الشارقة تعيد «أبو الفنون» إلى مدارس العرب

فرغ المسرحيون والتربويون من مختلف الدول العربية، الذين التأم شملهم في الشارقة تحت مظلة الهيئة العربية للمسرح، في نهاية مايو/أيار الماضي، من صياغة استراتيجية لتنمية وتطوير المسرح المدرسي في العالم العربي، ولم تمض أشهر عدة حتى استقبلت الشارقة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري دورة تأهيل الفريق المحوري العربي الأول، وتستمر حتى 14 منه، وتنظمها الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارات التربية والتعليم العربية. الأمر الذي يشير إلى أن الاستراتيجية التي احتضنتها الشارقة تتنزل على أرض الواقع عبر أولى الخطوات بتأهيل الفريق المحوري العربي.

تضع الدورة المسرح المدرسي في الوطن العربي على أعتاب مرحلة جديدة بمشاركة نحو 90 متدرباً من 12 وزارة تربية عربية، وهي المهمة التي لا تقف عند التدريب، فالفريق المحوري الأول في كل بلد عربي، يدرب المشرفين والمدرسين، حتى يدرب كل خريج منها 300 مدرس ومشرف خلال عامين، إضافة إلى أن الهيئة ستؤهل فريقين محوريين آخرين خلال عامي 2016 و2017 ما يعزز من القدرات البشرية المؤهلة القادرة على تفعيل المسرح المدرسي على أسس علمية ومنهجية، يرسخها دليل المسرح المدرسي الذي أنجزه مؤتمر استراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي.

وشخصت الملتقيات التي سبقت المؤتمر مكامن الضعف والخلل في حالة المسرح المدرسي، وبناءً عليها وضعت الاستراتيجية خطتي عمل إحداهما قصيرة المدى وتركز على تأهيل البيئة المدرسية ودرايتها بالمسرح وأهميته في صقل شخصية الطالب وإكسابه القدرات الصريحة على التعبير الوافي عن مكنوناته و تفكيره، أما الخطة الأخرى فهي خطة عشرية للنهوض بمستوى المسرح وتأصيله داخل المدارس.

الاتجاه نفسه مضى إليه إسماعيل عبدالله، الأمين العام للهيئة، الذي أعرب عن سعادته بالتجاوب الكبير من قبل وزارات التربية العربية مع المشروع، موضحاً أن الوزارات التي تخلفت عن ترشيح متدربيها لأسباب لها علاقة بآليات عملها، كانت على تواصل معهم، وأنهم يعملون مع الجميع على تذليل العقبات التي يمكن أن تحول دون حضور أي متدرب، كما أن الخطة العاجلة من الاستراتيجية ستفضي خلال عامين إلى تأهيل ما يزيد على 7 آلاف مدرس ومشرف للمسرح المدرسي في كل دولة عربية.

ويؤكد غنام غنام، المقرر العام للهيئة، على نتائج الخطة العاجلة، مشيراً إلى أن نخبة من المختصين والأساتذة من دول عربية مختلفة، تعمل على تأهيل مدربين لأربع مراحل هي: الروضة والابتدائي والإعدادي والثانوي.
ويقول فائق حمصي، المشرف العام على الدورة، وهو مسرحي معروف من لبنان: «الدورة هي الخطوة الأولى في الاستراتيجية، وهي نتيجة عمل لجنة متابعة لعدة أشهر، أجازت الاستراتيجية التي جرت بعد الاتفاق على أطر محددة، أبرزها أن المسرح المدرسي نشاط ذو مفاهيم محددة يمارسه المتعلمون تحت إشراف مختص من المدرسة، وأنه ليس نشاطاً لتخريج ممثلين، بل لإتاحة الفرصة أمام الطلاب للتعبير عن أنفسهم بطرق فنية أدائية وفردية وغرس قيم التعاون مع الآخر والعمل في مجموعة، وتعمل هذه الاستراتيجية على تفعيل المسرح المدرسي سواء بإدراجه ضمن المنهج أو خارجه، وهو متروك لوزارات التربية والتعليم بالدول العربية».
ويضيف: «لجنة المتابعة عملت على تقسيم المسرح المدرسي بناءً على المراحل العمرية المعترف بها، إلى مراحل الروضة والابتدائية والإعدادية والثانوية، كما تضمن دليل الاستراتيجية محاور العمل في المسرح من تحضير وتمثيل وتذوق فني»، مبيناً أن المسرح بالنسبة للفئات العمرية أقل من 9 سنوات يعتبر نشاطاً لا يفضي إلى عمل مسرحي بالمعنى المتعارف عليه بل نشاط يمارس لذاته، خلاف ما يمثله للفئة العمرية فوق 10 سنوات الذي يمكن أن يؤدي إلى عمل مسرحي.
ويوضح حمصي قائلاً: «أصبح هناك دليل يمكن أن يساعد الدول على وضع منهج يوفر المحاور والأنشطة والأهداف التعليمية والتربوية الواضحة، فضلاً عن أسس التقييم الموجودة والتي نعمل على تطويرها بوضع أسس أدق، وكما هو معروف فإن الهدف الرئيسي هو تخريج مدربين حتى يدربوا بدورهم المدرسين لتقوية المسرح في المدارس»، مشيراً إلى أنه جرى تفصيل جميع المراحل وإعطاء كل وزارة الفرصة لاختيار 2 في الروضة والابتدائي والإعدادي والثانوي، واستجابت معظم الدول إلا من لديها بعض المعوقات الإجرائية، مؤكداً إقامة دورة خاصة لمن لم يتمكن من الحضور.
وبحسب حمصي، فإن الدورة تتألف من جزأين، أحدهما عملي تطبيقي يشرح التمارين والأهداف وطرق التدريس، والآخر نظري يوفر معلومات ثقافية، مبيناً أنهم توسعوا في أسس التقييم، والتذوق الجمالي حتى يتمكن المتدرب من إيصال المعلومات.
وعن تقييمه للدورة، يرى حمصي أنها تمضي بشكل جيد فهو لم يسمع حتى الآن عن وجود إشكاليات، نظراً للتخطيط السليم للمحتوى ومناقشته مراراً قبل بداية الدورة، وأشاد بتجاوب وحماس المتدربين.
والدورة تعتبر سابقة رائعة بالنسبة لنبيل ميهوب، متفقد مادة التربية المسرحية والمرشد فيها من تونس، قائلاً: “تعد سانحة ذهبية لتأهيل الناشئة في المجال الفني والثقافي عبر المسرح، وهو الأمر الذي يجب ألا يغيب عن الساحة، فالدورة لبنة للاهتمام بتكوين الطلاب الجمالي وتذوقهم الفني وتربيتهم على القيم الأخلاقية التي ننتظرها من الأجيال المقبلة”. ويضيف: «أشرف على مرحلتي الإعدادي والثانوي، والتركيز على تكوين الفريق المحوري حتى يدربوا زملاءهم في بلدانهم وهو أمر يساعد على سرعة انتشار المدربين، في هذه الدورة نركز على إنجاز العمل المسرحي المدرسي، وكيفية إنجازه حسب منهج ومراحل واضحة حتى نصل بهم إلى إنتاج عمل فني، فنركز على المسار أكثر من التركيز على المنتوج، لأنه يجب على الطالب أن يعيش كل تفاصيله من النص وحتى إنجاز متممات العرض، وهي تجربة مهمة يأتي بعدها تقييم العرض المسرحي المدرسي».

ويعرب ميهوب عن سعادته بالإقبال والرغبة في اكتساب المعارف والمهارات التي تميز المتدربين، مشيراً إلى أن هنالك إقبالاً على اكتساب المهارات العملية والوجدانية، ومعالجة كل الوضعيات المشكلة التي يمكن أن تطرأ أثناء الأنشطة.

كميل سلامة من لبنان، مخرج مسرحي ومؤلف مدرب المرحلة الإعدادية، يقول: «التوجه واحد ولكن الطريقة تختلف لأن الفئة العمرية تفرض تعاملاً من نوع خاص، كيف يتعامل المتدرب مع هذه الفئة ويجعلها تهتم بفائدته في التربية وتكوين شخصية التلميذ والعمل الجماعي، من كل النواحي الفنية والتربوية، هنالك من لديه فكرة سابقة عن الموضوع ومنهم من التربية والمسرح، لكن تظل القواسم الإنسانية والفنية موجودة، والأمور تمضي بشكل جيد، نعطي عناونين كبيرة على أمل أن تساعدهم خبراتهم في تدريب المدربين بشكل مختلفة، كما أن هناك تقييماً في الموضوع لما حدث وما ينبغي تجنبه».

البغدادي عون، من تونس، متفقد للمدارس الإعدادية في المجال التربوي يدرب أساتذة المراحل الابتدائية، يقول: «لا تقتصر مرحلة التعلم على تلك المراحل الأولى، بل يبدأ منذ نعومة أظفار الأطفال، معرفياًَ وسلوكياً، وهي مهمة لأن الطفل يتأثر فيها بجميع المثيرات الخارجية، ونعمل على تطوير قدراتهم الجسدية والفكرية ونمرر كل هذا على المتدربين لكي يتبعوا طرقاً منهجية تربوية، لتحقيق أهداف، ولا يوجد تطبيق عملي من دون جزء نظري، لكني أعمل على أن أجعلهم قادرين على إنتاج حزمة من الطرق لتحقيقها».
وتستند هذه المقاربات بحسب عون، إلى معلومات علمية، فالمجموعات المتدربة ذات مستويات مختلفة، إلا أن ما يهمه أكثر هي تلك الطرق في التطبيقات، ويضيف: «سلسلة انتقال المعارف هذه كانت أساس تكوين الفريق المحوري العربي الأول».
وتستبشر د. جميلة مصطفى من الجزائر، بالدورة لأنها أتت بعد مدة من التنظير، وتقول: «ساهمنا في تلك الدورة كثيراً أثناء الإعداد والتنظير لها، فأنا أقدم محاضرات التذوق الفني والتفضيل الجمالي مع أسس النقد لجميع المراحل الفنية، ونعمل على تقريب المدرب من الخصائص الفنية والجمالية التي يقبل عليها الطفل في مراحله المختلفة، وزرع كيفية التذوق وأسسه فيه، فضلاً عن ترسيخ أسس المسرح المدرسي في العالم العربي، وتجسيد مبادئ هذه الدورة».
د. محمد أبو الخير أستاذ الأخراج المسرحي بأكاديمية الفنون بالقاهرة، يرى أن الدورة جزء من الدور التنويري الذي تقوم به الهيئة، مشيراً إلى أن النشر والكتيبات تعمل على تفعيل الحركة المسرحية، مؤكداً أن الدورة تكتسب أهميتها من اشتمالها على جميع الدول العربية الأمر الذي يساعد على تبادل الخبرات المختلفة، مشيراً إلى أنها تمنح فرصة حقيقية لإذكاء الطلاب بالدراما الإبداعية المبتكرة، مع استخدام الأشياء البسيطة، فضلاً عن تنمية القدرات الجسدية والعاطفية والنفسية أو ما يسمى بالنماء الكامل، الذي نحتاجه في عصر العولمة لإخراج أجيال ناضجة.
ويقول محمد هلال الشرع، من الأردن والمحاضر بتكنولوجيا التعليم والمناهج والتدريس: «جاءت مشاركتي كعضو لجنة متابعة الاستراتيجية، ومدرب زائر لتقديم محاضرات حول إدارة المجموعات التدريبية وأسس التقييم بشكل عام، فضلاً عن قياس أثر المدرب والمتدرب ووضعه في الورشة، وتكوين المجموعات وكيفية إدارتها عبر إدارة الاختلاف داخل، مواقف حسية اعتمدنا فيها على الخبرة المباشرة، بلا مقدمات نظرية، فالتعلم من خلال الخطأ، ورصد التجاوزات والسلبية مع الديمقراطية في اختيار قائد للمجموعة، هي الخطوات الأساسية لبناء تقرير متكامل».

التكوين بالعدوى

يقول المسرحي المغربي، سالم كويندي، أحد أبرز المختصين العرب في المسرح المدرسي، إن عملية تأهيل الفريق المحوري العربي الأول، تجرى عبر آليات نظرية وتطبيقية يؤطرها متخصصون في المواد، مشيراً إلى وجود تداخل درامي وتربوي بشكل كبير في الورشة، نظراً للفضاء الذي تستهدفه والمتمثل في مدارس مختلف الدول العربية.

ويؤكد كويندي، أن الدورة تعتمد على ما سماه ب«التكوين بالعدوى» التي تعتمد على نشر عدوى المسرح الإيجابية بين الجميع حتى تتسع القاعدة المستهدفة.
ويرى أنه على المدربين والمدرسين توظيف كل هذه الآليات لتمكين الطلاب من التعريف بأنفسهم والتعبير عن ذواتهم، مبيناً أن تكوين شخصيات الطلاب هو الهدف الرئيسي من المسرح المدرسي، الذي يعمل على تنمية الميول الفنية من دون أن يفرض شيئاً أو يقدم دروساً إكراهية لمادة من المواد.
ويضيف كويندي: «المدخل الأساسي للفعل التربوي هنا هو الدراما، والتركيز عليها فلا نعطي الطالب درساً إكراهياً، وإنما نساعده لما يحقق له اكتمال نموه وتشكل شخصيته وتفتحه والانفتاح على الثقافة الإنسانية من دون ضيق أو ملل، مع الاقتناع بهذا الاختيار، وهذا هو الهدف الأساسي وليس وسيلة تعليمية وإنما حضور الذات».

 

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *