حوار خاص مع المبتكر والمسرحي التشيكي توماش ستودنيك/حوار وترجمة: هايل علي المذابي

“قبل مائة عام كتب رجل مسرحية عن الروبوتات.. فلماذا لا تكتب اليوم الروبوتات مسرحية عن الرجال”

حوار خاص مع المبتكر والمسرحي التشيكي توماش ستودنيك

حوار وترجمة: هايل علي المذابي

*قبل مائة عام كتب المؤلف التشيكي كارل تشابيك مسرحية بعنوان “إنسان روسوم الآلي” وقد ورد في هذا النص كلمة “روبوت” وصفا لرجل آلي من قبيل الخيال، ولما أصبح الرجل الآلي واقعا سمي بنفس الاسم الذي أطلقه عليه كارل تشابيك “روبوت” وقد أرادت التشيك أن تحتفل بكاتبها المسرحي في الذكرى المئوية له كنوع من التكريم على ما قدمه للعالم وجعل منه مفخرة لوطنه الأم التشيك، وقد طرأت الفكرة في ذهن المبتكر والمسرحي “توماش ستودنيك” فقال أولاً: “قبل مائة عام كتب رجل مسرحية عن الروبوتات، واليوم لم لا تكتب الروبوتات مسرحية عن الرجال” بعد ذلك تم تداول الفكرة مع فريق معهد يوفال للتكنولوجيا وقرروا جميعا إنجاز المهمة وجعل روبوت ذكاء اصطناعي يكتب مسرحية يتم عرضها في الاحتفال بالذكرى المئوية للكاتب كارل تشابيك يناير 2021. وتم تكليف روبوت “GPT-2”  الذي دربه إتحاد Open AI الذي يرعاه ويموله الملياردير إيلون ماسك، وروبوت “GPT-2” عبارة عن دماغ اصطناعي ضخم تم تدريبه على صياغة الجمل وفنون الإنشاء وهيكلة النصوص، بحيث يحفظ حوالي 900 مفردة خاصة بالصياغة اللغوية وفي ذاكرته آلاف المقالات التي يحتفظ بها إتحاد Open AI ضمن أرشيف الإنترنت لتكون مرجعية للروبوت عندما يحتاج إلى صياغة نصوص من أي نوع وكل ما يلزم ليتم ذلك فقط إدراج مقطع قصير من أي نص لتكون مهمة الروبوت هي إنجاز البقية مستخدما المفردات الخاصة به وهي 900 مفردة ومستخدما تلك الآلاف من المقالات الموجودة في قاعدة بياناته كمرجعية. ويمثل التدخل البشري في انجاز النص المسرحي الذي أنجزه هذا الروبوت ما نسبته 10% وهو تدخل دراماتورجي لسد الثغور ومعالجة القصور الناتج عن حداثة التجربة التي قام بها روبوت “GPT-2”.

وبما أن هذا النص المسرحي يمثل تجربة حداثية تدعو الكائن البشري لاستظرافها إلا أنها تمثل أول شرارة في سياق الأتمتة لما يخص عالم الكتابة وتؤكد أن جميع أشكال الكتابة وألوانها على المحك وأننا أمام عصر جديد سيتم فيه إعادة صياغة العالم بأسره بكل ما فيه.. حول إشكالية الكتابة وحول أبعاد اختراع الروبوت “GPT-2” أجرينا هذا الحوار لاستقراء المستقبل ومناقشة الأمر مع المبتكر توماش ستودنيك صاحب الفكرة … فمن هو توماش ستودنيك؟

توماش ستودنيك Tomáš Studeník (مواليد 1976) هو مسرحي تشيكي ومبتكر جذري وهاكر مدني. يساعد توماس الشركات العالمية مثل ŠKODA AUTO أو Novartis أو ABB على إيقاظ إمكاناتهم المبتكرة والبحث عن فرص جديدة في عصر ما بعد العصر الرقمي. وهو حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ليفربول وماجستير في الابتكار من HEC في باريس. أكمل دورات الإدارة في إنسياد في فرنسا وجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة. وهو الرئيس التنفيذي لشركة Insane Business Ideas للاستشارات الإدارية والمدير الإبداعي لشركة Confidence Digital، ويتعاون توماش أيضًا مع المنظمات الحكومية مثل Czechinvest أو وكالة الفضاء الأوروبية، بالإضافة إلى تنظيم FuckUp Nights في براغ والمدن الكبرى الأخرى في جمهورية التشيك، ينظم Tomáš ماراثونات CEE Hacks المبتكرة، حيث يقوم المتسللون والطلاب من جميع أنحاء العالم بحل مشاكل النقل والطاقة والرعاية الصحية والابتكارات الاجتماعية. في الماضي، أطلق Tomáš العديد من الشركات الناشئة غير الناجحة، بما في ذلك Life after Life) (Život po životě))، في عام 2017، شارك في تأسيس كنيسة Ecclesia Risorum، وكما كان متوقعًا، كان الجميع يضحكون كثيرًا. وفي خريف 2018، نشر توماش مع دار النشر يان ميلفيل The Great Book of Fuckups، حيث جمع أكثر من أربعين قصة فشل من الأعمال والثقافة والحياة التشيكية بشكل عام، وتم ترشيح Tomáš لجائزة Esquireman 2019، وتوماش هو مؤلف مشروع THEaiTRE للاحتفال بمرور 100 عام على كلمة “إنسان آلي”، لأول مرة في التاريخ، حيث كتب روبوت الذكاء الاصطناعي مسرحية كاملة، وتم عرضها لأول مرة في مسرح أفاندا في براغ في 26 فبراير 2021، جنبا إلى جنب مع عميد كلية علوم الكمبيوتر والإدارة في جامعة هراديك كرالوف الأستاذ: جوزيف هاينك، وتوماش بالإضافة إلى ما سبق يدرّس فصل دراسي واحد في علوم الفشل.

بعد هذا التقديم نذهب الآن إلى الحوار:

  • لنبدأ من النهاية: بعد إنجازكم لمسرحية “عندما يكتب الروبوت مسرحية” إشرافا على تأليفها وتقديمها على خشبة العرض… ما هي المهام القادمة التي ستكلفون بها الروبوت “GPT-2” أو ما هي مخططاتكم ومشاريعكم المستقبلية فيما يتعلق بالمسرح والتكنولوجيا؟

= لقد جمعت فريقًا من طلاب الدراما من الأكاديمية التشيكية للفنون المسرحية في براغ ونقوم بإعداد عرض جديد مدعوما بالذكاء الاصطناعي بعنوان “PLai PRAGUE”. وسيكون الأداء لمدة ساعة باللغة الإنجليزية مكتوبًا بالكامل بواسطة روبوتا ذكاء اصطناعي من طرازي GPT-2 و GPT-3. وهذه المرة أحببنا أن نفكر في العرض المسرحي على أنه “ملهى على مدار الساعة”، سلسلة من الأغاني والرسومات والحوارات، وكلها من صنع روبوت ذكاء اصطناعي ولكن الأداء بشري. وفي أكتوبر ونوفمبر 2022، سنسافر خارج التشيك إلى ألمانيا وبولندا وسلوفاكيا والنمسا وبلجيكا لتقديم اثني عشر عرضًا لهذه المسرحية في ست مدن أوروبية. وسيتم تسجيل العرض الأول وإتاحته عبر الإنترنت عبر موقع بلاي براغ. www.plaiprague.eu

  • من خلال تجربتك العملية مع تقنيات التكنولوجيا… هل نستطيع القول بأن كل أشكال الكتابة على المحك، وما هو المصير الذي ينتظر المؤلف والكاتب والصحفي في هذا العالم بعد اختراع روبوت “GPT-2” وماذا يجب عليهم؟، وما هي البدائل المتاحة لتفادي صدمة الأتمتة؟ وهل يمكن اعتبار فن الدراماتورجيا هو الشيء الوحيد الذي يمكن القول أنه سيبقى من كل أنواع الكتابة وأنها المهنة الوحيدة التي ستبقى للكاتب بعد موت كل أشكال الكتابة بعد اختراع روبوت “GPT-2“وهل يمكن أن نطلق على هذه الظاهرة “موت المؤلف”؟

= أظهرت مشاريعنا التكنولوجية حتى الآن أن أجهزة الكمبيوتر وحدها لن تنتج مسرحية على مستوى شكسبير؛ حيث تكمن مشكلة نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية في أنها لا “تفهم” المشاعر البشرية والدوافع والحياة بشكل عام؛ أضف إلى ذلك أن الآلات لا تخاف من الموت، ولا تكافح من أجل السلطة، ولا تقع في الحب، على الأقل بنفس الطريقة التي نقوم بها نحن البشر؛ وفي مشاريعنا، ثايتر وبلاي براغ، لا تزال التدخل الدراماتورجي البشري ضروريا، وأثناء عملية استخدام الروبوت من أي شخص يظل هو المتحكم في عملية التوليد التي يتم إنشاؤها بواسطة الروبوت وهو من يقرر تضمينها أو استبعادها من القطعة الفنية النهائية.

ومع ذلك، يمكن أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي عندما نتعثر، وقد تعمل الآلات بنفس الطريقة التي تعمل بها ميزة الإكمال التلقائي في برامج تحرير النصوص، وقد تشير أجهزة الكمبيوتر إلى كيفية تفاعل شخصيتنا، وقد يأتي أثناء عملية التوليد حبكة جديدة أو تطور، ومن الناحية الشعرية، قد تهمس الآلات في آذاننا بدلاً من الألحان الأسطورية.

لذلك يمكنني القول بأن المؤلف لم يمت، وكل ما في الأمر أنه قد حصل للتو على أداة أخرى ستجعل وظيفته أو عمله أسهل، بالإضافة إلى المزيد من الشعور بالمرح والمتعة أيضًا.

  • من خلال اطلاعك على عوالم صناعة التكنولوجيا وتطوير الروبوتات ما هي أهم الاختراعات القادمة التي لم يعلن عنها بعد، ولها نفس الإدهاش الذي وجدناه في روبوت “GPT-2“؟

= نحن الآن مندهشون من الصور التي تم إنشاؤها بواسطة DALL-E بواسطة Open AI بالإضافة إلى الألحان التي ألفتها AIVA وكذلك ما نجده على وسائل التواصل الاجتماعي، ما سيأتي بعد ذلك، وهذا توقعي، سيكون أفلامًا، أفلام الرسوم المتحركة القصيرة في البداية ولكن في غضون خمس سنوات، أتوقع أول فيلم ضخم في هوليوود من إنتاج الذكاء الاصطناعي، قد تحتوي أيضًا على صور رمزية لمشاهير أحياء أو أموات، ولكنها ستكون رخيصة نسبيًا وستكون قادرة على استهداف كل مشاهد فردي من خلال دمج جوانب من حياته أو حياته كلها في الفيلم نفسه، سنمنح الآلات إذنًا لامتصاص بياناتنا الشخصية حتى تتمكن من إنتاج فيلم الرهانات في حياتنا، ربما مع أنفسنا كأبطال رئيسيين.

  • هناك مسألة أخلاقية تتعلق بمهنة الكتابة وهي مسألة العيب الأكاديمي والاجتماعي الذي يلحق الإنسان حين يعتمد على غيره في أن يكتب له مقالا أو نصا (مسرحيا أو سرديا أو شعريا) أو بحثا أو خطابا، ثم ينسبه لنفسه ويدعي ملكيته أو يسرقه مثلا؛ برأيك كيف يمكن تجاوز مشكلة هذه المسألة الأخلاقية وذلك العيب فيما لو انتشر روبوت “GPT-2” وصار متاحا كتطبيق في الهواتف الذكية أو كبرنامج في أجهزة الحاسوب ويتم الاعتماد عليه في كتابة النصوص بكل أنواعها؟

= تسمح معظم منصات إنشاء نصوص الذكاء الاصطناعي الحالية، مثل Open AI، لمستخدميها بنسب تأليف النصوص التي يتم إنشاؤها وتوليدها بواسطة الروبوت لأنفسهم، ولا يزال المستخدم يقدم مجموعة فريدة من المشغلات أو المدخلات، وبهذه الطريقة، يحق له الحصول على ثمار استخدامه للروبوتات الذكاء الاصطناعي؛ ورغم ذلك فكل هذه الاشتغالات تبقى نظرية، ما لم يتم رفع دعوى قضائية، ويبقى أن نرى كيف ستتعامل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبقية العالم مع حقوق الملكية الفكرية حيث يصبح الذكاء الآلي حينها أكثر “طبيعيًة”، وسيطرح في يوم من الأيام السؤال: “ما الذي يمكنني الاستفادة منه من أدوات التكنولوجيا؟”.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش