المسرح في تونس2016: ديناميكية تقفز على الصعوبات والريادة لـ”الوان مان شو”

لم يكن وضع أب الفنون في تونس في عام 2016 مختلفا عن بقية القطاعات الثقافية ومختلف مجالات الإبداع والفنون الأخرى بل حافظ على موقعه كرافد لهموم وهواجس التونسيين الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية رغم التقلبات والتجاذبات التي عرفها. وفي مقاربة تشبيهية، عكس في ديناميكيته وشكله وما عرفه من صعوبات وتجاذبات ومخاض، الوضع العام الذي مرت به بلادنا في هذه السنة مما جعله يقفز على جملة المصاعب والعراقيل ويكون ورقة رابحة في الدفع نحو ثقافة الحياة.   

والاستثناء الوحيد المسجل في الساحة المسرحية وكان وراء خلق ازمة في القطاع تمثل في التنظيم الهزيل للدورة الأخيرة لمهرجان أيام قرطاج المسرحية على أصعدة مختلفة كادت تعصف بما تحقق في الساحة من أعمال عديدة جيدة. لتكون بذلك دورة للنسيان والاتعاض في قادم الدورات إذا ما كتب للمهرجان أن يحافظ على دوريته السنوية في التنظيم وفق الاسس والأهداف التي بعث من أجلها المهرجان العريق.

فقد سجلت الساحة انتاج أعداد كبيرة من الأعمال المسرحية سواء  منها ما حمل إمضاءات وبصمات” لمدارس وأسماء رائدة في قطاع الفن الرابع في تونس على غرار “التياترو” بإدارة توفيق الجبالي الذي كان حاضنة لعديد التجارب والأعمال وفتحي العكاري في مسرحية “في الحب والمقاومة” فيما حافظ المسرح الوطني على موقعه وديناميكيته في النشاط والتكوين خاصة أن الأعمال التي انتجها في إطار برنامج عمله للسنة المنقضية واصلت عروضها ومشاركاتها على مستويين وطني ودولي على غرار “عنف” التي اخرجها مدير هذه المؤسسة الفاضل الجعايبي ومسرحية “برج لوصيف” للمخرج الشاذلي العرفاوي  و”روميو وجوليات” التي اخرجها غازي الزغباني وهي من انتاج نفس المؤسسة.

وعلى خلاف قاعدة المركز، عرف المسرح في السنة المنقضية في الجهات حركية كبيرة تجسمت في أعمال متميزة فرضت نسقها في المشهد الثقافي على مستويين وطني ودولي على غرار مسرحية “كعب الغزال” للمخرج علي اليحياوي وانتاج المركز الثقافي بتطاوين و”أولا تكون” للمخرج أنور الشعافي وانتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين  ومسرحية “النجدة” من انتاج مركز الفنون الدرامية بقفصة وغيرها من الأعمال الأخرى التي انتجت بمراكز الفنون الدرامية والركحية داخل الجهات كالكاف وصفاقس والقيروان أو غيرها من الفرق الجهوية وذلك رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها الفرق والمجموعات الناشطة في المجال خاصة منها المتركزة دخل ججهات الجمهورية في ظل غياب آليات التشجيع والدعم من قبل سلطة الإشراف رغم ما يردده البعض من شعارات دعم الإبداع والتشجيع على الثقافة من اجل مقاومة الارهاب ومخاطر التصحر الفكري.  

ريادة وطنية مقابل تراجع المشاركات الدولية

وما يحسب للعام المنقضي هو عودة المسرح التونسي للمشهد الثقافي بقوة من خلال عودة العروض الكبرى للمهرجانات الصيفية بعد ان كان قد أقصي تماما من مثل هذه المناسبات مقابل فتح المجال لكل ما هو فرجوي وفنانين أجانب، وذلك من خلال برمجة بعض العروض المسرحية في المهرجانات الصيفية بقطع النظر عن المهرجانات ذات التقاليد “المسرحية” كمهرجان الحمامات الدولي. ونذكر في هذا السياق مسرحية “عنف” للمسرح الوطني التي كانت حاضرة في أغلب المهرجانات الكبرى كصفاقس وبنزرت وسوسة ومسرحية “بورقيبة والنساء” لرجاء فرحات و”برج لوصيف” و”عشرة سنين زواج” لمحمد الداهش وغيرها من الأعمال الأخرى.

وعلى خلاف ما هو مسجل في السنوات السابقة فقد عرف المسرح التونسي تراجعا من حيث مشاركة الأعمال المسرحية في المهرجانات والمحافل الدولية. رغم ما سجلته كل مشاركة تقريبا من نجاح تجسم في الحصول على جوائز وتتويجات تحسب للمسرح التونسي من خلال تلك المشاركات ونسوق في هذا السياق أمثلة عديدة من بينها حصول مسرحية “نهير خريف” للمخرج محمد علي بن سعيد على خمس جوائز في مهرجان مسرح بلا انتاج بالاسكندرية بمصر كما هو الشان بالنسبة لمسرحية “برج لوصيف” في مهرجان المسرح بالاسكندرية وحصول مسرحية “ثورة دون كيشوت” على اربع جوائز في الأردن في سبتمبر الماضي.  

كما سجلت  نفس السنة معاناة كبيرة للمهرجانات الجهوية والمحلية التي تعد من رواد الثقافة ومحركها في الأوساط النائية على غرار مهرجان أيام الجامعة التونسية بالرديف ومثلها من المهرجانات الخاصة بهذا الفن في عدة جهات بولاية جندوبة وبقابس وقبلي  وغيرها من الجهات الأخرى.

 “الوان مان شو” في الصدارة

واصل “الوان مان شو” زحفه في الساحة الثقافية لتتسع بذلك دائرة حضوره ومشاركته في المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية الصيفية منها او تلك التي تنتظم بشكل دوري أو مناسباتي ولم يعد الاقبال يقتصر على بعض الأسماء دون سواها على غرار ما هو مسجل في السنوات الماضية بل اتسعت دائرة “سوق” هذا النمط من العروض بدخول أسماء عديدة تحظى بنفس القدر من الاقبال لعبت في مناسبات عديدة ملاذا لهيئات بعض المهرجان من أجل”انقاذ” خزينة مهرجاناتهم على غرار “ليلة على دليلة” للأمين النهدي “العفشة مون أمور” لوجيهة الجندوبي والمخرج الشاذلي العرفاوي  إضافة إلى لطفي العبدلي وجعفر القاسمي وطرشيقة” لليلى الشابي وغيرها من الأعمال الأخرى.

كما سجلت نفس السنة دخول عديد الاسماء على خط “الوان مان شو” على غرار نضال السعدي والموهبة “طارق بوحفة” في مسرحية مائة بالمائة محرمات” فضلا عن مواصلة بعض الفكاهيين طريقهم في مثل هذه العروض نذكر من بينهم كريم الغربي محمد العربي المازني والثنائي فيصل الحمراوي وبسام الحضيري ومحمد صابر الوسلاتي. وما شجع او مهد لنجاح هذا النمط من الفن الرابع هو ما وجده من اقبال جماهيري من ناحية وتقديمه مادة “خفيفة” قريبة من الجمهور التونسي وناطقة بلغته وهواجسه في أحيان كثيرة من ناحية أخرى.   

———————————————————————–    

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – نزيهة الغضباني – الصباح التونسية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *