المسرح السوري في سنين الجمر: هل كتب السوريون تراجيديتهم؟

 

علاء الدين العالم
 
خير ما تسمى به الحالة السورية، هو “تراجيديا إنسانية”، تراجيديا بكامل عناصرها المأساوية، وضعت الجميع أمام أسئلة جذرية عن الهوية والمجتمع والحرية، وفرضت واقعاً مشتعلاً يكوي كل من يقاربه. من هنا، وكغيره من المجالات الاجتماعية، وجد الفن نفسه أمام واقعٍ قاسٍ وزاخر بالأحداث، هرولت السينما نحو توثيق اللحظة الراهنة، وفتحت السردية السورية الكبرى الأدب على مصراعيه أمام أناس متعطشين للبوح، ماتت فنون أو تكاد، وأحييت أخرى، ولكن، ماذا عن المسرح السوري في هذه التراجيديا؟ وقبل ذلك، علامَ يدلل تركيب “المسرح السوري”؟ هل يقتصر على المسرح المُقدم في سورية تحت ظروف قاسية جداً، أم أنه يتسع ليشمل المسرحيين السوريين المتفرقين في أصقاع الأرض؟ وإذا كان المسرح عامة ــ والسوري على وجه الخصوص ــ محكوماً قبل أعوام “بالأمل” فهل هو اليوم محكومٌ بالعمل؟
 
في ظل هذا التوسع لمفهوم المسرح السوري، لم يعد ممكناً لمقالٍ نظري ــ مهما اتسع ــ أن يحيط بحال المسرح السوري في ظل الانفجار الذي تشهده سورية اليوم، لذلك سعت “ضفة ثالثة” إلى نقل حال المسرح السوري اليوم على لسان فاعليه الذين تحدثوا عن أثر الحالة السورية على المسرح، هل عاد الزخم الحاصل بالإيجاب على المسرح السوري أم لا؟ وكيف تم ذلك؟
 
هنا هذه المقاربات:
 
د.ماري الياس:
 
لم يكتب السوريون تراجيديتهم
 
كانت الناقدة والمترجمة د.ماري الياس، وهي المدرسة العريقة في المعهد العالي للفنون المسرحية، من أوائل الفاعلين الثقافيين الذين سعوا إلى خلق مسرح مستقل في سورية، عبر عمل مؤسساتي تطور حتى استحال إلى مؤسسة “مواطنون.فنانون” المستقلة التي تقدم كل عام دعماً للمشاريع المسرحية السورية. عن التراجيديا السورية والمسرح قالت:
 
“بالفعل تحولت الحالة السورية إلى تراجيديا إنسانية، لكن لم ينعكس هذا في المسرح السوري إلا قليلا، بل وقليلاً جدا. ببساطة لم يكتب السوريون إلى الآن “تراجيديتهم”، لم يكتبوا إلى اليوم ما يعطي هذه التراجيديا حقها. لم أطّلع على كل ما كتب، لكن ما يلفت النظر هو ما يُقدم داخل سورية، ومحاولة تجاهل الحدث، وهي أحد الأسباب التي تستدعي دعم العروض المسرحية التي تقارب التراجيديا السورية، فالأغلب يقارب الحدث من مسافة بعيدة جداً، لذلك نرى جل العروض المسرحية المقدمة في سورية تطرح أفكاراً هامشية نسبة لزخم هذه التراجيديا الإنسانية، وإذا كانت الرقابة قد حالت دون تقديم عروض مسرحية تقارب الحدث فعلاً، فإن هذه الرقابة ليست حاضرة بذات الصورة في عملية الكتابة المسرحية التي عجزت هي الأخرى إلى اليوم عن كتابة ما يتسق مع التراجيديا التي نحياها.
 
أما المحاولات التي حصلت خارج سورية، فأغلبها اتجه إلى اللاجئين، لكن هل يكفي طرح موضوع اللاجئين مسرحيا لنقل المأساة السورية؟! فمثلا عمل كل من عمر أبو سعدة (مخرج) ومحمد العطار (كاتب) في عروض “بينما كنت أنتظر، الطرواديات، أنتيغونا” ، وقاربا الحالة السورية. وتجدر الإشارة إلى أن العطار كان أول من كتب للمسرح في هذا السياق، وحاول مع أبو سعدة الاستناد إلى التراجيديا اليونانية في مقاربة التراجيديا السورية، كما في عرضهما “الطرواديات” عن نص بالاسم ذاته للكاتب اليوناني يوربيدس. أعطى يوربيدس اليوناني الكلام فيه لنساء من طروادة يتكلمن عن مأساتهن، وهنا مكمن القوة في النص، الكاتب المنتصر (اليوناني) يتكلم بلسان العدو (الطروادي)، وللأسف في العرض السوري لم تستثمر نقطة القوة تلك، كونه أعطي الكلام لنساء لاجئات لم يستوعبن مأساتهن تماما، كونها مازالت حديثة العهد.
 
من جهة أخرى، حاول بعض الشباب الكتابة من خلال ورشات الكتابة المسرحية، أذكر منها اثنتين نظمتهما “مواطنون.فنانون” وورشة أقامتها “Royal court” و”Britsh counsl”، وأنتجت هذه الورشات بعض النصوص منها نص “عندما تبكي فرح” لمضر الحجي الذي تفاءلت به خيرا لما فيه من بادرة نقدية للثورة الحقيقية، الثورة على الذات قبل المجتمع. لكن رغم ذلك، لم نقرأ نصاً إلى اليوم يقدم نظرة أدبية شاملة على ما جرى، وقد يكون هذا منطقيا كوننا ما زلنا في عين العاصفة، وما زالت الصورة غير واضحة.
 
تدعم اليوم “مواطنون.فنانون” المشاريع المسرحية المستقلة، لكن هذا ليس وليد الثورة، بل من الخطأ الحديث عن نشوء مسرح سوري مستقل بعد الحراك فقط، فأنا عملت منتصف العقد الماضي مع المعهد المسرحي في استوكهولم على تمويل عروض مستقلة داخل سورية، وقدمت للسويديين حينها اقتراحا يُعنى بتشجيع الشباب على الكتابة والإخراج المسرحي، وبالفعل تم المشروع، وتم تمويل بعض العروض وتشجيع الشباب على تقديم مسرح مستقل، ومن جملة العروض التي دعمناها وشجعنا أصحابها عرض “الشريط الأخير” لأسامة غنم، وعرض “المرود والمكحلة” لعمر أبو سعدة، وعرض “قصة حديقة الحيوان” لرأفت الزاقوت.
 
استمر هذا العمل الثقافي المستقل، وتطور، وانبثق منه “مواطنون.فنانون” التي اتسع معها هامش المنح المسرحية، وورشات الكتابة، لكن ما حصل هو ارتباك الفنانين الشباب لهول ما حدث من جهة، وانكفاء المؤسسات الحكومية بعد 2011عن دعم المسرح المستقل من جهة أخرى، حيث أُجهضت العلاقة البناءة بين المسرح المستقل ممثلاً بصناديق الدعم والمسرح الحكومي ممثلا بمديرية المسارح والموسيقى، هذه العلاقة التي جاهدنا إلى بنائها وشد أواصرها منذ عام 2006.
 
 
 
د.سمير عثمان:
 
المسرح لا يتطور في زمن الحرب
 
 
 
لم يتوقف د.سمير عثمان عن العمل المسرحي الأكاديمي في أيام الحرب، فبعد أن كان أستاذاً في قسم التمثيل ورئيساً له، عاد إلى تطوير مشروعه “مدرسة الفن المسرحي”، عن المسرح والحرب قال عثمان:
 
المسرح لا يتطور في زمن الحرب. لقد شتت الصراع السوري كوادر البلد، وحطم المعايير، وأدى إلى تضييق الأفق الضيق أصلاً… المؤسسات الثقافية الرسمية استمرت بالإنتاج بالرغم من قلة الإمكانات المادية وندرة الكوادر، كي تثبت أنها لم تلفظ أنفاسها. ولتحقيق ذلك فسحت المجال للهواة ليصعدوا إلى خشبة المسرح المحترف. وطبلت لبعض المسرحيين المتواضعين فنياً وعلمياً والموثوق بانتمائهم كي يكونوا نجوم المرحلة… من جهة أخرى تلقفت المؤسسات المانحة في الخارج (وهي شكلانية ومشتتة وبيروقراطية) كل من قال من المسرحيين: أنا معارض… ومنحتهم فرص إقامة عروض مسرحية وأبحاث، لم ولن تؤثر لا بالقضية السورية ولا بتطوير المسرح السوري…
 
 إنّ مجرد انقسام المسرحيين السوريين في الأزمة إلى فريقين أحدهما يطبل والآخر يزمّر، لهو دليل قاطع على عدم وجود مسرح سوري حقيقي، عميق وفعّال. كما أنّ الحرب السورية ليست حدثا بدئياً للتراجيكوميديا السورية الحالية، بل هي الذروة في هذه المأساة الهزلية الممتدة. لذلك فإن الضحالة التي ظهرت في المسرح مثلا، هي نتيجة طبيعية للخط البياني الساقط منذ عقود، والذي يعكس فشل أمة كاملة في بناء دولة ومجتمع ومسرح..
 
د.سامر عمران:
 
 كيف كان حال المسرح قبل الحرب؟
 
قدم المخرج سامر عمران عروضاً مسرحية عدة قبل الحرب وبعدها، وكان عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية قبل الحرب وبعدها أيضا، عن المسرح وأثر الحرب عليه يقول:
 
في الحقيقة لا أعرف بدقة إن كان هناك أثر إيجابي أو سلبي على المسرح في فترة الحرب المدمرة التي نعيشها، السؤال مبدئيا كيف كان حال المسرح قبل الحرب؟ في الحقيقة لم يكن هناك مسرح محترف يولِّد تقاليد فرجة وإنما مجرد تجارب فردية يمكن أن تكون جيدة فنيا وفكريا هنا أو هناك بين فترة وأخرى، ولا يبدو لي أن هذا محض صدفة، وتحدثت أكثر من مرة أن هذا أيضاً واحد من مسببات ما يجري في البلد، إن نظرنا بموضوعية وبعين محايدة سنجد أن الكثير من فناني المسرح استطاعوا إيجاد صيغة ما لتكوين مجموعة تقدّم ما يمكن تقديمه على المسرح وهذا التحدي للموت والعنف وللتطرف، هذا من مميزات المسرح كمكان للإبداع الجماعي والذي يكتمل بحضور المتلقين للمشاركة بهذا “التحدي”.. أما على المستوى الآخر فأظن – خصوصا في السنتين الأخيرتين – أن العروض أخذت صيغة مالت للتعبير الشعاراتي المباشر عن توجّه أصحابها إيديولوجياً، في حين أعتقد أن هذه لربما يمكن أن تكون من مهام الإعلام، ولعبت بعض الصحافة دورا سلبيا بتكريس هذا الجانب وذلك بتخوين أي عرض لا يتحدث بهذه الطريقة – ولو بصيغة مباشرة وساذجة – وكأنه شريط إخباري، نحن بحاجة لسؤال أعمق ولرؤية فكرية وفنية أبعد تُفضي إلى انفعال مؤثّر ومغيّر لدى المتلقي وهذا يتطلب الحد الأدنى من شرط الحرية المسؤولة عند فنان المسرح، والحد الأدنى من الشروط المادية والتقنية، وهذا غير متوفر حاليا ولا أظن أنه سيتوفر في المستقبل القريب.. والمشكلة ليست في الحرب بذاتها وإنما بانتهازها واستخدامها لمصالح محض شخصية من قبل المسؤولين المؤثرين على الحركة الثقافية عموما والمسرحية خصوصا.. يكفي أن تعقد مقارنة بسيطة بين إنتاج فيلم سينمائي مهما قلَّت تكاليفه وبين إنتاج عرض مسرحي مهما بلغت تكاليفه، لتعرف حال المسرح السوري، وطبعا نحن نتحدث الآن وهنا، في خضم الحرب.
 
 
عبد الله الكفري:
 
المهم أن يبقى العمل المسرحي جارياً
 
منحت مؤسسة اتجاهات دعماً للمشاريع المسرحية المستقلة، في سعيها لتأسيس ثقافة مستقلة، بحيث ساهمت في خلق المزيد من الفرص أمام شباب المسرح السوري. كيف تلتمس المؤسسات المستقلة أثر الحرب على المسرح، يجيب المسرحي عبد الله الكفري المدير التنفيذي لمؤسسة اتجاهات قائلاً: 
 
من منطلق مؤسساتي أكثر منه فردياً، أؤكد أن الحراك أثّر بالإيجاب على المسرح السوري. والأهم هو السؤال عن كيفية هذا التأثير، فالحراك أثر على مستويات عدة: هناك تغييرات جذرية أصابت المشهد الثقافي السوري عموما، والمشهد المسرحي على وجه الخصوص، أولها انتقال الفنانين، إذ انتقل جل الفنانين السوريين من بيئتهم إلى بيئات أخرى، عربية أو أوروبية، وبصورة خاصة لبنان، حيث انتقل العديد من الفنانين السوريين إليه، وقابلوا جمهوراً جديداً، وقدموا أعمالهم في كنف سياسة ثقافية مختلفة عن سورية. في سورية الفنان يفترض وجود مؤسسة رسمية تقوم بدعمه عبر أشكال متنوعة، سواء عن طريق تأمين مكان البروفات، أو بتأمين مكان العرض…إلخ، بينما في لبنان فلا وجود لمؤسسة رسمية بالمعنى السالف، لا يوجد مسرح قومي في لبنان، والدعم في مجال المسرح ينحصر في صورة مناسباتية، لكن في المقابل أتاح هذا الانتقال أمام الفنان المسرحي السوري فرصا متعددة، ما خلق حيوية وجرأة على التعاطي مع العمل المسرحي. ورغم أن هذه التجارب ما زالت في طور اكتشاف الأدوات واختبارها، إلا أن أهميتها تكمن في تحريكها الوسط المسرحي السوري.
 
أحد أكبر التحديات التي تواجه الفنان السوري اليوم هو أن الإنتاج المتاح له، متاح مرة واحدة، وهذا يؤدي بدوره إلى أسئلة حول ضرورة المراكمة، وصعوبتها في ظروف إنتاجية كهذه، حيث للفنان فرصة واحدة فقط. زد على ذلك، أن هناك التفاتاً إلى ثيمات معينة دون سواها من جهة الداعم، فغدت موضوعات الحرب والثورة والتهجير محددات لدعم المشاريع.
 
وهناك مستوى آخر من التحديات يخص الفنانين السوريين الذين انتقلوا إلى أوروبا، حيث البيئة جد مختلفة، وتنتصب أمام الفنان تحديات مختلفة انطلاقا من اللغة وانتهاءً بالسياق الثقافي، يضاف إليها عدم الاستقرار. لكن، وبالرغم مما سلف، أرى أن هناك حيوية في المسرح السوري اليوم، وظهرت تأثيرات جلية على المسرح السوري إبان الحراك، منها النص المسرحي السياسي على سبيل المثال، إذ يوجد اليوم كتاب مسرح سوريون يعبّرون صراحة أن نصهم سياسي، وبغض النظر عن فحوى الرأي السياسي، إلا أن هذه الحالة جديدة على المسرح السوري وتستحق الوقوف عندها ودراستها.
 
من جهة أخرى، يواجه المسرح السوري ــ وينطبق هذا على الفن السوري قاطبة ــ إشكال “استحالة المتخيَّل”، فإلى اليوم ما زلنا ننتج أعمالا فنية لصيقة بالواقع لا تتجاوز التوثيق والتفسير والقراءة، ولهذا أسباب تفسره منها هول ما حدث ويحدث في سورية اليوم، وبالطبع يبقى ذلك رهن مرور الزمن.
 
على المؤسسات الثقافية المعنية بالإنتاج الثقافي السوري ودعم الفنانين المستقلين مواصلة دعم الفنانين بعيدا عن التقييم. فمثلا في “اتجاهات” نعنى جدا بالمنتج الفني، والمعيار الوحيد الذي على أساسه نختار المشاريع هو جديّة العمل الفني، ولا نلتفت لمنطقة دون أخرى في دعم المشاريع، فالفنانون السوريون ورغم وجودهم في سورية تحت ظروف قاسية جداً لكنهم لا يزالون قادرين على المنافسة والعمل. لذلك تتوجه اتجاهات للفنانين السوريين، سواء في سورية أو خارجها، في لبنان أو في أوروبا، أينما كان، المهم أن يبقى العمل المسرحي جارياً في ظل الظروف الصعبة التي تمر على الجميع من دون استثناء.
 
مضر الحجي:
 
لماذا المسرح؟
 
في نصه “عندما تبكي فرح”، يسائل الكاتب المسرحي مضر الحجي المفاهيم الثورية التي نادت بها الثورة السورية، مختبراً أثرها على شخصياته، مثلما اختبر اللغة في نصه الجديد “حبك نار”. يؤكد “الحجي” ضرورة التمهل قبل تقييم أثر سنين النار على المسرح السوري “لكننا نستطيع رصد إشارات معينة في طريقها إلى أن تغدو أكثر وضوحا مع الزمن، وبالتالي أكثر قابلية للتقييم، لكن واحدا من أهم المستجدات التي حضرت في المشهد المسرحي السوري –إن جاز لنا أن نسميه مشهدا- هو سؤال المعنى، لماذا المسرح؟ أعتقد أن السؤال حاضر في ذهن أي مسرحي سوري محترف وإن تباينت الأشكال في تمظهرات السؤال أو طرق الإجابة عنه، وبعد أن تجاوز معظمنا الجواب التقليدي: “أنا أعمل في المسرح لأنني فنان مسرحي، وهذه هي مهارتي أو حرفتي في الحياة” فقد بدأ البحث الجدي العميق في إجابات أخرى أكثر عمقاً وأكثر أثراً على الشكل المسرحي وعلى المضمون أيضاً. وهنا تكمن أهمية سؤال من هذا النوع، إذ إنه ينعكس بالضرورة على المنتج المسرحي، خاصة أنه يحيل في بعض جوانبه إلى حضور المتلقي في العملية المسرحية كعنصر بات اليوم أكثر وعياً وذكاء وقدرة على قراءة المنتج المسرحي، وربما كان التحول في شخصية المتلقي المحرك الأكبر لكل التحولات في ما سميناه المشهد المسرحي السوري، متلقٍ لا يكتفي اليوم بالذهاب إلى المسرح، إنه أكثر قدرة على طرح سؤال، لماذا أذهب إلى المسرح؟ ما الذي انتظره منه؟ ما الذي يمكن أن أجده على الخشبة لا أستطيع أن أجده على شاشة التلفزيون أو في وسائل التواصل الاجتماعي؟ ومن هذا المنطلق أعتقد أننا بدأنا بالتفكير بالمتلقي بطريقة مختلفة عما كانت عليه من قبل، وربما التفكير بمكان مختلف كليا للمسرح في حياتنا.
 
في كل مرة أفكر فيها في موضوع تحولات المسرح السوري، أجد نفسي وبشكل تلقائي أفكر في إشكالية اللغة في المسرح- على سبيل المثال- كنت لفترة طويلة مضت أكتب نصوصي باللغة العربية الفصحى، وكنت أعزو الأمر إلى قدرة الفصحى الأعلى على التعبير، لكن مجمل ما ذكرته مسبقاً دفعني للتفكير بشكل مختلف باللغة، وربما ارتبط الأمر بالعلاقة مع المتلقي الذي غدا بالنسبة لي أكثر أهمية، وخضت تجربة اللغة العامية في نصي الأخير “حبك نار” بالنسبة لي كان الأمر بمثابة التحدي الفني الذي أستطيع القول إنني سعيد بخوض غماره، كيف للغة العامية أن تكون حاملاً للدراما وأن تحافظ على التوازن بين الواقعية والشعرية وأن تتفادى الوقوع في الثرثرة في الوقت ذاته. أعتقد أن سؤال اللغة وإن كان يتعاطى مع الشكل المسرحي، إلا أنه أثر بشكل كبير وعميق في المحتوى، وأتحدث هنا أيضاً عن تجربتي في نص “حبك نار”.
 
خير ما تسمى به الحالة السورية، هو “تراجيديا إنسانية”، تراجيديا بكامل عناصرها المأساوية، وضعت الجميع أمام أسئلة جذرية عن الهوية والمجتمع والحرية، وفرضت واقعاً مشتعلاً يكوي كل من يقاربه. من هنا، وكغيره من المجالات الاجتماعية، وجد الفن نفسه أمام واقعٍ قاسٍ وزاخر بالأحداث، هرولت السينما نحو توثيق اللحظة الراهنة، وفتحت السردية السورية الكبرى الأدب على مصراعيه أمام أناس متعطشين للبوح، ماتت فنون أو تكاد، وأحييت أخرى، ولكن، ماذا عن المسرح السوري في هذه التراجيديا؟ وقبل ذلك، علامَ يدلل تركيب “المسرح السوري”؟ هل يقتصر على المسرح المُقدم في سورية تحت ظروف قاسية جداً، أم أنه يتسع ليشمل المسرحيين السوريين المتفرقين في أصقاع الأرض؟ وإذا كان المسرح عامة ــ والسوري على وجه الخصوص ــ محكوماً قبل أعوام “بالأمل” فهل هو اليوم محكومٌ بالعمل؟
 
في ظل هذا التوسع لمفهوم المسرح السوري، لم يعد ممكناً لمقالٍ نظري ــ مهما اتسع ــ أن يحيط بحال المسرح السوري في ظل الانفجار الذي تشهده سورية اليوم، لذلك سعت “ضفة ثالثة” إلى نقل حال المسرح السوري اليوم على لسان فاعليه الذين تحدثوا عن أثر الحالة السورية على المسرح، هل عاد الزخم الحاصل بالإيجاب على المسرح السوري أم لا؟ وكيف تم ذلك؟
 
هنا الحلقة الثانية والأخيرة:
 
 
 
وسيم الشرقي:
المسرح فن جماعي يتطلب بدءاً أمناً واستقراراً
 
عمل وسيم الشرقي كدرامتورغ لأكثر من عرض مسرحي، وقدم في دمشق سابقاً قراءات مسرحية من مسرحيات سورية معاصرة، عن الانفجار السوري وأثره على المسرح يقول:
 
بداية لا بدّ من التذكّر أنّ المسرح فنّ يحمل الجانب الإنتاجي منه أهميّة أساسيّة، فهو فنّ جماعي يتطلّب بدءاً أمناً واستقراراً وبنية تحتيّة تؤمّن اجتماع الناس وتقديم العرض المسرحي لهم، باعتبار أن العرض المسرحي بحضور الجمهور هو الهدف الأعلى لأيّ عمليّة مسرحيّة. بناءً على ذلك لا يمكن القول إنّ النتائج المترتّبة على الثورة السوريّة قد أحدثت نقلة إيجابيّة على المسرح داخل سورية من جهة ازدهار عروض المسرح وازديادها كمياً، ذلك لأنّ الغالبية العظمى من المناطق تعيش انعداماً للأمن والاستقرار، وأساسيّات الحياة المدنيّة.
 
ولكن لا بدّ أيضاً من استيعاب الحقيقة الجديدة المشكّلة لعالم السوريّين اليوم، والمتمثّلة في توزّع عدد كبير من السوريّين على دول اللّجوء، وأينما حلّ السوريّون بكثافة اليوم فإنّ وجودهم يشكّل حاجة لتعبير ثقافي عنهم بالعلاقة مع المجتمعات الأخرى، ويقدّم متعة ومحاولة لفهم العالم بالعلاقة مع السوريّين أنفسهم. في تلك المساحة، من الممكن القول إنّ عدداً لا بأس به من المحاولات المسرحيّة السوريّة، أو السوريّة-الأجنبيّة المشتركة قد قامت لتستهدف مجتمعات اللاجئين السوريّين، أو لتستهدف جمهور الدول المضيفة للتعريف بالوضع السوري، ووضع اللاجئين…إلخ.
 
على المستوى الشخصي أستطيع القول إنّ العلاقة مع المسرح بعد انطلاقة الثورة السوريّة كانت من موقع “مرن” ومتأقلم مع الظرف المتاح. فكانت علاقة إنتاج مسرحي مباشر وتقديم للعروض أمام الجمهور الحي من خلال مساحة الدراماتورجيا حين كان الأمر متاحاً، أي حين كنت مقيماً في دمشق التي تسمح توازنات آليات الإنتاج المسرحي فيها بخلق نوع من المسرح المستقل الذي لا يمثّل التطلّع السلطوي ويحاول أن يشذّ عنه.
 
أمّا اليوم نتيجة إقامتي في تركيّا فإنّ مساحة إنتاج مسرح سوري، أو سوري-تركيّ مشترك هي أكثر تعقيداً وتتطلّب الإجابة على عدد أكبر من الأسئلة السياسيّة والثقافيّة واللوجستيّة قبل القدرة على إنجاز أيّ مشروع جدّي ومحترم، ناهيك عن الكون جزءاً من المشهد المسرحي التركي الذي يعاني مشاكله الذاتيّة أيضاً. محاولة إنتاج مسرح ممتع ومجد هنا تبدو أكثر تعقيداً وإن كانت غير مستحيلة بالتأكيد.
 
بالعودة إلى الموقع الشخصي “المرن” أنهيت مؤخراً العمل على نص مسرحي سينشر قريباً كجزء من ورشة “الكتابة للخشبة” مع مؤسّسة “مواطنون فنّانون” وهي تجربتي الأولى للكتابة المسرحيّة خارج سورية، والتي تحمل بالنسبة لي كلّ تعقيدات وأسئلة الجدوى من الكتابة أو النشاط المسرحي مع كلّ هذا البعد عن البلاد، ومع تعاسة ما تعانيه البلاد نفسها. والأمر ذاته (أي كتابة نص مسرحي) ينطبق أيضاً على الكتابة النقديّة، أو الترجمة، أو أيّ عمل مسرحي آخر. يحاول أن يشكّل جزءاً من المشهد المسرحي السوري، في لحظة ضبابية لا يمكن التكهّن معها بشكل أي شيء سوري في المستقبل القريب، أو البعيد.
 
بالمحصّلة أشعر بأنّ الحراك السوري أثّر بشكل إيجابي على جرأتنا وفهمنا لأنفسنا وبلدنا والعالم المحيط بنا. كما أثّر بشكل سلبي على حياتنا وقدرتنا على الإنتاج والمراكمة. لكنّ قناعتي الشخصيّة أنّه أياً كانت النتائج الماديّة للحراك، لا يجب أن تكون المقاربة له متعلّقة بالندم وتقييم الأمور بالسلب والإيجاب. المحاكمة والوقوف مع الذات مهمّة بالتأكيد، ولكن فقط لفهم الوضع الجديد والتأقلم معه، والمراكمة عليه بعيداً عن اليأس، أو العدميّة.
 
 
وائل قدور:
 أين تكمن القيمة المضافة للفن؟
 
قُدّم نص وائل قدور “خارج السيطرة” كمشروع تخرج لطلاب السنة الرابعة تمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية 2014، ويعمل اليوم على نص جديد تحت عنوان “وقائع مدينة لا نعرفها”، بالإضافة لعمله على عرض مسرحي بعنوان “الاعتراف”. يقول قدور عن حال المسرح السوري اليوم:
 
لا أدعي اطلاعي على كامل الإنتاجات المسرحية السورية التي واكبت حدث الثورة السورية. تسنّى لي حضور بعض العروض بصورة مباشرة في الأردن وفرنسا، فضلاً عن قراءة بعض النصوص المسرحية التي كُتبت خلال السنوات الست الماضية. إضافة إلى انخراطي في مشاريع كتابة وإخراج متفرقة، وبالتالي أضع رأيي في إطار مجتزأ ومحصور بحالتي الشخصية.
 
اتسمت بعض النصوص والعروض المسرحية التي واكبت الحدث السوري بالمباشرة والانفعالية، مما أدى إلى عروض عابرة سريعة النسيان. تجارب أخرى حاولت تجنّب المعالجة السياسية وركّزت على الجانب الإنساني من الحالة السورية فتناولت موضوعات عامة حول الغياب، الرحيل والذاكرة. وهناك بعض العروض تجاهلت الوضع الراهن كلياً.
 
برز لدي سؤال هام: كيف يمكن كتابة وإخراج أعمال مسرحية معاصرة ذات قيمة فنية عالية وقريبة من الحدث اليومي المُعاش؟ عروضٌ تلامس الحدث اليومي المُعاش من جهة وتدرك الشرط الاجتماعي والسياسي العام للبلد وللمنطقة ككل من جهة ثانية. عروضٌ لا تقع في فخ المباشرة ولكنها لا تبتعد عن نبض الشارع. عروضٌ تعي السياقات الثقافية والاجتماعية الكبرى ولكنها في الوقت نفسه لا تتعالى على المتلقي وتحلّق بعيداً عن اهتمامات الناس.
 
كشفت العروض والنصوص المسرحية المرافقة لأحداث الثورة في سورية عن حجم الاحتياج إلى الرؤية الإخراجية الشاملة المصحوبة بالاشتغال الدراماتورجي العميق.
 
قد لا يمكننا اليوم امتلاك إجابة شافية وشاملة تفيد بحجم استفادة أو عدم استفادة الإنتاجات المسرحية السورية، نصاً وعرضاً، من الثورة. ربما يمكننا الحديث اليوم عن ملامح عامة قد تقودنا، عبر البحث والمراقبة، إلى تحديد سمات أو توجهات أكثر وضوحاً.
 
أعتقد أن بعض المسرحيين أعادوا استخدام أدواتهم القديمة بمحتوى جديد، الأمر الذي قد لا يفضي في الوقت الراهن إلى نتاجات ذات جودة عالية، ولكنه يضعنا بالضرورة في سياق إعادة اختبار وتجريب ومساءلة الأدوات والقوالب السابقة.
 
يرفد هذه المسألة الانخراط المحدود حيناً والواسع أحياناً للمسرحيين السوريين في تجارب البلدان المجاورة وأوروبا سواء من خلال العمل مع فنانين مختلفي التجارب والسياقات ضمن إنتاجات فنية جديدة أو من خلال التحاق عدد من المسرحيين بجامعات ومدارس أكاديمية، وفي كلا الحالتين ينبغي للنتائج القادمة أن تكون إيجابية.
 
ولكن، في الوقت نفسه، عانى المسرحي السوري، ولا يزال، من شروط اللجوء القاسية خارج سورية، ومن شروط المعيشة التي لا تقل قسوة داخل سورية. وهو ما يحول دون تطور مهني أو ممارسة تراكمية أو هامش واسع في الخيارات.
 
تفعيل الشاهد كوثيقة درامية بات حاضراً في بعض التجارب المسرحية. الأمر الذي يُعد إيجابياً ولكنه يفتح باب النقاش واسعاً أمام شروط ومعايير استخدام الشهادات الحية في المسرح. كيف نتجنب نسخ الواقع عبر الشاهد؟ ما هي حدود الخصوصية؟ وأين تكمن القيمة المضافة للفن؟ (النقاش نفسه يتكرر في السينما الوثائقية السورية)”. 
 
 
أسامة حلال:
ما هو دوري كمسرحي تجاه ما يحدث؟
 
أصبح لفرقة “كون” المسرحية السورية مكاناً ثابتاً لها في بيروت، حيث دأب مديرها المخرج أسامة حلال على تأمين مساحة يعمل فيها وفرقته، يؤكد حلال أن السؤال لأهم هو: “لماذا أعمل في المسرح، ما الجدوى من ذلك قبل الحراك وبعد الحراك؟”، قبل الحراك كان بحثي في المسرح جمالياً، عملت مع المراكز الثقافية الأجنبية في سورية كي أتمكن من العرض في الشارع أو خارج الأماكن والبنى التقليدية للمسرح في سورية، وقدمت معهم عروضاً على سطح بناء، وفي نفق مشاة، وكان همي آنذاك هو أنني لا أريد التعامل المباشر مع المؤسسات الحكومية السورية عموماً، ومديرية المسرح والموسيقى خصوصاً، وربما أنا من القلائل الذين لم تنتج لهم مديرية المسارح أي عمل، ولكن بالطبع عرضت على خشبات المسارح لكن دون الإنتاج. قبل الحراك، لم يكن ممكنا التفكير في الحرية السياسية والفكرية في المسرح، لذلك التفتّ وقتها للشكل الجمالي للعرض المسرحي، ورفضت كل الأشكال المسرحية السورية المكرسة آنذاك، وهي التي تنحصر في ثنائية (الممثل والنص)، ونشدت أشكال فرجة مسرحية جديدة تعنى بالشكل بقدر عنايتها بالمضمون.
 
أول الأسئلة الكبرى التي واجهتني مع بداية الثورة السورية هي: ما هو دوري كمسرحي تجاه ما يحدث؟ أحيانا شعرت أن المسرح ترف في الزخم المحيط به، لكن فيما بعد استنتجت أهمية المسرح كفن فاعل في المجتمع، قيمته تأتي من قدرته على تقديم أفعال رمزية تحمل اعتراضات على الواقع. من هنا، أعدت تقديم عرض “جثة على الرصيف” في دار الأوبرا عام 2011، وهو ما أثار حينها قلقاً حقيقياً، وبعدها قدمت عرض “سيلوفان” إذ قيل لي بعد تقديمه أنه غير مرحب بي في العمل المسرحي في سورية، وذلك لأني حينما قدمت عرض سيلوفان كنت أقوم بفعل اعتراض حالي حال المتظاهر الرافض للظلم. لذلك، تابعت عملي المسرحي بالرغم من خروجي إلى لبنان، وعندما أجد أن هناك من يراهن بروحه من أجل عرض مسرحي، فذلك يعني أن المسرح فن ضروري وليس نافل اليوم.
 
اليوم في بيروت، حيث أصبح لفرفة كون مكان ثابت للتدريب، لم نصل إلى ما وصلنا إليه لولا الثورة السورية لأنها أكدت لنا أهمية وضرورة فعل المسرح، وذلك من خلال تجربتي وتجربة المجموعة. بعبارة أخرى، الثورة دفعتني لتحويل العملية الإبداعية الفنية لحالة جمعية أشاركها مع الجمهور، فلم يعد العرض رأياً فردياً، بل هو سؤال ونقاش بين الجمهور، وهذا لم نتعلمه بالدراسة الأكاديمية بل بالتجربة، وبتجربة المسرح في الثورة تحديداً، فالحراك حرك طاقات وأدمغة الشباب بغض النظر عن تقييم المنتج. اليوم في فرقة كون هناك السوري والفلسطيني واللبناني والفرنسي، ما الذي جمع هؤلاء؟ جمعهم حبهم وحاجتهم  للمسرح وأسئلة أعضائه المشتركة حول الهوية والحرية. لذلك أجد أن السؤال الحاضر اليوم هو سؤال جدوى “لماذا أشتغل في المسرح” وليس سؤال كيفية: “كيف سأعمل في المسرح؟”.
 
رغم إمكانية العمل في التلفزيون وما يحمله من استقرار اقتصادي للممثل، بيد أني آثرت العمل في المسرح، راهنت على ذلك، قدمت عروضاً قبل الثورة وبعدها، منها ما قدمته كما هو لكن التلقي كان مختلف بين حقبتين، وأقصد بالحديث هنا عرض “جثة على الرصيف” الذي قدمته قبل الثورة وأعدت تقديمه بعدها. برأي الثورة رتبت أدواتي كمسرحي وطورتها وأعطتني المعنى لعملي كفنان  ــ كما حال باقي المهن التي تطورت مع الثورة ــ وأثارت لي كماً هائلاً من التساؤلات التي كانت غائبة عن كل بيئة محيطة بي قبل الثورة بداية بمنزلي ونهاية بمكان دراستي.
 
زبدة القول، الثورة لم تحطم أصناما سياسية وحسب بل حطمت أصناما فنية أيضاً وحركت الواقع العربي كاملاً بعد فترة سكون وسبات.
 
 
نغم ناعسة:
استطعنا أن نكثف آلامنا ومآسينا
 
تدير نغم ناعسة اليوم مركز “ستيج آرت” الفني في دمشق، وكانت قد أعدت قبلاً ورشات لإعداد الممثل، عن صعوبات العمل المسرحي في دمشق وهل أثرت الحرب على المسرح بالإيجاب تقول ناعسة:
 
لو كانت  إجابتي بنعم فقط فأنا أكذب، وبالمقابل لو كانت (لا) فانا أكذب أيضا، هي (نعم ولا) بنفس الوقت، نعم أثر الحراك: لأننا استطعنا أن نكثف آلامنا ومآسينا الحقيقية والتراجيدية في (موسيقانا ومسرحنا وأفلامنا) أي بفننا بشكل عام، عبر تراكم سنين الحرب من خلال أعيننا التي هي (معرفة) الحياة.. وإذا قلت لك إننا نحن الأفلام والأساطير بحد ذاتها لمجرد النظر إلى وجوهنا فردا فردا.. فحتما ستكون الإجابة  بـ نعم وله أثر كبير جدا.
 
المسارح اليوم في كل بقاع البلاد تضررت، مما أثر على التواصل الفني والمسرحي بين الشباب فلا مهرجانات ولا احتفالات ولا تبادل ثقافي من خلال محاضرات وورشات عمل، وغدت دمشق المدينة الوحيدة التي تنتج عروضا خلال العام ولو كانت أقل من عدد أصابع يديك.. وبقيه المحافظات كما تعرف بحرب وبدونها (لا مسرح لمن ينادي)، وأصبح الاعتماد على الاجتهاد الشخصي أو التمويل من قبل جمعيات وجهات تعنى بالمسرح.. مما ساعد الكثير من الشباب السوريين على إنتاج مسرحيات لها قيمه فنيه خلال الحرب خلقت لديهم شعورا بالبقاء لمجرد إحساسهم بالإنتاج.
 
أما عن إجابتي بـ( لا) فلم تؤثر فلأن طاقات الشباب مهدورة بحرب وبدونها، وكان الدعم محصورا بفلان وعلتان، مخرج واحد ،عدة ممثلين، وهكذا، وأنا من الأشخاص الذين لم يعملوا كثيرا  بسبب هذه الفكرة(سيطرة الشللية على كل مجالات الفن قبل الحرب) فما بالك بعدها.
 
لذلك اخترت عزلتي في مركز ستيج أرت أنا وشركائي وفريق العمل الذي يرى الفن من جانبه الإنساني والفكري.. والذين يعملون بضمير وينتجون بضمير.. لذلك النتائج التي حققناها خلال فتره قصيرة كانت مبهرة على الصعيد الفني والأكاديمي رغم كل الصعوبات.. وهذا إن كان له أثر كبير.. فالأهم أثره على الناس الذين ليس لديهم القدرة على مغادره البلاد.. ولهم الحق في أن نكون.. ويكونوا.. ليكون هناك وطن..
 
أثر أي مركز ثقافي اليوم في معمعة هذه الحرب هو وصول هذه المراكز إلى تغيير عقلية الناس وكسر روتينهم والأهم تعليمهم الفن الراقي والهادف.. وتغيير وجهة نظرهم تجاه الفن.
 
 
عمر جباعي:
المسرح وسيلة رائعة للتعبير عن الذات
 
قدم المخرج المسرحي عمر جباعي عروضاً عدة في دمشق وبيروت، لم يجب جباعي بالفصحى، بل اختار العامية للتعبير عن حال المسرح السوري اليوم، فقال:
 
أنا ضد السؤال من أساس، شو أساسو السؤال؟ هاد كمان سؤال، بعدين بدنا نقرر هل هو: انفجار سوري عاد على الفن والأدب وغيره بالزخم؟ ولا حراك سوري أثر بالإيجاب… إلخ؟ إنفجار ولا حراك؟
 
طيب الحالة السورية شو يعني؟ رح افترض إني بعرف شو يعني، إيه ساعتها بصير بدي إسألك وإسأل حالي إنو هي كانت فودفيل واستحالت لتراجيديا؟ ولا هي تراجيديا أصلاً بس الآن لقلع أوديب عيونه؟
 
مسرح سوري؟!! هي بدعة! ممكن يكون في غول وعنقاء وخل وفي، بس مسرح سوري؟!! مسرح الحمرا مثلاً؟ الأوبرا؟ ولا مسرح المركز الثقافي العربي بجوبر قصدك؟ مسرح سوري متل مثلاً لما نقول المسرح الأوروبي أو هيك شي قصدك؟ فهمت، بس ما في مسرح سوري متل هيك. في هالكم واحد اللي ممتهنين المسرح، ويلي قلال ومشرذمين جغرافياً وفكرياً وفنياً ونفسياً لدرجة إنو ما في تراكم مسرحي بهالبقعة من العالم يخلينا نقول عنو: مسرح سوري، وهاد التشرذم كان قبل الحراك/الانفجار/الأزمة/المنعطف وزاد بعدها. الحكي بالسياسة لا بل الحكي عن حافظ الأسد شخصياً ما بخوف قد الحكي بهالقصة. لأنو متل يلي عم يفرك الجرح بالملح..
 
ليش عم اشتغل مسرح؟ ليش مصر اشتغل مسرح؟ بيغلط الإنسان، هيك طبيعتو، وما في مهنة تانية بين إيديي، هي من جهة، من جهة تانية، في حلم قديم كان يداعب شغلات فيني إنو المسرح يجي لعند الجمهور بدل ما الجمهور يجي عالمسرح، إني أعمل مسرح جماهيري، يعني الصالة تكون كومبليه كل الوقت، والمسرح يصير جزء من حياة الناس، هاد الحلم وحدة من الشغلات القليلة جداً اللي بتعطي معنى لحياتي، وكتير صعب _ويمكن مدعاة للانتحار حتى_ إني صير بلا حلم، مع إنو الله وكيلك ما عم إشتغل عليه بليرة. وطبعاً كمان صعب كتير إبتكار حلم بديل، خاصة إنو المسرح وسيلة رائعة للتعبير عن الذات، ما بتشبه أي وسيلة تعبير أخرى.
 
————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – ضفة ثالثة 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *