العلامات الثقافية في العرض المسرحي مرجعية النص.. أم العرض؟الجزء الاول/أحمد شرجي

 

المصدر /المدى/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

تُعنى السيميولوجيا بالمفهوم العام للعلامة، انطلاقا من مستويين: مستوى ماهية العلامة، الذي يحدد وجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تتشابه أو تختلف معها. ومستوى فاعلية العلامة ووظيفتها في الحياة العامة. وقد مهد الأمريكي بورس للمستوى الأول بتحديده العلامة من حيث حاملها ومقولاتها وتصنيفها، من أجل إخضاع كافة العلوم والأشياء للقوانين السيميائية. أما المستوى الثاني، فتمثل في تصورات السويسري دوسوسير، الذي ركز على دراسة العلامة اللغوية في وضعيات التواصل ونقل المعلومات بين البشر.

تقوم العلامة عند دوسوسير على ثنائية: الدال، والمدلول، اللذين يشبهان وجهي الورقة، فلا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. فالسيميولوجيا هي: العلم الذي يهتم بالجانب الدال للأشياء، أي بالعلامات نفسها بدل الواقع الذي تشير إليه. في حين تشير السيميوطيقيا إلى العلم الذي يهتم بدراسة العلامات Sings وطريقة ترابطها وكيفية تعبيرها عن المراد( ليشته، جون، خمسون مفكراً أساسيا معاصراً من البنيوية إلى ما بعد الحداثة، ص:520 ) .فإذا كانت السيميولوجيا عند لوك Locke هي معرفة العلامات، فإنها عند  بورس peirce هي نظرية العلامات، أي النظرية العامة للتمثيل( سيزا قاسم ونصر حامد أبو زيد، مدخل إلى السيميوطيقا، ص:351). وتتناول السيميولوجيا عند سيبوك Sebeok: وظيفة التواصل ووظيفة التعبير(نفسه، ص:351). بينما عرفها الايطالي إيكو Eco بأنها العلم الذي يدرس سائر ظواهر الثقافة بوصفها أنظمة للعلامات، وتقوم على فرضية مؤداها أن ظواهر الثقافة جميعاً ما هي في الواقع سوى أنظمة من العلامات بمعنى أن الثقافة هي في جوهرها اتصال(نفسه، ص:351). وعند كير إيلام Keir Elam: علم مكرس لدراسة إنتاج المعنى في المجتمع، يعنى بعمليات (الدلالة Signification) و(عمليات الاتصال Communication)، أي الوسائل التي بوساطتها تتوالد المعاني ويجري تبادلها تباعا، وتشمل مواضع شتى: أنساق (Sysyems) العلامة، والشفرات (Codes) التي تعمل في المجتمع، والرسائل الفعلية والنصوص التي تنتج من خلالها( كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:5.).
وتخضع اللغة عند بارت للنموذج الدوسوسيري، لأنها تشكل الأسس الرئيسة لفهم بنية الحياة الثقافية والاجتماعية لأي مجتمع. فالبنية الاجتماعية والثقافية ممارسة يومية يعتاد عليها الفرد، ومن ثم تصبح الأرضية التي يتعامل بها. وبالنسبة لبارت تدرس التمثلات الجماعية بدلا من الواقع الذي تشير إليه كما في علم الاجتماع، وهذا ما نجده في مقاربته البنيوية والسيميولوجية لنظام الموضة أو الأزياء، إذ يحاول اختزال الظواهر الاجتماعية وإرجاعها إلى بيئتها لكونها وظيفة عامة. ويؤكد لنا هذا الاختزال البارتي مفهومنا للعلامات والتي نطلق عليها بـ ” العلامات الجيلية و العلامات الترحيلية. ونعرف الجيلية: بأنها العلامات التي تحمل خصوصية الجيل، والعادات، والسلوكات، والتقاليد. أما العلامات الترحيلية: فهي العلامات التي ترحل من جيل إلى جيل، وتحافظ على رسوخها داخل المجتمع، لأنها هوية جيل وعلاماته. وتندرج اللغة ضمن هذا الإطار لكونها سلوكا يوميا بين الفرد والمجتمع. ومن هذا المنطلق فإن العلامات قد تندثر عند الجيل اللاحق، أو يترحل بعضا منها.
يرفض بارت النظر إلى بنية النص الكلية، ويقسمها إلى وحدات اعتباطية. وينظر لكل وحدة وفق مقترح قوامه الشفرات التالية:
• الشفرة المعنية بالأفعال المتعاقبة التي تؤلف السرد.
• الشفرة التأويلية.
• الشفرة الرمزية: وتعنى بمسائل التناقض الكبير مثل الموت والحياة والطفولة والشيخوخة.
• الشفرة التضمينية: وتمثل فيها الدوال مقولات عامة، مثل الأنوثة والرجولة.
• الشفرة المرجعية: وتشير إلى شفرات متنوعة وشائعة.
توحي العلامة عند رولان بارت بثلاث علاقات، تشكل أنماط العلامة وعلاقاتها، وهي:
• علاقة داخلية: توحد بين دالها ومدلولها، وتتضح معالمها من خلال العلاقة الترابطية التي تفرضها طبيعة الدال على المدلول، ولا يمكن لأحدهما العمل بشكل فردي، لأن ذلك معناه تقويض قصدية العلامة.
• علاقة افتراضية: توحد بين العلامة ومخزون محدد من العلامات الأخرى قد تنهل منها بهدف ولوج عوالم الخطاب، وبالتالي تشكل علاقة خارجية.
• علاقة فعلية: وهي توحد بين العلامة وغيرها من العلامات في الخطاب الذي يسبقها أو يعقبها، وهي أيضا علاقة خارجية.
وفي ضوء التحليل البارتي، نقف عند ثلاثة أنماط من العلامات، فالنمط الأول يطلق عليه الرمز، ويشمل العلامات أو الإشارات الإنسانية الكبرى. فالصليب يرمز إلى المسيحية، والهلال إلى الإسلام… ويشير النمط الثاني إلى أن لكل علامة مخزوناً أو ذاكرة منظمة من الأشكال تمكن من التمييز، باستحضار الاختلاف حتى لا يتغير المعنى. فدلالة اللون الأحمر بقدر ما تشير إلى التوقف والمنع، فإنها تتعارض تعارضاً منظما مع اللونين الأخضر والأصفر. إن هذا النمط من العلاقة منظم، ويصطلح رولان بارت على تسميته بـ: (العلاقة الركنية)، وهي ذات وعي يتخذ طابع خيال شكلي حدده بارت على النحو التالي: “(يرى) الدال مرتبطاً بعدد من الدوال الافتراضية القريب منها والمختلف عنها في آن واحد: وهو لا يرى بعد الآن العلامة في أعمالها بل يراها في منظورها. وهكذا، فإن القوى المحركة مترابطة إذ تتجدد العلاقة بين الشكل والمضمون دون توقف بفعل الزمن “التاريخ””( بارت، رولان، خيال العلامة، اتجاهات في النقد الأدبي الحديث، ص:399 وما بعدها ). وبمقتضى هذا الكلام فإن الأنماط التي حددها بارت لعلاقة العلامة، مصدرها الخيال، عبر ربط كل نمط من هذه العلاقات بعدد محدد من الإبداعات المختلفة، فالعلامة يتم اختيارها من مخزون منظم ومحدد(نفسه، ص:398).
أما في النمط الثالث، فلم يعد موقع العلامة منغلقا في العلاقات الافتراضية، بل بما يجاورها من علاقات فعلية. وينشئ الارتباط مستوى تركيبيا، يشكل بدوره مستوى العلاقة الأفقية، وفيها يميز بارت بين الوعي الأفقي الذي يسمح لنا بتصور أفضل للمجموعات العاملة (الرسائل) والتصنيفات المعقدة. أما الوعي الرمزي، فإنه يوحي بخيال العمق، وتتعزز الصورة بحيوية بالغة جداً، بناء على تباين العوالم، فلا شيء بمقدوره الخروج عن دائرة المعنى.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *