التسابق ( أون لاين ) لا يليق بأبي الفنون – محمد الروبي #مصر

محمد الروبي

التسابق ( أون لاين ) لا يليق بأبي الفنون – محمد الروبي #مصر

تعالت أصوات كثيرة تقول إن في ظل الجائحة لابد للمسرح أن يستمر..وهي دعوة في تقديري صحيحة.. نعم، لابد من الاستمرار..لكن يبقى السؤال (كيف)؟ وهنا خرجت أصوات بل وأفعال تنادي بأن يكون المسرح (أون لاين) وهو النداء الذي لم أفهمه إلا في حدود الرغبة في استعادة مشاهدة عروض مسرحية (قديمة) والنقاش حولها عبر ذلك ال(أون لاين) . والأمر في حدوده تلك هو طيب ومفيد ..أما غير المفهوم بالنسبة لي فهو أن يقصد بهذا النداء أن نسعى لإنتاج مسرحيات جديدة عبر ال(أون لاين) وهو برأيي المستحيل ذاته. لأنك إذا ما شرعت في إنتاج مسرحي جديد فأنت تستدعي ممثليك ليقفوا على الخشبة يتدربون على فعل مسرحي ما. فإذا ما اكتمل يتم تصويره بكاميرا ثم بثه على قناة عبر اليوتيوب. هنا وهنا تحديدا،أنت لا تصنع مسرحا عبر ال(أون لاين) أنت فقط تذيع المسرح الذي أنتجته على الخشبة، كما هي العادة قبل الجائحة وأثنائهاوبعدها. وهنا أيضا لابد من وقفة لنعيد السؤال (هل استخدامك لهذه التقنية في البث هو احترامك لقوانين التباعد التي تفرضها الجائحة؟ أم أنك تبتكر جديدا في إنتاج الفعل المسرحي؟ واضح أن التباعد الذي تحترمه لن يخص في هذه الحالة إلا الجمهور الذي ستستبعده خوفا عليه ومنه . وسيظل الفعل المسرحي مقيدا بقوانين إنتاجه منزوعا عنه أهم أضلاعه ألا وهو الجمهور الذي اطمئننت إلى أنه سيشاهد عن بُعد. لكنك لم تفطن أو لعلك لم تهتم بأن وجود الجمهور لحظة حدوث الفعل المسرحي هو المسرح ذاته.

من هنا تحديدا لا تغريني كثيرا مقولات مثل (الجائحة ساهمت في تطوير الفعل المسرحي) لأن الواقع والحقيقة يقولان غير ذلك .ربما فقط تؤكد الجائحة (التي ستنتهي آجلا أو عاجلا) على أهمية مشاركة الجمهور في اللحظة ذاتها باعتباره فاعلا أساسيا . لذلك في ظني أن أي محاولة لتحويل مهرجانات المسرح إلى مهرجانات (اون لاين) هي محاولات فاشلة لا تستهدف أكثر من ملء خانة لا يفرضها الفن بل تفرضها البيروقراطية المهمومة بإضافة دورة إلى دورات مهرجان ما بصرف النظر عما قدمته وكيف. وبالنظر إلى مهرجانات المسرح في العالم ذات التاريخ العريق سنجدها ألغت دورة هذا العام بضمير مستريح وإن كان بألم فرضته الجائحة ضمن آلام أخرى أشد .

مرة أخرى وليست أخيرة نقول إن الاعتماد على ال(أون لاين) هو اعتماد يستهدف مشاهدة القديم الذي لم يكن متاحا مشاهدته لظروف كثيرة منها بعد المسافة المكانية أو الزمانية .مع الاعتراف بأنها ستظل مشاهدة منقوصة؛ فعين الكاميرا تمنحك جزءا من المشهد المسرحي لا كل المشهد ..لكنك تفعل ذلك مدفوعا برغبتك في (أخذ فكرة ما عن عرض لم تتح لك فرصة مشاهدته مشاهدة صحيحة). هي مشاهدة قد تفيدك في البحث لكنها أبدا لا تمنحك المتعة التي هي عنوان المسرح.

ألأمر سيزداد عبثا إذا ما كان المهرجان تسابقيا .. فكيف ستحكم العروض المشاركة؟ ستقول لي كل محكم سيشاهد العمل على جهازه ثم يضع درجة لكل عنصر و..و.. ألم أقل إننا حولناه إلى ممارسة بيروقراطية بغيضة؟ يا سيدي في التسابق (المسرحي تحديدا) أنت تجلس على الكرسي بجوار زميلك تشاهدان من الزاوية نفسها الخشبة نفسها وتتلقيان الإضاءة بذات درجة النصع وتتهامسان ليلفت أحدكما نظر الآخر لحركة ما تتم في الخلفية أو لقطعة اكسسوار هنالك تتحرك بإيقاع ما أو.. أو.. أما عبر ال(أون لاين) فلكلٍ جهازه ودرجة نصاعة شاشته و..و.. وكلٌ منكما مقيد بزاوية رؤية تحددها لك كاميرا قاصرة مهما كانت إمكانياتهاو..و..
ويبقى أن نتساءل: إذا ما كانت مهرجانات السينما التي تعتمد في الأساس على مشاهدة منفردة ولو كانت جماعية في (صالة عرض) قد تم تأجيلها هذا العام.. فما بالنا بمهرجانات فن عنصر تكوينه الأساسي هو الجمهور..كفن المسرح؟

أيها السادة، لا تقزموا المسرح لمجرد رغبة في الاستمرار والتواجد.. وليغِب المهرجان دورة.. ليظل كبيرا – كما كل مهرجانات العالم الكبرى – لا تتهاون في شروطها ولو كان الثمن الإلغاء.

محمد الروبي – مصر

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش