى الفترة التى وقعت فيها اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 والتى كان من نتائجها الداخلية إحكام الرقابة على الأعمال المسرحية التى تنتمى للفكر القومى أو تلك التى يمكن أن تتعرض لنقد نهج التطبيع الثقافى مع العدو التاريخى والتقليدى وهو العدو الصهيونى غير أن سميحة أيوب لم تفقد قدرتها على المقاومة على أن تحافظ على حيوية الدور الثقافى للمسرح القومى فقامت بوضع خطط لتقديم الأعمال المسرحية من التراث المسرحى والقومى والعالمى وازداد الحصار الرسمى حول المسرح المصرى وشهدت هذه الفترة الهجرة والاغتراب المسرحى حيث اضطرت جماعة من المسرحيين إلى الهجرة خارج مصر وهم من أعمدة المسرح القومى والمصرى مثل : سعد أردش وكرم مطاوع وغيرهما , وأصبحت معظم النصوص المسرحية ذات المضامين السياسية والاجتماعية محظور التعامل معها فى ظل تداعيات كامب ديفيد , ولم تسلم سميحة أيوب فى هذه الفترة من سيف المعز وبطشه حيث تعرضت والراحل الكبير سعد الدين وهبة لمحاولة اغتيال سياسى وثقافى خلال تولى الوزير الراحل عبد المنعم الصاوى وزير الثقافة الأسبق على الرغم من كونه كان واحدا من الكتاب والمثقفين المصريين إلا أنه يبدو وقد تحول إلى أداة وسيف يبطش بالمثقفين والفنانين اللذين ينتمون للتيار الوطنى الرافض للتطبيع الصهيونى أو المدافع عن عروبة مصر وروابطها القومية فى هذه الفترة وفى ظل هذا الحصار الذى كان يحيط بالمثقفين والفنانين المصريين لم يكن أمام سميحة أيوب سوى ان تتمرد على هذا الحصار الذى تمتلك السلطة كل أدواته فمن لم يبع ضميره الوطنى فى سوق النخاسة والتطبيع بذهب السلطة عليه أن يواجه سيف المعز الذى يدافع عن كامب ديفيد وفى ساعة العسرة التى مر بها المسرح القومى وفقدان دوره القومى ووهجه الوطنى اتجهت سميحة أيوب إلى تأسيس جمعية نادى الوعى الوطنى والقومى من داخل الخندق الذى كان حصنا وقلعة للفكر المسرحى العربى الوطنى والقومى وبدأت سميحة أيوب حركة المقاومة المسرحية لتيار التطبيع والنزعة القُطرية فى عقر دار المسرح القومى أهم معاقل الثقافة الرسمية ولم يكن هناك وسيلة لإجهاض هذة المحاولة من وزارة الثقافة حين ذاك سوى إصدار قرار بإعادة ترميم وتجديد المسرح القومى فى محاولة لإجهاض نشاط نادى المسرح القوى الذى أسسته الفنانة سميحة أيوب عام 1979

 

تأسيس جمعية نادي المسرح المصري :

فى بيان تأسيس جمعية نادى المسرح المصرى الذى أسسته الفنانة سميحة أيوب عام 1979 تتضح الأهداف الأساسية لهذه الجمعية باعتباره مؤسسة مسرحية ثقافية مستقلة تتمرد فيها الفنانة سميحة أيوب على قيود السلطة الإدارية التى أخذت تضيق الخناق على حرية الإبداع المصري خاصة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتى أدت إلى ردود فعل عنيفة من الدول العربية التى قررت فى مؤتمر القمة قطع العلاقات العربية مع مصر ونقل مقر الجامعة العربية الى تونس , واخذ قارعو الطبول المصرية يتنادون بالنزعة القطرية ويزينون للشعب مزايا التخلص من الهوية العربية والعودة إلى الجذور الفرعونية وأخذت كتابات بعض موظفي الثقافة تروج لفكرة الدولة المصرية وبث روح العداء للهوية العربية والقومية العربية والتعالي على دعوات التواصل بين مصر والدول العربية وتنادت أصوات المثقفين المصريين للحفاظ على جسور التواصل الفكري والثقافي بين مصر والدول العربية وفى ظل هذا المناخ السياسي والثقافي الذى أفسدته طبول النفاق الثقافى اختفت من خشبات المسرح المصري الأعمال المسرحية ذات النزعة الوطنية وغيبت الروح القومية بل اختفت معظم الأعمال المسرحية العالمية التي تنتمي للتراث العالمي والعربي ذات المضامين السياسية والاجتماعية والفكرية وسادت المسرح القومي عروض متهافتة تلبى احتياجات الطبقة الصاعدة من قاع المجتمع فى ظل ما سمى عصر الانفتاح والاستنزاف الاقتصادي الذى نهب ثروات المجتمع وازدهرت عروض المسارح التجارية ذات التوليفة التقليدية التى تغنى عن عروض الملاهى الليلية حيث أصبحت المسرحية شائعة الانتشار تعتمد على الرقص الشرقى , والنكات البذيئة ومشاهد التحرش الجنسى فوق المسرح ولجأ معظم كتاب المسرح التجارى الى تراث الفودفيل والفارس وأصبح الفن المسرحى فن يخجل منه المسرحيون المصريون ويتنادون بالثورة عليه .

فى ظل هذا المناخ جاء بيان نادى المسرح المصرى واضحا فى أهدافه فى صياغته القوية بقوله : “لقد وقفنا طويلا نتساءل ماذا يمكن أن نفعل لمسرح يسقط وماذا يمكن أن نقدم لحركة فنية تنحدر إلى الهاوية يوما بعد يوم؟ وما هو الحل كى يظل الفن فى مصر جذوة تضئ للبشرية طريقها وتبقى للكلمة الصادقة قيمتها ؟ تساءلنا : كيف يمكن أن يظل المسرح محتفظا بقيمته حيث يقدم الحقيقة عارية بلا زيف أو رياء ؟”

كانت هذه الأهداف والوسائل هى (مانفستو) جماعة نادى المسرح المصرى والتى انطلقت من المسرح القومى أهم معاقل المسرح الرسمى فى مصر جاءت هذة الجماعة كى تثور على المسرح الرسمى السائد وقيوده الإدارية والفكرية كى تثبت أن الدولة تستطيع أن تعتقل الكاتب والمفكر والشاعر والفنان ولكنها لا تستطيع أن تعتقل أفكاره وفى 7- 5 –  1979 تم إشهار جماعة نادى المسرح المصرى برئاسة الفنانة سميحة أيوب وقد التف حولها فنانو المسرح القومى وخيرة المخرجين والكتاب والنقاد خاصة تلك المجموعة التى تم استبعادها من مسرح الدولة وأكاديمية الفنون ومنهم دكتور فوزى فهمى ودكتور سمير سرحان وأمينة رزق ونادية السبع ونادية لطفى ومحسنة توفيق وعبد الرحمن ابو زهرة وعبد الغفار عودة والشريف خاطر ونجاة على ومصطفى سعد وصلاح رشوان وإيمان الصيرفى ومن النقاد الشباب عبد الرازق حسين وأبو بكر خالد ومحمد التهامى , هذا وقد تم وضع برنامج ثقافى طموح خلال السنوات الأولى (5)

وكان من أولويات هذه المجموعة إنشاء مهرجان للمسرح العربى وكانت دورته الأولى فى القاهرة ودورته الثانية فى الدوحة وهو أمر سعت من خلاله تلك المجموعة الطليعية كسر جمود الخصام السياسى والانفتاح على التجارب والفنون العربية وقد لاقت التجربة كثيراً من الصعاب فى بادئ الأمر , ولكنها فيما بعد  لقيت مساندة مباشرة من رئيس الجمهورية آنذاك محمد حسنى مبارك الأمر الذى ساعد فى نجاح التجربة فى لم الشمل العربى من جديد.

وفى النهاية أقول لكم إن حياة سميحة أيوب وفنها العميق سيبقيا كثيرا فى قلوب المصريين كونها فنانة أخلصت وأعطت كل حياتها لفن المسرح المصرى , بل إنها لهذه اللحظة مازالت تعطى خبرتها لأعضاء لجنة المسرح فلا أنسى ذلك اللقاء الجميل الذى جمعنى بها فى نقاش مطول عن دور المخرج الكبير سمير العصفورى وأهميته الفنية هذا اللقاء المباشر جعلنى اقترب أكثر من فنانة أثرت حياتنا الجمالية بوعيها الفارق وقدرتها الفائقة على توصيل وجهة نظرها دون ان وجهة نظرها أو تصر عليها , كما أنها ساندتني وصديقي العزيز الدكتور حازم عزمي حينما تحدثنا معها فى مشاكل تخص أهمية عودة المهرجان التجريبي بصيغة جديدة طموحة ولا يسعنى إلا أن أثنى على هذا الحضور الطاغي والمناقشات المثمرة والخبرة الطويلة والروح السمحة والخيال الخلاق شكرا لك يا من استحققت عن جدارة لقب سيدة المسرح العربي بما قدمتيه من جهد وخيال وسعة صدر وقدرة فائقة على استيعاب الآخرين وتطوير أفكارهم .

وإننى مهما كتبت لن أعطيها حقها , وقد اختصرت كثيراً من المواقف والأحداث , ولم أشر للكثير منها , لضيق المساحة هنا , آملاً أن تأتى الفرصة كاملة للتحليل والكتابة فى دراسة أكبر من تلك الدراسة , تستوعب التناول التحليلى أكثر , إذ أن الجانب التاريخى قد تم تغطيته من قِبَل كثير من الزملاء والأصدقاء والمعلمين , وفى هذا الصدد لايسعنى إلا أن أشكر الصديق العزيز دكتور عمرو دوارة والذى وفر لى مراجع لم تكن بين يدى.

المراجع :

1 – عبد الغنى داود , سميحة أيوب سيدة المسرح العربي , إعداد د/ احمد سخسوخ , أيام الشارقة المسرحية , 2011

2 – سميحة أيوب , ذكرياتى , دار الحكمة , 2007

4 – د. فوزى فهمى , سميحة أيوب سيدة المسرح العربي , مرجع سابق

5 – محمد التهامي , سميحة أيوب سيدة المسرح العربي , مرجع سابق

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش