” ثــورة ” في إطار ستينية الاستقلال عرض منفتح على قراءات وإبداعات واعدة – بقلم : عباسية مدوني –الجزائر

إنّــنــي أؤمن بحقي في الحرية، وحق بلادي في الحياة، وهذا الايمان أقوى من كل سلاح “ / عــمـر الـمـخــتــار .

البطاقة الفنية للعرض المسرحي:

نص : يوسف ميلة –هشام بوسهلة

النص الأصلي: الجثة المطوقة والأجداد يزدادون شراسة لــ ” كاتب ياسين “

نوعه: تراجيديا

تصميم العرض: جـريو عبد القادر

مخرج منفذ : مربوح عبد الإله

أداء: سعاد جناتي – نوال بن عيسى –عبد الله جلاب –أحمد بن خال –مربوح عبد الإله –أبو بكر الصديق بن عيسى –سهلي أحمد .

اللغة: مزيج ما بين اللغة الدارجة ، والعربية الفصحى والفرنسية

سينوغرافيا : يوسف عابدي

سينوغراف مساعد : حمزة عراب

موسيقى : عبد القادر صوفي

كوريغرافيا : رياض بروال

إنتاج 2023 : المسرح الجهوي لسيدي بلعباس

 

    هل الثورة رد فعل حتمــيّ على جبروت عدوّ مجهول ؟

في إطار ستينية الاستقلال ، وبدعم من وزارة الثقافة والفنون الجزائرية ، رفع الستار عن العرض الشرفي لمسرحية ” ثورة ” من إنتاج مسرح سيدي بلعباس  ، كانت نصوص       ” كاتب ياسين ” حاضرة بروح شبابية وإبداعية ، وفي صياغة درامية لكل من الأستاذ      ” يوسف ميلة ” والفنان ” بوسهلة هشام ” ، وتصميم عرض للفنان ” جريو عبد القادر ” كان عرض ” ثورة ” استنطاقا حيّا وبلورة لواقع ثورة سياسية وفكرية ، حبلها السريّ ممتدّ عبر قرون وعصور من الزمن ، عرفتها الجزائر التي شهدت سلسلة من العواصف والهزّات التي ضربت كيانها وما أضعفت عزيمتها بفضل روح البطولة ونسيم الشرف .

نصوص كاتب ياسين المعروفة دوما بأيقونتها وبعدها الشعري ، تضعك أمام مفترق من الإبداع والاجتهاد وملامسة البعد الفلسفي ، السياسيّ والواقعي ضمن شيفرات من العناصر التي يستنطقها الركح إبداعا وأداء .

في ” ثورة ” تتلاقى الأضداد من الشرفاء والخونة ، من المعتزين بالحرية وعطر الشهادة ، ومن متسلقي الموجة أشباه الثوار القابعين وراء أقنعة الوطن وحبه ، الأضداد من المكتنزين بالعزة والعزيمة ومن بائعي الذمة والشرف ، تتلاقى وتتقاطع الشخوص ما بين الطاهر العربيد الواشي ، وما بين لخضر ورفقائه الذين يتّخذون من عزيمتهم سلاحا ومن حبهم للوطن درعا أو هكذا يتراءى للمتلقي وهو يمتّع ناظره وذائقته الجمالية بسينوغرافيا جمالية منفتحة على الإبهار وهي مفتاح العرض وقفله ، تتلاقى الأضداد ما بين ماريان ونجمة ليكون صراع الحب أبديا ، وصراع السلطة هواية وغاية .

ثورة ” التي تعمّد مصمّم العرض وحتى مؤلفا النص لربّما على أن تكون نكرة غير معرّفة لدلالة سيميائية ولدلالات إبداعية تضع المتلقي أمام فخّ العنوان قبيل فخّ العرض ولعبة الأداء الركحي ، ما بين انسجام جسدي ، حركي ، انفعالي وما بين انسجام الفضاء سينوغرافيا من إضاءة وموسيقى ومؤثرات ، وحتى توظيف للأغنية التراثية الثورية بشتى عناصرها التي كانت بدورها محفّزا وحافزا على مدى ردح من الزمن وهي تتغنّى بالبطولات ، وترفض العدوّ ، تغازل الحرية وتقمع التبعيّة .

العرض الذي جسّد من خلاله الفريق الفني والتقني مرارة الصراع الأبدي ما بين أمّة ترفض الإنصياع والركوع لمستبدّ أراد ولا يزال يبغي طمس معالمه ، فجاء الحوار الدرامي ولو كان مختزلا وشحيحا ما بين شخوص العرض إلا أنّه جاء دلاليا ورمزيا وشاعريا ، ملغّما بالأبعاد السياسية ، الاجتماعية والإيديولوجية .

بين ثنائيات متعدّدة في العمل المسرحي ” ثورة ” كانت ” ماريان ” رمزا للاستبداد والمستبدّ ، كانت العدو بكذا شكل ولون ، أحكمت قبضتها أو تراءى لها ذلك ، خاضت حروبا ضروس وهي تسعى نحو الدمار ، ونحو طمس معالم الشخصية الوطنية والتاريخ ، هذا الأخير المجسد لدوره ” كبلوت ” كان التاريخ المرصّع بدماء التضحيات ، كان المداد الذي لن يجف حبره ، كان الجسر المنيع رغم عواصف التشويه والتضليل .

مصطفى ، حسان ولخضر شباب النضال وحملة مشعل التغيير وشرارة ” ثورة ” كان ثلاثتهم بغرائز متباينة ونوايا مختلفة ، فيهم من يؤمن بالقضية وفيهم من أرادها غطاء لخيانة مستترة وفيهم من أراد رمزية البطولة دونما نضال فعليّ ، فكان ” لخضر ” الحلقة التي تؤمن بالقضية وتناشد المقاومة ، جابه بصدر عار خبث العدوّ وخيانة الأصدقاء فكان ضحية التاريخ الذي لم يكتب بعد عن قائمة أشباه الأبطال ، والذي للحظة لم يحمل في جيناته بعـد مشيمة تعرية وفضح الحقائق ، ببساطة لأنها ثـــورة .

نجمة ” الوطن ، ” نجمة ” الجزائر و” نجمة ” الإنسانية في صراعاتها اللامنتهية مع     ” ماريان ” كانت رمزية للمّ الشمل ، لكشف المستور ولتزكية ” ثورة ” رفضا للظلم ، رفضا للطغاة ورفضا للإستبداد ، ما بين ” نجمة ” و” ماريان” ثنائيات صراع محتدمة عبر تاريخ تمّت كتابته ، وآخر يصوغونه حاضرا ، وتاريخا واعدا ستكتبه الأجيال الواعدة ، لتكون ” ثورة ” ثورة النضال السياسي والفكري والعلمي بروح معاصرة لا تعترف بالهوان ولا المذلّة ، لأنّ ” ثورة ” ما تزال صادحة بين رفوف المكتبات وأروقة المتاحف ، وما بين أجندة المؤلفين وريشة الفنانين ، ما بين حلم طفل برئ وطموح شاب شغوف وأماني أمّة شامخة الحضور بحريتها ووجودها .

وباعتبار المسرح لغة إبداعية تشبّعت نصوصه ولا سيّما نصوص ” كاتب ياسين ” بأن المسرح معركة وسلاح ، ففي ” ثورة ” ثمّة تمجيد للعمل الثوري ، ثمّة خطاب تجسّد فعلا وحركة على الركح ، وكانت السينوغرافيا من خلال البوابة مفتاح العرض من خلال كونها بوّابة التاريخ ، بوابة الزمن ، بوابة الماضي ، الحاضر والمستقبل ، بوابة المرتقب المجهول ، بوّابة كاشفة لشخوص العمل المسرحي وتراجيديته ، بوّابة شاهدة على الأزمنة الدامية وعلى الجدران المتلصّصة للخيانة ، بوّابة شاهد عيان على النضالات السامقة والتضحيات الجسام ، بوّابة دخل منها العدوّ شامتا وخرج من خلالها ذليلا .

في ” ثورة ” تتجلّى عديد الأسرار من خلال تأملات المخرج وتصميم عرضه ، وهو يخوض مضمار السهل الممتنع ضمن نصوص ” كاتب ياسين ” مولّدا أفكارا ، مستحضرا انتقادات تخدم العرض وهو يصوغ ذات الممثل ( ة) محفّزا إياه على الإبداع ضمن خطوطه ودائرته ، مثيرا لدى المتلقي قلق السؤال ، مرتكزا على البحث والتجريب وهو في عملية إنتاج مستديمة لفعل دراميّ يحملنا على العديد من القراءات ويستوقفنا عند جملة من المحطات الإبداعية  ، واضعا تحت المجهر العديد من القضايا على شاكلة رمزية ” ثورة” عبر حوار فنيّ مشفّر وإيقاع مرتبط بالمنظومة الإبداعية ، وفق صورة بصرية وخطاب رمزيّ وتفكيك للراهن الذي يحمل العديد من الرؤى والتحديات ، مستفزّا بذلك ذهن وفكر المتلقي وإدراكه حتى يكمل هو كمتفرج بقية الحلقات المفقودة من ثورة .

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.