الدكتور “يائس” يجابه الغرب بفيروس “الغباء” : سارة محمد

مسرحية “خيبتنا” فكرة جيدة ضاعت وسط انتقادات محمد صبحي لأوضاع مجتمعية متأزمة، من خلال أخذه من الحقبة الزمنية التي كتب فيها نصه سابقا، حجة لانتقاد الوضع الحالي.

لا يزال الفنان محمد صبحي يتمسك بدور “المُعلم” في أعماله، متجاهلا الحالة الإبداعية التي تتناسب مع رسالته التوعوية في غالبية عروضه المسرحية، وهو متمسك بتقديم أعمال فنية تعبّر عن وجهة نظره تجاه قضايا سياسية عربية، ومواضيع اجتماعية مطروحة على الساحة في مصر، وهي طريقة تتشابه مع فكرة المُحاضر أو الواعظ الذي يعطي دروسا للجمهور لتغيير أنماط تفكيره.

 قدم محمد صبحي عرضا خاصا للنقاد والصحافيين لأحدث أعماله المسرحية “خيبتنا” قبل افتتاحها رسميًّا الأيام المقبلة، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها بذلك، بعد محاولته إعادة إنتاج تراث الفنان الراحل نجيب الريحاني، وقدم مسرحية “غزل البنات” منذ عام، مستعيدا بها عودته لخشبة المسرح الذي غاب عنه منذ تقديم “لعبة الست” عام 2000.

انتقادات سياسية

يثبت الفنان المخضرم في “خيبتنا” (فشلنا أو مصيبتنا) قدرته على الوقوف على خشبة المسرح في هذا العمر المتقدم (70 عاما) وإدارته لجموع الممثلين الذين يعملون معه، مثل الفنانة سميرة عبدالعزيز والبعض من الشباب الذين يقفون على خشبة المسرح للوهلة الأولى ويقدر عددهم بـ60 ممثلا من خريجي ورشة “أستوديو الممثل” التي يقودها صبحي.

تصل مدة العرض إلى ثلاث ساعات، يحاول فيها صبحي التجوال بين الصراعات العربية والأزمات المحلية، ملقيا الضوء على الفترة الحالية، ومنتقدا الكثير من القرارات السياسية. وهو مأخوذ عن نص كتبه، عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأعاد هيكلته بعد ثورة يناير 2011 في مصر، وأدخل عليه تعديلات تتلاءم مع التطورات السياسية.

يبدأ محمد صبحي المسرحية باستعراض لجموع من الممثلين مرتدية أزياء تمثل حقبا زمنية مختلفة، بين الفرعوني والإسلامي واليوناني، ويعتقد المتلقي أن المشاهد التالية ستكون سردا تاريخيا. ثم يدخل البطل خشبة المسرح ويتشاور مع ممثليه في شكل ساخر نحو ضرورة البحث عن موضوع للعرض لتقديمه وكأنها بروفات مسرحية.

محمد صبحي يترك لطفل صغير يشاركه العرض اختيار الموضوع، ويصبح هو الحاكي للتاريخ والشاهد عليه

ويقوم كل منهم بطرح موضوعات، مثل: الوطن والديمقراطية وغيرهما، مما يلوح بمضامين سياسية يقابلها صبحي بخفة ظله بالرفض لحساسية الموقف السياسي حاليا، ويقول بشكل ساخر “ممنوع نتكلم في الدين والجنس والسياسة والفلاحين والعمال والمحامين والدكاترة والصحافيين والإعلاميين والوزراء والمحافظين”، ثم يصمت وينظر لأحد حاضري العرض قائلا بسخرية “ولا ده (هذا) بالذات”، في إشارة غير مباشرة لمنصب رئيس الجمهورية.

يترك صبحي لطفل صغير يشاركه العرض اختيار موضوع العرض، ويصبح هو الحاكي للتاريخ والشاهد عليه بما يصب في رسالة الفنان الدائمة نحو تثقيف هذه الشريحة العمرية، ويبدأ الطفل في الحكي عن ذاته في المستقبل من خلال شخصية الدكتور “يائس” وهي محور العرض.

“فارس” الاسم الحقيقي للباحث “يائس” الذي يجسده محمد صبحي، ويجري دراسة عن علم الاستنساخ ويؤجل مناقشة الدكتوراه لسنوات طويلة خوفا من سرقة موضوع بحثه من الدكتور المشرف على رسالته والتي تتعلق بنقل الجينات الحسنة من شخص لآخر.

إلى هنا تبدو الفكرة جيدة وتحمل قدرا من التماسك، لكن ضاعت قليلا وسط محاولات صبحي انتقاد أوضاع مجتمعية متأزمة، ويأخذ من الحقبة الزمنية التي كتب فيها نصه سابقا، حجة لانتقاد الوضع الحالي خشية دخول دائرة سياسية ربما تكون عواقبها غير محمودة.

محمد

وينتقد العرض الكثير من قرارات الحكومة الحالية، مثل الضرائب التي تفرض على كل شيء، وينتقد ارتفاع أسعار الكهرباء وغلاء المعيشة والاهتمام بالبناء المعماري على البناء العقلي، وينتقد السلوكيات السلبية في مصر. كل ذلك يسيطر على أغلب أحداث العرض الذي لم يكرس فيه لفكرته الأساسية نحو علم الاستنساخ.

وترصد الدقائق الأخيرة من الفصل الأول ونصف الفصل الثاني التتابع الذي حدث عندما ألقى “يائس” فيروسه نحو نشر سلوكيات العرب إلى الأميركيين، ويضربهم فيروس “الغباء” بدلا من التعقل، ويسخر صبحي من سلوكيات المصريين التي أصابت الغرب من خلال مشاهد كوميدية تظهر عبر شاشة سينمائية تتوسط المسرح.

تنتهي أحداث العرض بالإشارة إلى الانتقام من “يائس” بتقديم نماذج مستنسخة منه لكنها لا تحمل هوية واضحة لشخصيته، كأنه يريد التأكيد أن سوء الأوضاع العربية يجعلنا مستنسخين، ما يسبب لنا الانهيار والتأزم.

وسط المغزى السياسي الذي يريد صبحي توصيله، يلوّح لما شهدته الدول العربية من أحداث في ما بعد ثورات الربيع من خلال شخصيات أقارب زوجة “يائس” التي تلعب دورها الفنانة سماح السعيد “ابتئاس”  ووالدتها الفنانة القديرة سميرة عبدالعزيز، وإحداهما تأتي من ليبيا والأخرى من سوريا بسبب ظروف الحرب في كل منهما.

ارتباك الفكرة

محمد

حاول صبحي تقمص دور “المُعلم” و”المُثقف” في بعث رسائله التنويرية للجمهور، بالتعرض لكل هذه الموضوعات مثل العالم الذي يخشى سرقة بحثه ويضيّع عمره دون أن يقدر أدبيًا أو ماديا، والشاب الذي لا يجد عملا سوى بيع المنتجات الصينية وارتفاع الأسعار بخلاف تأزمات الدول العربية، وأفاض في المعلومات التي كان يمنحها للمشاهد عن علم الاستنساخ وكأنه برنامج تعليمي وليس عرضا مسرحيا، فبدا العرض مرتبكا في الفكرة التي كان يريد الفنان الإسقاط عليها، وضاعت صلاحيتها لكونها لم تعد مناسبة لتقديمها حاليا.

بعيدا عن ارتباك الفكرة في عرض “خيبتنا” هناك مأزق آخر يحيط بالعمل يتمثل في استهلاك بعض الأنماط من شخصيات سابقة ظهرت في أعماله مثل المرأة صاحبة الصوت “الأخنف الغليظ” أو العجوز التي ترتدي “ماسك” من خلال شخصية الوجه الجديد، التي تقمصت الكثير من شخصيات العرض، ومنها العجوز التي ترقص الباليه قبل وفاتها، وهو نمط يحرص صبحي على وجوده في أعماله، مثل مسرحية “الجوكر” التي ارتدى فيها أكثر من ماسك.

يبقى الجانب المشرق في مشروع محمد صبحي “المسرح للجميع” والذي أطلقه بمدينة سنبل، في شمال القاهرة، كدعوة لعودة الجمهور إلى المسرح ممثلا في الوجوه الجديدة التي يقوم باكتشافها من خلال ورشة “أستوديو الممثل” والتي سبق وتخرج فيها الكثير من الفنانين، مثل سعاد نصر ويوسف داود ومحمود أبوزيد.

_________________

المصدر : العرب

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *