التأليف المسرحي.. خيال الكاتب رئة الخشبة

بات من المتفق عليه، أن نجاح أي عرض مسرحي، لابد له من عناصر أساسية ومهمة، تتضافر جميعاً لإنجاحه، ومنها موضوع التأليف المسرحي، الذي لابد له هو الآخر من مكونات أساسية؛ يتفق المسرحيون على ضرورتها لكي يكون التأليف ذا دور ناجع في إنجاح العرض، والتأليف يرتبط بكاتب النص الذي لابد له هو الآخر من صفات خاصة؛ حتى يستحق لقب مؤلف مسرحي، بمعنى قدرته على إنجاز صياغة فنية صالحة للعرض المسرحي، ومن ذلك مثلاً إلمام المؤلف بحرفة الكتابة المسرحية، ومضمون العمل الذي يقدمه، وضرورة أن يكون هذا المؤلف واعياً للموازنة بين الشكل والمضمون، شرط ألّا يطغى أحدهما على الآخر.
من هنا، تُناط بالمؤلف المسرحي مهمات عسيرة، أولاها الثقافة المسرحية الشاملة، فلابد لهذا المؤلف من أن يكون قارئاً لعدد كبير من النصوص والتجارب العالمية في المسرح في مختلف العصور، وقادراً على استيعاب هذه النصوص تبعاً لمآلاتها في العروض المسرحية على الخشبة، وهذه المهمة لا تتوقف عند حدود الموهبة فقط، بل يجب أن تسند بثقافة أكاديمية، مما يساعده على توسيع مداركه وخبراته لكي يكتب نصاً ناجحاً وصالحاً للعرض، وهو ما يفترض في المؤلف أن يكون ذا رؤية واضحة، يعبر عنها من خلال فكرة النص في جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والإنسانية بوجه عام.
ينظر كثير من النقاد لعنصر التأليف المسرحي، بوصفه الأكثر استقراراً وثباتاً، ذلك لأن أساليب الإخراج والتمثيل والتصميم تختلف باختلاف العصور والأمكنة، بل وتوجهات القائمين على النشاط المسرحي، وهم يرون أن أساليب التأليف المسرحي وأنواعه، تتشكل تبعاً لهدف الكاتب ومفهومه لمضمون المادة المسرحية بالتوازي مع المعالجة الفنية والدرامية لهذا النص.
حرفة الكتابة، هي واحدة من الشروط المهمة الواجب توفرها في كاتب النص، ناهيك عن ضرورة فهم كاتب النص للزمن الذي يعيش فيه، وهو شرط أساسي ومهم يساعد المؤلف المسرحي على صياغة نصه وفق مؤثرات البيئة التي يعيش فيها، وأن يكون بالتالي ذا فهم واعٍ؛ يفصل بين الزمنين الواقعي والمتخيل، الواقعي كما هو في واقع الحياة، والافتراضي كما هو على الخشبة، وهي مهمات عسيرة كما قلنا، تنجح من خلالها العروض وتخفق إذا كانت معاً النصوص المقدمة مرتجلة أو مكتوبة بسرعة، ومن دون وعي يليق بالعملية المسرحية من ألفها إلى يائها.
تتألف عناصر التأليف المسرحي، من ستة بنود رئيسية هي: الفكرة الرئيسية أو «الثيمة» والشخصية، والحبكة والحوار والصراع والإيقاع.
في الإمارات، ثمة قائمة كبيرة ومتميزة من كتاب المسرح، الذين تنطبق عليهم ميزة التأليف المحترف، ممن يعايشون شخصياتهم التي يرسمونها، يتصورون ملامحها وشكلها، ومستواها الاجتماعي، وبعدها النفسي سواء كانت الشخصية المسرحية أساسية أو حتى ثانوية، هؤلاء بالنسبة إلى ما كتبه نقاد ومؤلفو المسرح في الوطن العربي وفي العالم، انخرطوا في الكتابة بوصفها تحمل قيمة فكرية وإنسانية كبيرة، وبوصفها علاجاً نفسياً لمشكلات العصر الذي يعيشون فيه، وكانوا الأقرب إلى رصد قضاياه وهمومه والأكثر استشرافاً للأحداث التي تقع فيه.
تطول قائمة كتّاب المسرح في الإمارات؛ وهم ممن حصلوا على جوائز كثيرة في الإمارات والخليج وأيضاً في الوطن العربي، لتشمل، على سبيل المثال، أعمالاً مهمة لكل من إسماعيل عبدالله: «غصيت بيك يا ماي»، و«ليلة مقتل العنكبوت» و«مجاريح»، و«حرب النعل»، «لا تقصص رؤياك»، و«اللوال»، و«زهرة مهرة»، والقائمة تشمل كذلك الكاتب المتميز ناجي الحاي: «حبة رمل»، و«بنت عيسى»، و«خرزة الجن»، و«زكريا حبيبي»، و«ما كان لأحمد بنت سليمان»، و«سفر العميان»، كما تضم صاحب السيرة المسرحية التي دمجت بين التمثيل والكتابة الفنان عبدالله صالح وأعماله: «عندما تتنفس الصخور»، و«غناوي بن سيف»، و«ترنيمة الحلم الأخير»، و«إذا فات الفوت» و«السردال» وغيرها.
ختاماً؛ فإن مهمة التأليف المسرحي، لابد وأن تتميز بقوة الخيال والقدرة على بناء الشخصيات المسرحية، وأن تكون ذات جدوى في مضامينها وتشكيلاتها الجمالية والبصرية، وأن توسع من دائرة التذوق الفني، وتساعد المتفرج على طرح الأسئلة، وتنمية مهارات التلقي عنده.

 

عثمان حسن:

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *