وقد تعمقت الأزمة أكثر في ظل جائحة كورونا التي رمت بالركح في دهاليز الظلام بعد قرار الحكومة إغلاق المسارح وتجميد الأنشطة الثقافية في إطار حالة الطوارئ الصحية.

ومع هذا الوضع، تجددت دعوات المسرحيين من أجل إنقاذ القطاع من الانهيار. وقد أطلقت قبل أسبوعين حملة كبيرة بعنوان “أنقذوا المسرح من السكتة القلبية”، وهي الحملة التي تجاوبت معها الحكومة، أخيرا، بإلإعلان عن مبادرة غير مسبوقة، ترمي إلى تصوير ستين عملا مسرحيا واقتناء حقوق بثها على القنوات العمومية.

وحسب وزير الشباب، فإن هذه المسرحيات المنتقاة ستُبَث لمدة شهرين، على القناة الثقافية، التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وأيضا عبر المنصة الرقمية لوزارة الثقافة، وذلك لـ”تقريب المسرح من المواطنين وتى تبقى الثقافة حية”.

وتسعى المبادرة، وهي شراكة بين وزارة الثقافة والتلفزيون العمومي، إلى تعزيز مهنية الفرق المسرحية والتخفيف من تداعيات الجائحة وتأثيرها المادي والمعنوي على العاملين في المجال المسرحي، حيث سيتم اقتناء كل عمل مسرحي بمبالغ تتراوح قيمتها بين 15 ألفا و20 ألف دولار.

ومن المزمع أن تنتقى من بين هذه الأعمال ثلاثة للفوز بجوائز، خاصة بالعمل المسرحي، والإخراج، والسينوغرافيا، والنص، والتشخيص الرجالي والنسائي.

تزاوج مغاربي في الدراما وفاطمة الناصر يشع نجمها في تونس

أول الغيث

وقد استبشر مهنيو القطاع خيرا بهذه المبادرة التي رأى البعض أن شعارها يذكر بشعار “التلفزيون يتحرك” الذي واكب عملية إعادة إصلاح التلفزيون المغربي خلال الثمانينيات.

ويتخوف المهنيون من أن تواجه المبادرة نفس المصير الذي واجهته سابقتها، وهو الفشل.

وقد وصف المخرج المسرحي أمين ناسور الخطوة بأول الغيث، من أجل بث الروح في قطاع المسرح الذي يعاني الكثير من تداعيات أزمة كورونا.

وبعدما كانت  الأعمال المسرحية المغربية والعربية، تشغل حيزا زمنيا هاما في التلفزيون العمومي بالمغرب، قبل أن يشهد الزخم المسرحي على الشاشة أفولا يصفه البعض بالتغييب المتعمد، وهو ما دفع العديد من المسرحيين إلى الاتجاه نحو التلفزيون والسينما.

ويوضح ناسور، الذي كان من الأصوات البارزة في الحملات الداعية لإنقاذ الخشبة، أن مطلب عودة المسرح إلى الشاشة، كان من المطالب الملحة لمجموعة من مهنيي القطاع.

الشاشة لا تعوض العرض الحي

في المقابل، يعتبر الممثل وأستاذ المسرح أنس العاقل، أن المسرح خلق للفرجة الحية والمباشرة وأن مكان المسرحي الحقيقي هو الوقوف أمام الجمهور على الخشبة وليس خلف شاشة التلفزيون.

وفي تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، يأمل العاقل أن تساهم مبادرة “المسرح يتحرك” في خلق علاقة جديدة بين الجمهور والمسرح تنتهي باللقاء المباشر في دور العرض.

ويعتبر اقتناء حقوق بث 60 مسرحية من أجل عرضها على التلفزيون، سابقة في المغرب حيث لم يكن العدد يتعدى 10 مسرحيات في السنة.

وتعليقا منه على هذا الرقم، يعتبر الأستاذ بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي والمسرحي بالرباط، أن رهان نجاح التجربة ليس في الكم، وإنما في مدى تحقيق الانتشار الجماهيري.

ويتساءل في هذا السياق، عن حجم الجمهور الذي يشاهد القناة الثقافية التي ستعرض المسرحيات، وعن توقيت البث وعن درجة تدخل مقص الرقابة في النصوص المسرحية.

ويشاطره في هذا الرأي، الباحث المسرحي والمدبر الثقافي، طارق الربح، مؤكدا أن الطريقة التي عرضت بها المسرحيات على التلفزيون خلال السنوات الماضية، كانت بمثابة إقبار لهذه العروض، حيث كانت تبث في ساعات متأخرة من الليل كما لا يخصص لها حيز في الإعلانات عبر الوسائط المختلفة.

ويرى مدير المركز الثقافي لمدينة بنسيلمان في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن مبادرة “المسرح يتحرك” التي أطلقتها الحكومة بشراكة مع التلفزيون الحكومي، وعلى الرغم من أنها لا تعوض البث الحي للمسرحية، إلا أنها ستوصل الإبداع المسرحي بطريقة لائقة بالمواطن وهو ما “لا توفره” أغلب المسارح المتواجدة في المغرب، لافتقارها لثقافة الشباك.

تاريخ عريق

وتوجد بالمغرب حوالي 200 قاعة مسرحية، لكن معظمها لا يستجيب للمعايير المطلوبة، باستثناء أشهر المسارح التاريخية كمسرح محمد الخامس بمدينة الرباط والمسرح البلدي بالدار البيضاء.

هذا وبدأت المملكة منذ سنوات تتجه نحو بناء مسارح بمواصفات عالمية تعتمد تقنيات الجيل الثالث، وكانت البداية بالمسرح الكبير للدار البيضاء الذي يتسع لـ2800 متفرج، وقريبا سيتم افتتاح مسرح محمد السادس بالرباط الذي يعتبر أيقونة معمارية من تصميم المعمارية الشهيرة زها حديد، ويعد أضخم مسرح في الوطن العربي وشمال إفريقيا. كما تقام مسارح كبرى في شمال المملكة وشرقها.

وبالعودة إلى تاريخ المسرح في المغرب، يعتبر الباحث المسرحي طارق الربح أن المسرح في المغرب أعرق مما يتصور كثيرون، حيث تشير  الأبحاث الأركيولوجية إلى وجود مدرجات مسرحية في المواقع الأثرية الرومانية المتواجدة بالمغرب، وهي المنشآت التي عرفت نشاطا مسرحيا وفرجويا مهما، جمع بين الثقافة الرومانية الوافدة والروافد الأمازيغية الأصيلة.

وفي مطلع القرن العشرين، ظهرت بوادر المسرح المغربي بشكله الغربي، على يد البعثات الاستعمارية، والفرق العربية الزائرة. وقد كان مسرح سيرفانتيس بمدينة طنجة شمال المملكة أول مسرح يستجيب لمعايير المسرح المعاصر في البلاد.