‘الهياتة’ مسرحية تعلن اختفاء الطبقة الوسطى من المغرب

تناولت مسرحية “الهياتة” التي عرضت مؤخرا على مسرح محمد الخامس بمدينة الرباط من تقديم “فرقة الحال” حياة الطبقة الوسطى في المغرب، وجذبت أعدادا كبيرة من المشاهدين، وهي من تأليف حسن مجاهد وإخراج عبدالكبير الركاكنة، وساعد في الإخراج سعيد غزالة، ومثل شخصيّاتها كل من كنزة فريدو، أحمد بورقاب، نزهة عبروق، فاطمة بوجو، هند ظافر وعبدالكبير الركاكنة.
لاقت مسرحية “الهياتة” المغربية نجاحا جماهيريا كبيرا في المدن المغربية، التي عرضت فيها، كمدينة حدكورت، سلا، الجديدة، القنيطرة، بلقصيري، الحاجب، مدينة الفقيه بنصالح وغيرها.
والمسرحية خاطبت جمهورها الحقيقي، من خلال طرحها لقضايا خاصة تعاني منها الطبقة الوسطى، فالمجتمع المغربي بعكس عدد من المجتمعات العربية الأخرى بقي محافظا على طبقته الوسطى لفترة أطول قبل أن تبدأ بالاندثار التدريجي منذ سنوات، وبقيت هذه الطبقة تعيش برخاء في مجتمع فلاحي طوال الستة عقود الماضية، وهي لها عاداتها وطرقها في العيش، وفنونها واهتماماتها.
 
صرخات “هو هو”
 
مسرحية “الهياتة” من تأليف حسن مجاهد وإخراج عبدالكبير الركاكنة، وساعد في الإخراج سعيد غزالة، ومثل شخصيّاتها كل من كنزة فريدو، أحمد بورقاب، نزهة عبروق، فاطمة بوجو، هند ظافر وعبدالكبير الركاكنة، وأشرف على السينوغرافيا والديكور فيها عبدالصمد الكوكبي، وإدارة المسرح خالد الركاكنة، وتولى الجانب التقني حسن مختاري والتصوير نرجس بنجلون.
 
وناقشت المسرحية بقالب كوميدي مشاكل هذه الطبقة الوسطى في المغرب، كمسألة العنوسة، وحقوق المرأة المغربية، التي حاول المجتمع إنصافها من خلال تشريع “مدونة الأسرة”، وطرحت مشكلة الأطفال الذين تخلت عنهم عائلاتهم بسبب العلاقات غير الشرعيّة، والنظر إلى الطبقة الفقيرة نظرة دونيّة، والتي تعامل الأطفال المولودين في غير محيطها بتمييز وترفض انتماءهم إليها، كما عالجت مسألة اليتم.
 
استخدم المخرج عبدالكبير الركاكنة ذات أسلوب إخراجه السابق لمسرحية “الجدبة” التي عرضت في العام الماضي. وتميزت بأنَّها أخذت من تقنيات المسرح الفودفيلي الكثير، فهي كوميديا بقالب اجتماعي ناقد، حيث حاول المخرج أن يخلق في عرضه التوازن بين مسألتي “الفرجة والخطاب المسرحي الجاد”، وتكاد الشعرة الدقيقة بين الكوميديا الاجتماعية، والتهريج تنقطع في هذا النوع من المسرح، إذ يرفع المخرج عادة شعار “كل شيء متاح”، للحصول على المزيد من ضحكات الجمهور وتصفيقهم.
 
المخرج عبدالكبير الركاكنة حاول أن يخلق في عرضه التوازن بين مسألتي “الفرجة والخطاب المسرحي الجاد”
والمسرحية أخذت اسمها من “الهيت” وهي رقصة تصاحبها موسيقى شعبية تثير في العازفين والراقصين على إيقاعاتها أقصى درجات النشوة، ويردد الراقصون والمغنون خلالها كلمات مكررة تدلل على بلوغهم ذروة التأثر والأنسجام بالموسيقى والرقص، فيكررون صرخات “هَوْ.. هَوْ.. هَوْ”، والهَوْهَوَات تأتي مُنغمة، كتعبير على التأثر الشديد. و”الهياتة”، هم الراقصون، الذين يمضون وقتهم في رقصة الهيت، حتى لو كان ذلك الرقص من فرط الاندماج أو التأثر بما يحدث في الحياة وعلى خشبة المسرح.
 
وتحكي المسرحية قصة حنان، مثلت دورها الفنانة هند ظافر، التي كبرت في دار خيرية للأيتام تابعة للدولة، وشاءت قسمتها أن تتزوج من عادل ابن الطبقة الوسطى، مثل دوره عبدالكبير الركاكنة، ولكن قيم الطبقة، التي تربى عليها عادل ترفض هذا التزاوج بين من ينتمي إليها، وبين من هم أدنى من الطبقة الوسطى اجتماعيا، فتنغص هذه التقاليد على العلاقة الزوجية بين “عادل” المثقف، والفنان التشكيلي المعروف، و”حياة” الفتاة الرزينة المؤدبة، التي تربت في دار خيرية.
 
ومن الشخصيّات التي أثرت كثيرا على المشاهدين شخصية المحامية زليخة، التي مثلت دورها الفنانة فاطمة بوجو، وهي أخت الفنان عادل التي حكت عذابات تزويجها بالإكراه في سن مبكرة، وعانت الأمرين من زواجها ذاك، وحصلت على الطلاق بجهد كبير، وبعد ذلك رفضت كل من تقدم للزواج منها، وتبنت مسألة الدفاع عن حقوق المرأة من خلال تأسيسها جمعيّة نسوية للدفاع عن المرأة وفق “مدونة الأسرة” التشريع القانوني الجديد.
 
 
دراما كوميدية
 
بالرغم من الدراما المتصاعدة في المشاهد، إلاّ أن المخرج حاول بكل ما وسع من حيل، مستثمرا حركات عادل، وتصرفاته مع غيره من الممثلين، إثارة الضحك، ومن خلال سخريته وحركاته، لكبح جماح الدراما. ومن الشخصيّات الأخرى المهمة في المسرحية أيضا “الحاجة هنية”، التي مثلت دورها الفنانة كنزة فريدو، وهي اللّولب، الذي تدور حوله أحداث المسرحية، ومثلت جوهر تقاليد الأسرة في الطبقة الوسطى المندثرة ومفاهيمها. والخط الدرامي الثاني في المسرحية “الحكاية المسكوت عنها” بين الخادم “مسعود”، الذي مثل دوره أحمد بورقاب و”مسعودة” التي مثلت دورها نزهة عبروق، وأجادتْ في رسم شخصيّتها المشاكسة.
 
فمسعود الخادم لدى أسرة “الحاجة هنية” هو الأب الحقيقي لعادل، والمفارقة تكمن بين رفض عادل لماضي زوجته حنان، كطفلة متخلى عنها، وبين حقيقة أصله، فعادل جاء نتيجة زواج فاشل لخادم الأسرة مسعود من أم تخلت عنه، فكفلت تربيته، وتعليمه الحاجة هنية ضمن أسرتها، وأبرزت مشاهد المسرحية المعاناة التي يشعر بها الأب مسعود، وهو يعمل خادما للأسرة ليضمن البقاء قريبا من ابنه عادل.
 
الشخصية المتناقضة لعادل، تضعنا على العلاقة الضمنية بين الميلودراما والكوميديا، التي يحاول المخرج أن يجعل الأحداث المسرحية تدور وفقها، فعادل، يحب بشكل جامح الممرضة، التي جاءت من الجمعية الخيرية لأداء واجبها في بيت الأسرة، ومن ناحية أخرى هو عازف عن فكرة الزواج، كفنان كرس نفسه للفن التشكيلي، ووعد أخته زليخة بدفع جزء من العائد المالي من معرضه التشكيلي لمساعدة جمعيتها النسائية، ولكنه يتزوج من الممرضة بالرغم من العزوف الفوراق الاجتماعية بينهما، ويحنث بوعده، فلا يعطي المال الذي تعهد بتقديمه للجمعية.

—————————————————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – فيصل عبدالحسن – العرب العدد: 10321

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *