المسرح الجديد في‮ ‬القرن العشرين

 

 ‬داجمار كاس
 
 
أرضية هذا المقال هي‮ ‬التكنولوجيا التي‮ ‬تم تهميشها من خلال رغبتنا في‮ ‬اكتشاف العالم والإنسان،‮ ‬والمسرح الذي‮ ‬لا‮ ‬يحتاج بالضرورة إلي‮ ‬القاعات،‮ ‬والذي‮ ‬ينتشر بعيدا عن الكلمة،‮ ‬ويقول‮ »‬مايكل هاكسلي‮« ‬و»نويل ويتس‮« ‬في‮ ‬كتابهما‮ »‬قارئ المسرح في‮ ‬القرن العشرين‮« ‬إن التكنولوجيا ابتكرت رؤية جديدة للعالم،‮ ‬وأننا‮ ‬يمكن أن نتوقع أن‮ ‬يتعامل المسرح مع المعالجة المركبة للموضوعات والاستجابات المركبة في‮ ‬القرن العشرين‮.‬
وسوف أقدم عدة أشكال للمسرح الجديد‮ (‬علي‮ ‬أساس تصنيف العروض وليس الفرق المسرحية أو الفنانين‮) ‬مع بيان ثلاث طرق مختلفة في‮ ‬استخدام الإنترنت‮.‬
1‮- ‬الإنترنت كأداة‮: ‬وسوف نقدم من خلالها مختلف الأشكال المسرحية التي‮ ‬تقدم الحقيقة الفعلية مقابل الحقيقة الافتراضية من خلال استخدام الإنترنت‮.‬
2‮- ‬الإنترنت كمخرجات‮: ‬المسرح الذي‮ ‬يستخدم الحقيقة الافتراضية لكي‮ ‬يصبح جزئيا آلة وإنسان وآلة‮.‬
3‮- ‬الإنترنت كأداة ومخرجات‮: ‬أشكال المسرح التي‮ ‬تعتبر البيئة أهم من المساحة الخالية‮.‬
وهدفي‮ ‬هنا ليس تقديم تحليل عميق،‮ ‬بل تقديم المصطلحات والشروط‮.‬
‮< ‬الإنترنت كأداة‮:‬
حظي‮ ‬المسرح التفاعلي‮ ‬باسمه من العوض التفاعلي‮ »‬فندق الجحيم‮« ‬الذي‮ ‬أخرجه‮ »‬كيلي‮ ‬ديبل‮« ‬والذي‮ ‬استخدم فيه البرمة الموجهة‮ ‬Max/Msp‮ ‬متتبعا حركة المؤدي‮ ‬البشري،‮ ‬ويرسل المعلومات عبر شبكة وسيطة لكي‮ ‬يتحكم في‮ ‬المستوي‮ ‬السمعي‮ ‬لشكل الصوت وإطار الزمن لإعادة تشغيل الفيديو كليب‮. ‬والنص كوسيلة توضيحية‮ ‬يتم استبداله بصوت جمهور حقيقي‮ ‬بعض الجيران مسجل مسبقا،‮ ‬وصور فيديو تخلق فراغ‮ ‬إيهامي‮ ‬يفهم باعتباره فراغًا حقيقيًا من جانب المتلقين‮. ‬ولدينا صيغة لسلسلة متنوعة ومتكررة تربط الفراغ‮ ‬وحركة الشخص وتقنية الكمبيوتر والإنترنت،‮ ‬ولابد أن تعمل هذه المكونات الثلاثة وإلا سوف تنهار السلسلة ويتلاشي‮ ‬ذلك العالم‮.‬
‮< ‬مسرح الوسائط المتعددة‮:‬
وهو‮ ‬يقوم علي‮ ‬عرض‮ »‬معدل سرعة الهروب‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة المسرح الأسترالي‮ ‬في‮ ‬الفراغ،‮ ‬وهذا العرض‮ ‬يخلق حوارا بين مفاهيمنا البصرية والشفاهية والحركية باستخدام الفراغ‮ ‬الحقيقي‮ ‬والفراغ‮ ‬الافتراضي‮ ‬المبتكر بواسطة‮ »‬خدمات الشبكة الرقمية المتكاملة‮ ‬ISDN‮« ‬والفيديو كونفراس‮ (‬أو اللقاء عبر الفيديو‮). ‬وتستخدم الفرقة المفهوم الذي‮ ‬يقول إن الفراغ‮ ‬المسرحي‮ ‬يفهم علي‮ ‬أنه‮ ‬غير مرئي‮ ‬ولا محدود ومرتبط بمستخدميه،‮ ‬وكما‮ ‬يقول‮ »‬باتريس بافيس‮« ‬إن الفراغ‮ ‬لا‮ ‬يمكن ملئه بل‮ ‬يتم توسيعه،‮ ‬ويمكن تجاوز الحقيقة عندما‮ ‬يصحب الممثل الحقيقي‮ ‬ممثلاً‮ ‬افتراضيًا‮ ‬يتم احضاره إلي‮ ‬خشبة المسرح باستخدام وسائل تقنية،‮ ‬ويمكننا أن نصف حقيقتين الفراغ‮ .. ‬الذي‮ ‬يحدث فيه العرض حيث تتم مشاهدة الراقصين بواسطة الكاميرا،‮ ‬وهاتان الحقيقتان تخلقان حقيقة ثالثة مشتركة بين كلا الراقصين‮ (‬الحقيقي‮ ‬والافتراض‮).‬
ويستفسر مسرح‮ »‬الحركة عن بعد‮ ‬Telematic theates‮« ‬عن مفاهيم مثل الهوية والفراغ‮ ‬والزمن،‮ ‬ومفهوم الحقيقة الطبيعية والاصطناعية،‮ ‬وفي‮ ‬عرض‮ »‬جنون الملائكة‮« ‬(1994)‮ ‬لفرقة كوربسندايس الكندية‮ ‬يحظي‮ ‬كل راقص بحضور مزدوج،‮ ‬الأول حقيقي‮ ‬ومباشر،‮ ‬والآخر حضور حركي‮ ‬عند بعده ويمتلك كل راقص إشارة مشفرة علي‮ ‬جسمه تولد البيانات وترسل هذه المعلومات المنظمة إلي‮ ‬موقع آخر وتولد فراغًا موسيقيًا،‮ ‬وفي‮ ‬هذه الدائرة الإبداعية التفاعلية‮ ‬يمكن لكل راقص أن‮ ‬يعي‮ ‬نتيجة أفعاله وحركاته‮ – ‬فالصوت الصادر من مكان له تأثير علي‮ ‬الصوت في‮ ‬مكان آخر،‮ ‬ويضع نظام الفيديو كونفراس‮ ‬(ISDN)‮ ‬الزمن في‮ ‬مركز الأداء ويوسع معانيه،‮ ‬وربما‮ ‬يتصادف أثناء تحول الراقص أن تختلط وحدات الزمن ومناطقه‮ – ‬أو الزمن من حيث تضافر الماضي‮ ‬والمضارع والمستقبل هو الزمن الذي‮ ‬أسميه‮ »‬الزمن الحجمي‮ ‬Dinensional Time‮«. ‬فالمسرح لم‮ ‬يعد‮ ‬يتعامل مع الأشياء بل المادية،‮ ‬بل أصبح‮ ‬يتعامل مع الإشارات الرقمية المتوائمة والمتناسقة مع الزمن الحقيقي‮.‬
والأداء التجسيدي‮ ‬Avatar Performance‮ ‬هو المعمل الذي‮ ‬يلعب فيه الممثل دور فأر التجربة ويلعب فيه المخرج دور العالم،‮ ‬ففي‮ ‬عرض‮ »‬موفاتار‮« ‬الذي‮ ‬قدمته الفرقة الأسترالية‮ »‬ستيلارك‮« ‬هو تجربة‮ ‬يتم من خلالها تحريك الجسم البشري‮ ‬باستخدام كمبيوتر ثلاثي‮ ‬الأبعاد‮ ‬يولد جسما افتراضيا‮. ‬والعرض‮ ‬يقوم علي‮ ‬التحريك العكسي‮ ‬لنظام تحكم،‮ ‬بدلا من التحريك المجسم لجوهر الكمبيوتر،‮ ‬فالنموذج المجسد‮ ‬يمتلك جسما ماديا موجودًا في‮ ‬الفراغ‮ ‬الحقيقي،‮ ‬إذ‮ ‬يمكن التحكم في‮ ‬ذراعي‮ »‬ستيلارك‮« ‬والجزء العلوي‮ ‬من جسمه بواسطة العموض الفقري،‮ ‬بينما تظل رجلاه‮ (‬قدماه‮) ‬حرتي‮ ‬الحركة،‮ ‬وتلامسا الأرضية التي‮ ‬تهدئ من حركته،‮ ‬وهذا العرض‮ ‬يوضح أن التطور التقني‮ ‬أوصلنا إلي‮ ‬نقطة أن خيالنا حول موائمة الإنسان ليست محصورة فقط في‮ ‬استخدامنا العادي‮ ‬للأشكال‮ (‬الملابس‮) ‬والألوان‮ (‬المكياج‮).‬
‮< ‬الإنترنت كمخرجات‮:‬
يسمح عرض‮ »‬التميز في‮ ‬مساحة السيطرة الآلية‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة‮ »‬سايبر ثياتر‮ ‬Cyber theater‮« (‬عام‮ ‬1997‮) ‬للمشاهدين باستخدام‮  ‬الإنترنت والكمبيوتر أن‮ ‬يظلوا في‮ ‬البيوت،‮ ‬فالعرض‮ ‬يعكس الزمن الذي‮ ‬نعيشه‮. ‬إذ‮ ‬يمكننا أن نقابل الذين لم نقابلهم ولم نراهم أبداً‮ ‬عن طريق الإنترنت،‮ ‬ومن خلال النصوص المتبادلة بينهم سوف تولد الشخصيات،‮ ‬ولكن سوف‮ ‬يظل هذا الشخص مجرد معلومات نصية حتي‮ ‬نقابله شخصيا،‮ ‬ومسرح التحكم في‮ ‬الاتصال هو وسيط إدراك المشاهدين‮ – ‬فالحواس الرقابية محدودة،‮ ‬وتحرك خبرة العمليات العصبية في‮ ‬بيوت المشاهدين،‮ ‬ويري‮ »‬جاي‮ ‬ديبور‮« ‬التكنولوجيا ووسائل الاتصال أنها آليات قوية تجعل الأفراد طائعين بلا إحساس‮ ‬يشاهدون ويستهلكون فضلا عن العمل والتفاعل،‮ ‬وأن الأداء عبارة عن ترفيه‮ ‬يسيطر علي‮ ‬المشاهد،‮ ‬مع أنه‮ ‬يوضح من الناحية الأخري‮ ‬أن الحياة ليست في‮ ‬جانب والمسرح في‮ ‬جانب آخر‮.‬
وعرض‮ »‬هامنت‮ ‬Hamnet‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة‮ »‬IRC‮ ‬دراما‮« ‬باستخدام الحضور العام للناس والمشاهدين‮ ‬يستعرض فيه المؤلف‮ »‬ستيوارت هاريس‮« ‬مداعباته اللغوية من خلال مزج الشخصيات الأساسية في‮ ‬نص شكسبير مثل‮ »‬هاملت‮« ‬و»أوفيليا‮«… ‬إلخ باستخدام افتتاحية معاصرة،‮ ‬ودور المشاهدين في‮ ‬هذا العرض هو أداء النص وليس المسرحية نفسها،‮ ‬فـ»هامنت‮« ‬يتلاعب باللغة ويبتكر فكاهات لفظية تغير كل شيء‮ – ‬الأنشطة والشخصيات والأصوات‮ – ‬إلي‮ ‬نص،‮ ‬ومن أجل الاستمتاع بالنكات من الضروري‮ ‬نكون ملمين بنص شكسبير واللغة الإنجليزية ولغة الإنترنت المشفرة والأسماء المختصرة وأوامر برنامج‮ ‬IRC‮ ‬جيداً‮. ‬كما‮ ‬يتم إثراء النص بواسطة ارتجالات الممثلين الذين‮ ‬يظهرون براعة في‮ ‬الاستخدام اللغوي‮.‬
ويؤكد‮ »‬هاريس‮« ‬أنه‮ ‬يمكننا أن نمتلك زمام النص عندما تكون موسيقي‮ ‬الممثل فقيرة،‮ ‬لأن النصوص خالدة ولا‮ ‬يهم الزمن التي‮ ‬تقدم فيه‮.‬
وقدمت مؤسسة‮ »‬يلسان‮« ‬الإيطالية نص‮ »‬ماكبث‮« ‬وأضافت له أصواتًا وصورًا عن طريق وسيط جديد هو‮ »‬النص المتوالد‮ ‬hypertext‮« ‬في‮ ‬عرض بعنوان‮ »‬هايبر ماكبث‮« ‬(2001)،‮ ‬يروي‮ ‬القصة بشكل متزامن بالإنجليزية والإيطالية،‮ ‬وتم تزويد المسرح التقليدي‮ ‬بالشخصيات التي‮ ‬وقفت جميعها علي‮ ‬خشبة المسرح معا في‮ ‬وقت واحد وبشكل متساوي،‮ ‬والعرض ترك لكل مشاهد الحرية في‮ ‬ابتكار حكايته،‮ ‬والعمل علي‮ ‬تطويرها حتي‮ ‬تكون فريدة بشتي‮ ‬الوسائل،‮ ‬باعتبارها شبكة احتمالات مماثلة لحياتنا اليومية المليئة بالبدائل والنتائج،‮ ‬والنص المتوالد في‮ ‬عرض‮ »‬هايبر ماكبث‮« ‬هو عرض مميز لأنه مبتكر بواسطة برنامج من تصميم الفرقة‮ ‬يقرر أي‮ ‬الكلمات والرسوم هي‮ ‬التي‮ ‬تصل،‮ ‬رغم أن المشاهدين‮ ‬يصنعون اختيارتهم بأنفسهم‮. ‬وقد ابتكرت الفرقة مسرحًا رمزيًا كاملاً‮ ‬وطبقت الفكرة التي‮ ‬نادي‮ ‬بها‮ »‬آرتو‮« ‬أن الكلمة‮ ‬يجب أن تعامل مثل الشيء الجامد لكي‮ ‬نستخدمها في‮ ‬تحريك الأشياء،‮ ‬فالمسرح مثل الحياة اليومية لا‮ ‬يهتم الناس بالكلمات كثيرا‮.‬
ومن خلال‮ »‬التحكم الآلي‮ ‬في‮ ‬الأداء الثنائي‮ ‬البعد‮ ‬The two dimenstonel cybesformance‮« ‬الذي‮ ‬ابتكرته‮ »‬هيلين فاليري‮ ‬جايمسون‮« ‬لوصف الفعاليات التي‮ ‬تقدمها فرقة‮ »‬سايبر بودي‮ ‬كوليجين‮«‬،‮ ‬إذ قدمت الفرقة أربعة عروض في‮ ‬مدة‮ ‬12‮ ‬ساعة لمسرحية‮ »‬تجميل الأمة‮« ‬(2003)‮ ‬والتي‮ ‬تم ابتكارها من خلال تطبيقات الدردشة‮ ‬Chat Applicatiore‮ ‬القابلة للتحميل،‮ ‬فالقصر المذكور في‮ ‬النص والممثلين والمشاهدين كانوا جميعا حاضرين علي‮ ‬الإنترنت،‮ ‬بأشكال مجسدة ثلاثية الأبعاد،‮ ‬مع أن حوارهم كان مكتوبا بطريقة مجلات الرسوم المتحركة في‮ ‬شكل فقاعات الرسوم الكرتونية‮.‬
‮< ‬الإنترنت كأداة ومخرجات‮:‬
قدمت الفرقة الإنجليزية‮ »‬نظرية الصخب‮« ‬في‮ ‬عرضها‮ »‬اختطاف‮« ‬(1998)‮ ‬لعبة الرقابة اللصيقة،‮ ‬إذ عرضت الفرقة ورقة‮ ‬يانصيب‮ ‬يحصل الفائز بها علي‮ ‬فرصة الاختطاف،‮ ‬ثم‮ ‬يتم اختيار عشرة فائزين للتصفية النهائية بشكل عشوائي‮.‬
وهذه العملية تعرض مباشرة باستخدام كاميرا فيديو داخل المقر للاتصال الحي‮ ‬بالخاطفين،‮ ‬وتعكس لعبة الرقابة الواقعي‮ ‬صورة المجتمع الذي‮ ‬يعامل أفراده كحيوانات تجارب،‮ ‬وجوهر عرض‮ »‬الخطف‮« ‬يقوم علي‮ ‬أسلوب ستانسلافسكي‮ ‬التجريبي،‮ ‬فالعرض له قواعد ثابتة ومؤدين وبداية ونهاية ووسط مرتجل وشكل مفاهيمي‮ ‬وزمن ومهمة محددة‮.‬
وبذلك‮ ‬يحمل المسرح الجديد نفس تقاليد المسرح القديم،‮ ‬ويروي‮ ‬أهم القصص التي‮ ‬تدور حول العلاقات الإنسانية ومشكلات المجتمع،‮ ‬ولكن العملية نقلت إلي‮ ‬دائرة الاتصال المعاصر،‮ ‬وأكدت الرؤية القائلة إن المسرح لا‮ ‬يقف بعيداً‮ ‬عن المجتمع،‮ ‬بل هو جزء منه،‮ ‬يتوظف باعتباره مكونًا كاسحًا،‮ ‬والمعني‮ ‬الذي‮ ‬تعلو فيه الحقيقة باعتبارها اتصال دون عوائق‮ ‬يقدم احتمالات كامنة لأحياء فعال في‮ ‬أساسيات مسرح القرن الحادي‮ ‬والعشرين،‮ ‬سواء ظل هذا المسرح الجديد‮ ‬يوتوبيا أم لا،‮ ‬فإن هذا الأمر متروك لرؤية المسرح والمشاهدين‮.‬
———————————————————————————————-
المصدر:  مجلة الفنون المسرحية – ترجمة‮: ‬أحمد عبد الفتاح  – مسرجنا 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *