اللامعقول..صرخة احتجاج ضد واقع منتهي الصلاحية – عثمان حسن

 

 

كأنه واقع منتهي الصلاحية، يعبر عن مأزق الفرد وعزلته، واقع تتصدع فيه البشرية فتنفصم لروابطها الإنسانية، فتبشر بالاغتراب والوحدة والخوف واللاجدوى، هذه هي أحوال ما بعد الحرب العالمية الأولى، مروراً بالثانية في أوروبا القرن العشرين، حيث الخراب يعم الأفق.. وهذه بدايات العبث واللامعقول.. و بدايات «أسطورة سيزيف» لألبير كامو، الذي كان صموئيل بيكيت أول من تبناها، واعتبرها رواية تعبر عن الواقع المعيش.

ضمن هذه الأجواء ولد مسرح اللامعقول، أو مسرح العبث..كان أوجين يونسكو «1909 – 1994» أحد رواده ومبدعيه، ساخراً من عبثية الحياة، واصفاً وحدة الإنسان، وانعدام الغاية من وجوده.. غير أن هذا الفهم، لم يكن عبثياً لأجل العبث كما يظن البعض، بل كان، وربما مثل صرخة احتجاج مدوية، تعبر عن عالم مملوء بالانحلال والفساد، عالم يتسيد فيه الموت، ويأخذ الجميع إلى الهاوية، وهو بهذا إنما كان يعبر عن اشمئزازه من العالم المادي، عالم مبتور الأطراف، يسير أشبه بقافلة فاقدة البوصلة، كل ما حولها، يؤدي إلى العدم.

هكذا كان اللامعقول فضاء يشير إلى عدم التواصل البشري، وظهر ذلك في مجمل أعماله: «القاتل» و«الكراسي»، و«السائر في الهواء» و«ضحايا الواجب»، «شخصية بيرينجيه» و«حتمية الموت»، و«المغنية الصلعاء» وغيرها الكثير.

هو إذاً، كان مسرحاً يعبر عن وعي فلسفي وثوري، ضد كافة أشكال الحروب المعلنة والسرية التي تفتك بالإنسان، هو مسرح يقدم موقفاً لمعالجة كافة المشكلات الاجتماعية والفردية، التي نجمت عن واقع مضطرب بهدف إعادة الحياة، ودينامية الحياة التي تليق بالإنسان.

هل كان مسرح العبث مدعاة للتفكير بالحياة السياسية والاجتماعية ونتائجها على البشر؟ في الحقيقة، نعم، خاصة أن نتائج الحرب، كانت كارثية بكل المقاييس، أما مسرح اللامعقول، أو مسرح العبث، الذي كان انعكاساً لحياة سيريالية في صورة الخواء العام، والانعزال السافر، فقد بدأ في فرنسا في ثلاثينات القرن العشرين من خلال مجموعة من الأدباء الشباب، والذين مهدوا لمسرح العبث الذي ظهر في أوائل خمسينات القرن العشرين.

قُدمت مسرحية صمويل بيكيت «في انتظار غودو» في العام 1953، من دون عقدة تقليدية، ولا أفق لأي حل فيها، وكانت كما قيل عنها: مسرحية مبهمة، رمزية، أثارت الكثير من الجدل حينها.. أما أوجين يونسكو، ورواد مسرح العبث أو اللامعقول، فكان أو كانوا «يبحثون عن أفكار يترك لها أن تقرر الشكل إلى جانب تقرير المحتوى» كما يقول الناقد المسرحي محسن النصار.

كان رواد اللامعقول في المسرح، قد تكاثروا من «بيكيت، إلى يونسكو، إلى آرثر أدموف الروسي، وجان جينيه الفرنسي، ثم هارولد بنتر الإنجليزي، وإدوارد البي الأمريكي، وجورج شحاتة وهذا الأخير شاعر ومسرحي لبناني كتب باللغة الفرنسية، ويعد أحد أبرز الشعراء وكتاب المسرح الفرانكفونيين وأكثرهم تأثيراً، عاش مع السرياليين في باريس، وامتدحه كبار الشعراء الفرنسيين.

أما عربياً، فقد وصل هذا النوع إلينا في الستينات، من خلال النصوص المترجمة، كانت البداية مع توفيق الحكيم، في «يا طالع الشجرة» في عام 1962، وصلاح عبد الصبور، في مسرحية«مسافر ليل» التي حاول فيها تقليد يونسكو في«الكراسي» من خلال ظاهرة تراكم الأشياء، وتكاثرها على المسرح، وهو أسلوب من أساليب اللامعقول، وسعد الله ونوس في أكثر من عمل، وفؤاد التكرلي في مسرحية «جثة» ومحيي الدين زنكنه في «الصديقان»وغيرها من الأعمال التي قاربت اللامعقول شكلاً ومضموناً.

كان الاغتراب كما قلنا، من سمات هذا المسرح، من خلال شخصيات منبوذة، لا منتمية، خارج الحياة، تسيطر عليها فكرة اللاجدوى، هي مجرد أصوات جوفاء الهدف منها درء الصمت الموحش الذي يلف الإنسان، كما يؤكد معظم نقاد المسرح.

كان مسرح اللامعقول وما يزال، تجربة خارجة عن المألوف، أداتها التهكم والسخرية، وهذا موقف أخلاقي، ومتمرد، يستعين ب«الحلم» بهدف الوصول إلى أعماق النفس البشرية.

–  http://www.alkhaleej.ae/

عثمان حسن

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش