المسرح الحساني نظرة تاريخية واستشراف للمستقبل – فيصل رشدي

المسرح الحساني نظرة تاريخية واستشراف للمستقبل – فيصل رشدي

     يعرف المسرح بأنه “أحد فروع فنون الأداء أو التمثيل الذي يجسد أو يترجم قصصا أو نصوصا أدبية أمام المشاهدين باستخدام مزيج من الكلام. الإيماءات. الموسيقى . والصوت على خشبة المسرح، ذلك البناء الذي له مواصفات خاصة في التصميم[1]“، ويحوز اليونانيون القدامى فضل النهوض بهذا الفن النبيل وتطويره، فأعظم المؤلفين المسرحيين كانوا يونانيين، نذكر منهم سوفوكليس، أرسطو فان، واسخيلوس، ويوربيدس، كما أن الفيلسوف اليوناني أرسطو، كان من أهم من نَظَّرَ له، وأسس قواعده، التي ما زال يستنير بها الكتاب والنقاد في عصرنا الحاضر.

وفي العصر الحديث، تعرف العرب على المسرح من خلال احتكاكهم بالثقافة الأوروبية، خلال رحلاتهم، وبعثاتهم الدراسية، وأهم من ذلك، دخول الاستعمار لهذه البلدان، ما أتاح الفرصة للشعوب العربية لمتابعة وتعرف فن المسرح، تمثيلا، وقراءة، وترجمة، ونقدا، ومؤسسات . في الحياة العامة، وفي المناهج الدراسية أيضا، والمجلات الثقافية والفنية.

فبعد خضوع المغرب للاستعمارين الفرنسي والاسباني، ظهرت في الساحة الثقافية المغربية في عدد من المدن فرق مسرحية، كما انخرط عدد من الكتاب في تأليف النصوص المسرحية، أو ترجمة بعضها من اللغات الفرنسية والإسبانية.

أما فيما يخص جنوب المغرب والذي هو موضوع المقال، فقد كان الاستعمار الإسباني يحتل تلك الربوع من أرضه، وهناك انتشار واسع للثقافة البيضانية التي تمتد كما يقول الأستاذ محمد حمدي ودادي “من واد نون شمالا، إلى نهر السنغال والنيجر جنوبا، ومن المحيط الأطلسي غربا إلى النيجر شرق[2]“. و”البيضان”هم سكان تلك البلاد. و”الحسانية هي لهجتهم و” ثقافتهم، التي تربط نسبهم ببني حسان الذين جاؤوا في القرن الثاني عشر الميلادي من اليمن، واستقروا بالمنطقة وانصهروا مع القبائل الصنهاجية في بوتقة إنسانية حافلة بتراث غني. عندما دخل الاستعمار الإسباني للمنطقة السالفة ذكرها(جنوب المغرب) لم يهتم بالجانب الثقافي، بقدر ما كان يتلهف لنهب ثروات المنطقة من فوسفاط وحديد وغيرها من المعادن الثمينة . بعد خروج الاستعمار الاسباني عرفت المنطقة انفتاحا على المكونات الثقافية و الاجتماعية من مدن شمال المغرب، وبدأت عملية التثاقف، حيث برزت إرهاصات لتشكل المسرح الحساني بشكل من الأشكال.

فالبدايات الأولى للمسرح الحساني لم يتم الحسم فيها، وللباحثين آراء مختلفة حولها . وفي هذا الصدد، نقف عند رأي مهم للدكتور أسليمة أمرز، الباحث في المسرح الحساني، في معرض إجابته على سؤال حول الموضوع  “بدأت الإرهاصات الأولى للمسرح الحساني بدايات الثمانينيات من القرن المنصرم من خلال عروض تقدم في مناسبات اجتماعية ووطنية، ما أعطى كذلك الفرصة للمدارس للمشاركة وما فتح الباب للعروض المسرحية التربوية للتلاميذ، زيارة بعض الفرق المسرحية من الشمال للجنوب”[3]، ربما هي الإرهاصات الأولى للمسرح الحساني. فالمسرحيات التي كانت تعرض كانت التراجيديا والكوميديا، من خلال الأعمال التي تشخص أيضا في دور الشباب، وخير مثال على ذلك دار الشباب بئرإنزران بمدينة طانطان، التي كانت فضاء للجميع من تلاميذ وطاقات موهوبة. وكان إسهام الدكتور أسليمة أمرز بارزا في هذه الحركة المسرحية، من خلال ورشة تاريخية انبثقت عنها فرقة مسرحية حسانية خاصة بمدينة طانطان.

وهناك من يرى بأن العروض التي كان يقدمها الأستاذ مصطفى التوبالي من خلال احتفالات الأعراس، بأنها هي البدايات الأولى للمسرح الحساني، لكن حينما نضبط مفاهيم المسرح على تلك الأشكال لا نجد ما يقدمه مصطفى التوبالي عرضا مسرحيا، وإنما كان يدخل ضمن ما يطلق عليه “الفرجة” التقليدية، لأن الفضاء المسرحي لم يكن موجودا، وأساسا الفضاء فهو الذي يحدد معالم المسرح من خلال الخشبة، والديكور، وبعض العناصر الأخرى.

المسرح كفضاء معروف لدى عامة الناس بحدوده وعناصره الكاملة، وهو الذي يشكل المكان الأول للممثل لصقل مواهبه، وإبراز ميوله عن طريق الحفظ، وأيضا الإبداع في الارتجال. وهو ما سعى إليه أبناء الصحراء متأثرين بالمسرحيات المصرية، التي كان لها وقع مؤثر عليهم. فمسرحيات الفنان المصري عادل الإمام، كانت تشجيعا لهم، ومغامرة منهم لدخول عالم أبي الفنون ولو عن طريق الاكتشاف.

كما أن عمليات التثاقف الذي حصلت بين سكان الشمال والجنوب أعطت مفعولها من خلال بعض الموظفين من أبناء الشمال، الذين كان لديهم ولع بهذا الفن، ودراية بأصوله وقواعده، مارسوها من خلال تعاطيهم مع الثقافة الحسانية ومكوناتها.

فحسب ما قاله الدكتور أسليمة أمرز “فإن من بين أولى المسرحيات الحسانية “صحراوي تحت الخيمة” في الثمانينيات من القرن المنصرم، وتجدر الإشارة في هذا الصدد بأنه تم تأسيس فرقة مسرحية في جهة واد الذهب لكويرة، وبدأ مسرح الشباب يفتح ذراعيه للشباب كفضاء لصقل مواهبهم . تعد أيضا مسرحية “لمرابط ماهو صاحب إيكيو” أيضا من بين المسرحيات الحسانية الرائدة، فقد كتبها الأستاذ إبراهيم الحيسن وقدمت دورها الممثلة شريفية العميش”.وهذه المسرحية حظيت بدعم من وزارة الثقافة المغربية.

ثم بدأ المسرح الحساني يعرف مسرحيات أصبح يقدمها معظم أبناء المنطقة كمسرح أنفاس في مدينة الداخلة في العام 2006، والذي قدم الشيء الكثير للمسرح الحساني، بفضل عمله الدؤوب، والمهرجان الذي يقام سنويا بمدينة الداخلة.

إن المسرح الحساني وجد في تراثه المادة الدسمة، للإبداع من خلال نقل الحكايات الشعبية والأساطير والأمثال وتوظيفها في المسرح . إن غنى التراث، جعل المسرح فضاء للتعبير، وذكرى لاسترجاع التراث ونقله، عبر ممثلين تقمصوا أدوار شخصيات تاريخية فكاهية، مثل شخصية “شرتات” الأسطورية، الذي ظل يبحث عن زوجته، وأيضا شخصية عيشة أم النواجر، والريكط، فكانت حكاياتهم إلهاما للممثلين في تقمص حركاتهم وكلامهم وهذه الحكايات مادة دسمة للفكاهة. و لا ننس أيضا التراجيديا من خلال النصوص التي جسدت في العديد من المسرحيات، فكانت أحلى ما شوهد في فضاء المسرح بكل من مدن العيون و السمارة والداخلة وطانطان وكلميم.

وننوه بالدور الكبير الذي لعبه كل من الأستاذ مصطفى التوبالي ومحمد شاكر عنات، في تأسيسهم لبعض الفرق المسرحية، إضافة إلى مسرح الحبشي في مدينة السمارة مع الأستاذ عمر ميارة، الذي يعود له الفضل في اكتشاف مواهب مهمة في مجال التمثيل، انطلقت من فرقته المسرحية، فقد أخرجت مدرسته فنانين كبارا أمثال: سيدي السالك البودناني، ومحمد بناهي، والجميعي بوجمعة . لقد استطاع عمر ميارة، أن يؤسس مهرجانا سنويا بعنوان “المسرح الفكاهي”، والذي يحظى بدعم محلي ووطني، من أجل تشجيع الشباب، وصقل مواهبهم.

ولا ننس كذلك مدينة العيون التي أخرجت فنانيين كبارا أمثال محمد بوشايت، محمد الشرداي، لحبيبة البصراوي، فاطمتو فاصك، الدحادح سكينة، بوغريون عزيزة . ونشيد بالعمل الكبير الذي يقوم به كل من البلال سالم الذي يعتبر من أهم الفنانين المسرحيين الحساني، رفقة توفيق شرف الدين . فقد قدما معا مسرحية “الصعلوك”، التي كانت مرآة لحال الصعلوك الذي اختار أن يبيت في مكان صغير في حوار فكاهي مع الشرطي.

تظل مسرحية “الخالفة” تأليف عالي مسدور، وإخراج أمين ناسور، أهم مسرحية حسانية لفتت انتباه المشاهدين والجمهور في المغرب في العام 2018، فقد حصلت على جائزة المهرجان الوطني للمسرح في دورته العشرين، فقد أدى الدور على خشبة المسرح كل من سالم البلال والعالية طوير وخديجة الزروالي، فقد قدم هؤلاء الثلاثة عرضا رائعا وساحرا، أعجب الجمهور المغربي، ولجنة التحكيم.

إن المسرح الحساني مسرح قائم بذاته رغم العراقيل التي تقف أمامه، لكن بفضل أبناء المنطقة يحاول المسرح الحساني أن يضع لنفسه مكانا في المسرح الوطني والعربي والعالمي. إن المسرح الحساني هو مسرح ينهل من التراث ويسلط الضوء على الحاضر، فهو قنطرة يربط ما بين الماضي والحاضر، ويحاول أن يستشرف المستقبل بتطلعاته، ويحاول أن يصل بمواضيعه إلى العالم، وأن يرقى في معالجته النصوص إلى تطلعات الجمهور العالمي.

فيصل رشدي : باحث من المغرب

لائحة المراجع

محمد محمود ودادي، القبائل البيضانية في الحوض والساحل الموريتاني وقصة الاحتلال الفرنسي للمنطقة، ، دار الكتب بنغازي، ليبيا، الطبعة الأولى، 2001.

لائحة المصادر الإلكترونية

http://www.feedo.net/lifestyle/arts/Theatre/Theatre.htm.

1.http://www.feedo.net/lifestyle/arts/Theatre/Theatre.htm.

[2] محمد محمود ودادي، القبائل البيضانية في الحوض والساحل الموريتاني وقصة الاحتلال الفرنسي للمنطقة، دار الكتب بنغازي، ليبيا، الطبعة الأولى، 2001 ، ص8

[3] مقابلة مع الدكتور أسلمية أمرز(باحث في المسرح الحساني)، يوم الأربعاء، 20.00،10/11/2019مدينة طانطان.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش