المقالح عبدالعزيز يكتب: من مسرح القهوة إلى مسرح المقيل

من مسرح القهوة إلى مسرح المقيل

د.عبدالعزيز المقالح
قرأت في الملحق الثقافي الأخير لصحيفة «الخليج»، حديثاً عن مسرح القهوة البولندي فأعاد إلى ذاكرتي أصداء تجربتين مثيرتين للاهتمام، عرفت الأولى وتابعتها عن قرب وشاركت في الثانية وساعدت على ظهورها. كانت التجربة الأولى في مصر، وأصحابها مجموعة من الشباب المصري العاشق للمسرح والراغب في أن يكون له دور في هذا الفن كتابة وإخراجاً وتمثيلاً. ولما كان المسرح الرسمي وقفاً على كُتّاب ومخرجين وممثلين مشهورين، فقد وجد ذلك النفر من الشباب الباب مغلقاً في وجوههم فعمدوا إلى تكوين ما سموه بمسرح الشارع، وبدأوا في القيام بعرض مسرحياتهم في زاوية قريبة من ميدان سليمان باشا في قلب البلد وبالقرب من مكتبة مدبولي ونادي محمد علي. وقد قيل لي – يومئذ – إن الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولي بدأ نشاطه المسرحي في زاوية مهجورة بالقرب من شارع عماد الدين، وكان يكتب ويخرج مسرحياتها ويشارك في التمثيل إلى أن وجد طريقه إلى المسارح الرسمية وبعض المسارح الخاصة وصار من ألمع الممثلين وصاحب مدرسة في التمثيل.
وعندما أنهيت دراستي العليا في مصر وجئت إلى صنعاء في آخر السبعينات من القرن المنصرم. كانت البلاد تشهد ولادة المسرح بعد تأسيس فرقة المسرح الوطني، لكن الإقبال على حضور الأنشطة المسرحية كان محدوداً وقاصراً على المثقفين، في حين كان الجمهور غائباً، وكانت المقايل اليومية التي تبدأ بعد الساعة الثانية بعد الظهر ولا تنتهي في التاسعة تأخذ وقت الناس وتباعد بينهم وبين هذا الفن الذي يعلّم ويرفع من مستوى الوعي. وقد اهتدى الصديقان حسين الأسمر وكريم حثير وكان هذا الأخير يدرس طلاب المدارس الثانوية فن المسرح إلى إمكانية إقامة مسرح المقيل واقتحام المجالس الكبيرة حيث يتجمع الناس يومياً لتناول عشبة القات أو شرب الشاي، وكانت البداية من مركز الدراسات والبحوث اليمني حيث يلتقى يومياً عشرات من المثقفين وأساتذة الجامعة، وكنت رئيساً لهذا المركز ومشرفاً باختيار الحضور على تنظيم الحوارات والقراءات التي تدور في أثناء المقيل.
ولحظة انبثقت فكرة «مسرح المقيل» وصادفت موافقة عامة بدأ الصديقان حسين الأسمر «فلسطيني» وكريم حثير «عراقي» في الإعداد لتنفيذ الفكرة، وقد بدأ بالتعاون مع عدد من ممثلي فرقة «المسرح الوطني» الذين داوموا على الحضور وشاركوا في التمثيل، وتم في البداية اختيار مسرحيتي «مسافر ليل» و«الأميرة تنتظر» للشاعر الكبير صلاح عبدالصبور. وتلاهما مسرحية «موت سقراط» إعداد كريم حثير، وتتابعت بعد ذلك العروض المسرحية وصار مسرح المقيل حقيقة واقعة جديرة بأن تنتقل إلى أماكن أخرى وتقيم المقايل الصنعانية التي كانت تقوم على مضغ عشبة القات، و تبادل الأحاديث الثنائية حيث يتحدث كل واحد من الحضور إلى من هو في جواره، وما يتخلل هذا النوع من المقايل من ملل وإصرار على قتل الوقت.
وأتذكر اقتحام واحد من هذه المقايل الشعبية عندما فوجئ الحضور بالممثلين الذين يجلسون بينهم يبدأون في أداء أدوارهم. كانت البداية مفاجئة لكن الاستمرار في الأداء وكسر حاجز الصمت شد أنظار الجميع وجعلهم جراء تكرار التجربة يدركون أهمية المسرح وما يمثله في حياة الشعوب المتقدمة من أهمية ثقافية وروحية ونفسية وصار الحديث عن المسرح موضوعاً مطروحاً في تلك الأوساط المحرومة من أبسط مقومات الفن.

abdulazizalmaqaleh@hotmail.com

 

نقلا عن الخليج  الإماراتية

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *