تجليات الأنساق المضمرة في النص المسرحي ذوات مجموعة (أبصم بسم الله)

د.رياض موسى سكران  – مجلة الفنون المسرحية
 
   
      أعتمد المؤلف (سعد هدابي) في تشكيل رؤيته الفنية في جميع نصوص مجموعته (أبصم باسم الله) التي تضم سبع مسرحيات حملت عنوانات: (أبصم باسم الله/ بنيران صديقة/ ذات دمار/ كوليرا/ العباءة/ حدث غداً/ رماد) .. على فكرة إعادة تقديم ذوات وشخصيات, وعلى قراءة أحداث, ورسم وقائع ودقائق مستمدة من الحياة اليومية العراقية، وما طبعته سنوات الحروب على طبيعة وتركيبة البنية الإجتماعية من دمار ومآسٍ, لا يمكن أن يمحى بسهولة, فضلاً عن آثارها التي إنعكست على أفعال تلك الشخصيات بشكل مباشر وغير مباشر, حيث رسمت خارطة علاقاتها وحددت سلوكها وفرضت مساراتها بالمحيط وبالآخر, ليقدمها المؤلف (سعد هدابي) عبر رؤية (مسرحيةـ درامية) ضمن حكايات انطوت على عناصر التشويق والترقب, مع محاولة المؤلف الإبقاء على الثوابت والحقائق الاجتماعية دون أن يغير في جوهرها, إلا بحدود ما تسمح به أبعاد المساحة التي تستلزمها عناصر صناعة (اللعبة) المسرحية وفضاءاتها الفنية وأنساقها الجمالية, في إطار بناء ستراتيجيات البنية الدرامية واشتراطات صياغاتها الجمالية التي تسعى لتحقيق فعل التواصل مع المتلقي..
        وتعاطى المؤلف مع الوقائع اليومية والحقائق التأريخية برؤية واقعية, ليبني من خلالها موضوعات نصوص مسرحية قابلة لأن تكون شاهدة على عصرها, أو ذاكرة حية ومتقدة لمرحلة مثلت منعطفاً خطيراً ونفقاً معتماً, زجت به كل أنساق الحياة, وهي رؤية لا ترصد أو توثق أو تسجل الألم والوجع العراقي بطريقة سردية أو درامية ممسرحة, بل إنها تعيد تشكيله في نسق فني مبتكر وأصيل, جديد ومعاصر, يمنح الوقائع صدقيتها الحميمية وحرارة جمرتها المتقدة التي تجعل كل متلقي هو جزء من هذا الحدث وإن هذه الشخصية أو تلك كان يمكن أن تكون شخصيته, فالمؤلف عبر هذه النصوص, يبتكر مساحة جديدة لحركة روح شخصياته, وهو يعيد رسم دائرة علاقاتها, ضمن المساحة المقنعة التي تمنحها إياه إشتراطات كتابة النص المسرحي وبنيته الفنية والجمالية.
       وعبر لغة شعرية مؤثرة, وحوارات قصيرة ومكثفة, تكشف عن طبيعة الفعل الدرامي وأبعاد الشخصيات بوضوح, حملت النصوص أفكار ومفاهيم رمزية ذات معان كبيرة, تتحرك ضمن إطار اجتماعي بشكل أساس, بما تحمله من قيم إنسانية نبيلة, فضلا عن إن المؤلف عمل على استثمار شعرية الحكم والمواعظ والعبر والمفردات المتداولة بشكل يومي في الحياة الإجتماعية, حيث أدخلها ضمن سياقات مجرى الحدث الدرامي, حتى راح المتلقي يستنتجها كنتيجة طبيعية لتوالي الأحداث والمواقف وحركة الشخصيات وصراع الإرادات وتصادم القوى, لاسيما وان المؤلف يوجه خطابه بطريقة مشوقة, بدون تكلف في الصياغة والتعبير, وقد أعتمد في بعض المواقف على خلق روح المفارقة في بناء بعض المشاهد..
     كما إن موضوع البحث عن الأمان وبناء العلاقات الإنسانية بعيدا عن الحروب التي لا تخلف سوى الموت والدمار لتنحط بالحياة الى عالم سفلي, هي واحدة من الموضوعات التي مثلت جوهراً ونسقاً مضمراً في بعض الأحيان, وظاهراً في أحيان أخرى, ضمن خطاب وثيمة هذه النصوص الدرامية ورسالتها..
     فضلا عن ذلك, فإن مجمل هذه النصوص تنطوي في أنساقها المضمرة, على ثيمة المغامرة وقيم التضحية ومعاني الوفاء ومساعدة الآخرين والشجاعة والإيثار, وهي الثيمات والقيم الإنسانية التي لم يغادرها أو يتخلى عنها خطاب الفن المسرحي منذ نشأته الأولى وحتى اليوم, فقد  أخذت مساحة كبيرة في تأسيس موضوعات وتشكيل أفكار نصوص مجموعة مسرحيات (أبصم باسم الله).                                             
           المجموعة صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة العراقية, وهي أبرز وأهم دار نشر عرفت في العراق والوطن العربي منذ تأسيسها في السبعينات الى اليوم, وقد صدر كتاب (أبصم باسم الله) ضمن سلسلة الإبداع المسرحي..                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *