المسرح وتحقيق معادلات القيمة! – هايل علي المذابي

المسرح وتحقيق معادلات القيمة! – هايل علي المذابي

المسرح ليس مجرد وعاء فني فحسب، إنه تجسيد للثقافة ذاتها، تجسيد لمنظومة هائلة من مكونات اللامتغيرات البنيوية في المجتمع الذي نعيش فيه، تجسيد للقيم المترسبة في الذهنية الحضارية التي تشكلت في الوعي الجمعي عبر آلاف السنين، ورغم هذه البساطة في المعنى الذي يحمله ويشير إليه مدلول الوعاء الفني المسرحي والوظيفة التي يشغرها إلا أن تجسيد هذه الوظيفة بكافة أبعادها يجب أن يتداخل شرح تحقيقه مع مسائل الرياضيات الهندسية ومعادلات الفيزياء بل ويجب الاحتكام في تجسيده إلى مقولة السبب والنتيجة.

المسائل الحسابية تحمل المنطق البديهي، الذي استساغته الذهنية البشرية عبر مراحل زمنية متعددة ومازالت تفعل ذلك حتى هذه اللحظة، والذي يمكن تجريد بساطته من وظيفته الحسابية واسقاطه على عالم الفنون ووظائفها وعلى رأسها المسرح، فالقول واحد زائد واحد يكون ناتجه اثنان، وهي من المسلمات البديهية وبالمثل فإن تحقيق الوظيفة القيمية في المسرح يكون بذات المنطق الحسابي وأعني بلفظة “تحقيق” تمكين المعنى القيمي الذي تهدف إليه أبعاد المادة الفنية في الذهنية المتلقية، فاللون والضوء والكلمات والديكور في عالم المسرح هي عبارة عن أرقام حسابية عندما نجمعها مع بعضها تعطينا ناتجا دلاليا لقيمة إنسانية نهدف من وراء عملنا الفني إلى تمكينها في ذهن المتلقي.

وتحقيق هذه المعادلات في عالم الفن يقتضي وجود مخرج حقيقي مثقف إلى أعلى حد فإن كان ثمة قصور في براعة كاتب النص فإن المخرج يسد الثغور ويعالج القصور، إنها خبرة البناء الطويلة في رصف الحجر وتشييد المداميك وإعلاء البنيان، فالمسرح بمجموع مكوناته كلمات وألوان وأضواء وديكور وأشكال هي أحجار في يد الفنان يبني بها ما يشاء في ذهنية المتلقي إما قصورا وإما خرائب وأطلال إما حضارة وإنسان وإما تخلفا وجهلا وضلال.

هايل علي المذابي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش