حبيب غلوم ممثل ومخرج إماراتي يجمع ما بين الموهبة والتخصص الرفيع

المسرحي حبيب غلوم رجل عصامي بما تعنيه الكلمة، اجتهد كثيرا ليصل إلى ما هو عليه الآن من مكانة فنية راقية ومستوى علمي رفيع.

 يعرض في الموسم الرمضاني لهذا العام المسلسل الكوميدي “دار الزين” والذي تدور أحداثه خلال فترة الستينات من القرن الماضي. وهو من تأليف جمال سالم وإخراج عارف الطويل وبطولة حبيب غلوم وعدد من الفنانين الكبار.

حبيب غلوم رجل عصامي بما تعنيه الكلمة. اجتهد كثيرا ليصل إلى ما هو عليه الآن من مكانة فنية راقية ومستوى علمي رفيع. يمتلك طاقة كبيرة بداخله تجعله مشحونا بالأفكار المتجدّدة تجاه عمله، فهو دائم النشاط من أجل التواجد على الساحة الفنية. ممثلاً ومخرجاً ومنتجاً فنياً يعتبره الكثيرون عراب الدراما الإماراتية لما لديه من إصرار وإرادة وعناد.

ورغم جميع الصعوبات التي واجهها في حياته فقد أصر غلوم على مواصلة تعليمه العالي، ليكون أول إماراتي يحصل على شهادة الدكتوراه في مجال الفن، واستطاع أن يساهم في إحداث نوع من الحراك الفني على مستوى دولة الإمارات.

ولد غلوم عام 1963 في فريج السوق القديم الواقع بقلب إمارة رأس الخيمة، وكان الثاني بين سبعة إخوة. وكان والده غلوم حسين العطار المعالج الوحيد في رأس الخيمة، وكان الأهالي ينادونه بالدكتور لأنه كان يعالج الناس من الأمراض بالوصفات الشعبية.

عشق غلوم كرة القدم منذ صغره، وكان يقضي أغلب وقته في لعبها بالحي الشعبي الذي كان يقطنه، مما جعله يتأهل فيما بعد للمشاركة في منتخب شباب الإمارات بعد أن لعب في عدة أندية أهمها “رأس الخيمة”.

من لاعب كرة قدم إلى مسرحي

من المعروف أن لعبة “كرة القدم” تستلزم بنية جسدية قوية، تمكّن اللاعب من تحمل شدة الإصابات في المستطيل الأخضر، ولكن غلوم لم يكن يملك البنية الكافية لإكمال حلمه الكروي، كما يقول. حيث تعرض لإصابة دخل على إثرها المستشفى وأجرى عملية جراحية لإزالة الغضروف، وتحتمت عليه مهاجرة الملاعب إلى غير رجعة.

لملء الفراغ الكروي الذي طرأ في حياته، ذهب غلوم مع رفاقه في المدرسة الذين كانوا أعضاء في فرقة “صقر رشود” إلى المسرح، حيث كانوا يعملون على مسرحية استعداداً لعرضها، حينها اقتحم غلوم المسرح مستندا على عكازه ولم يغادره حتى يومنا هذا، أغرم بهذا الفن العريق الملقب بـ”أبو الفنون”، اكتشف أن هناك عالما ينتظره مفعما بالحياة يعوضه عن كرة القدم، ليقرر المضي إلى دراسة الفن بشكل أكاديمي في الكويت.

نال غلوم عام 1987 درجة البكالوريوس في التمثيل والإخراج بتقدير امتياز من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وحصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا في الإخراج الدرامي من أكاديمية الفنون بالقاهرة.

ولم يتوقف عند هذا الحد الأكاديمي حيث نال درجة الماجستير في علوم المسرح من أكاديمية الفنون بالقاهرة، وختم سيرته الأكاديمية عام 1999 بحصوله على درجة الدكتوراه في الأدب المسرحي من جامعة مانشستر البريطانية.

حكاية لم تروها شهرزاد

المسرح هو البيت الكبير الذي يفضله غلوم، عمل فيه ممثلا ومخرجا ومدربا، ومن الأعمال المسرحية التي شارك فيها كممثل “المهرجون”، “الخوف”، “الطوفة”، و”حكاية لم تروها شهرزاد”، وكان غلوم أول من قدم المونودراما في المسرح الإماراتي، وهي المسرحية التي تعتمد على الممثل الواحد.

لدى غلوم قدرة إخراجية عالية بالمحافظة على إيقاع العرض المسرحي ويجيد تحريك الممثلين على خشبة المسرح، بالإضافة إلى تميزه في اختيار الإكسسوارات والديكور والإضاءة، ومن أهم المسرحيات التي أخرجها غلوم هي: “المنديل”، “لحظات منسية”، “الأغنية الأخيرة”، “ثلاث صرخات”، “المصير” و”أغنية الأخرس”.

أراد غلوم أن يتيح خبرته ومعرفته المسرحية لكل الشباب الإماراتي فقدم عدة دورات مسرحية تأسيسية، منها دورة تأهيل الكوادر المسرحية الأولى في مسرح الفجيرة القومي، ودورة تأهيلية لمنشّطي المسرح المدرسي في منطقة رأس الخيمة التعليمية، كما كان مشرفا على دورة “دراما تورج الممثل” لصالح دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة، ودورة في التصنيف الدولي للمواصفات برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

ويشهد له أنه عمل بطريقة غير تقليدية، فقدم مسرح العبث أو مسرح اللامعقول، كما أنه خرج عن إطار الخشبة وعمل في هذا المجال مسرحية “لحظات منسية”، وقدم العرض حينها في المهرجان التجريبي للمسرح الذي أقيم في مصر.

غلوم نصير المرأة

الأديب نجيب الشامي صديق غلوم منذ أيام الطفولة، يعتبره من الكفاءات المتميزة في مجال المسرح، ويضيف الشامي “يعدّ غلوم من أوائل الخريجين على مستوى الدولة من المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، وأنا ككاتب مسرحي أعود له في كتاباتي المسرحية وأستشيره لأنني أثق كثيرا في رأيه، ونحن سويا نؤمن بأن للمسرح رسالة مسؤولة، فنحن نشأنا وتربينا في بيئة ثقافية مشحونة بقضايا وهموم هذا المجتمع، وأنا كمؤلف وهو كمخرج نسعى إلى تسليط الضوء على القضايا ذات العلاقة والتي تمس مجتمع الإمارات”.

ركّز غلوم على قضايا مهمّة في كتاباته المسرحية تتناول أغوار الشخصية نفسها سواء كان رجلا أو امرأة، لكنه حرص أن يعطي المساحة الأكبر للمرأة والبعد الإنساني لها، وهذا ما أشارت إليه الفنانة القديرة سميرة أحمد في أحد لقاءاتها الصحافية، حيث قالت “تكلم غلوم عن واقع المرأة في الإمارات تحديدا، مؤمنا بأن المرأة هي التي يقع على عاتقها تنشئة الجيل القادم، وإذا كانت التربية جيدة وهي كذلك بالفعل سيكون المستقبل جيدا ومشرقا”، وأضافت سميرة أحمد أنها بدأت العمل معه عام 1985 في مسرحية “حكاية لم تروها شهرزاد”، ومنذ البداية وجدت أنه يمتلك قدرا كبيرا من الحب والاندفاع والنشاط والوعي والخبرة. ولهذا تواصل تعاونهما الفني في العديد من الأعمال.

غلوم يعتبره الكثيرون عراب الدراما الإماراتية، لما لديه من إصرار وإرادة وعناد. فرغم جميع الصعوبات التي واجهها في حياته، أصر غلوم على مواصلة تعليمه العالي، ليكون أول إماراتي يحصل على شهادة الدكتوراه في مجال الفن، واستطاع أن يساهم في إحداث نوع من الحراك الفني على مستوى الدولة

وعلى المستوى الإنساني قالت عنه سميرة أحمد “غلوم شخص متعاون يحب زملاءه و يتبنّى قضايا الآخرين، يتسم بسعة الصدر وطول البال وهو من المخرجين الذين يتعاملون مع الفنانين بسلاسة”.

عام 2010 فاجأ غلوم الوسط الفني والجمهور أيضا بإعلان زواجه الثاني من الممثلة البحرينية المتألقة هيفاء حسين، وصرح حينها أن ارتباطهما جاء بعد فترة تعارف بحكم عملهما في نفس المجال، ويُذكر أن هيفاء حسين شاركت في العديد من المسلسلات الخليجية المتميزة، وكان من أشهر الأعمال التي شاركت في بطولتها مسلسل “اللقيطة”، إذ استطاعت تجسيد دور الفتاة التي تعاني من ظلم أقرب الناس لها، كما شاركت في العديد من المسلسلات التلفزيونية، منها “القدر المحتوم”، “ليلى”، “نيران”، “حكم البشر”، “يوم آخر”، “نجمة الخليج”، “قيود الزمن” و”أزهار”.

تمثيل الإمارات في المحافل

خبرة غلوم المهنية الطويلة ودرجته العلمية جعلتاه يتقلد عدة مناصب منها مدير إدارة المسرح بوزارة الإعلام والثقافة، ورئيس اللجنة الفنية لتطوير المراكز الثقافية، بالإضافة إلى كونه عضوا مؤسسا لمسرح رأس الخيمة الوطني وعضو شرف في مسرح العين الشعبي، وعضو اللجنة الدائمة للثقافة الخليجية وعضو اللجنة الثقافية العربية.

وهذا ما يجعله طوال الوقت في سفر دائم إلى دول عربية وأجنبية ممثلا لبلده، وعن ذلك يقول غلوم “هذا كله عمل من أجل الإمارات وثقافتنا، أنا وغيري نجتهد في تقديم ما نستطيع تقديمه، ونشارك في ندوات وملتقيات ومهرجانات، وكوني مدير الثقافة فكلّ ما يخصّ تلك الدعوات ثقافياً وأدبياً وفنياً نحاول أن نتواجد فيه، وأنا بطبعي أحب العمل، فإذا كانت قياداتنا تبذل كل هذا الجهود، فالأولى بنا نحن أبناء الإمارات أن نحذو حذوها، ونمشي على خطاها كلنا، وأن نسعى كي نكون مثل قيادتنا ونظهر حبنا للإمارات مثلها”.

خيانة وطن وأمانة وطن

قائمة الأعمال البصرية التي شارك فيها غلوم تطول، ففي جعبته حوالي خمسين عملا ما بين التلفزيون والسينما، وكان من أكثر الفنانين الإماراتيين الذين أتيحت لهم فرصه العمل مع العديد من المخرجين الكبار أمثال المصري محمد فاضل والكويتي محمد الدحام والتونسي شوقي الماجري وغيرهم، مما وفر له التنوع في الأدوار الفنية.

حبيب غلوم يعتبر من أكثر الفنانين الإماراتيين الذين أتيحت لهم فرصة العمل مع العديد من المخرجين الكبار

في العام الماضي قدمت الإمارات تجربة درامية مميزة حملت رسالة وطنية هامة للغاية ساهمت في نشر الوعي حول وقائع حقيقية حصلت في دولة الإمارات، وكانت جرس إنذار لمخاطر قد تدق الأبواب في أيّ وقت، التجربة كانت مسلسل “خيانة وطن” الذي أنتجته مؤسسة أبوظبي للإعلام وشارك فيه أكثر من 80 ممثلا من الإمارات والكويت والبحرين وعُمان، في مقدمتهم غلوم وجاسم النبهان وهيفاء حسين ولطيفة المجرن ومرعي الحليان وعبدالله بهمن وفاطمة الحوسني وبدرية أحمد وأحمد إيراج.

المسلسل الذي يعتبر العمل الوطني السياسي الأول في تاريخ الدراما الإماراتية تناول موضوع التحقيقات التي تمت في الإمارات مع الخلايا الإرهابية والمتطرفة التي تم القبض عليها، معتمدا على رواية “ريتاج” للدكتور حمد الحمادي، التي كتب لها السيناريو والحوار الكاتب القدير إسماعيل عبدالله، وتولى عملية إخراج العمل المخرج البحريني الكبير أحمد يعقوب المقلة.

غلوم كان من المشرفين على العمل الدرامي، وأوضح في تصريح صحافي أن مسلسل “خيانة وطن” حظي بدعم لوجيستي كبير من قبل كافة الجهات الرسمية، وفي مقدمتها الجهات الأمنية التي أمّنت الخبرة في هذا المجال على وجه الخصوص، وهو أمر منح العمل بعداً إضافياً على صعيد الإنجاز الفني والموضوعي.

ولفت غلوم إلى أن أحد مكاسب الدراما المحلية هو أنها تمكنت من توضيح حقائق لفئة يمكن أن نعتبرها الأقل احتكاكاً بوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل آراء الكثيرين.

يبتعد غلوم في الوقت الراهن عن قصص الحب التي أشبعتها الدراما تفصيلاً حسب تعبيره، فهو يبحث عن أعمال متميزة تحاكي واقع الوطن أو تلك التي تروي تاريخ الإمارات.

ويعمل اليوم مع صديقه الكاتب إسماعيل عبدالله على مشروع درامي جديد بعنوان “أمانة وطن” وهو امتداد لمسلسل “خيانة وطن”، وأفصح حبيب في حديث صحافي عن قصته قائلا “المسلسل يحكي عن أبناء الإمارات الشهداء الذين لم يبخلوا عليها بدمائهم، حملوا الوطن أمانة في أعناقهم وقدّموا في سبيله حياتهم، بدون أن نسقط طبعاً الجانب الآخر حيث نسلط الضوء على الفكر الإرهابي والتنظيمات التخريبية وكل من ينتمي إليها”.

——————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – فادي بعاج – العرب 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *