المسرح وإشكالية الكتابة الدرامية

المصدر / العرب : نشر محمد سامي موقع الخشبة

يحتل المسرح مكانة مهمة في مختلف ثقافات العالم، وكما هو معروف فإن المسرح فن يجمع عدة فنون داخله؛ فهو بمقدار حاجته إلى مكان للعرض وممثلين وغير ذلك، يحتاج كذلك إلى نص ينطلق منه الكل في العملية المسرحية ويحدد هذا النص مسار العملية المسرحية برمتها

ينطلق كتاب “المسرح العماني واقع وتطلع” من مداخلات نقدية قدمها عدد من الباحثين العرب ضمن ندوة متخصصة عن “النص المسرحي المعاصر في سلطنة عمان”، انعقدت سابقا في مسقط.

بين الوافد والمحلي

من المساهمين في الكتاب الباحث محمد بن سيف الحبسي الذي تناول موضوع “الملامح الاجتماعية للمجتمع العماني في النص المسرحي، مسرحية ‘الفأر‘ أنموذجا”.

يشير الحبسي في بداية ورقته إلى الدور الذي قام به المسرح المدرسي وتعالق هذا المسرح مع المواضيع الاجتماعية حيث يقول “مع بداية ظهور المسرح العماني في أربعينات القرن العشرين من خلال المسرح المدرسي ومسرح الأندية كانت القضية الاجتماعية جزءًا من مواضيع هذه المسرحيات المتواضعة في أسلوب كتابتها وإخراجها، ولعل مسرح الأندية كان أكثر اقترابا من هذه القضية الاجتماعية كقضايا الزواج وغلاء المهور وأهمية الوطن والمحافظة على سلامة المجتمع من الطامعين وغيرها من القضايا”.

وكانت الملامح الاجتماعية في النص المسرحي العماني مرافقة للتغيرات الاجتماعية والثقافية والتنموية للمجتمع العماني، كما يشير الباحث، حيث حاول المسرح المدرسي أن يتطرق إلى مجموعة من هذه الملامح، وخاصة ما يسميه بـ”المسرح التربوي الاجتماعي”.

أما مسرحية “الفأر” التي يتخذها الباحث نموذجا لبحثه، فقد كتبها الكاتب والمخرج المسرحي العماني محمد الشنفري عام 1987 لمسرح الشباب في مسقط، والتي خلقت تيارا مسرحيا اجتماعيا مجددا ما زالت آثاره جلية إلى اليوم.

لذلك فإن هذه المسرحية تعتبر من أولى المسرحيات العمانية التي ظهرت في هذه الفترة لكاتب ومخرج مسرحي عماني. ومحمد الشنفري يعتبر أحد رواد الحركة المسرحية العمانية خاصة في مسرح الشباب في مسقط بجانب دراسته الأكاديمية للمسرح خاصة وأنه من أوائل العمانيين الذين درسوا المسرح في أوروبا وبالتالي تكونت لديه رؤية واضحة عن المسرح وأساليب الكتابة الحديثة للمسرح بما يتوافق وطبيعة الجمهور المسرحي وثقافته، جاءت في فترة افتقدت فيها الحركة المسرحية في عمان إلى وجود كاتب مسرحي عماني متخصص وقادر على الكتابة للمسرح، لتتبعها بعد ذلك الكثير من المسرحيات ذات الأسلوب الاجتماعي والفكاهي.

النص يحدد مسار العملية المسرحية

المسرحية في موضوعها الرئيسي تناقش قضية “الزواج غير المتكافئ وآثاره”. كما تناقش وباختصار بعض القضايا والموضوعات الاجتماعية المرتبطة بالإنسان والمجتمع العماني ونقد بعض السلوكيات والظواهر التي تشوبه.

من جانبه تطرق الناقد سعيد بن محمد السيابي في بحثه إلى نصوص المهرجانات المسرحية في سلطنة عمان بين سياق الكلمة ودلالة اختيار الفعل. ويؤكد السيابي في ورقته على أن فن المسرح هو أكثر الفنون الأدبية حاجة إلى نضج الملكة، وسعة التجربة، والقدرة على التركيز والإحاطة بمشاكل الحياة والإنسان.

يتناول السيابي النصوص المقدمة خلال المهرجانات المسرحية في سلطنة عمان في الفترة الأخيرة، محاولا تتبع ما تم تقديمه من خلال تقصٍ تاريخي وتحليلي حول سياق الكلمة الواردة فيها ودلالة اختيار الفعل الممكن، لذا كان لا بد من الاشارة بداية إلى أن المسرح العماني خضع كغيره من المسارح إلى تسارع العولمة، والبحث عن الهوية الذي سببه هذا التسارع وقاد الكتاب المسرحيين إلى البحث عن المواءمة الاجتماعية والثقافية.

بدأ السيابي بذكر عدد كبير من المفاهيم الكفيلة بشرح كتابات النصوص المسرحية التي قدمت في المهرجانات، والتي تمتزج فيها تجربة الكاتب باختيار المخرج، لتقديم هذا النص الجديد، ومن أبرز المفاهيم التي توقف عندها مفهوما النص والمهرجان، كما سعت الورقة إلى الإجابة عن بعض الأسئلة الموضوعية من قبيل: هل هناك عناصر خارجية يمكنها التأثير في اختيار نصوص المهرجانات؟ أم أن كل نص يفرض أدوات إجرائية تناسبه، وتنبع من داخله؟

وما مدى استقلالية هذه النصوص عن النصوص المسرحية الخليجية، والعربية، والعالمية؟ وإلى أي حد استطاعت تلك النصوص المكتوبة باللغة العربية أو باللهجة المحلية، والمقدمة في المهرجانات أن تشكل هوية عمانية؟ وكيف تفاعل النص المحلي مع الوافد؟ وغيرها من الأسئلة التي يجيب عنها الناقد مختتما مداخلته بعدد من

الاستنتاجات والمقترحات المستقبلية التي يمكن أن تساهم في تسليط الضوء على نصوص المهرجانات المسرحية وما تحفل به من سياق للكلمة والدلالة في اختيار الفعل المسرحي.

التطلع إلى المستقبل

أما ورقة “الفرجة التراثية في المسرح العماني- قراءة نقدية لنماذج من المسرحيات العمانية” للباحثة عزة القصابية، فتؤكد فيها على ما تحظى به الفنون الشعبية العمانية من اهتمام الجهات الراعية للتراث والموروث الشعبي الشفهي والموسيقي، انطلاقا من كون سلطنة عمان تزخر بتراث شعبي وتاريخي عريق، وهناك الكثير من الأغاني والرقصات الشعبية الفلكلورية التي تشكل ظواهر شعبية يمكن تقديمها كمسرح، يعكس ثقافة الشعب العماني وعاداته وتقاليده الأصيلة الموروثة عن الأجداد والتاريخ بما فيه من أحداث وملاحم بطولية.

سلطنة عمان تزخر بتراث شعبي وتاريخي عريق وظواهر شعبية يمكن تقديمها كمسرح، يعكس ثقافة الشعب العماني

وترى الباحثة أن هناك الكثير من الفنون العمانية التراثية التي تشكل فرجة شعبية معبرة عن الفرح والحزن وغيرها من المناسبات الاجتماعية الأخرى، ومن هذه الفنون الرزحة، والعازي والعيالة، والميدان، والمسبع، والباكت، والتغرود، والميدان، وكاسر، وهمبل… وغيرها من فنون البحر والرعي والقنص. والبعض من تلك الفنون تم استغلاله دراميا، بينما الآخر لا يزال في طي الكتمان، داعية إلى استغلالها في كتابة النصوص المسرحية مع الحفاظ على بريقها.

أما الناقدة كاملة الهنائي فتتناول ضمن الكتاب مبحث “إشكالات الكتابة لمسرح الطفل في سلطنة عُمان” حيث تشير إلى أن الكتابة لمسرح الطفل تتطلب مهارات ومقدرة أدبية وفنية خاصة، وتتطلب أدوات وخبرات لا بد للكاتب أن يمتلكها لكي يستطيع عمليا الكتابة لمسرح الطفل.

وتذكر الهنائي أن مسرح الطفل في سلطنة عُمان يواجه العديد من الظروف والإشكالات التي أعاقت تطوره من ضمنها إشكالات الكتابة لمسرح الطفل. لذا تتطرق الباحثة إلى أهم الإشكالات التي تواجه الكاتب المسرحي العماني عند كتابته نصا مسرحياً موجها للطفل من خلال مناقشة خصائص مسرح الطفل التي يجب مراعاتها عند كتابة هذه النصوص، وذلك في محاولة للوصول إلى إجابات حول كيفية تطوير واقع الكتابة لمسرح الطفل في سلطنة عمان مستقبلاً. أما ورقة الباحثة المغربية لطيفة بلخير فقد حملت عنوان “إشكاليات النص الأدبي على خشبة المسرح: ثلاثة أعمال من المسرح العماني نموذجا” ركزت فيها على ثلاث تجارب عمانية كتبت النص المسرحي، وهذه التجارب هي: آمنة الربيع، وهلال البادي، وعبدالكريم جواد.

وتؤكد أن النصوص التي درستها وهي “عابر أقل”، و”ما حدث بعد ذلك”، و”عائد من الزمن الآتي”، أكسبت الكتابة العمانية المسرحية نفسا جديدا برهن على أن المسرحيين يتابعون مستجدات المسرح عربيا ودوليا في زمن العولمة، حيث بات لزاما أن يجابه المسرحي انشغالاته بأسلوب جديد، وبطروحات فكرية وجمالية جديدة، أمام جمهور متطلع إلى التغيير والتجديد.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *