دراسة في ” جماليات  نصوص الخيال العلمي المسرحية “

 

 

جماليات  نصوص الخيال العلمي المسرحية

أ. م. د محمد فضيل شناوة  –  م. م بيداء علي حسين محمود البزركان

جامعة بابـل / كلية الفنـون الجميلــة

مشكلة البحث: 

امتزج الفن وتعالق مع عديد من المفاهيم الفلسفية والعلمية, لاسيما امتزاج الجمالية بالفكر الفلسفي والتأمل والنقد الأدبي وتاريخية الفن, وهذا الامتزاج والتعالق والتداخل جاء نتيجة عدم افتراق الجمالية وانعزالها عن التأملات الفلسفية والفكرية بقنواتها كافة, لذلك أفاضت الجمالية بنتاجها المتعالق والممتزج مع أرض الفلسفة والفكر الثقافي والتاريخي والأدبي.

تدعو دراسة الجمال تلك النظرة النقدية والدراسة التجريبية التحليلية للفن والجنس الأدبي, بغية الوقوف على طبيعته وقيمته, بغية فتح الآفاق وتحليل البنية الجمالية بشكل علمي رصين. ذلك بوصف الجمال علماً يدرس ذلك الشكل الجمالي, فضلاً عن قيمة استيعابه الفكر الواقعي الحياتي المعاش شاملاً معه الفن بقيمه ومستوياته, أي دراسة العلائقية القائمة بين الأشياء الجمالية مع الواقع.

حملت نصوص الخيال العلمي المسرحية قيمة جمالية، بوصف هذه النصوص قد لامست في معالجتها الفكرية والجمالية الواقع الاجتماعي والنفسي والفكري للإنسان, بوصفه مخلوقاً اجتماعياً قادراً على خلق أو تخيل عالماً مادياً ثانياً، انطلاقاً من مقدرته على تغيير الطبيعة ويطبعها بشخصيته من خلال عمله وجهده وقدرته الفكرية والجسدية الخلاقة, وبوصف الإنسان ذا ديمومة حركية يتطور ويطور في الطبيعة, مؤثراً ومتأثراً بها. فضلاً عن التغيير الذاتي له معها بعد تلك المحاولات العلمية بغية إدراك أسرارها والسيطرة عليها, وبذلك يكون إنساناً اجتماعياً واعياً ممتلكاً ذلك الحس الإنساني( ). 

تعتمد نصوص الخيال العلمي المسرحية على مفهوم الخيال, لاسيما الخيال العلمي بوصفه ركناً أساسياً ورئيساً في تشكيل الموضوع لهذه النصوص، ويعد الخيال بشكل عام عنصراً أساسياً في الأجناس الأدبية وعنصراً مهماً في بناء الصورة الأدبية والجمالية فيها, وهو يلعب دوراً أساسياً أيضاً في مضمار العلم والاختراع , إذ إن معظم الكشوفات العلمية والاختراعات التقنية تمثلت لأصحابها عن طريق الخيال قبل أن تتخذ سبيلها الطويل إلى التنظير أو التحقيق العلمي, وهو القوة الذهنية التي تحتفظ بصور المحسوسات بكل أنواعها من مرئية وملموسة ومسموعة, بعد غيابها عن الحواس, وتقوم بالتأليف بينها مبدعة بذلك صوراً جديدة, وهذه الصور الجديدة قد تكون واقعية وقد تكون خارقة مستحيلة كما في الملاحم القديمة والخرافات والأساطير, وكما في عديد من قصص الخيال العلمي, كقصة (آلة الزمن) لـ(هربرت جورج ويلز).

إن تاريخ الخيال العلمي هو أيضاً تاريخ التغيرات في المفاهيم البشرية تجاه المكان والزمان, وإن تاريخ أدب الخيال العلمي كتاريخ العلم ذاته يسير مقترناً, عندما أخذ المنهج العلمي يحل محل أساليب التفكير التسلطية, إذ تمكن الإنسان واقتنع بأن كوكب الأرض ليس مركزاً للكون.

ظهرت نماذج من أدب الخيال العلمي منذ زمن (جاليليو) وما بعده, وإن أول عمل قصصي له خصائص أدب الخيال العلمي هي رواية (ماري شيللي) والمعنونة(فرانكشتين)، والتي غيرت بشكل أساس إحساس الإنسان بالمستقبل, وقد حاول بعض المؤرخين البحث عن شجرة نسب أكثر قدماً لأدب الخيال العلمي, في حكايات خرافية لرحلات تخيلية في قصص (اليوتوبيا) (المدن الفاضلة) التي تتخيل مجتمعات مثالية كوسيلة لانتقاد العصر الذي اضطر هؤلاء المؤلفين العيش فيه( ).

وإن للتقدم العلمي والتكنولوجي فضلاً عن التغيير السياسي الثوري في أوربا في نهاية القرن الثامن عشر, أثره في إرغام الناس على البدء في إدراك العالم بوسائل مختلفة, وان الخيال العلمي لم يبد كشكل أدبي إلا عندما أمكن للجنس البشري أن يدرك بأن المستقبل مختلف ومتميز بمعارف واكتشافات ومغامرات جعلت الحياة متباينة بشكل جذري عن النماذج المألوفة للماضي والحاضر.

وعندما كتبت (ماري شيللي) روايتها عام 1818م، لم يكن للخيال العلمي اسم مميز ولم يلق الاعتراف به, واستمر هذا الوضع لقرن كامل, قرن تميز بالاكتشافات العلمية وتغييرات تكنولوجية واجتماعية, تضمنت تطوير الآلات التي تعمل بالبخار والمصانع والطواحين, وبلغت ذروتها في أول المغامرات المترددة للإنسان نحو الفضاء، بدءاً بالمناطيد وانتهاء بالمركبات المجنحة.

اهتم كتّاب الخيال العلمي بالمشاكل التي تواجه العالم، مثل التلوث والحرب الذرية والتكنولوجيا والتضخم السكاني, وأفضل القصص في أدب الخيال العلمي هي التي تدور حول الناس وقد يكون هؤلاء الناس من غير البشر أو من الآليين, ويكفي أدب الخيال العلمي إظهار الحضارات في الكواكب الأخرى أو وصف المجتمعات التي قد تنشأ في المستقبل.

يؤدي الخيال العلمي في أحسن مظاهره مهام الأسطورة الحديثة, إذ يحاول أن يثير لدى القارئ شعوراً بالتعجب عن مظاهر الكون الداخلي والخارجي الخاص بالإنسان, وكم من قصص الخيال العلمي تتحدث عن أبطال يجوبون الفضاء ويسافرون عبر نفق الزمن, ويقاومون الظلم في عالم المستقبل , ويبقى الخيال العلمي هو أدب التغيير على الرغم من نهل قصصه من معين واحد.

ولعل الدور الأخير للخيال العلمي هو أنه يعمل كمترجم للعلوم لدى البشرية, فالعلم يبني ولكنه قد يدمر, والتكنولوجيا قد تنهي الحضارة أو قد ترفعها إلى أبعد زوايا الخيال( ).

تعد نصوص الخيال العلمي رصيداً فنياً وجمالياً يمنح تصوراً بطبيعة أساليب الإنسان وممارساته  من خلال صراعه مع الطبيعة, إذ سعى الإنسان وبدءاً من محاكاته للمظاهر المكانية والظواهر الكونية إلى نقل الأشياء من حيزها المتداخل المتغير المضطرب إلى الشكل الفني التعبيري الدال, وأسبغ عليها من وعيه مظاهر المعنى الفكري والجمالي, فنص الخيال العلمي لا تقتصر مهمته ووظيفته على النقل الحرفي للحدث بواقعية مفرطة, قدر الإيحاء للقارئ إلى مواطن الفكرة بوساطة الرمز والاختزال. وتشكل مجموعة الممارسات الفنية التي يقوم بها كاتب الخيال العلمي من خلال تفاعله مع الوسط الخارجي أساساً مهماً في تذوق الجمال, لذلك حملت نصوص الخيال العلمي المسرحية جملة من الجماليات على صعيد الشكل والمضمون, وتأسيساً على ما تقدم يحدد الباحثان  مشكلة البحث بالسؤال الآتي:

ما هي المفاهيم والمبثوثات الجمالية التي تحملها نصوص الخيال العلمي المسرحية؟ 

أهمية البحث والحاجة إليه: تكمن أهمية البحث بوصفه يدرس جماليات نصوص الخيال العلمي المسرحية وإيضاح تلك العلاقة التي تربط الفن بالعلم بشكل عام وكيفية تطويع المادة العلمية والتقنية في بنية النص المسرحي, فضلاً على تسليط الضوء على المحمولات الفكرية في نصوص الخيال العلمي المسرحي والإشارة إلى المفاهيم والمصطلحات التي تجاورت والتصقت واعتملت مع أدب الخيال العلمي, ومن هنا فالبحث يسلط الضوء على الجماليات التي تبثها نصوص الخيال العلمي المسرحي بتمثلاتها كافة على صعيد المعالجة الفكرية والفنية, والبحث يفيد الباحثين والدارسين والمختصين في مجال المسرح وأدبه بوصفه يدرس تلك الجماليات التي تحملها نصوص الخيال العلمي المسرحية. 

هدف البحث: يهدف البحث الحالي إلى:

تعرف المفاهيم والمبثوثات الجمالية التي تحملها نصوص الخيال العلمي المسرحية. 

حدود البحث: يتحدد البحث الحالي بـ:

الحد الزماني (نماذج مختارة )

الحد المكاني: (أمريكا) 

حد الموضوع: دراسة جماليات نصوص الخيال العلمي المسرحية 

 تحديد المصطلحات: الجمالية      

التعريف الإجرائي: الجمالية 

(هي صفة نزوعية هدفها إحداث التأثير الحسي أو العقلي في نفس المتلقي سواء أكانت الصفة ناتجة عن التضاد أو التنافر وبذلك تحقق الهدف المطلوب منها وهو تحقيق المقاييس الجمالية للبنية الدرامية)

التعريف الإجرائي: نص الخيال العلمي المسرحي 

(نوع من الأدب القصصي المسرحي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان للتقدم العلمي والتكنولوجي المستقبلي, مستنداً إلى الظواهر الطبيعية والكونية وانطلاقات العلم واكتشاف المجهول عبر رحلة خيالية تنبؤية مجسدة لتأملات الإنسان ونظرته المستقبلية لنوع الحياة والوجود) 

الفصل الثاني

الإطار النظري

المبحث الأول: المفاهيم الجمالية لأدب الخيال العلمي

ظهر مصطلح الخيال العلمي في منتصف القرن التاسع عشر لكنه اكتسب معنى جديداً وراج مرة أخرى في أواخر القرن العشرين, ويعد الخيال العلمي نتاجاً لحقبة التطور العلمي والتكنولوجي السريع واستجابة له, نتيجة للتغيرات التي حصلت في المجتمعات الصناعية, كاشفة عن آمال الناس ومخاوفهم من التكنولوجيا الحديثة, لتقديمه موضوعاً ممتع يدور حول مستقبل العلم ويهتم بالترويج للطرائق الجديدة للرؤية, كما إنه يلغى فيه السرد القصصي المألوف لخلق تكوينات جديدة للأشياء والأشخاص, من حيث الشكل والمضمون, ويقدم أفكاراً جديدة لم تكن موجودة من قبل دون التقيد بالقوانين المعروفة أو المنطق, كما في الفنتازيا التي تعتمد على انطلاق الخيال (الخيال الجامح), ” فالعوالم الفنتازية في أبسط تعريفاتها هي خرق للقوانين الطبيعية والمنطق”( ).

يعتمد الخيال العلمي بوصفه نوعاً من أنواع الفن الأدبي, على الخيال حيث يخلق المؤلف عالماً خيالياً أو كوناً ذو طبيعة جديدة بالاستعانة بتقنيات أدبية متضمنة فرضيات أو استخدام لنظريات علمية فيزيائية أو بيولوجية أو تكنولوجية أو حتى فلسفية, وما يميز أدب الخيال العلمي إنه يحاول أن يبقى متسقاً مع النظريات العلمية والقوانين الطبيعية دون الاستعانة بقوى سحرية أو فوق طبيعية, مما يجعله متمايزاً عن الفنتازيا، فالخيال العلمي يعرض الحقيقة العلمية “بنظرة مستقبلية وإن تغلفت بغلاف له تألق وبريق القصة كما يعالج الأفكار الاجتماعية والعلمية بشكلها الصرف الخالص”( ).

وليس هدف الخيال العلمي التنبؤ بالمستقبل فقط, إنما يتعدى ذلك ليقدم شيء أهم من ذلك بكثير،  فهو يحاول أن يصور المستقبل الممكن الذي ينشأ من بعض التصرفات البشرية والمشاكل التي يواجهها العالم, مثل التضخم السكاني, الحروب الذرية, والتهديدات التي تواجه البشر, وإن المستقبل هو نتاج تصرفات البشر وفق زمان ومكان وموضوع العصر المتناول, فالإنسان يصوغ الغد لخلق نوع جديد من التنظيم الحياتي “ويعطي إحساساً عاطفيا للحقائق المجردة تربط الواقع بتركيب شامل تشرح الأمور المعروفة وغير المفهومة من تصرفات الإنسان وتضع تصور للكون الذي نعيش فيه”( ).

ويُعد الخيال بشكل عام هو القوة الخلاقة المبدعة, فالخيال هو “الطاقة أو القدرة التي تحيل الصورة إلى جسد حي له شخصية مميزة وملموسة مادياً من خلال علاقات حيوية عضوية, يعامل هذا الجسد من خلال انفعالات الفنان وأفكاره متجسدة في شخصيات ومواقف في بناء مستقبل قائم بذاته فالخيال يخلق الرموز ذات الدلالات والمفاهيم المجردة “( ).

كان بالإمكان رصد هذا الخيال وتتبع مراحله من حيث التجديد والتغيير, وبمعنى آخر إن هناك علاقة رابطة بين الخيال والواقع عبر إدراك الواقع على إنه متخيل وإدراك الخيال على انه واقع, وخيالية الواقع وواقعية الخيال تدخل بينهما حالة ثالثة تجمع تراكب وتداخل العلاقتين، مما يمنح نصوص الخيال العلمي جمالية ومتعة لا حد لها( ).

يعد أدب الخيال العلمي نوعاً من أدب التغيير, فكل نص من النصوص ينهل من معين واحد, والتغيير شيئاً مثيراً للقلق يدعو للخلق والرهبة, كما أن الخيال العلمي يقف كجسر بين العلم والأدب بين التكنولوجيا وشعراء البشرية, فالعلم يبني ولكنه قد يدمر والتكنولوجيا قد تنهي الحضارة أو قد ترفعها إلى أبعد زوايا الخيال الإنساني( ).

لا تقل أهمية نصوص الخيال العلمي قيمة إنسانية وفنية عن أنواع النصوص الأخرى, إذ امتازت بجدية المواضيع وقربها من روح العصر العلمي, وإنها مرتبطة بالتراث الفني والأدبي, بل إنها مرتبطة ارتباطاً أكثر بالاكتشافات الجديدة والعلوم الصناعية الحديثة, وأجواء المناطق التي يتخيلها أو اكتشفها إنسان الفضاء, فهي تقدم أدباً جديداً يفرزه العصر ويغذيه بالروح الجديدة ( ).

تناول الاتجاه الرئيس لأدب الخيال العلمي مواضيع المركبات الفضائية والفضاء الخارجي ومجاهل الأرض وغرائبها, كما إن الدقة الأدبية والفنية تأتي من الإسهاب في الخيال والارتياح الفكري للاكتشافات العلمية وتجاوز الظروف الصعبة مثل مواجهة سكان الكواكب أو المخلوقات الغريبة والإشعاع، جعلت من مواضيع الخيال العلمي تتناول مضامين الرواية القديمة ضمن مكوناتها،  واستخدمته لعوالمها الجديدة لتحقق مدى أوسع للانتشار كنوع أدبي من النصوص, يرافق تطورات العصر وأحداثه ويلاءم طموحات الإنسان واكتشافاته الجديدة ( ).

تبحث نصوص الخيال العلمي, بوصفها قصة خيالية تبحث عن المجهول في أمكنة مختلفة, تشمل داخل الأرض والكواكب الأخرى, وأما الزمان فغالباً ما يكون المرحلة التي ينقلها الحدث, سواءً نقل الماضي أو الحاضر, أو استشراف المستقبل كما في قصص الخيال العلمي( ).

تحيل بعض نصوص الخيال العلمي رأياً معاكساً أو هروباً من كآبة الحرب, لكن المشروع تجاوز رد الفعل على واقع الحرب البشع دون أن يجاوره, ودون أن يحتك به ولو للحظات, وانتقل (باشلار) من كونه فيلسوفاً للعلم إلى فيلسوف للخيال مع إبقاء ذلك الحبل السري الذي يصل العلم بالخيال كما يتصل الجنين بالمشيمة, وعلى وصف إن الخيال كالأدب والمعرفة العلمية يتحدد فيما وراء المعطى, فهو يعيد به عبر صور الطفولة, وكأنه يؤكد حقيقة إن المعرفة هي بالجزئيات أيضاً وليست فقط بالكليات, وهذه الجزئيات هي الرصيد الأساس لـ(باشلار) في الخيال( ).

تشترك نصوص الخيال العلمي والنصوص الخيالية في إنها أسطورية أو وهمية متخيلة أو منسوجة ومحبوكة, أي أنها ليست تاريخية أو واقعية وإن كانت ممكنة الحدوث وقابلة للتعين, وإن مواضيع الخيال العلمي بعيدة عن الأحلام إلاّ إن المعنيين بدراسته يطلقون عليه تسمية (أدب الأحلام), كما أن نصوص الخيال العلمي تفتح أمام الإنسان الحديث آفاق جديدة ومطامع واسعة نحو التقدم, وبالإضافة إلى ذلك إنه يتناول قضايا اجتماعية تتصل بعلاقات الناس بالأمور الأخلاقية في المجتمع( ).

تحمل نصوص الخيال العلمي صفة الاحتمال والالتصاق مع الحياة الاجتماعية وتبتعد عن الانعزال والخمول, وهي تدفع بالإنسان إلى تحفيزه لمقارعة الطبيعة ومغالبتها ومقاومة الظلم والاضطهاد, إن نصوص الخيال العلمي هي نمط منتظم علمياً, وإن “الخيال العلمي- عندما يكون في أحسن مظاهره- يؤدي مهام الأسطورة الحديثة حيث إنه يثير لدى القارئ شعوراً بالعجب عن مظاهر الكون الخارجي وأيضاً الكون الداخلي الخاص بالإنسان”( ).

تكوّن الخيال العلمي كأدب- الذي لا ينظر إليه نظرة أدبية عالية ومثالية- في نهاية القرن التاسع عشر كنوع متميز, وذلك بتضافر سلسلتين من العوامل: أصوله الأدبية متعددة وأحياناً قديمة: الحكايات الفلسفية الحاملة نقداً اجتماعياً, علاوة على إن قصة الخيال العلمي هي نتاج الحضارة التقنية, لاسيما الثورة الصناعية الثانية. وإن قصص الخيال العلمي هي أولاً انغلوساكسونية من حيث أصولها، وهذا التراث يعود إلى الرواية (الغوطية) المسماة أيضاً (الرواية السوداء), وتطور الخيال العلمي خارج العالم الأنغلوساكسوني بشكل مبكر جداً, لاسيما في روسيا قبل أن يختفي لوقت طويل لأسباب سياسية( ). 

وعرف الخيال العلمي على أنه وهم الآمال والمخاوف التي أوجدتها الحضارة الصناعية, تطوراً في المواضيع عكس تطور التقنيات والأيديولوجيات, فالمواضيع التي تطرق لها تكشف عن ذهنية القرن العشرين عبر تجسيد المخلوقات الفضائية, فالإعجاب بالآلة الذي يختلط بالقلق البشري تجاه علاقتها بالإنسان, قد تحول الخيال العلمي إلى مجالات مرتبطة بالعلوم الإنسانية: فالسياسة, والانثروبولوجيا, وسبر اللاوعي في استكشاف اللاوعي هذا أعاد الخيال العلمي إلى إحياء الميثولوجيات الكبرى( ).

وإن كانت العلاقة بين الأدب والعلم في قصص الخيال العلمي تبدو مصطنعة, إلاّ أنها تؤكد التأثير الذي يمارسه التطور العلمي على الأشكال الأدبية, فلا يكفي أن يصب الروائي مضمونه العلمي أو التكنولوجي في قالب قصصي, حتى يصبح من الخيال العلمي, بل لابد من وجود العلاقة العضوية بين المضمون والشكل, بحيث يصبح العنصران شيئاً واحداً, وقد أثبت التقدم التكنولوجي إن الخيال إذا ما دعمته المعارف العلمية فأنه يقدم الأفكار الجديدة والتصورات المبدعة الأصلية( ).

وهكذا تحول الخيال العلمي من الاستباق العلمي إلى شكل أدبي يعالج كل الأنواع, وقد اتسع جمهوره وتنوع وتجاوز نجاحه حدود الحقل الأدبي, وقد أثر الخيال العلمي على العقليات الجماعية, لا بل على العلم نفسه، وترجع أسباب هذا النجاح إلى إن هذا الخيال العلمي يعبر عن مخيلة المجتمع المعاصر، لكن مخيلة العلم لم تعد سوى ذريعة للتطرق ما ورائية كبرى حول مستقبل البشرية, واتسع انتشار أدب الخيال العلمي في العالم, وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية, وأصبح له أيضاً كتّاب مهمين في أوربا وأمريكا والاتحاد السوفيتي (سابقاً) واليابان. أمثال (كارل تشابيك), (راي براد بري) و(جول فيرن) و(هربرت ويلز). وينبري من كتاب العرب الذين كتبوا في الخيال العلمي. من مصر(سلامة موسى) و(يوسف عز الدين عيسى) و(توفيق الحكيم) و(فتحي غانم) و(يوسف السباعي) و(سعد مكاوي) و(مصطفى محمود) و(نهاد شريف) و(رؤوف صدقي). ومن العراق (صباح الأنباري) و(طالب ناجي) و(نمير عبد الأمير). ومن المغرب (احمد افرازان). ومن السودان (بن خلدون). 

وتجاورت عدة مصطلحات ومفاهيم والتصقت واعتملت واشتغلت مع أدب الخيال العلمي وهي، الفنتازيا،الغرائبية، العجائبية، المستقبلية، الخيال، التصور، اليوتوبيا،الميتافيزيقيا، الحكاية الخرافية.

ارتبطت (اليوتوبيا) بالخيال الإنساني الأكثر اتساعاً, فإنها تكون إمكانية إنسانية وتصبح قوة خيالية تتجه نحو توليد حلم لا ينتهي بحدود زمانية ومكانية, وهي تبشر بالجديد الذي يولد من رحم القديم, و(اليوتوبيا) ” تعني اللامكان أو الخيالي أو المكان الطيب أو المثالي والذي ليس له وجود في عالم الواقع البائس. و(اليوتوبيا) إذاً تأسيس في عالم اللامكان إنها تحمل هذه المفارقة, إنها انطولوجيا اللاوجود كينونة اللاكينونة إنه تشيد في اللاواقع ومن هذا الجانب فإن (اليوتوبيا) تعبير عن ما هو غائب عن ذلك الذي لم يوجد بعد عن اللامكان المحض” ( ).

لذا فإن الإنسان يجد من الخيال وسيلة مهمة لاستحضار كل ما هو غائب, واستدعاء اللاوجود وتحقيق الأفكار المثالية المخالفة للواقع, للوصول إلى الرفعة والسمو بكل ما هو خيالي مرتبط بفكر الإنسان, لذلك فإن الخيال “يمثل الأساس الأبستمولوجي والأنطولوجي لليوتوبيا”( ). 

عالجت نصوص الخيال العلمي واليوتوبيا الساخرة فضائح الحرب بوجه عام ومقارعة الشخصيات المتسلطة والدكتاتورية والرأسمالية، فضلاً عن التهكم والسخرية فيها من الفكرة التي تؤمن بإمكانية تحقيق الفردوس الأرضي على أسس علمية بحته, ويكتشف فيها عن الحب للبشرية والحرص على تحذيرها من مخاطر الاندفاع وراء الآلة التي لا يصاحبها تبصر بعواقب الأمور. بالإضافة إلى تأملها ونقدها الغائر في أعماق النفس البشرية كاشفة عنها دون اتخاذ موقف واضح, بل إنها حذرت من مغبة المستقبل رغم المعايشة اليومية للأحداث وتطورها, لتطرح أهم قضايا الإنسان المعاصر, ومحاولة ألقاء الضوء على حقيقة الإنسان وواقعه, وقد تجسدت تلك المحاولات في عديد من النصوص التي صورت فيها التطور التقني السريع, كما تناولت موضوع تحطيم نواة الذرة وانشطارها في عدد من النصوص المسرحية التي تكشف فيها الآثار المدمرة لذلك التحطيم والانشطار, وكان هدفها من ذلك هو الكشف عن الحاضر الذي كان ما زال يعاني من ظروف الحرب والخراب وما يجلبه التقدم السريع من مخاطر على الإنسان, وهذا ما كان يميز نصوص الخيال العلمي المسرحية التي تنظر إلى الحاضر من زاوية خاصة جداً ” لما كان يبتسم بسخرية مرة من كل ما يولد الحرب ويؤدي بالبشرية إلى الدمار”( ).

وعلاوة على ذلك فإن نصوص الخيال العلمي المسرحية هي مستقبلية أو خيالية, يقول(تشابيك)   ” ليست هذه يوتوبيا بل هي اليوم تأملاً في المستقبل إنما مرآة لما هو الآن والمحيط الذي نعيشه فالخيال هنا ليس بما قصدت إليه إنما غرضي هو الواقع”( ).

ويعد الكاتب الأمريكي (ري براد بري) 1922 احد كتاب الخيال العلمي, وهو وإن كتب روايات في الخيال العلمي, إلا أنه يظل منبعه كاتب قصة أكثر مما هو روائي, لأن الكثير من رواياته هي أساساً قصة قصيرة. فقصة (أمطار) التي أخذ نصها من رواية التواريخ المريخية وهي مجموعة قصص ربط (ري براد بري) حبكتها في رواية واحدة تدور أحداثها في المستقبل, والقصة هذه قد استلهم موضوعها مما تركته القنبلة الذرية التي أطلقت على (هيروشيما) ليبين مدى بشاعة الحرب وخسارة الإنسان إزاء التقدم التكنولوجي الذي وصل بالإنسانية إلى تدمير نفسها, وهي قصة لن تجد فيها إنسان بعد الفناء الذي يتوقعه الكاتب ويصرح به دائماً في مئات من القصص( ).

كما اعتمد (ري براد بري) موضوع المريخ في عديد من قصصه القصيرة والطويلة, ولم تتوقف مواضيع (ري براد بري) عند هذا الحد،  فقد تناول عدة نواحي، منها النفسية والاجتماعية والدينية والطفولة وموضوع السفر عبر الفضاء بأسلوب ولغة شاعريتين يدلان على مدى انتقائه للمفردة اللغوية ذات الدلالات الموحية والرموز المفعمة بالحياة, التي أطّر بها قصصه في أجواء من مشاعر الرعب والخوف من قوى مجهولة, تبين مدى ضعف المخلوق البشري إزاء هذا الكون المليء بالأسرار الغامضة والذي تتجلى فيه قدرة الخالق، وفي قصصه يوضح أيضاً أن الإنسان مهدد لا على سطح كوكب الأرض فحسب، وإنما في الكواكب الأخرى, فضلاً إن(ري براد بري) لم يكن من مناهضي التكنولوجية الحديثة, بل كان من دعاة استخدامها لصالح البشرية وخدمتها لا لتدميرها, كما هو واضح في قصصه التي كثيراً ما تعبر عن قلق البشرية إزاء هذا الكم الهائل من ترسانات الأسلحة الأمريكية منها والأوربية( ).

لقد كان (ري براد بري) حريصاً على أن تستمر الحريات الأساسية في المجتمع الأمريكي, ولكن نقده لأسلوب الحياة والعلاقات بين الناس, كان يمثل الشدة والتعبير الهدام, ففي روايته (الإنسان المصور) يعالج موضوع القدرة الشيطانية للمدينة, فهو مؤلف بارع في أن يضيف إلى ذلك تلك البشاعة والفظاعة, فهو في الوقائع المريخية يكثر من إدانة حضارة عاجزة عن المحافظة على الذوق الجمالي لدى الناس, ففي هذه المدن المجسية أصبحت الأضواء معمية ورهيبة, وقد غدت الآلات التي لم ينقطع تطورها, شيطانية ووضعت حداً لكل قوة مبدعة لدى الإنسان, ويضيف (ري براد بري) بعداً آخر “هو الهمجية, فالآلية ستزداد فتكاً بكل معنى أخلاقي وستنقض جميع العلاقات الإنسانية “( )0

كمـا يتميـز أسلـوب (ري براد بري) بالشاعرية والحيوية وبأنه مفعم بالخيال ويمكن اعتبار(ري براد بري) موازناً أكبر و”مصلحاً اجتماعياً فهو يهتم بالأمور الشخصية والاجتماعية في نصوصه ويعني كثيراً بتنمية المجتمع ويبدي تخوفه في عدد من نصوصه الدكتاتورية والتضخم السكاني وازدياد استخدام الآلات في المجتمع والسفر في الفضاء والتي كتب عنها من ناحيتين الأولى لهدف حقيقي للجنس البشري والثانية كرمز للوحي الروحي”( ).

يتجه (ري براد بري) في كتاباته نحو الفنتازيا، بوصفها موضوعاً يقترب من الخيال العلمي, وقد كتب عديد من “القصص التي تدور أحداثها عبر نفق الزمن من الماضي أو المستقبل مثل نص (صوت الرعد),(التفاح الذهبي للشمس)” ( ). حيث يتخيل أحداث تمت بشكل مختلف عما يحصل بالفعل, ويصوغ الأحداث الجديدة متخيلاً ما قد يحدث لهذا التغير, وعلى الرغم من إن (ري براد بري) قد شغف بالفنتازيا إلاّ أنه كتب عن المشاكل الاجتماعية التي تواجه الإنسان في العصر الحديث وعن عالم المستقبل, وذلك بأسلوبه الفريد المتميز مستخدماً الخيال العلمي كخلفية لإلقاء الضوء على المشاكل التي يعالجها, كما أن (ري براد بري) يستخدم في كتاباته عديد من العلامات والرموز التي تتكرر في نصوص مسرحياته كوسيلة يتعرف من خلالها على خبايا ومكنونات الشخصية الإنسانية, ليشرح النواحي النفسية والجسدية, فيستخدم الوادي كرمز للموت مثلما يستخدم المرآة كرمز يعبر عنه عدم رضا الإنسان عن نفسه، “والمرآة هي حقيقة الإنسان وعندما ينظر إليها يكتشف كل عيوبه ويتضح له الفرق بين الصورة التي يتخيلها عن نفسه والواقع, كما يستخدم رمز الشمس كمصدر للحياة, فالضوء مصدر الخير أما الظلمة فمنبع الشر”( ), كما تعددت معاني الدلالات الرمزية لدى (ري براد بري) فاستخدم الشمس كرمز للقدرة الإلهية والخلود واستخدم النار كرمز لانتصار الخير على الشر. كما يتناول (ري براد بري) في قصصه طقوس الشعوذة والسحر والساحرات ومصاصي الدماء والبيوت المسكونة بالأشباح وتقاليد عيد جميع القديسين والعلاقات العائلية بأشكالها المتعددة والكارنفالات وأحداثها المرعبة وحيوانات ما قبل التاريخ, كما إن (ري براد بري) تأثر كثيراً بالكاتب الأمريكي (ادجار ألان بو) الذي كان يهتم اهتماماً بالغاً بالشخصيات المريضة نفسياً, وكان يصورها دائماً في إطار من الأحداث المرعبة والخارقة للطبيعة, كما في قصة (الفاكهة في قاع الصحن) ( ).

كما أن (ري براد بري) يكتشف عالم الطفل الأكثر أهمية من عالم الزيف الحقيقي, وربما يكون هو أكثر الكتّاب الذين يجمعون بين موقفين متناقضين, ” لأنه يرى بوجدان طفل الملاحظات النفاذة لطفل حقيقي”( ), ولكن مع هذا فإن الجزء الأعظم من أعماله لاسيما القصص التي يكتبها عن الأطفال يندرج في جنس الأدب الخيالي. وفي كتاباته في أدب الخيال العلمي يقوم الصراع بين تكوينات مريحة مادياً للعلم وبين حرية قلقة, وإن ازدهار العقل والروح هو الموضوع الرئيس فيها, وهدفه  الحماية من هوس التقنية وأن يجعل الرؤية واضحة من خلال التخيل إلى التطرف في النزعة الواقعية والنزعة المادية, التي تؤدي حتماً إلى الدمار, وإن (ري براد بري) كان يعزى إلى القارئ بضرورة رفض القيم التقنية البحتة التي يحتقرها الكاتب نفسه من خلال الشعور بالاستنكار لهذه القيم, كما أن في قصصه ليس من السهل دائماً وضع خط فاصل بين أدب الخيال العلمي والقصة الخيالية، وفي هذه التفرقة بين هذين الجنسين يطبع أدب الخيال العلمي جيد النوعية وكتابات الأدب الخيالي بنمط واحد( ).

ومن المؤكد إن أيديولوجية (ري براد بري) الإنسانية تتناقض بشكل عميق مع أن تنظيم المجتمع قائم بكليته على عدد من القواعد العلمية والتقنية, ولكن موقفه رجعي بشكل صريح, لاسيما إنه لا يعمل إلا على تقوية الانطباع بأن هذا النوع من المجتمع هو في النهاية لا يمكن تجنبه، فكثير من قصص الخيال العلمي تعطي الانطباع  بشكل أكثر عمقاً بأن التقدم العلمي هو المحرك الوحيد للتطور, هذا هو الموقف الإنساني لـ(ري براد بري) فإنه حكم على العلم، وليس فقط على استعماله السيئ، وأحياناً على المحاكمة العلمية, بأنها خطرة إذ أنها قادت في ماضي الإنسانية إلى كوارث. ويدافع (ري براد بري) ويركز على الفضائل الإنسانية والفردية الأساسية بدلاً من اللجوء إلى روحية من وحي مسيحي, فبعض الإيمان بالإنسان يحل محل الاعتقاد بالنجاح العلمي ويتجاوزه( ) .

المبحث الثاني: المضامين الفكرية والفنية والجمالية في نصوص الخيال العلمي المسرحية

يُعد أدب الخيال العلمي نوعاً من أنواع أدب التغيير والصيرورة والتحول, فكل نص من نصوصه ينهل من معين واحد, فالأدب القادم منه سيكون مختلفاً عن المنجز الحالي, وربما يكون متساوقاً, فالتغيير شيئاً مثيراً للقلق يدعو للخلق والرهبة, وان الشعور بالعجب الذي ينبعث في روع نصوص الخيال العلمي من غرابة الأحداث لهو شعور مزدوج, فجرأة الكاتب في تخيل المواقف المثيرة والتي تزخر بها نصوص الخيال العلمي, وعلى مستوى ذهني أعمق وربما لا شعورياً هو الإثارة في إن العقل البشري يمكنه أن يصل إلى هذا الحد من القدرة على التخيل واستيعاب مثل هذه الأفكار المروعة التي تثير الشعور بالعجب، سواءً كانت الأحداث تتسم بالتشويق أو تكون ميالة للرعب( ).

فالنص بمعطياته الفكرية والفنية ما هو إلاّ نتاج الشحنة الانفعالية المتوهجة عند الكاتب وفقاً لمرجعية معرفية لها تماس مع معطيات موضوعية وأخرى ذاتية, وإن بناءه يمثل ” نتائج عملية إبداعية يمارس فيه الكاتب حضوره كذات مبدعة, إنه وهو يشتغل على مادة الحكي يقدم تجربته الفنية, وموقفه الفني من الزمن ومن خلال ترهين الحكي وتكسير خطية التسلسل, يمكن معاينة كون الكاتب في هذا الحال يقدم بناءاً جديدا وهذا البناء يستلزم دلالة مفتوحة ونصاً جديدا”ً( ).

ولا تقل نصوص الخيال العلمي أهمية وقيمة فنية وإنسانية عن النصوص الأخرى, إذ امتازت بجدية المواضيع واقترابها من روح العصر العلمي, وهي ترتبط بالاكتشافات الجديدة والحياة المنقرضة فتقدم أدباً جديداً, فنصوص الخيال العلمي هي في الحقيقة قصة خيال تبحث عن المجهول بعبارة علمية مفهومة ومستعملة للاختراعات والاكتشافات العلمية في أمكنة مختلفة تشمل داخل الأرض والكواكب الأخرى, أما الزمان فغالباً ما يكون في المستقبل البعيد أو في الماضي قبل التاريخ أو في أبعاد      جديدة( ).

ومن جدير بالذكر إن أدب الخيال العلمي القصصي أو الروائي منه أو المسرحي, هو أدب أفكار أكثر منه أدب بناء فني جيد أو شخصيات مدروسة, فهو يهدف منذ البداية إلى إثارة خيال القارئ إلى أقصى حد, لينتقل به خلال هذه الإثارة إلى تصورات كتّابه عن العوالم الغريبة التي تدور فيها الأحداث, ليصل برسالته إلى عمق الكيان العقلي والروحي للقارئ, فهذا اللون من الأدب لا يهدف إلى (تطهير) الناس بإثارة عاطفتي الشفقة والخوف كما يقول (أرسطو), بل يهدف إلى تحرير الخيال البشري بمحاولة إثارة الدهشة والعجب, ولأن أدب الخيال العلمي هو أدب أفكار, فالأبنية الفنية في كثير من أعماله يشوبها الكثير من الضعف أو التهافت, فحبكات معظم هذه الأعمال ذات طابع صبياني ساذج, ومشكلة كمشكلة الانتقال في الزمان والمكان، هي مشكلة تواجه كتّاب الخيال العلمي جميعاً, حيث يتوافر فيها تصورات غاية في الغرابة والسذاجة, وقد استبدل بهذه الوسائل بوسائل أخرى أكثر تقدماً وعلمية, كما أن أدب الخيال العلمي ليس مهماً كيف تنتقل الشخصيات في الزمان أو في المكان, لأن الأكثر أهمية هو ما يحدث بعد انتقالهم، وما طبيعة الصراع الداخلي أو الخارجي الذي يخوضونه وكيف يتصرفون, وما الرسالة التي ينطوي عليها هذا كله, كما إن الطبيعة البشرية في أدب الخيال العلمي مبسطة تبسيطاً شديداً، فالشخصيات غير مدروسة ولا ناضجة  وهي تُرسم رسماً تخطيطياً, لأنها لا تقصد لما فيها من عمق إنساني وتعقيد في البناء بقدر ما يقصد إلى مجرد قدرتها على خوض صراع تكون مؤهلة لخوضه, وقدرتها على حمل رسالة يرغب الكاتب في بثها إلى قرائه. وبالنسبة إلى الأحداث فإن الأمر كذلك، ففيها الكثير من التفكك والاختراع والانفلات من أسر المألوف والمعقول, وإن إحدى عثرات كتّاب الخيال العلمي هي إنهم يميلون إلى إنهاء أعمالهم بأمور مثيرة، لخلق انطباعات ناجحة, أو ميلهم إلى بث الرعب في قلوب القراء, وان من أسوأ ميولهم هي ارتماؤهم في أحضان اللغة العلمية التي تصيب أعمالهم بالصعوبة  لمن لا يألف هذه اللغة، فضلاً عن التشابه والتكرار, وميلهم إلى الغرابة من أجل الغرابة ذاتها، ولإثارة العجب والدهشة, ويكفي أدب الخيال العلمي أنه أستطاع أن يعبّر عن المشاعر المتناقضة للإنسانية إزاء انجازاتها الرائعة وإزاء ما اقترفته من أخطاء, تعبيراً فيه الكثير من الصدق والعمق, وأنه فتح آفاقاً جديدة للخيال البشري, يجدد من خلاله قواه ويعيد من خلاله أيضاً النظر إلى قضية المصير الإنساني من وجهة نظر جديدة, أما التطور الفني فلا شك انه قادر عليه بموالاة الإنتاج, وبالوعي بمواطن الضعف والسعي الحثيث إلى تقويمها ( ).

يوصف أدب الخيال العلمي  بأنه أدب (ذهني) أو (فكري), ولذلك فإن طبائع الشخصيات فيه مبسطة ومرسومة بشكل تخطيطي فاقدة لعنصر العمق والأصالة, إذ إن الكاتب في المقام الأول ينصب اهتمامه على قضيته, ومن ثم على الجانب الذي تمثله الشخصية من هذه القضية, فالمتلقي لا يعرف عن الشخصيات في المسرحية إلاّ ما يراه منها في الحاضر, وحتى العودة إلى الماضي, كما أن الشخصيات مقسمة بدقة على طرفي القضية, وشخصيات هذه المسرحية جميعاً ليست إلاّ نماذج مكرسة جميعاً لخدمة القضية أو الفكرة التي تطرحها المسرحية, دون أن تتحول واحدة منها إلى شخصية حية منفعلة ذات أبعاد أو أعماق( ).

كما أن أدب الخيال العلمي على الرغم من خوضه في مواضيع غير تقليدية في كثير من الأحيان، إلا أنه يقع في التناقض حين يتمسك بالأبنية الأدبية والفنية التقليدية والتي لا تتفق معه, بل ربما تتناقض في كثير من الأحيان مع المواضيع والأفكار الجديدة والقضايا التي يخوض فيها ويعالجها،إذ أنه يعتمد على الحلم في كثير من الأحداث, كما أن الحلم بطبيعته بنية غير منطقية لا تخضع للمنطق الواقعي المعروف, وفيه الكثير من الفوضى والشذوذ, ومن ثم فتصويره على النحو المنطقي الواقعي يناقض طبيعته من جهة, ويجعل القارئ يفاجأ حقاً بخبر أنه لم يكن إلاّ حلماً ( ).

فالخيال العلمي في هذا النوع من المسرحيات تكمن أهميته الفنية والفكرية في أنه يسعى إلى إثارة قضية أو عدد من القضايا الإنسانية الفكرية, وإلى تأمل الكيان الإنساني, النفسي والاجتماعي, وكذلك الفردي والجماعي, وتأمل حاضره ومستقبله.

ولا تخرج الشخصيات عن الإطار العام الذي لوحظ في أعمال الخيال العلمي, إذ إن الشخصيات فيها جميعاً تميل إلى أن تكون أساساً (نماذج) في أفكار يريد الكاتب أن يقابل بينها, وقد يجري بينها صراع. 

ويستخدم في بناء هذه المجموعة من المسرحيات أبنية مسرحية متنوعة,  حيث يسعى من خلال هذه الأعمال إلى فتح باب جديد للأدب، يدخل منه إلى عالم جديد هو عالم المستقبل ومشكلاته والطريق إليه, وعالم العلم وتسخيره لخدمة الإنسانية خدمة حقيقية( ).

والجدير بالذكر تشترك نصوص الخيال العلمي في أنها محبوكة ومنسوجة, وأنها أسطورية أو وهمية متخيلة, أي بمعنى أنها لم تكن حقيقية أو واقعية أو خيالية, كما أنها تفتح أمام الإنسان الحديث آفاق جديدة ومطامع واسعة نحو التقدم في اقتحام المجهول, وهي تتناول قضايا اجتماعية تتصل بالناس وعلاقاتهم بالأمور الأخلاقية, فهي لها ميزة فريدة هي أنها لا تقتصر على أحداث في الماضي أو ما هو محتمل في الحاضر هي تسمح بصفة التحليل المقارن للمجتمع, وكيف أن التغيير في الثقافة والتركيب الاجتماعي يمكن أن يفسر التركيب في المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع( ).

كما أن تلك النصوص تطلق الخيال على أوسع مدى ليس على نطاق في الأرض وحدها, وإنما على نطاق الكون الذي لا يعرف القيود أو السدود في الزمان والمكان, كما أن هذا النمط الجديد يسمح للخيال العلمي والأدبي الغور في عالم رهيب مجهول بعيد المدى وعميق الغور من الناحيتين المكانية والزمانية الممتدة من الماضي السحيق إلى المستقبل الأبهر من الكون المؤلف من مئات المجرات وما ورائها, كما أن هذه النصوص تحذر من المستقبل وتنظر إليه نظرة تشاؤم لا مسوغ له, وهي تتعامل مع ما هو غير موجود بالفعل أو مع ما هو خارج نطاق الإدراك الحسي, وينهج نحو تحقيقه عبر الخيال، التطلع والتوقع شأنه في ذلك شأن حقوق الأدب الخيالي الآخر, وهذا يعني أن أدب نصوص الخيال العلمي ينطلق في الأصل من الخيال الأدبي (الشعري, العلمي)، ولذلك أن كل شيء ممكن الحدوث في نصوص الخيال العلمي مهما كان بعيداً عن الواقع العلمي المحسوس, أو كان يتعذر الحصول عليه بالمقاييس العلمية الراهنة, ويتميز الخيال العلمي في أنه يتعامل مع كل ما هو غير موجود بالفعل, كأنه موجود أو حقيقي من الناحية الواقعية, فهو يخضع لمنطق التنبؤ العلمي المبني على التوقع( ).

فهذا الأدب يفتح أمام المختصين به من مؤلفين وأدباء آفاقاً عاطفية وفكرية جديدة, لما يتصف به من ناحية المحتوى أو المضمون بالجانب السلبي الضمني, فأحياناً يتناول بشكل غير مباشر الجوانب السلبية الشائعة في المجتمع الحديث من جهة, والجانب الايجابي المتمثل بالمجتمع البديل الأمثل الذي يجسد أدب نصوص الخيال العلمي بجوانبه الإنسانية الايجابية من جهة أخرى, كما يتصف أدب الخيال العلمي من ناحية الأسلوب بالوصف الواقعي الموضعي للأحداث مع المبالغات الأدبية الموشاة بالمجاز, لاسيما الكتابة والتورية والجانب الرومانتيكي (الخيال الجمالي) في آن واحد, ومن هذا فأن أدب نصوص الخيال العلمي هو الأناقة الفنية الجمالية التي تحتويها الصورة الأدبية الخيالية الرشيقة التي توجد فيه تعبر تعبيراً أدبياً وفنياً عن المحتوى الاجتماعي للعالم المحيط بالإنسان, بشكله الأبعد عنه من الناحيتين المكانية والزمانية, كما في رواية (هربرت جورج ويلز) ( آلة الزمن) 1895, والتي يتخيل فيها البطل أنه يصنع آلة حين يدير عجلتها يستطيع أن يقفز فوق الزمن ويعود للماضي ويخترق المستقبل لسنين طويلة حسب الجهة التي يدير بها العجلة, لذلك فأن الخيال يعبر عن نفسه في عملية التأليف غير المقترن، وبشكل متباعد خلال المكان والزمان المعين بين الظواهر المحسوسة والأشياء, لغرض إظهارها بأشكال جديدة غير مألوفة, من حيث علاقتها مع بعضها في الزمان والمكان مع الخيال الجانح الذي يضفيه الكاتب, وليبتعد عن الواقع المحسوس ليرتقي بنصوص الخيال العلمي الذي هو في جوهره علم متضمخ بالخيال الأدبي الذي يتناول بأسلوب فني جمالي قضايا اجتماعية محلية وعالمية ذات أهمية كبيرة بالكون والإنسان والمجتمع من جهة, وهو أدب مطرز بمعطيات العلم والنظرية والتكنولوجيا الذي يعبر عنها هذا التقدم في فروع المعرفة الحديثة من جهة أخرى, كما أن نصوص الخيال العلمي ترتبط بالأدب المحض من جوانب معينة وترتبط بالعلم الصرف من جوانب أخرى تستند إلى الخيال النقي, فهي تمس علم النفس من ناحية القوانين السيكولوجية التي تتحكم في الخيال, من حيث كونه ظاهرة سيكولوجية ملحوظة ومألوفة وطريفة في الوقت نفسه, كما أن الكتاب والمؤلفين عاجزون عن المساهمة الإيجابية الفعالة في تقدم المجتمع دون الاستعانة بالعلم النظري ومنجزاته التكنولوجية, وهذا ما جعل نصوص الخيال العلمي تحمل أكثر من معنى وتحتوي على حقائق علمية بأسلوب فيه كثير من جوانب التجسيد الفني ونشر أفكار مختلفة عن صور المستقبل, وتعكس النظرية العلمية أو الاستكشاف التكنولوجي,  كما أن نصوص الخيال العلمي المسرحية مفعمة بالروح الثورية التي تحذر من أن للعلم أغراض نفعية, فهذه النصوص بدورها ليست منعزلة عن الحياة الاجتماعية وعن تحفيز الإنسان لمغالبة الطبيعة ومقاومة الظلم والاضطهاد, وهي نمط منتظم علمياً من أنماط الخيال الفني والأدبي, أو أنه شكل منتظم تنظيماً فنياً أدبياً من أنماط الخيال العلمي, أي انه يتصف بعقلية علمية وصفاً حسياً بصرياً ما لا وجود له من الناحية العلمية, وهذا يعني أن الصفة العلمية الأدبية لنصوص الخيال العلمي تبدو على هيئة صور حسية بصرية فنية غريبة أو غير مألوفة على نسق ظهورها في المجال العلمي الصرف, برموز ومعادلات رياضية وبإمكانها أن تكشف أحياناً حقائق مجهولة أو قوانين فنية جمالية مجهولة تماماً, كما تفعل الرياضيات عبر الرموز والمعادلات المجردة، وكل ذلك يستند إلى ظواهر سيكولوجية مشتركة تعبر عن نفسها في مجال نصوص الخيال العلمي تعبيراً حسياً عبر ما يسميه علماء النفس (تشبع حالة سيكولوجية جوهرية) لدى المجتمع بصورة عامة ولدى الفرد(المنتج والمتلقي), تتعلق بالإدراك الحسي الفني للعالم المحيط بالإنسان إدراكاً فنياً خيالياً, يختلف عن الواقع المحسوس اختلافاً جذرياً ونوعياً، ولكنه يرفعه إلى مستوى أعلى من الرشاقة والأناقة, من حيث كونه شكل من أشكال الفن الرفيع( ).

يستخدم كاتب نصوص الخيال العلمي المسرحية عديداً من الرموز والعلامات التي تتكرر في نصوص مسرحياتهم، كوسيلة يتعرف من خلالها على خبايا الشخصية الإنسانية ومكنوناتها، ليشرح النواحي النفسية والجسدية، فيستخدم الوادي كرمز للموت, كما يستخدم المرآة كرمز يعبر عن عدم رضا الإنسان عن نفسه, كما أنهم كتبوا عديد من النصوص التي تدور أحداثها عبر نفق الزمن في الماضي أو المستقبل, مثل نص (صوت الرعد, التفاح الذهبي للشمس, الكون البديل), حيث تخيل أحداث تمت بشكل مختلف عن ما حصل بالفعل, وصياغة أحداث جديدة, ورغم شغوف الكاتب بالفنتازيا, إلاّ انه كتب عن المشاكل الاجتماعية التي تواجه الإنسان في العصر الحديث, بأسلوب متميز باستخدام الخيال العلمي كخلفية لإلقاء الضوء على المشاكل التي يعالجها, كما تميزت نصوصهم المسرحية بقدرة فائقة على بناء الحدث الدرامي وخلق التوتر والرعب في أحداث النص المسرحي حتى يصل إلى الذروة والتحليل الدقيق للعقل البشري وهو يتطور أو يتحطم( ).

كما تشير كثير من نصوص الخيال العلمي إلى التحذير من مغبة المستقبل, رغم المعايشة اليومية للأحداث وتطورها, وقد تجسدت تلك المحاولات في عديد من النصوص المسرحية التي تصور فيها التطور التقني السريع والهائل, وكما أنها تناولت موضوع تحطيم نواة الذرة في عدد من النصوص المسرحية، وكان الهدف من ذلك هو الكشف عن الحاضر الذي كان ما زال يعاني من ظروف الحرب والدمار, كما أن الرؤية الرمزية للشخصيات والمخلوقات الغريبة للمسرحيات  تمثل رمزاً للتقدم الزاحف الذي لا يرحم القوى الاجتماعية الواقعية, كما أن تلك الشخصيات الآلية تطلق الإثارة والتشويق لدى الناس وتستخدم في البداية كعبيد لخدمة البشرية, ولكنها في النهاية تثور على الإنسان, وأن تصوير الشخصيات بهذا الشكل الرمزي والخيالي جعل من المسرحيات تحمل مضامين فكرية وفنية عميقة وممتعة من الناحية الشكلية أيضاً, كما تناولت بعض هذه المسرحيات موضوعاً خيالياً يعكس فيه دور الحشرات التي تتقمص أدوار شخصيات، تعرض سلوك الجنس البشري وتصوراته إزاء القيم( ).

وكذلك تشير نصوص الخيال العلمي المسرحية إلى المراوحة بين الذهنية والانفعالية العاطفية في لغة الحوار, وهذه المراوحة طبيعية في تعبيرها عن طبيعة المراحل أو الظروف والأوضاع, إذ يتميز الحوار في هذه المسرحيات بالحوار الذهني، الذي يثير  قضايا ذات طابع فلسفي, فتغلب عليه صياغة تذكر بصياغة (الحكمة) في التراث القديم, أكثر مما تذكر بالحوار(الحي) بين شخصيات حية, وربما تكون النقلة الواسعة في المكان سواء على الصاروخ أو على الكوكب المجهول, هي التي تترك أثراً غالباً على الشخصيات في المسرحية, ولكن الطابع العام للحوار تغلب عليه (الذهنية)، حتى ليكاد يجف فيه كل أثر للعاطفة أو الانفعال( ).

كما أخذت (الآلة) في نصوص الخيال العلمي تحل محل الإنسان العامل, وهو يقع فريسة كل من التطور العلمي الذي أنتج هذه الآلة الحاسبة, والجشع المادي والتي استطاع من خلالها أن يحقق ما لم يستطع أن يفعله في حياته الحقيقية التي كان يعيشها في الواقع( ).

أما بالنسبة للصراع في نصوص أدب الخيال العلمي فهو صراع مع الزمن, لا الزمن بالمفهوم (الذهني) المجرد, لكن الزمن بوصفه وعاءاً أو إطاراً (حياً) ينطوي على بشر وأشياء وأحداث تتفاعل جميعاً في إطاره، لتنتج ما يمكن تسميته (الزمن) أو العصر, وفي كثير من المسرحيات يكون الموقف الذي تتخذه الشخصيات من الزمن أو العصر, هو موقف ينطوي في الحقيقة على رؤية للحياة وللأشياء والناس, وتجسد هذه النصوص (صراع الأجيال) في زمن واحد وفي مجتمع واحد،إذ يجسد هنا الصراع بشكل أكثر وضوحاً, لا بين أجيال مختلفة في مجتمع واحد, بل بين رؤيتين أو مفهومين للحياة وللإنسان ينقسم حولهما الناس في كل زمان ومكان, وترسم هذه النصوص لمعالم شخصيات حية متفاعلة, فهي مجرد نماذج ذهنية لأفكار أو اتجاهات أرادها أن تتصارع فيما بينها ليخرج منها في النهاية بالفكرة التي كرس لها المسرحية كلها( ).

وإن تعليق الصراع في مسرحيات الخيال العلمي وعدم حسمه مقصود, لأنه صراع المستقبل وأن كان قد بدأ في هذا العصر وعلى المستقبل نفسه أن يحسمه  بشكل فردي أو جماعي, طبقاً لأوضاعه الخاصة, الاجتماعية والأخلاقية، وهذا الوضع لـ(الصراع) بالإضافة إلى طبائع الشخصيات يجعله صراعاً ذهنياً أكثر منه صراعاً حياً محتدماً, كمل يجعله صراعاً خارجياً أكثر منه صراعاً داخلياً يرى فيه معاناة حقيقية( ).

وقد بنيت  بعض مسرحيات الخيال العلمي على فكرة (المسرح داخل المسرح), حيث يوجد خطين من الأحداث, أحداهما يدور في الخارج  والآخر في الداخل, و يدور الصراع  في إطار الحوار الذهني المرسوم, لا في الإطار الحي لشخصيات حية، كما أن هذه الشخصيات لا تتطور, فهي محدودة الانفعالات, مع وجود الإمكانات لتطويرها وتعميقها, أما شخصيات المسرحية الأخرى, الخارجية فهي شخصيات فيها الكثير من سمات الشخصيات الحية التي تتفاعل مع الأحداث وتنفعل بها, بل وتتغير معها, هي شخصيات (حية) تعيش أدوارها المرسومة لها في المسرحية, أما سماتها النفسية والاجتماعية فتميل إلى أن تكون (نماذج) أكثر منها شخصيات, ومن ثم تأتي وجهات النظر جميعاً متوازنة في بناء موقف (الصراع)، ومن ثم فالمتلقي لا يرى حدثاً أمامه, بل يرى شخصيات تجلس في  أماكنها وتتحاور (ذهنياً) قد يكشف عن معاناة نفسية وعن مواقف فكرية, لكنه على أي حال لا يصنع حدثاً داخلياً أو خارجياً، كما أنه لا تستخدم عناصر علمية محددة يقوم عليها الحدث أو الحلم, فالكاتب لا يتحدث إلاّ بكلام عام عن استنباط واستخراج طاقات هائلة بدون تكاليف، وعن إلغاء عبودية الإنسان للإنسان حين يلغي الجوع ويقوم العلم والآلات والأجهزة على خدمة الإنسان( ).

وقد تغيرت صورة الحوار في مسرحيات الخيال العلمي, إذ أحياناً  يكون الحوار، الحوار الحياة الانفعالي المتدفق، وأحياناً أخرى يكون الحوار فيها بطبيعة المشاركين فيها واهتمامهم، إذ يكون حوار مثقف وراق يشيع فيه الحديث عن العلم واستغلال الطاقة, وهذه اللغة المثقفة التي تستخدم تعكس طبيعة البناء العقلي والنفسي والثقافي من جهة, وطبيعة اهتمامات الكاتب من جهة أخرى( ) .

أما بالنسبة للمكان فهو الذي يعطي للمتخيل مظهر الحقيقة، وإن دراسته في النص المسرحي لا يمكن أن يتم بمعزل عن الزمان, فالعلاقة بين الزمان والمكان علاقة متبادلة وجوهرية, علاقة تلازم وتكامل, لأنها تشخص جدلية الواقع المسرحي المتخيل, فإذا كان الزمن يمثل الخط الذي تسير عليه الأحداث, فإن المكان يظهر على هذا الخط ويصاحبه ويحتويه بوصفه الإطار الذي تقع فيه الأحداث, وكذلك بوصفه شبكة من العلاقات التي تتضامن مع بعضها لتشكيل الفضاء الدرامي الذي ستجري فيه الأحداث, فالمكان يكون منظماً بنفس الدقة التي نظمت بها العناصر الأخرى في النص, لذلك فهو يؤثر فيه ويقوي من نفوذه( ).

والمكان في نصوص الخيال العلمي هو ملتقى الشخصيات وما يحيط بها من ظروف وأهداف في إطار زمني معين, وعلى المكان تتفاعل هذه العناصر جميعاً لتصنع الحدث وتطوره أو لتخلق موقفاً في نفس كل شخصية تشارك في هذا الحدث, وأحياناً تكون المسرحيات مكونة من أربعة فصول كل فصل يحمل عنواناً دالاً على (مكان) الحدث, والمكان هنا بطبيعة الحال لا يقتصر لذاته, أو هو لا يقصد  لذاته وحسب, ولكن الأهم أنه مقصود بوصفه (مجمعاً) للعناصر جميعاً التي تصنع موقفاً أو حدثاً, وإلى جانب هذه السببية الأولية في بناء الحدث, فثمة سببية أوسع في سلوك الشخصيات ومواقفها وطريقة تطويرها للأحداث في الأماكن التي تنزل بها جميعاً, وفي الظروف والأزمان التي تمر بها ويستخدم في بناء هذه المسرحيات وأحداثها, هذه الخيالات العلمية مع صعوبة تصورها لا تلعب على الرغم من أهميتها دوراً أساسياً في المسرحية, إذ يتوقف تماسك بناء المسرحيات على قبولها أو رفضها, بل تقوم على تجسيد فكرة انتفاء الضرورة في حياة الإنسان, تمهيداً لتقبل الفكرة نفسها على الأرض في عالم المستقبل الذي ترسمه المسرحية( ).

ويمكن تلخيص ما تقدم في أن نصوص الخيال العلمي المسرحية قد تميزت بجدية المواضيع واقترابها من روح العصر العلمي, كما أنها أدب أفكار أكثر منه أدب فني, وفي هذه النصوص ليس مهما كيف تنتقل الشخصيات في الزمان والمكان, بل الأكثر أهمية هو ما يحدث بعد انتقالهم, وما طبيعة الصراع الذي يخوضونه، كما إن الشخصيات غير مدروسة ولا ناضجة وهي ترسم رسماً تخطيطياً، وطبيعة أدب الخيال العلمي أنه أدب ذهني وطبائع الشخصيات فيه مبسطة, وأن الشخصيات تميل إلى أن تكون أساساً (نماذج), وهذه النصوص تنظر إلى المستقبل نظرة تشاؤم وتحذر منه، وهي مفعمة بالروح الثورية التي تحذر من أن للعلم أغراض نفعية, وهي ليست منعزلة عن الحياة الاجتماعية, علاوة على ذلك استخدام الرموز في تصوير الشخصيات, كما أخذت الآلة في نصوص الخيال العلمي تحل محل الإنسان, أما بالنسبة إلى الصراع فهو صراع مع الزمن, وأما بالنسبة إلى الحوار فهو حوار ذهني, كما أنه يمثل طبيعة المشاركين حيث يكون الحوار مثقفاً وراقياً, وأما المكان فهو ملتقى الشخصيات وما يحيط بها من ظروف وأحداث في إطار زمني معين.

المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري 

1- يعتمد نص الخيال العلمي المسرحي على(هيكل أساس) مختزل يحمل في داخله جملة من الخصائص والصفات والعلاقات الذي يخفي جملة من التفاصيل.

2- يعتمد نص الخيال العلمي المسرحي على عنصر الخيال والرمز كوسيلة إجرائية للتعرف على خبايا الشخصية ومكنوناتها الإنسانية والنفسية والاجتماعية، وعن العوالم الخيالية والمجهول. 

3- ينتقل المكان والزمان في نص الخيال العلمي المسرحي من أرض الواقع, فهو أشبه برحلة حلمية ليس لها حدود زمكانية. علاقة تبادلية وجوهرية، علاقة تلازم وتكامل, لأنها تشخص جدلية الواقع المسرحي المتخيل.

4- يثير نص الخيال العلمي المسرحي قضية إنسانية فكرية, وإلى تأمل الكيان الإنساني الفردي والجماعي والاجتماعي والمعرفي والنفسي وتأمل حاضره ومستقبله.

5- يحمل نص الخيال العلمي المسرحي أناقة فنية جمالية على مستوى وصف الحدث والمبالغة الأدبية والصور الأدبية الخيالية.

6- يعد نص الخيال العلمي المسرحي أدب أفكار أكثر منه أدب بنية فنية أو شخصيات مدروسة, فأبنيته الفنية يشوبها الضعف والتهافت, فالحبكة ساذجة, والشخصيات غير مدروسة ولا ناضجة, فهي مرسومة رسماً تخطيطياً وتميل أن تكون نماذج, والحدث مفكك, واللغة هي لغة علمية فيها الكثير من التشابه والتكرار. 

7- يتراوح نص الخيال العلمي المسرحي بين الذهنية والانفعالية العاطفية على مستوى طبيعة الموضوع وعلى مستوى لغة الحوار, وهذه المراوحة معبرة عن طبيعة الحدث والظرف.

8- الصراع في نص الخيال العلمي المسرحي صراع مع الزمن، بوصفه إطاراً حياً حاملاً للبشر والأشياء والأحداث.

الفصل الثالث

إجراءات البحث

مجتمع البحث: تكون مجتمع البحث من ثمانية عشر نصاً مسرحياً تنتمي إلى نصوص الخيال العلمي المسرحي. 

عينة البحث:- تكونت عينة البحث الحالي من نص مسرحي واحد (نفير الضباب)

أداة البحث: اعتمد الباحثان المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري بوصفها أداة رئيسة للبحث.  منهج البحث :- اعتمد الباحثان المنهج الوصفي (التحليلي). 

تحليل العينة

أسم المسرحية: نفير الضباب*             تأليف: راي براد بوري.             ترجمة: رؤوف وصفي.

تنطلق مسرحية (نفير الضباب) لتعبر عن العالم المتلاطم بالأفكار, إذ تصور هذه المسرحية  حالات من الغرابة والدهشة التي لا يمكن للعقل الإنساني إلا أن يقف مندهشاً أمامها, أفكاراً قد لا تكون من العالم الأرضي, بل هي من صنع العالم المثالي الذي زخرت به الفلسفة على مر تاريخها الطويل، فضلاً عما تتمتع به الشعوب من حفظها لخرافات وحكايات متأصلة في العقل الجمعي لها, ولكن في مسرحية (نفير الضباب) ربما يكون الأمر مختلف بعض الشيء, لأن الكاتب هنا يمزج ما بين الحلم والحقيقة, وما بين العالم المادي والمثالي, وكذلك ما بين الآلة والتكنولوجيا والخيال, وكل ذلك من اجل أن تظهر هذه المسرحية معبرة عن روح الواقع الإنساني المعاصر والذي أراد الكاتب الخوض فيه.

تدور أحداث مسرحية (نفير الضباب) حول رجل أنهى حياته على الماء, يدعى (ماك دن) الذي يعمل مستكشفاً وباحثاً عن المعرفة والعلم والتطور العقلي للإنسان، ومعه متبناه أو من قام بتربيته وهو (جوني), الذي يرى ما لم يره (ماك دن) إذ رأى كائنا خرافياً قبل عام, هذا الكائن الذي لا يستطيع أن يصف شكله إلا على أساس أنه وحش ضخم يريد التهام الجميع, مما دفع بـ(ماك دن) إلى محاولة معرفة ذلك الكائن الذي يأتي من أعماق البحر, هذا هو كل ما أراد أن يعبر عنه (براد بوري) في هذه الفكرة المختصرة, إذ أن هذا الاكتشاف يعد حداً فاصلاً بين الخيال والواقع, بين العلم والحقيقة من جهة وبين الخرافة والخيال من جهة أخرى, لذلك لم يصل (براد بوري) إلى نقطة معينة يمكن من خلالها البحث في حقيقة أن يكون هذا الوحش حقيقياً أم غير حقيقي, فقد جاء مع الضباب, والضباب كان كثيفاً بحيث تصعب الرؤية من خلاله, لذلك لم يتمكن حتى الكاتب نفسه من البحث في الموضوع, لذلك بقي هذا الكائن بين الحقيقة والوهم, بين الحقيقة والخيال العلمي.

ولم يخفى على الكاتب في نصه هذا (نفير الضباب) أن الخيال العلمي الذي يدخل ضمن النص المسرحي من التعامل مع ثنائية المدرك الحسي والعقلي, وأن هذا التضمين لا يمكن أن يكون ذو فاعلية, إذ جاء عبر جماليات النص وبناءاته الفكرية والعلمية.

يعمل نص الخيال العلمي على جانبين مهمين ولا يخلو منهما أي نص خيال عملي مسرحي،  وهما الضخامة والضآلة في النسبة التخيلية, وكل كاتب مسرحي يكتب نص خيال علمي يهتم بهذين الجانبين, فتارة هناك تضخيم في الوصف العلمي, وتارة ابتعاد عن الخيال واقتراب من الواقع, فكلما زاد الخيال زاد البعد عن الواقع وكلما اقترب من الواقع ومشاكله تلاشى الخيال في نص الخيال العلمي, على أن(ماك دن) يسرح بخياله عندما يكون وحيداً ويقترب من الواقع بحضور(جوني). تبدأ المسرحية والسيد (ماك دن) وحيداً وهو يبحث عمن يحادثه, فلا يجد غير حياة البحر الذي يعيش على مياهه, وقد أخذت الوحدة مأخذاً كبيراً، وهذا ما ساعدت التكنولوجيا والتطورات العلمية في البحث عن المجهول, إذ جعلت من الإنسان في أحيان كثيرة كائن معزول عن المجتمع, ينشغل كثيراً بأبحاثه وعلومه, إلا أن هناك جانب آخر مهم من بين كل الجوانب المعرفية, ألا وهو جانب الخيال العلمي الذي ربما يتحقق منه بعض الشيء وربما لا يتحقق منه أشياء كثيرة, إلا أن فاعليته ووجوده في حياة الإنسان أمر لا مفر منه ولا يمكن لأي كان إنكاره وإنكار دوره في تطور الحياة الاجتماعية والعلمية.

ماك دن: علي اللعنة, كما يقول البحارة الشعراء. أني حقاً وحيد هنا ليست ثمة مدينة إلا على بعد مائتي ميل طويلة من هذا الطريق شمالاً. ليست هناك مدينة إلا على بعد ثلاثمائة ميل من هذا الطريق جنوباً, ليس هناك سوى الساحل غير المأهول. والطرق المقفرة. والأرض الفارغة، والمياه الخالية, وأنا وطائر نورس وحيد يصرخ.                                                     ص149

وثمة ملل وضجر يحدو بالإنسان أمام الواقع والخيال وما يقابل ذلك هو تساؤلاته أمام المجهول, أمام ما يبتكره خياله العلمي.

ماك دن: لأن الإنسان حيوان ملوك. نحتاج للتغيير ولكن أين نجده؟                         ص150

وفي البحث عن التغيير يكمن السؤال والبحث عن المعرفة والكشف عن خفايا العالم ومحاولة فك رموزه, وهو ما يؤدي– حتى نجد الإجابة عن تساؤلاتنا– إلى المعاناة والاغتراب, لذلك فأن الإنسان المغترب الوحيد يشعر بالضياع ولا يجد نفسه إلا عبر المعرفة والعلم والخيال, والإنسان الآخر الصديق والأخ والأب, ولكن برغم كل ذلك يبدو من الكلمات الأولى لشخصية (ماك دن) إلا أن هناك جانباً آخر ألا وهو حواره الذي يؤكد عدم إيمان (ماك دن) بالعالم الغيبي، وذلك بتأثيرات واضحة لجموح الخيال العلمي لديه وماديات العلم أيضاً وليس الجوانب الروحية, فالخيال العلمي ابتعد عن الجوانب الروحية، ولذلك ينظر(ماك دن)  للإنسان والحيوان والحياة أيضاً من وجهة نظر خاصة, إذ يقول وهو يحاور (جوني): ماك دن: لم أفعل شيئاً. أسأل البحر عن إجابات جوني… لا احتاج لفترة راحة, ولا للمدينة ولا للشراب لا يصح إلا الصحيح. أنني أعيش مع الحقيقة، يا ولدي, على قاعدة الجرانيت الأساسية للإيمان بالله, لقد جئنا من البحر منذ بليون عام, فقدنا خياشيمنا, واكتسبنا العادات وأساليب الحياة, وما تزال هناك بعض المخلوقات التي تطفو من وقت لآخر لتخيف البعض ولتمتع البعض الآخر. لقد سمعت بذيل الحقيقة فقط, وليس بالرأس والجسم.                                      ص153،154

ويغور(ماك دن) عميقاً في الخيال،إذ يصف وحدته في البحر في إحدى المرات, ذلك الوصف الذي ينطلق إلى منطقة الخيال العادي والخيال العلمي, فهو يصف الأسماك وعيونها التي تتقافز وفي الجانب الآخر يصف تعامل تلك العيون التي تنظر إلى انطفاءات الضوء واستضاءته من جديد, ويجعل البرج والمنارة معبداً قصدته الأسماك بعد أن قطعت أميال طويلة وجاءت هنا لتتعبد وكأنه حضرة إله، وكأنه النور الإلهي الذي يومض من المنارة.

ماك دن: كل الأسماك التي في البحر… كل سمكة منها, طفت على السطح وراحت تسبح بالبلايين واستقلت هناك. ترتعد وتحملق في ضوء البرج, وهو ينطفئ ويضيء… ينطفئ ويضيء… ورأيت ومضات خاطفة من بليون عين غامضة. وأخذتني رعدة. كانت هناك أشبه بذيل طاووس هائل, تراقبني حتى منتصف الليل. ثم, وبدون أدنى صوت, انصرفت بعيداً في هدوء, لقد اختفت البلايين من هذه الأسماك. وأنني أتساءل… هل سبحت كل هذه الأميال لتأتي وتتعبد؟ الضوء والمنارة والبرج الذي يرتفع عالياً فوق المياه الكئيبة, فكر كيف يبدو هذا لتلك المخلوقات لهذه الأسماك العجماء. النور الإلهي يومض. وهذا البرج ينبئ عن نفسه عن طريق نفير الضباب. لم يعد ذلك السمك أبداً, ولكن إلا تظىء للحظة أنها ظنت أنها كانت في حضرة إله!                                           ص155

وانطلاقاً من امتلاك نص الخيال العلمي ميزات وصفات تميزه عن النصوص الأخرى, فأن هذا النص يتميز بمميزات أهمها أنه يحمل صفة ألحلميه. بهذا يثير نص الخيال العلمي مسألة إنسانية فكرية  هدفها تأمل الكيان الإنساني فرداً وجماعة, وكذلك الوضع النفسي والغرض من ذلك هو تقديم وجهة نظر متأملة لعالم المستقبل عبر حاضر الإنسان.

وهو واضح في تأمل فضاء النص, فكل تلك المكونات تقدم صورة عن حياة الإنسان داخل النص، وصورة أخرى باطنية عن فكر الإنسان وأحلامه الحياتية اليومية انطلاقاً من هذا النص وذلك الفضاء. وذلك واضح من مكان أحداث النص والشخصيات والفضاء الذي هي فيه, بحر– ضباب– أمواج  برج– ضوء– ليل, ومن ثم فهو يمتلك صفة الأسطورية التي تتمثل بقدوم الوحش الأسطوري الذي يذوب في الضباب تارة  وتارة أخرى يظهر من عمق البحر والضباب, هذا الكائن  الذي لم تستطع الشخصيات أن تصفه وتحديد ملامحه النهائية, مما أدى إلى الاحتمالية, احتمالية أن يكون هذا الكائن حقيقي واحتمالية أن يكون وهماً لا يمكن أزاحته إلى الواقع أبداً.

ماك دن: يبدو كحيوان, أليس كذلك؟ حيوان ضخم وحيد يربض هنا على حافة عشرة بلايين سنة, ينادي الأعماق: أنا هنا… أنا هنا… أنا هنا…                                                    ص156

ماك دن: … سأضع صوتاً وجهازاً يبكي به وأسميه نفير الضباب, وكل من يسمعه سيعرف حزن الأبدية وقصر حبل الحياة.                                                                            ص157

يؤكد (براد بوري) في هذا الحوار على شيئين مهمين وهما الصناعة والموت, أي الحياة والموت،  صناعة جهاز يبكي, جهاز صنع الحزن الأبدي على الحياة تلك الفكرة المرعبة للإنسان, الفكرة التي حاول الإنسان أن يفك ألغازها دون أن يصل إلى نتيجة, لذلك سيكون هذا الجهاز موجوداً حتى بعد رحيل صاحبه الذي سيكون استمراراً لبكائه على الحياة وحبه لها. وتبدو مفردة الخيال كمفهوم معبرة داخل النص وموجودة فعلاً, إذ لم يستطع الكاتب (براد بوري) أن يغادرها لأهميتها ولأهمية أن تذكر. بعد أن يقترب صوت صراخ الوحش الخيالي واللاخيالي بنفس الوقت.

 (يقترب صوت صراخ الوحش)

جوني : مستحيل!

ماك دن: كلا. أننا المستحيلان! هذا مجرد شيء خيالي يبدو الأمر كما كان منذ عشرة ملايين سنة مضت لم يتغير. أننا والأرض الذين تغيروا, وأصبحنا مستحيلين! نحن. (يدوي نفير الضباب. تقترب منا صرخات الوحش).                                                                      ص159

      فالوحش خيال لأنه جاء منذ زمن سحيق أي قبل عشرة ملايين سنة مضت ولم يتغير, فالوحش كائن ثابت، إلاّ أن الإنسان والحياة هما في تغير. ولذلك فأن نص الخيال العلمي يعمل على معالجة إشكاليات كبيرة تهم حياة الإنسان الفرد كما تهم حياة المجتمع, فهي تنظر إلى مستقبله نظرة ليست محمودة  وليست سعيدة, بل إنها نظرة تشاؤمية بحتة, ومن هنا ينطلق (ماك دن) لصنع آلة البكاء على الحياة وعلى الإنسان الذي سيموت حتماً. الإنسان الذي سينتصر عليه الموت أبداً, وما بين الموت والحياة تلك الآلة أو الجهاز الذي وصنعه (ماك دن) ليندب الإنسان نهاياته المعروفة, وتلك نظرة تشاؤمية ترافق نص الخيال وكما يؤكد الحوار السابق لـ(ماك دن) فإن الوحش ليس أكثر من وهم, وهو ما يؤكده أيضاً (براد بوري) بوصفه وهماً يقبع داخل ذات الإنسان منذ مجيئه إلى الأرض أو منذ ظهوره, وهذا الكائن الخرافي لا يفارقه, فهو يظهر بين الحين والآخر ليكون داخل النص وداخل البطل والشخصيات كلها إيذاناً بذلك الرعب الذي يذكرهم بالنهاية. فهو الوحش– رسول المجهول– البحر– اللاواقع, وهو رسول الحياة نفسها فالنهاية لابد منها. وهنا يكمن فعل الخيال العلمي الذي أراد من خلاله (راي براد بوري) تقديم صورة واقعية إنسانية معبرة. وكما أن نص الخيال العلمي يمتلك تلك الأناقة الجمالية والفنية، على مستويات عدة من أهمها وصفه للأحداث والصور الأدبية الخيالية ذات المسميات الجمالية التي تربط الواقع بالخيال, الإنسان بالمجهول, تربط أفكاره الراهنة بالطموح المستقبلي له.

ماك دن: هناك كرب يصيب جوهر الروح برعدة. نفير الضباب، وصرخة الوحش, يصعب التفرقة بينهما.                                                                                     ص160

ورغم كل شيء, رغم الإغراق في الخيال ورغم أن المسرحية هي من مسرحيات الخيال العلمي إلاّ أنها لم تستطع طمس معالم الروح الإنسانية الفياضة بالحنين لواقعها ومجتمعها والبيئة الإنسانية, ولذلك يرغب (ماك دن) بشخص يحادثه وينبذ أحياناً الوحدة والانفراد بذاته, فالخيال العلمي لا يستطيع أن يخلع الإنسان من واقعه أو يسلخه من بيئته, فالحنين والعاطفة موجودة رغم التحليق بفضاء لا واقعي ولا منطقي ماك دن:… ربما تظن أن ثمة نفير آخر هناك وحيد وضخم وبعيد جداً, صوت عزلة بحر غير منظور،  ليلة باردة, انفراد (يصرخ الوحش)                                                     ص160،161

       وطالما الوحش قد وجد, فالإنسان قد وجد بداخله وفي خياله, الانتظار والخوف والملل والحزن والضجر، وتلك كلها عواطف تقف إلى جانب الأشياء المادية التي تحيط به في كل زمان ومكان وتواجهها, فالإنسان داخل الخيال العلمي لا يستطيع أن يكون مادياً بحتاً ويبتعد عن عواطفه وارتباطاته الروحية, وهنا مكمن الصراع, الصراع الزمني (الإنسان والزمن) ومحاولة الإنسان تطويع الطبيعة لخدمته، والصراع بين الجوانب الروحية والمثالية هو أحد مكامن المهمة للصراع في بنية نص الخيال العلمي المسرحي.

يحاول (براد بوري) في هذا النص (نفير الضباب) التأكيد على الجانب الخيالي العلمي, لكنه لا يبتعد عن بيئة الشخصيات, فحتى نص الخيال العلمي تكون الشخصية المسرحية فيه حالمة وتهتم بالجمال، ولقد حاولت الشخصيات ولا سيما شخصية (ماك دن) التغلب على هذا الوحش والانتصار عليه وأن كان الصراع مريراً, فالخرافة والأسطورة هي عالم بدائي يمكن أن يشل طموحات الإنسان ويسحبه إلى الوراء ولا يمنحه الفرصة للتقدم. لذلك فإن الجوانب الأسطورية والخرافية لابد أن لا تأخذ الحيز الأكبر في النص لأنها ستؤدي إلى ضياع العلم والواقع والمادة, بمعنى يجب أن يكون هناك خط واضح في التوازن بين الروح والمادة, بين العقل والخيال, بين المنطق واللامنطق كي يستطيع الإنسان موازنة وجوده وحياته، لاسيما أن الركون إلى الروحانيات بشكل نهائي يعني إغراق الإنسان بما هو ليس واقعياً وليس خيالياً، فقد استمرت البشرية منذ بداياتها وحتى الآن تعيش في الدين والتراث والجوانب الروحية, ولذلك فالتطور والتكنولوجيا والتحضر هو جانب ناتج عن تجربة الإنسان العلمية, وهو أيضاً ناتج عن وقوف الإنسان في نص الخيال العلمي المسرحي بين الذهنية العقلية المادية وبين الجانب الانفعالي العاطفي وفق طبيعة ومستوى الموضوع، وكذلك على مستوى الحوار. وهي متأتية من طبيعة الحدث التي تعيش فيه الشخصية، وكذلك الظرف الذي قذفت فيه, فمفردات مثل الغضب, الحزن، الحب, الإنسان، الحبيب وحيداً, منفرداً, كلها مفردات تعبر عن وجود عاطفة داخل النص, تعبر عن وجود روح تشتغل على مدار الأحداث, وفي كل مرة تكون فيها الشخصية مغرقة بمادياتها الواقعية, إذ يعمد (براد بوري) إلى ضخ مثل هذه المفردات.

أن هذا النص في حقيقته وإن كان نصاً خيالاً علمياً، عبّر عن لوعة الإنسان وحزنه على وجوده في الزمن ورحيله من إطار هذا الزمن، بكل تلك القوة المهيمنة والتي يقف الإنسان إزاءها عاجزاً.

ماك دن: على قيد الحياة. أحمد الله على وجود هذا القبو أنصت. صه. أنه هو, مثني بعضه على بعض فوقنا, على بعد أقل من طبقة حجر.

جوني: الرائعة. أنها مروعة. سأموت.

ماك دون: سنعيش, ولكن هل سيعيش هو؟ أنصت. النواح والحيرة, لقد أزال البرج في نظرة. وكذلك الضوء.                                                                               ص164،165

وتكمن فلسفة النص في الحوار قبل الأخير والأخير منه, إذ يجعل (براد بوري) هدفه وما أراد إيصاله في محتوى هذين الحوارين.

ماك دن: يا له من مسكين. ينتظر هناك بعيداً ينتظر.. أجل بينما الإنسان يروح ويغدو في هذا العالم الصغير الذي يرثى له. ينتظر.. حتى.. أعيد بناء هذا البرج؟ وآنذاك, ربما.. يا جوني.. إذا عاد يوماً, إذا جاء الوحش للزيارة, يرفع رأسه من جديد وبصوته المروع الحزين يسأل الأسئلة القديمة؟ ص166

وتلك الأسئلة المتعلقة بوجود الإنسان في هذا العالم أمام كم الوحوش الهائل الذي يحيط به ويحاول ابتلاعه. أنه واقع في خيال علمي يرتبط بالوحش القادم من عمق التاريخ لتثير كل تلك الأسئلة, أنه الوحش الذي لا وجود له في الواقع إلا داخل الإنسان, خيال علمي بحت, يرسم صورة وحش لا يمكن أن يكون إلا افتراضياً وغير خاضع لقانون الطبيعة المألوف.

الفصل الرابع

النتائج:

1- يمزج نص الخيال العلمي المسرحي بين الخيال والواقع, بين العلم والحقيقة والواقع وبين الخرافة والخيال والوهم. بين الوجود المادي والوجود المفترض, هذا المزج بين هذه الثنائيات هي من قبيل إحساس الكائن الإنساني بثنائية الحياة والموت أو إحساس الإنسان بنهاية حياته وبكاؤه عليها. وبذلك تعامل (راي براد بوري) مع ثنائية المدركات الحسية والعقلية.

2- يراوح نص الخيال العلمي المسرحي بين الضخامة والضآلة في الخيال والتخييل والتخيل, راكناً أحياناً إلى الجانب الذاتي وتارة إلى الجانب الموضوعي, فشخصية (ماك دن) تسرح بخيالها في حالة وحدتها واغترابها الذهني والمكاني والواقعي والعيش تارة، وتارة تعود هذه الشخصية إلى طبيعتها الموضوعية حال وحدتها واغترابها.

3- ينتقل (راي براد بوري) في نص (نفير الضباب) وعبر خيال شخصية (ماك دن) إلى أمكنة مفترضة وخيالية (حياة البحر) وكأنه في رحلة حلمية لا حدود مكانية وزمانية لها, لتعبر عن عزلة الإنسان والبحث الدائم عن المجهول, عن الحياة والموت, عالم الواقع وعالم الخيال, عالم العلم والجوانب المعرفية التي لا حدود لها والبحث عنها وعن خفايا العالم ومحاولة فك أسراره ورموزه وإحلال الإيمان بالعالم الحسي دون العالم الغيبي، نتيجة تأثيرات جامحة للخيال العلمي وماديات العلم.

4- يضمن (راي براد بوري) في نص (نفير الضباب) عنصر الخيال والرمز ويغور فيه عميقاً, لاسيما في وصف شخصية (ماك دن) وحدته إزاء البحر ووصفه للأسماك وعيونها, والنور المنبعث من المنارة وكأنه نور إلهي صادر منها, هذا الرمز والدلالة لها حضورها الجمالي للتعرف على خبايا الشخصية ومكنوناتها الإنسانية والنفسية.

5- يقدم (راي براد بوري) في نص (نفير الضباب) صورة الإنسان على مستوى الذات الداخلية وعلى مستوى حياته, وجودها وكيانه, أحلامه وتطلعاته وعلائقه مع المكان والزمان والفضاء الذي يعيش, بحر, ضباب، أمواج, برج, ضوء ليل, صور وخيالات حية منبعثة من أعماق الذات الإنسانية, وبذلك عالج (راي براد بوري) إشكالية فلسفية لامست حياة الإنسان ووجوده وكينونته وماهيته ومستقبله, نظرة تشاؤمية بحته, ذلك من خلال صنع شخصية (ماك دن) آلة البكاء على الحياة وندب الإنسان نهايته المعروفة.

6- حمل (راي براد بوري) في نص (نفير الضباب) أناقة جمالية وفنية على مستوى وصف الأحداث, فضلاً عن الصور الأدبية والخيالية  والحوارية, وعلى مستوى بيئة الشخصيات وفضائها، الانتقالات الزمانية والمكانية والمادية والروحية والخيالية والواقعية، قد جعلت من النص ذات حزمة جمالية متأسسة على مستوى الحوار واللغة والشخصيات وعلى مستوى خلق الصورة الجمالية المتخيلة, وعلى مستوى الصراع, صراع الجوانب الروحية والمثالية والمادية, صراع الطبيعة وخوارقها وخيالاتها أمام الإنسان ووجوده وماهيته، والنص بذلك قد تراوح بين الذهنية والانفعالية العاطفية على مستوى طبيعة الموضوع وعلى مستوى الشخصيات وطبيعتها وعلى مستوى الحوار, لتعبر هذه المراوحة عن طبيعة الحدث وظرف الشخصيات وطبيعة صراعها وعلاقاتها.

الاستنتاجات 

1- تكشف نصوص الخيال العلمي المسرحية جملة من القواعد البنائية تراوحت بين الذهنية والفكرية والبنية الفنية الدرامية, لتؤسس نظاماً فلسفياً ومحمولاً فكريا ومضموناً فنياً ذا بعد تركيبي, لامس بشكل أو بآخر طبيعة الحياة وفلسفتها على مستوى الفرد والمجتمع إزاء نظرته للحياة والآخر, إزاء الحاضر والمستقبل.

2- تشكل نصوص الخيال العلمي المسرحية هياكل أساسية حملت في بنيتها جملة من المفاهيم والرؤى والأفكار الفلسفية والذهنية والجمالية, اهتمت بشكل أو بآخر بالإنسان بوصفه محوراً رئيساً لمواضيعها في حاضره ومستقبله, ووجوده وكيانه وماهيته وصيرورة حياته وما يحيط به من مخاطر وهواجس أقلقت حياته وهددت وجوده وحريته.

3- تهدف نصوص الخيال العلمي المسرحية استقلالية وتفرد في استخدام العقل الخلاق، بوصفه الوسيلة الإجرائية في الرغبة الاستكشافية لمعرفة الأشياء وظواهرها وبواطنها, وبوصفه الوسيلة في الفهم والتفسير والاستقراء, فالعقل والعلم وسيلة فهم لسبر أغوار مجاهل الحياة ومستقبلها.

4- تتراوح نصوص الخيال العلمي المسرحية بين الهالة العميقة في الرؤية الخيالية وبين الضمور الخيالي والركون إلى الجانب الذاتي والموضوعي في التعبير عن الموضوع المتخيل المقترح, فهناك مراوحة بين التهويل والضخامة في النسبة التخيلية وفقر هذه النسبة لتناول طبيعة الموضوع المتخيل.

5- تشير نصوص الخيال العلمي المسرحية إلى ثنائية الحسي والعقلي, العاطفي الانفعالي والذهني, ذلك حسب طبيعة الشخصيات وصراعها وظرفها الزماني والمكاني، وشكلت هذه الثنائية بنية فكرية جمالية في آن واحد.

6- تطرح نصوص الخيال العلمي المسرحي محمولات فكرية واجتماعية وجمالية ذات مساس مباشر بـ(الإنسان) في بنية هذه النصوص المسرحية والذي يظل المحور الرئيس والموضوع الأوحد لمعالجة جملة من الوظائف الفكرية والاجتماعية والنفسية لهذا الإنسان وعلاقته مع الآخر والمجتمع, فهي قريبة من فلسفة العصر والمجتمع الذي كتبت فيه.

7- تنفلت نصوص الخيال العلمي المسرحي من ربقة الأدب الثابت والتقليدي, فالنصوص مغايرة ومشاكسة نتيجة التغاير والصيرورة في المناخ والمناهل التي أخذ منها مواضيعه, بوصف الإنسان بأنه كيان ذو صيرورة متوالدة, لذلك كان أهم أحد مواضيعه, وهذا التغاير والمشاكسة أثارت جملة من القلق والتوجس, فضلاً على حمله قيمة إنسانية وفنية نتيجة المغايرة والمشاكسة على الرغم من ارتباطه بالإرث الفني والأدبي تارة وارتباطه بالاكتشافات العلمية والمستقبلية والتنبؤية والخيال تارة أخرى، لذلك تعد نصوص الخيال العلمي المسرحي نصوصاً فكرية أكثر منها فنية.

8- تنفتح نصوص الخيال العلمي المسرحي ومجاورته لعديد من المفاهيم والمصطلحات الفنية والعلمية, مما أتاح المجال للرؤية الخيالية لأن تقوم بدور أساسي وهام في بنية هذه النصوص المسرحية لتوليد جملة من الصور ذات البعد الفكري والجمالي ذات الأفق المستقبلي.

الهوامش

( ) غادة المقدم عدرة, فلسفة النظريات الجمالية, ط1, (لبنان: جروس برس, 1996)، ص13.

( ) رؤوف وصفي, أدب الخيال العلمي/ التاريخ والرؤى, ط1, (بغداد: دار الشؤون الثقافية, 1990)، ص22 ،23 .

( ) المصدر نفسه، ص21-23.

( ) ت. ي. أيتر, أدب الفنتازيا مدخل إلى الواقع, تر: جبار سعدون السعدون, (بغداد: دار المأمون للترجمة والنشر, 1989), ص10.

( ) راي براد بوري, من مسرح الخيال العلمي, تر: رؤوف وصفي, (الكويت: وزارة الإعلام, 1985), ص8.

( )  المصدر نفسه, ص8- 10.

( ) محمد شبل الكومي, المذاهب النقدية الحديثة, مدخل فلسفي, (مصر: الهيئة العامة للكتاب, 2004), ص82.

( )  فاطمة بدر, ” قصص بورخيس الفنتازيا ذاكرة شكسبير أنموذجاً “, في: مجلة الأقلام, ع2 , بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة, 2011, ص44-47.

( ) راي براد بوري, مصدر سابق, ص10.

( ) ياسين طه حافظ, أدب الخيال العلمي, (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة, 1983), ص9.

( ) المصدر نفسه, ص9، 10.

( ) فليحة حسن, “جمالية الصدمة , قراءة في قصة (خبز الفداء) لسميرة عزام”, في: مجلة الأقلام, ع 4, بغداد، دار الشؤون الثقافية, 2009, ص202.

( ) عماد فوزي شعيبي, الخيال ونقد العلم عند غاستون باشلار, ط1, (دمشق: دار طلاس, 1999)، ص28-30.

( ) نوري جعفر, أدب قصص الخيال العلمي وعالم الأطفال, (بغداد: دار ثقافة الأطفال, 1987), ص14.

( ) رؤوف وصفي, مصدر سابق, ص43.

( ) ميشال فراجوتار, التيارات الثقافية الكبرى في القرن العشرين, ط1, تر: محمد كامل ظاهر, (بيروت: دار البيروني, 2004), ص230، 231.

( ) المصدر نفسه, ص232.

( ) رؤوف وصفي, مصدر سابق, ص58، 59.

( ) توماس مور, يوتوبيا, تر: أنجيل بطرس سمعان, (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1987), ص49.

( ) حسن حماد, الخيال اليوتوبي, ط1, (القاهرة: دار الحكمة, 1999), ص53.

( ) عادل كوركيس هرمز, في مقدمة مسرحية كارل تشابيك، الوباء الأبيض, (بغداد: دار الرشيد للنشر, 1979), ص10.

( ) المصدر نفسه, ص11.

( ) ري براد بوري, ” أمطار”, تر: ناظم مزهر, في: مجلة الثقافة الأجنبية, ع4, بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة, 2009، ص147.

( ) ري براد بوري, المريخ جنة- قصص قصيرة من الخيال العلمي, ط1, تر: ناظم مزهر, (بغداد: دار المأمون للترجمة, 1999), ص5، 6.

( ) جان غاتينو, أدب الخيال العلمي، ط1، تر: ميشيل خوري، (دمشق: دار طلاس، 1990), ص71.

( ) ري براد بوري, من مسرح الخيال العلمي، مصدر سابق، ص20.

( ) رؤوف وصفي, مصدر سابق, ص126.

( ) ري براد بوري, من مسرح الخيال العلمي, مصدر سابق, ص21.

( ) رؤوف وصفي, مصدر سابق, ص123.

( ) جون جريفيس، ثلاث رؤى للمستقبل، ط1، تر: رؤوف وصفي، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2005)، ص36.

( ) المصدر نفسه, ص36.

( ) جان غاتينو, مصدر سابق، ص160،161.

( ) راي براد بوري، من مسرح الخيال العلمي، مصدر سابق, ص10.

( ) مها مظلوم خضر, بناء رواية الخيال العلمي في الأدب المصري المعاصر, (القاهرة: مطبعة الأوفست الحديثة, 2001), ص142.

( ) ياسين طه حافظ، مصدر سابق, ص9، 10.

( ) عصام البهي، الخيال العلمي في مسرح توفيق الحكيم، (القاهرة: مكتبة الأسرة، 1999 ), ص36 -41.

( ) المصدر نفسه, ص73 – 78.

( ) المصدر نفسه, ص82.

( ) المصدر نفسه, ص181، 182.

( ) نوري جعفر، مصدر سابق, ص13، 14.

( ) المصدر نفسه, ص23- 29.

( ) نوري جعفر، مصدر سابق, ص31- 38.

( ) راي براد بوري، من مسرح الخيال العلمي، مصدر سابق, ص20- 25.

( ) عادل كوركيس هرمز، مصدر سابق, ص10.

( ) عصام البهي، مصدر سابق, ص131- 133.

( ) جميل مرقص، في مقدمة مسرحية المر رايس، الآلة الحاسبة, (الكويت: وزارة الإعلام, 1966), ص6.

( ) عصام البهي، مصدر سابق, ص111- 113.

( ) المصدر نفسه, ص158، 159.

( ) المصدر نفسه, ص162- 168.

( ) المصدر نفسه, ص171- 175 .

( ) علي محمد هادي الربيعي، الخيال في الفلسفة والأدب والمسرح, ط1, (الأردن: دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع, 2012)، ص180.

( ) عصام البهي, مصدر سابق, ص124- 129.

(* ) راي براد بوري, مسرحية نفير الضباب, تر: رؤوف وصفي, (الكويت: وزارة الإعلام, 1985).

المصادر والمراجع

أولاً / الكتب:

1- أيتر(ت. ي). أدب الفنتازيا مدخل إلى الواقع. تر: جبار سعدون السعدون. بغداد: دار المأمون للترجمة والنشر, 1989.

2- براد بوري (راي). من مسرح الخيال العلمي. تر: رؤوف وصفي. الكويت: وزارة الإعلام, 1985.

3- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. المريخ جنة- قصص قصيرة من الخيال العلمي. ط1. تر: ناظم مزهر. بغداد: دار المأمون للترجمة, 1999.

4- البهي (عصام). الخيال العلمي في مسرح توفيق الحكيم. القاهرة: مكتبة الأسرة، 1999. 

5- جريفيس(جون). ثلاث رؤى للمستقبل. ط1. تر: رؤوف وصفي، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2005.

6-  جعفر (نوري). أدب العلمي قصص الخيال وعالم الأطفال. بغداد: دار ثقافة الأطفال، 1987.

7- حافظ (طه ياسين). أدب الخيال العلمي. بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة, 1983.

7- حماد (حسن). الخيال اليوتوبي. القاهرة: دار الحكمة, 1999.

9- خضر(مها مظلوم). بناء رواية الخيال العلمي في الأدب المصري المعاصر. القاهرة: مطبعة الاوفست الحديثة, 2001.

10- الربيعي (علي محمد هادي). الخيال في الفلسفة والأدب والمسرح. ط1. الأردن: دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع, 2012.

11- شعيبي (عماد فوزي). الخيال ونقد العلم عند غاستون باشلار. ط1. دمشق: دار طلاس, 1999.

12- عدره (غادة المقدم). فلسفة النظريات الجمالية. ط1. لبنان: جروس برس, 1996.

13- غاتينو (جان). أدب الخيال العلمي. ط1. تر: ميشيل خوري. دمشق: دار طلاس، 1990.

14- فراجوتار(ميشال). التيارات الثقافية الكبرى في القرن العشرين. ط1. تر: محمد كمال ظاهر. بيروت: دار البيروني, 2004.  

15- الكومي (محمد شبل). المذاهب النقدية الحديثة. مصر: الهيئة العامة للكتاب، 2004.

16- مور (توماس). يوتوبيا. تر: أنجيل بطرس سمعان. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1987.

17- وصفي (رؤوف). أدب الخيال العلمي التاريخ والرؤى. ط1. بغداد: دار الشؤون الثقافية, 1990.

ثانياً: المجلات الدوريات 

18- بدر (فاطمة). ” قصص بورخيس الفنتازيا ذاكرة شكسبير نموذجاً “, في: مجلة الأقلام. ع2. بغداد. دار الشؤون الثقافية العامة, 2011.

19- بوري (ري براد). ” أمطار”. تر: ناظم مزهر. في: مجلة الثقافة الأجنبية. ع4. بغداد. دار الشؤون الثقافية العامة, 2009.

20- حسن (فليحة). “جمالية الصدمة, قراءة في قصة (خبز الفداء) لسميرة عزام”. في: مجلة الأقلام. ع4. بغداد. دار الشؤون الثقافية العامة, 2009.

ثالثاً: النصوص المسرحية

21- براد بوري (راي). نفير الضباب. تر: رؤوف وصفي. الكويت: وزارة الإعلام, 1985.

22- تشابيك (كارل). الوباء الأبيض. تر: عادل كوركيس هرمز. بغداد: دار الرشيد للنشر, 1979.

23- رايس (المر). الآلة الحاسبة. تر: جميل مرقص. الكويت. وزارة الإعلام, 1966.

مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية   المجلد 5/ العدد 1

————————————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *