سامي خيّاط خاط ويلات الوطن بإبرة تضحك ولا توجع مهارات التأليف كما عهدناها فقدت للأسف قدراتها الإبداعية

امتزج إسم سامي خيّاط على مرّ السنين بالضحكة التي تكرج ولا تتوقف، وظلّ في الذاكرة ذلك السيل العجيب من الابتكارات التي خلقت مسرحا فريدا منذ إطلالته الأولى في العام 1960 وكان السقف آنذاك للشاب الطموح عاليا، يعد بمسرح ضاحك وساخر وفي آن واحد ملقّح بروح الانسان المثقّف المتعالي عن الابتذال.

دار سامي خيّاط العالم مع فرقته، حاملا نموذجا من مواهب لبنانية إلى لبنانيين نسوا ربما في ابتعادهم عن الوطن، أن على دويّ القنابل وتدميره كان سامي خيّاط واعيا مسؤوليات الفنان في زمن الويلات والحرب، يقظا على مواجهة الأخطار الداهمة بلده، بالضحكة الذكية، الساخرة، الحافرة في العمق، سلاحه ضد غدرات العدو. ففي الفترة الطويلة التي كان فيها لبنان يتلقى من جيرانه الأحباء الضربات القاسية من قتل وخطف وتهجير، كان سامي خيّاط وفرقته، يحملان رسالة الوطن الجريح وفي متاعهما، عناوين نتذكرها، “لبنان الجنون” أو “باقة سلام” مقطوفة من وحي الهجاء المغنّى، والوجع المنقوع في إكسير من السحر، إلى سويسرا وكندا وإفريقيا.
نصف قرن ونيّف بات شاهدا على ولادة أكثر من خمسين استعراضا، متفجّرا من فكر فنان خصب يلد في كل عام عرضا، ولا يزال سامي خيّاط ذلك الشاب الظريف، الوفي لمسرحه الغنائي، الهجائي، ماضيا بالموجود، بالرغم من الامكانات المادية الضئيلة التي لم تعد كما في الأمس الدعامة الأساسية لعمل فني متكامل بالمواهب التمثيلية والمضمون الابداعي والاخراجي. مسرحه يودّه مستمرا ما دام لبنان المفجوع، لبنان المنهك، لبنان المطمور تحت وابل الفساد والنفايات، بحاجة إلى من يضحكه ويسلّيه وفي آن واحد يغني قريحته بالاسكتشات التي جفّ اليوم النسغ الغزير الذي كان في الأمس ينضح منها. المغامرة صعبة في زمن نسي الناس طعم الفكاهة، وافتقر مسرح سامي خيّاط كما سائر مسارح المدينة، إلى هذه الشعلة الفنيّة التي لا مساومة على قيمتها الفنية والثقافية لتبقى مضاءة على المدينة. بالرغم من ذلك، ها هو سامي خيّاط بعد مضي سنة على الكوميديا الموسيقية، “قرف”، يعود بشجاعة وإيمان ليعرض على مسرح مدرسة المخلّص في شارع بدارو، اسكتشات عدة لعنوان واحد، “الغيبوبة”، مع فرقة أخذت من حيويته طاقة لإنجاز كوميديا خاط فقراتها بإبرة تضحك أحيانا ولا توجع.
على الخشبة سابين خيّاط وارثة موهبة الغناء والتقليد من والدتها نايلة، بصوتها الشجي، واستباحتها الخشبة بارتياح كممثلة محترفة، هي التي اختارت فن الرسم احترافا تعلّمه في مدرسة الناصرة، دخلت مسرح سامي الوالد لتكمل الرسالة. ناي رياشي الصبيّة الحسناء جدا، الجامعية في معهد اليسوعية، تسخّر قامتها الهيفاء لعروض الأزياء، أزهرت الخشبة بمظهرها وصوتها الجميل. جاد سعد المدير في الأعمال الإنمائية، جمع مواهب عدة من تقليد وغناء فبات جزءا من هذا المسرح منذ عشر سنين. نتالي كتورة ممثلة وباحثة في مجال المسرح، وفي هذا العرض، مراقبة عامة على مجرياته. سامي جونيور خياط، مسؤولا عن المونتاج والمؤثرات الصوتية، والإضاءة لريشار عازار، والصوت الخارجي لنايلة خياط، والمرافقة الموسيقية لإيزابيل إساحاقيان. من هذه العائلة الدامجة مواهبها المسرحية والتقنية كان عرض “الغيبوبة”. فهل الاستعراض الذي أغواني عنوانه المركّب كما اعتاد سامي من عبارة لمعنيين Coma çava، لم يعثر في الأسكتش الأول الحامل هذا العنوان، السبيل إلى وحي سامي خياط الزلق، ليقيمه من غيبوبته ويجعل منه افتتاحية طنّانة لهذه الليلة الأولى؟ “السكريبت” هزيل، والمضمون لا يفي العنوان حقه. إسكتش آخر جاء من العجينة الرخوة ذاتها، إمتحان المواهب، وكم كان في وسع سامي وفطنته المعهودة أن يفرقع الصالة ضحكا لما في هذا الأسكتش من إحتمالات طريفة لإنجاحه.
“الغيبوبة” عنوان العرض، استفاقت حين أسلوب سامي خيّاط الكوميدي، الغنائي، ملأ الخشبة بحسن الغناء وتأليف كلمات محسوسة من وجع الوطن على إيقاع الحان غربية معروفة. فإذا الضحك لم يكن سيّد اللحظة وسابين تغني “أعطني العالم يوما” كان المسرح يرشّ علينا حزنا لذيذا وآية غنائية. فمن سيلين ديون استعارت سابين اغنيتها على كلمات من وحي الوطن: “أعطني العالم يوما/ وكل ما يلزم/ لأصنع أغنية/ يكفيني لبلدي الممزّق/ أن أجد له ساحرا”. وفيما يقوم سامي وجاد وناي بألاعيب سحرية يعلو منها إسم لبنان، يغني سامي: “يا ريت شي يوم فيي/ بعصا سحرية/ غيّر العقلية/ وخففّ عنا الهموم”. وتكمل سابين على اللحن ذاته: “لبنان انا بحبك/ وإسمي بيغمر إسمك/ لولا الكل بيحلموا/ متل ما نحنا منحلم/ السحرة يرجعون”.
في الختام استقبل لبنان سفراء من جميع البلدان بما فيها المرّيخ ليتعلّموا من هذا البلد سر البقاء واحتمال المصاعب. فرنسا تريد أن تتعلم معنى الصمود على الإرهاب، إنكلترا سر تآلف لبنان مع النزوح المريب، أهل المريخ يطلبون اللجوء البشري خوفا من حرب النجوم. أما الأغنية الجامعة لذة العيش في لبنان، فدوّت صوتا واحدا: المازة وشهية المائدة وملء البطون.

 

مي منسى

http://newspaper.annahar.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *